فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



بل تعدل عن سمته إلى الجهتين، والفجوة: المكان المتسع، وجملة: {وَهُمْ في فَجْوَةٍ مّنْهُ} في محل نصب على الحال، وللمفسرين في تفسير هذه الجملة قولان: الأوّل: أنهم مع كونهم في مكان منفتح انفتاحًا واسعًا في ظلّ جميع نهارهم لا تصيبهم الشمس في طلوعها ولا في غروبها، لأن الله سبحانه حجبها عنهم.
والثاني: أن باب ذلك الكهف كان مفتوحًا إلى جانب الشمال، فإذا طلعت الشمس كانت عن يمين الكهف، وإذا غربت كانت عن يساره، ويؤيد القول الأوّل قوله: {ذلك مِنْ آيات الله} فإن صرف الشمس عنهم مع توجه الفجوة إلى مكان تصل إليه عادة أنسب بمعنى كونها آية، ويؤيده أيضًا إطلاق الفجوة وعدم تقييدها بكونها إلى جهة كذا، ومما يدلّ على أن الفجوة المكان الواسع قول الشاعر:
ألبست قومك مخزاة ومنقصة ** حتى أبيحوا وخلوا فجوة الدار

ثم أثنى سبحانه عليهم بقوله: {مَن يَهْدِ الله} أي: إلى الحق {فَهُوَ المهتد} الذي ظفر بالهدى وأصاب الرشد والفلاح {وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّا مُّرْشِدًا} أي: ناصرًا يهديه إلى الحق كدقيانوس وأصحابه.
ثم حكى سبحانه طرفًا آخر من غرائب أحوالهم فقال: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا} جمع يقظ بكسر القاف وفتحها {وَهُمْ رُقُودٌ} أي: نيام، وهو جمع راقد كقعود في قاعد.
قيل: وسبب هذا الحسبان أن عيونهم كانت مفتحة وهم نيام.
وقال الزجاج: لكثرة تقلبهم {وَنُقَلّبُهُمْ ذَاتَ اليمين وَذَاتَ الشمال} أي: نقلبهم في رقدتهم إلى الجهتين لئلا تأكل الأرض أجسادهم {وَكَلْبُهُمْ باسط ذِرَاعَيْهِ} حكاية حال ماضية، لأن اسم الفاعل لا يعمل إذا كان بمعنى المضيّ كما تقرر في علم النحو.
قال أكثر المفسرين: هربوا من ملكهم ليلًا، فمرّوا براع معه كلب فتبعهم.
والوصيد، قال أبو عبيد وأبو عبيدة هو فناء الباب، وكذا قال المفسرون، وقيل: العتبة، وردّ بأن الكهف لا يكون له عتبة ولا باب، وإنما أراد أن الكلب موضع العتبة من البيت {لَوِ اطلعت عَلَيْهِمْ لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا} قال الزجاج: فرارًا منصوب على المصدرية بمعنى: التولية، والفرار: الهرب {وَلَمُلِئْتَ} قرئ بتشديد اللام وتخفيفها {مِنْهُمْ رُعْبًا} قرئ بسكون العين وضمها أي: خوفًا يملأ الصدر، وانتصاب {رعبًا} على التمييز، أو على أنه مفعول ثانٍ، وسبب الرّعب الهيبة التي ألبسهم الله إياها، وقيل: طول أظفارهم وشعورهم وعظم أجرامهم ووحشة مكانهم، ويدفعه قوله تعالى: {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} فإن ذلك يدل على أنهم لم ينكروا من حالهم شيئًا، ولا وجدوا من أظفارهم وشعورهم ما يدل على طول المدّة.
{وكذلك بعثناهم لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ} الإشارة إلى المذكور قبله أي: وكما فعلنا بهم ما فعلنا من الكرامات بعثناهم من نومهم، وفيه تذكير لقدرته على الإماتة والبعث جميعًا، ثم ذكر الأمر الذي لأجله بعثهم فقال: ليتساءلوا بينهم أي: ليقع التساؤل بينهم والاختلاف والتنازع في مدة اللبث لما يترتب على ذلك من انكشاف الحال وظهور القدرة الباهرة، والاقتصار على علة التساؤل لا ينفي غيرها، وإنما أفرده لاستتباعه لسائر الآثار، وجملة {قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ} مبينة لما قبلها من التساؤل أي: كم مدّة لبثكم في النوم؟ قالوا ذلك لأنهم رأوا في أنفسهم غير ما يعهدونه في العادة {قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} أي: قال بعضهم جوابًا عن سؤال من سأل منهم، قال المفسرون: إنهم دخلوا الكهف غدوة، وبعثهم الله سبحانه آخر النهار، فلذلك قالوا يومًا، فلما رأوا الشمس قالوا أو بعض يوم، وكان قد بقيت بقية من النهار، وقد مرّ مثل هذا الجواب في قصة عزير في البقرة.
{قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} أي: قال البعض الآخر هذا القول، إما على طريق الاستدلال، أو كان ذلك إلهامًا لهم من الله سبحانه، أي: أنكم لا تعلمون مدّة لبثكم، وإنما يعلمها الله سبحانه {فابعثوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذه إلى المدينة} أعرضوا عن التحاور في مدّة اللبث، وأخذوا في شيء آخر، كأنه قال القائل منهم: اتركوا ما أنتم فيه من المحاورة، وخذوا في شيء آخر مما يهمكم، والفاء: للسببية، والورق: الفضة مضروبة أو غير مضروبة.
وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي وحفص عن عاصم بكسر الراء، وقرأ أبو عمرو وحمزة، وأبو بكر عن عاصم بسكونها، وقرئ بكسر الراء وإدغام القاف في الكاف.
وقرأ ابن محيصن بكسر الواو وسكون الراء.
وفي حملهم لهذه الورق معهم دليل على أن إمساك بعض ما يحتاج إليه الإنسان لا ينافي التوكل على الله، والمدينة: دقسوس، وهي مدينتهم التي كانوا فيها، ويقال لها اليوم: طرسوس، كذا قال الواحدي: {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أزكى طَعَامًا} أي: ينظر أيّ أهلها أطيب طعامًا، وأحلّ مكسبًا، أو أرخص سعرًا، وقيل: يجوز أن يعود الضمير إلى الأطعمة المدلول عليها في المقام كما يقال: زيد طبت أبا، على أن الأب هو زيد، وفيه بعد.
واستدل بالآية على حلّ ذبائح أهل الكتاب لأن عامة أهل المدينة كانوا كفارًا، وفيهم قوم يخفون إيمانهم، ووجه الاستدلال أن الطعام يتناول اللحم كما يتناول غيره مما يطلق عليه اسم الطعام {وَلْيَتَلَطَّفْ} أي: يدقق النظر حتى لا يعرف أو لا يغبن، والأوّل أولى، ويؤيده {وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} أي: لا يفعلنّ ما يؤدي إلى الشعور ويتسبب له، فهذا النهي يتضمن التأكيد للأمر بالتلطف.
ثم علل ما سبق من الأمر والنهي فقال: {إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ} أي: يطلعوا عليكم ويعلموا بمكانكم، يعني: أهل المدينة {يَرْجُمُوكُمْ} يقتلوكم بالرجم، وهذه القتلة هي أخبث قتلة.
وكان ذلك عادة لهم، ولهذا خصه من بين أنواع ما يقع به القتل {أَوْ يُعِيدُوكُمْ في مِلَّتِهِمْ} أي: يردّوكم إلى ملتهم التي كنتم عليها قبل أن يهديكم الله، أو المراد بالعود هنا: الصيرورة على تقدير أنهم لم يكونوا على ملتهم، وإيثار كلمة {في} على كلمة إلى للدلالة على الاستقرار {وَلَن تُفْلِحُواْ إِذًا أَبَدًا} في إذًا معنى الشرط.
كأنه قال: إن رجعتم إلى دينهم فلن تفلحوا إذًا أبدًا، لا في الدنيا ولا في الآخرة.
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {تَّزَاوَرُ} قال: تميل، وفي قوله: {تَّقْرِضُهُمْ} قال: تذرهم.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {تَّقْرِضُهُمْ} قال: تتركهم، {وَهُمْ في فَجْوَةٍ مّنْهُ} قال: المكان الداخل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير، قال: الفجوة: الخلوة من الأرض، ويعني بالخلوة: الناحية من الأرض.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {وَنُقَلّبُهُمْ} الآية قال: ستة أشهر على ذي الجنب اليمين، وستة أشهر على ذي الجنب الشمال.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن سعيد بن جبير في الآية قال: كي لا تأكل الأرض لحومهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد أن اسم كلبهم: قطمورا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: اسمه قطمير.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله: {بالوصيد} قال: بالفناء.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه قال: بالباب.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضًا في قوله: {أزكى طَعَامًا} قال: أحلّ ذبيحة، وكانوا يذبحون للطواغيت.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه {أزكى طَعَامًا} يعني: أطهر، لأنهم كانوا يذبحون للطواغيت. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ}.
