فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وإذا صاحبه له يدل على اشتركهما في التمر كما ترى. وهذا الذي ذكرنا جوازه من خلط الرفقاء طعامهم وأكلهم منه جميعًا- هو مراد البخاري رحمه الله بلفظ النهد في قوله: كتاب الشركة. الشركة في كالطعام والنهد- إلى قوله- لم ير المسلمون في النهد بأسًا أن يأكل هذا بعضًا وهذا بعضًا إلخ.
فروع تتعلق بمسألة الشركة:
الأول- إن دفع شخص دابته لآخر ليعمل عليها وما يرزق الله بينهما نصفين أو أثلاثًا أو كيفما شرطا- ففي صحة ذلك خلاف بين العلماء، فقال بعضهم: يصح ذلك. وهو مذهب الإمام أحمدن ونقل نحوه عن الأوزاعي. وقال بعضهم لا يصح ذلك، وما حصل فهو العامل وعليه أجرة مثل الدابة. وهذا هو مذهب مالك: قال ابن قدامة في المغني: وكره ذللك الحسن والنخعي. وقال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي: لا يصح، والربح كله لرب الدابة، وللعامل أجرة مثله، هذا حاصل كلام أهل العلم في هذه المسألة.
واقوى الأقوال دليلًا عندي فيها- مذهب مالك: من أجاز ذلك، كالإمام أحمد، بدليل حديث رويفع بن ثابت قال: إن كان أحدنا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأخذ نضو أخيه على أن له النصف مما يغنم ولنا النصف، وإن كان أحدنا لطير له النصل والريش وللآخر القدح. هذا الحديث أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي. قال الشوكاني في نيل الأوطار: إسناد ابي داود فيه شيبان بن أمية القتباني وهو مجهول، وبقية رجاله ثقات. وقد أخرجه النسائي من غير طريق هذا المجهول بإسناد رجاله كهلم ثقات. والحديث دليل صريح على جواز دفع الرجل إلى الآخر راحلته في الجهاد على أن تكون الغنيمة بينهما. وهم عمل على الدابة على أنما يرزقه الله بينهما كما ترى. والتفريق بين العمل في الجهاد وبين غيره لا يظهر. والعلم عند الله تعالى.
الفرع الثاني- أن يشترك ثلاثة: من أحدهم ومن آخر رواية، ومن الثالث العمل: على أن ما رزقه الله تعالى فهو بينهم، فهل يجوز هذا؟ اختلف في ذلك. فمن العلماء من قال لا يجوز هذا. وهو مذهب مالك، وهو ظاهر قول الشافعي: وممن قال بذلك: القاضي من الحنابلة وأجازه بعض الحنابلة. وقال ابن قدامه في المغني: إنه صحيح في قياس قول أحمد رحمه الله.
الفرع الثالث- أن يشترك أربعة: من أحدهم دكان، ومن آخر رحى، ومن آخر بغل، ومن الرابع العمل، على أن يطحنوا بذلك، فما رزقه الله تعالى فهو بينهم فهل يصح ذلك أو لا. اختلف فيه، فقيل: يصح ذلك وهو مذهب الإمام أحمد. وخالف فيه القاضي من الحنابلة وفاقًا للقائلين بمن ذلك كالمالكية.
قال ابن قدامة: ومنعه هو ظاهر قول الشافعي. لأن هذا لا يجوز أن يكون مشاركة ولا مضاربة: فلو كان صاحب الرحى، وصاحب الدابة، وصاحب الحانوت اتفقوا على أن يعملوا جميعًا وكان كراء الحانوت والرحى والدابة متساويًا، وعمل أربابها متساويًا فهو جائز عند المالكية.. وهذه المسألة هي ألتي أشار إليها خليل في مختصره بقوله عاطفًا على ما لا يجوز: وذي رحًا، وذي بيت، وذي داب ليعلموا إن لم يتساو الكراء وتساووا في الغلة وترادوا الأكربة. وإن اشترط عمل رب الدابة فالغلة له وعليه كراؤهما. ولا يخفى أن الشركة باب كبير من أبواب الفقه، وأن مسائلها مبينة باستقصاء في كتب فروع الأئمة ومعانيها اللغوية والاصطلاحية، واختلاف العلماء فيها. وبيان أقوالهم، وذكر بعض فروعها تنبيها بها على غيرها، وقد أتينا على جميع ذلك. والحمد لله رب العالمين.
{إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)}.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة عن أصحاب الكهف- أنهم قالوا إن قومهم الكفار الذين فروا منهم بدينهم إن يظهروا عليهم، أي يطلعوا عليهم ويعرفوا مكانهم، يرجموهم بالحجارة، وذلك من اشنع أنواع القتل. وقيل: يرجموهم بالشتم والقذف، أو يعيدوهم في ملتهم، أي يردوهم إلى ملة الكفر:
وهذا الذي ذكره هنا من فعل الكفار مع المسلمين- من الأذى أو الرد إلى الكفر- ذكر في مواضع أخر أ، هو فعل الكفار مع الرسل وأتباعهم. كقوله جل وعلا: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [إبراهيم: 13]، وقوله تعالى: {قَالَ الملأ الذين استكبروا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ ياشعيب والذين آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ قَدِ افترينا عَلَى الله كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا الله مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله} [الأعراف: 89] الآية، وقوله تعالى: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حتى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُواْ} [البقرة: 217] إلى غير ذلك من الآيات.
مسألة:
أخذ بعض العلماء من هذه الآية الكريمة أن العذر بالإكراه من خصائص هذه الأمة، لأن قوله عن أصحاب الكهف {إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ} ظاهر في إكراههم على ذلك وعدم طواعيتهم، ومع هذا قال عنهم: {وَلَن تفلحوا إِذًا أَبَدًا} فدل ذلك على أن ذلك الإكراه ليس بعذر. ويشهد لهذا المعنى حديث طارق بن شهاب في الذي دخل النار في ذباب قربه مع الإكراه بالخوف من القتل. لأن صاحبه الذي امتنع أن يقرب ولو ذبابًا قتلوه.
ويشه له أيضًا دليل الخطاب، أي مفهوم المخالفة في قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» فإنه يفهم من قوله: «تجاوز لي عن أمتي» أن غير أمته من الأمم لم يتجاوز لهم عن ذلك. وهذا الحديث وإن أعله الإمام أحمد وابن أبي حاتم فقد تلقاه العلماء قديمًا وحديثًا بالقبول، وله شواهد ثاتبتة في القرآن العظيم والسنة الصحيحة. وقد أوضحنا هذه المسالة في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب في سورة الكهف، في الكلام على قوله: {إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ} الآية. ولذلك اختصرناها هنا. أما هذه الأمة فقد صرح الله تعالى بعذرهم بالإكراه في في قوله: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان} [النحل: 106] والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: {قَالَ الذين غَلَبُواْ على أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِدًا}.
لم يبين الله هنا من هؤلاء الذين غلبوا على أمرهم، هل هم من المسلمين أو من الكفار؟ وذكر ابن جرير وغيره فيهم قولين: أحدهما- أهم كفار، والثاني- أنهم مسلمون، وهي قولهم: {لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِدًا} لأن اتخاذ المساجد من صفات المؤمنين لا من صفات الكفار. هكذا قال بعض أهل العلم. والقائل أن يقول: اتخاذ المساجد على القبور من فعل الملعونين على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا من فعل المسلمين، وقد قدمنا ذلك مستوفى بأدلته في سورة: الحجر في الكلام على قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحجر المرسلين} [الحجر: 80]. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ}.
قوله: {بَعَثْنَاهُمْ} أي: أيقظناهم من نومهم؛ لأن نومهم الطويل الذي استغرق ثلاثمائة سنة وتِسْعًا أشبه الموت، فقال: {بَعَثْنَاهُمْ}، والبعْثُ هنا لقضية خاصة بهم، وهي أنْ يسأل بعضهم بعضًا عن مُدّة لُبْثهم في الكهف، وقد انقسموا في سؤالهم هذا إلى فريقين الفريق الأول: {قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ} [الكهف: 19] فَردَّ الفريق الآخر بما تقضيه طبيعة الإنسان في النوم العادي فقال: {قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [الكهف: 19] فالإنسان لا يستطيع تقدير مدّة نومه بالضبط، لكن المعتاد في النوم أن يكون كذلك يومًا أو بعض يوم.
