فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

{سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ}.
الضمير في قوله: {سيقولون} يراد به أهل التوراة، من معاصري محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أنهم اختلفوا في عدد أهل الكهف هذا الاختلاف المنصوص، وقرأ الجمهور الجمهور: {ثلاثة}، وقرأ ابن محيصن {ثلاث} بإدغام التاء في الثاء، وقرأ شبل عن ابن كثير {خمَسة} بفتح الميم إتباعًا لعشرة، وقرأ ابن محيصن {خِمِسة} بكسر الخاء والميم، وقوله: {رجمًا بالغيب} معناه ظنًا، وهو مستعار من الرجم، كأن الإنسان يرمي الموضع المشكل المجهول عنده بظنه المرة بعد المرة، يرجمه به عسى أن يصيب، ومن هذا هو الترجمان وترجمة الكتاب، ومنه قول زهير: الطويل:
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتمُ ** وما هو عنها بالحديث المرجم

والواو في قوله: {وثامنهم} طريق النحويين فيها أنها واو عطف دخلت في آخر إخبار عن عددهم، لتفصل أمرهم، وتدل على أن هذا نهاية ما قيل، ولو سقطت لصح الكلام. وتقول فرقة منها ابن خالويه: هي واو الثمانية، وذكر ذلك الثعلبي عن أبي بكر بن عياش أن قريشًا كانت تقول في عددها ستة سبعة وثمانية تسعة، فتدخل الواو في الثمانية.
قال القاضي أبو محمد: وقد تقدم شرحها، وهي في القرآن في قوله: {الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر} [التوبة: 112] وفي قوله: {وفتحت} [النبأ: 19]، وأما قوله تعالى: {ثيبات وأبكارًا} [التحريم: 5]، وقوله: {سبع ليال وثمانية أيام} [الحاقة: 7] فتوهم في هذين الموضعين أنها واو الثمانية وليست بها بل هي لازمة لا يستغني الكلام عنها، وقد أمر الله تعالى نبيه عليه السلام في هذه الآية أن يرد علم {عدتهم} إليه عز وجل، ثم أخبر أن عالم ذلك من البشر قليل، والمراد به قوم من أهل الكتاب، وكان ابن عباس يقول: أنا من ذلك القليل، وكانوا سبعة وثامنهم كلبهم، ويستدل على هذا من الآية: بأن القرآن لما حكى قول من قال ثلاثة وخمسة قرن بالقول أنه رجم بالغيب فقدح ذلك فيها، ثم حكى هذه المقالة ولم يقدح فيها بشيء، بل تركها مسجلة، وأيضًا فيقوي ذلك على القول بواو الثمانية لأنها إنما تكون حيث عدد الثمانية صحيح، وقوله تعالى: {فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرًا} معناه على بعض الأقوال، أي بظاهر ما أوحيناه إليك، وهو رد علم عدتهم إلى الله تعالى، وقيل معنى الظاهر أن يقول ليس كما تقولون، ونحو هذا، ولا يحتج هو على أمر مقرر في ذلك فإن ذلك يكون مراء في باطن من الأمر، وقال التبريزي: {ظاهرًا} معناه ذاهبًا، وأنشد:
وتلك شكاة ظاهر عنك عارها