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {تزاور} قال: تميل. وفي قوله: {تقرضهم} قال: تذرهم.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {تقرضهم} قال: تتركهم {وهم في فجوة منه} قال: المكان الداخل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {وهم في فجوة منه} قال: يعني بالفجوة، الخلوة من الأرض. ويعني بالخلوة، الناحية من الأرض.
وأخرج ابن المنذر عن أبي مالك في قوله: {وهم في فجوة منه} قال: في ناحية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة {وتحسبهم} يا محمد {أيقاظًا وهم رقود} يقول: في رقدتهم الأولى {ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال} قال: وهذا التقليب في رقدتهم الأولى، كانوا يقلبون في كل عام مرة.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه، عن ابن عباس في قوله: {ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال} قال: ستة أشهر على ذي الجنب، وستة أشهر على ذي الجنب.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عياض في قوله: {ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال} قال: في كل عام مرتين.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {ونقلبهم} قال: في التسع سنين ليس فيما سواه.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر، عن سعيد بن جبير في قوله: {ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال} قال: كي لا تأكل الأرض لحومهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وكلبهم} قال: اسم كلبهم قطمور.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: اسم كلب أصحاب الكهف، قطمير.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: قلت لرجل من أهل العلم: زعموا أن كلبهم كان أسدًا، قال: لعمر الله ما كان أسدًا، ولكنه كان كلبًا أحمر خرجوا به من بيوتهم يقال له، قطمور.
وأخرج ابن أبي حاتم عن كثير النواء قال: كان كلب أصحاب الكهف أصفر.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سفيان قال: قال رجل بالكوفة يقال له: عبيد وكان لا يتهم بكذب، قال: رأيت كلب أصحاب الكهف أحمر كأنه كساء انبجاني.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق جويبر، عن عبيد السواق قال: رأيت كلب أصحاب الكهف صغيرًا، باسطًا ذراعيه بفناء باب الكهف، وهو يقول: هكذا يضرب بأذنيه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبدالله بن حميد المكي في قوله: {وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد} قال: جعل رزقه في لحس ذراعيه.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طرق، عن ابن عباس في قوله: {بالوصيد} قال: بالفناء.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر، عن ابن عباس في قوله: {بالوصيد} قال: بالباب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية في قوله: {بالوصيد} قال: بفناء باب الكهف.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير في قوله: {بالوصيد} قال: بالصعيد.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد} قال: ممسك عليهم باب الكهف.
وأخرج ابن أبي حاتم عن شهر بن حوشب رضي الله عنه قال: كان لي صاحب شديد النفس، فمر بجانب كهفهم فقال: لا أنتهي حتى أنظر إليهم، فقيل له: لا تفعل... أما تقرأ: {لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارًا ولملئت منهم رعبًا} فأبى إلا أن ينظر، فأشرف عليهم فابيضت عيناه وتغير شعره، وكان يخبر الناس بعد يقول: عدتهم سبعة.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {أزكى طعامًا} قال: أحل ذبيحة، وكانوا يذبحون للطواغيت.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر، عن ابن عباس في قوله: {أزكى طعامًا} يعني، أطهر؛ لأنهم كانوا يذبحون الخنازير.
{وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21)}.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وكذلك أعثرنا عليهم} قال: أطلعنا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: دعا الملك شيوخًا من قومه فسألهم عن أمرهم فقالوا: كان ملك يدعى دقيوس، وإن فتية فُقِدُوا في زمانه، وأنه كتب أسماءهم في الصخرة التي كانت عند باب بالمدينة. فدعا بالصخرة فقرأها فإذا فيها أسماؤهم، ففرح الملك فرحًا شديدًا وقال: هؤلاء قوم كانوا قد ماتوا فبعثوا، ففشا فيهم أن الله يبعث الموتى. فذلك قوله: {وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها} فقال الملك: لأتخذن عند هؤلاء القوم الصالحين مسجدًا، فلأعبدن الله فيه حتى أموت. فذلك قوله: {قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدًا}.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {قال الذين غلبوا على أمرهم} قال: هم الأمراء، أو قال: السلاطين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: بنى عليهم الملك بيعة فكتب في أعلاها أبناء الأراكنة أبناء الدهاقين. اهـ.