وقد أخذ العلماء من هذا القول أنهم حين تساءلوا هذا السؤال لم يجدوا في ذواتهم شيئًا يدلُّ على مرور زمن طويل، حيث وجدوا أنفسهم على الحال التي ناموا عليها، فلم يتغير مثلًا حالهم من الشباب إلى الشيخوخة، ولم يتغير شعرهم مثلًا إلى البياض؛ لذلك قالوا: لبثنا يومًا أو بعض يوم، ولو وجدوا أنفسهم شيبًا لقدَّروا الزمن المناسب لهذا الشيب.
وهذه وقفة المشدوه حين يُسْأل عن زمن لا يدري مُدته، إنه طويل عند الله إنما قصير عنده، وهذا كقوله تعالى في سورة البقرة: {قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِاْئَةَ عَامٍ فانظر إلى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وانظر إلى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً لِلنَّاسِ} [البقرة: 259].
لقد حكم على مُدّة لُبْثه بيوم أو بعض يوم؛ لأنه وجد نفسه على الحال التي عهدها لم يتغير منه شيء، فكيف يتأتّى الصدق من الحق سبحانه في قوله: {مائة عام} والصدق في قول العُزَيْر بيوم أو بعض يوم؟
لا شكَّ أننا أمام آية من آيات الخالق سبحانه، ومعجزة من معجزاته لا يقدر عليها إلا المالك للزمان والمكان، القابض للزمان ليوم أو بعض يوم، الباسط له إلى مائة عام.
لذلك أظهر الخالق سبحانه في هذه المعجزة الدليل على صدق القولين: ففي طعام العُزَير الذي ظلَّ على حاله طازجًا لم يتغير دليل على يوم أو بعض يوم، وفي حماره الذي رآه عظامًا بالية دليل على المائة عام، فسبحان الذي يجمع الشيء وضده في آن واحد.
ثم يقول تعالى حكاية عنهم: {قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} [الكهف: 19] وهو قَوْل الجماعة الذين أرادوا إنهاء الخلاف في هذه المسألة، فقالوا لإخوانهم: دعونا من هذه القضية التي لا تفيد، واتركوا أمرها لله تعالى. ودائمًا يأمرنا الحق سبحانه بأنْ ننقلَ الجدل من شيء لا ننتهي فيه إلى شيء، ونُحوله للأمر المثمر النافع؛ لذلك قالوا: {فابعثوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذه إلى المدينة فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أزكى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} [الكهف: 19].
والوَرِق يعني العملة من الفضة، فأرادوا أنْ يرسلوا أحدهم بما معهم من النقود ليشتري لهم من المدينة طعامًا؛ لأنهم بمجرد أن استيقظوا انتهت حالتهم الاستثنائية، وعادوا إلى طبيعتهم؛ لذلك طلبوا الطعام، لكن نلحظ هنا أن الجوع لم يحملهم على طلب مطلق الطعام، بل تراهم حريصين على تزكية طعامهم واختيار أَطيبه وأَطْهره، وأبعده عن الحرام.
وكذلك لم يَفُتْهم أنْ يكونوا على حذر من قومهم، فَمْن سيذهب منهم إلى هذه المهمة عليه أن يدخل المدينة خِلْسة، وأن يتلطف في الأمر حتى لا يشعر به أحد من القوم، ذلك لأنهم استيقظوا على الحالة التي ناموا عليها، وما زالوا على حَذَر من قومهم يظنون أنهم يتتبعونهم ويبحثون عنهم، ويسعَوْن للقضاء عليهم.
ثم يقول الحق سبحانه: {إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ}.
{إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)}.
وهذا احتياط منهم للدين، وحماية للعقيدة التي فَرُّوا بها. فإن يرجموكم فسينتصرون عليكم في الدنيا، إنما ستأخذون الآخرة، وإن ردوكم إلى دينهم، فلن تفلحوا في الدنيا ولا في الآخرة.
ثم يقول الحق سبحانه: {وكذلك أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ ليعلموا}.
في قوله تعالى: {وكذلك أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ ليعلموا أَنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ وَأَنَّ الساعة لاَ رَيْبَ فِيهَا} [الكهف: 21] يقيم من أهل الكهف دليلًا على قيام الساعة والبعث بعد الموت، فها أنتم ما زِلْتم على قَيْد الحياة وفي سَعَة الدنيا، ومع ذلك أنامكم الله هذه النَّوْمة الطويلة ثم بعثكم وقد عُثِر عليهم، وما زالت فيهم حياة.
ثم يقول تعالى: {إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُواْ ابنوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ} [الكهف: 21] حدث هذا التنازع من الجماعة الذين عثروا عليهم، ويبدو أنهم كانوا على مِسْحة من الدين، فأرادوا أنْ يحافظوا على هذه الآية الإلهية، ويصحّ أنهم بمجرد أنْ عثروا عليهم قضى أجلهم فماتوا.
وهذه مسألة يجب أن يُؤرّخ لها، وأن تخلد؛ لذلك جعلوها مثلًا شَرُودًا للعالم كله لتُعرف قصة هؤلاء الفتية الذين ضَحَّوْا في سبيل عقيدتهم وفَرُّوا بدينهم من سَعَة الحياة إلى ضيق الكهف؛ ليكونوا مثلًا لكل أهل العقيدة، ودليلًا على أن الله تعالى ينصر أهله ويدافع عنهم ويُخلِّد ذكراهم إلى قيام الساعة.
لذلك قال بعضهم لبعض: {ابنوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا} [الكهف: 21] أي: مطلق البنيان، فعارضهم آخرون بأن البناء يجب أن يكون مسجدًا: {قَالَ الذين غَلَبُواْ على أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِدًا} [الكهف: 21] ليكون موضعًا للسجود لله وللعبادة ليتناسب مع هذه الآية العظيمة الخالدة.
ثم تحدَّث الحق سبحانه عن الاختلاف التي نشأت عن فضول الناس لمعرفة عدد أهل الكهف، وما يتعلَّق بهم من تفصيلات هي في حقيقتها عِلْم لا ينفع وجَهْل لا يضر، فقال تعالى: {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ}. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ}.
قوله: {وَتَرَى الشمس إِذَا طَلَعَت} شرع سبحانه في بيان حالهم، بعد ما أووا إلى الكهف.
{تَّزَاوَرُ} قرأ أهل الكوفة بحذف تاء التفاعل، وقرأ ابن عامر {تزور} قال الأخفش: لا يوضع الازورار في هذا المعنى، إنما يقال هو مزورّ عني، أي: منقبض.
وقرأ الباقون بتشديد الزاي وإدغام تاء التفاعل فيه بعد تسكينها، وتزاور مأخوذ من الزور بفتح الواو، وهو الميل، ومنه زاره إذا مال إليه، والزور: الميل، فمعنى الآية: أن الشمس إذا طلعت تميل وتتنحى {عَن كَهْفِهِمْ} قال الراجز الكلبي:
جاب المندّا عن هوانا أزور

أي: مائل {ذَاتَ اليمين} أي: ناحية اليمين، وهي الجهة المسماة باليمين، وانتصاب {ذات} على الظرف، {وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ} القرض: القطع.
قال الكسائي والأخفش والزجاج وأبو عبيدة: تعدل عنهم وتتركهم، قرضت المكان: عدلت عنه، تقول لصاحبك: هل وردت مكان كذا؟ فيقول: إنما قرضته: إذا مرّ به وتجاوز عنه، والمعنى: أن الشمس إذا طلعت مالت عن كهفهم ذات اليمين، أي: يمين الكهف، وإذا غربت تمرّ {ذَاتَ الشمال} أي شمال الكهف لا تصيبه.