ولم يبح له في هذه الآية أن يماري، ولكن قوله: {إلا مراء} استعارة من حيث يماريه أهل الكتاب، سميت مراجعته لهم {مراء}، ثم قيد بأنه ظاهر، ففارق المراء الحقيقي المذموم.
والمراء مشتق من المرية، وهو الشك، فكأنه المشاككة، والضمير في قوله: {فيهم} عائد على أهل الكهف، وفي قوله: {منهم} عائد على أهل الكتاب المعاصرين، وقوله: {فلا تمار فيهم} يعني في عدتهم، وحذفت العدة لدلالة ظاهر القول عليها، وقوله: {ولا تقولن لشيء} الآية، عاتب الله تعالى فيها نبيه عليه السلام على قوله للكفار غدًا أخبركم بجواب أسئلتكم، ولم يستثن في ذلك، فاحتبس عنه الوحي خمسة عشر يومًا حتى شق ذلك عليه، وأرجف الكفار به، فنزلت عليه هذه السورة مفرجة، وأمر في هذه الآية أن يقول في أمر من الأمور: إني أفعل غدًا كذا وكذا إلا وأن يعلق ذلك بمشيئة الله عز وجل، واللام في قوله: {لشيء} بمنزلة في أو كأنه قال لأجل شيء، وقوله: {إلا أن يشاء الله} في الكلام حذف يقتضيه الظاهر، ويحسنه الإيجاز، تقديره: إلا أن تقول إلا أن يشاء الله، أو إلا أن تقول إن شاء الله، فالمعنى إلا أن تذكر مشيئة الله، فليس {إلا أن يشاء الله} من القول الذي نهي عنه وقالت فرقة: قوله: {إلا أن يشاء الله} استثناء من قوله: {ولا تقولن} وهذا قول حكاه الطبري ورد عليه، وهو من الفساد بحيث كان الواجب ألا يحكى، وقوله: {واذكر ربك إذا نسيت} قال ابن عباس والحسن معناه، والإشارة به إلى الاستثناء أي ولتستثن بعد مدة، إذا نسيت الاستثناء أولًا لتخرج من جملة من لم يعلق فعله بمشيئة الله، وقال عكرمة: المعنى واذكر ربك إذا غضبت، وتكلم الناس في هذه الآية في الاستثناء في اليمين، والآية ليست في الأيمان، وإنما هي في سنة الاستثناء في غير اليمين، ولكن من حيث تكلم الناس فيها، ينبغي أن نذكر شيئًا من ذلك، أما مالك رحمه الله وجميع أصحابه، فيما علمت، وكثير من العلماء، فيقولون لا ينفع الاستثناء ويسقط الكفّارة إلا أن يكون متصلًا باليمين، وقال عطاء له أن يستثني في قدر حلب الناقة الغزيرة، وقال قتادة إن استثنى قبل أن يقول أو يتكلم فله ثنياه، وقال ابن حنبل له الاستثناء ما دام في ذلك الأمر، وقاله ابن راهويه، وقال طاوس والحسن ينفع الاستثناء ما دام الحالف في مجلسه، وقال ابن جبير ينفع الاستثناء بعد أربعة أشهر فقط، وقال ابن عباس ينفع الاستثناء ولو بعد سنة، وقال مجاهد بعد سنتين، وقال أبو العالية ينفع أبدًا، واختلف الناس في التأويل على ابن عباس، فقال الطبري وغيره إنما أراد ابن عباس أنه ينفع في أن يحصل الحالف في رتبة المستثنين بعد سنة من حلفه، وأما الكفارة فلا تسقط عنه، قال الطبري ولا أعلم أحدًا يقول ينفع الاستثناء بعد مدة، يقول بسقوط الكفارة، قال ويرد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين ثم رأى غيرها خيرًا منها فليكفر وليأت الذي هو خير» فلو كان الاستثناء يسقط الكفارة لكان أخف على الأمة، ولم يكن لذكر الكفارة فائدة، وقال الزهراوي: إنما تكلم ابن عباس في أن الاستثناء بعد سنة لمن قال أنا أفعل كذا... لا لحالف أراد حل يمينه، وذهبت فرقة من الفقهاء إلى أن مذهب ابن عباس سقوط الكفارة وألزموا كل من يقول ينفع الاستثناء بعد مدة، إسقاط الكفارة، وردوا على القول بعد إلزامه، وليس الاستثناء إلا في اليمين بالله، لا يكون في طلاق ونحوه، ولا في مشي إلى مكة، هذا قول مالك وجماعة، وقال الشافعي وأصحاب الرأي وطاوس وحماد الاستثناء في ذلك جائز، وليس في اليمين الغموس استثناء ينفع، ولا يكون الاستثناء بالقول، وإنما يكون قولًا ونطقًا، وقوله: {وقل عسى} الآية، قال محمد الكوفي المفسر: إنها بألفاظها مما أمر أن يقولها كل من لم يستثن، وإنها كفارة لنسيان الاستثناء، وقال الجمهور هو دعاء مأمور به دون هذا التخصيص، وقرأ الجمهور: {يهديني} بإثبات الياء، وهي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو، وقرأ طلحة من مصرف دون ياء في الوصل، وهي قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي، والإشارة بهذا إلى الاستدراك الذي يقع من ناسي الاستثناء. وقال الزجاج المعنى عسى أن ييسر الله من الأدلة على نبوتي أقرب من دليل أصحاب الكهف.
قال القاضي أبو محمد: وما قدمته أصوب، أي عسى أن يرشدني فيما أستقبل من أمري وهذه الآية مخاطبة للنبي عليه السلام، وهي بعد تعم جميع أمته، لأنه حكم يتردد الناس بكثرة وقوعه والله الموفق. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {سيقولون ثلاثةُ}.
قال الزجاج: {ثلاثة} مرفوع بخبر الابتداء، المعنى: سيقول الذين تنازعوا في أمرهم: هم ثلاثةٌ.
وفي هؤلاء القائلين قولان.
أحدهما: أنهم نصارى نجران، ناظروا رسول الله صلى الله عليه وسلم في عِدَّة أهل الكهف، فقالت الملكيَّة: هم ثلاثة رابعهم كلبهم، وقالت اليعقوبية: هم خمسة سادسهم كلبهم، وقالت النسطورية: هم سبعة وثامنهم كلبهم، فنزلت هذه الآية، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثاني: أنهم أهل مدينتهم قبل ظهورهم عليهم، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: {رجمًا بالغيب} أي: ظنًّا غير يقين، قال زهير:
ومَا الحَرْبُ إِلاَّ ما علمْتُمْ وَذُقْتُمُ ** ومَا هُوَ عَنْهَا بالحَدِيثِ المُرَجَّمِ

فأما دخول الواو في قوله: {وثامنهم كلبهم} ولم تدخل فيما قبل هذا، ففيه أربعة أقوال.
أحدها: أن دخولها وخروجها واحد، قاله الزجاج.
والثاني: أن ظهور الواو في الجملة الثامنة دلالة على أنها مرادة في الجملتين المتقدمتين، فأعلم بذكرها هاهنا أنها مرادة فيما قبل، وإِنما حذفت تخفيفًا، ذكره أبو نصر في شرح اللمع.
والثالث: أن دخولها يدل على انقطاع القصة، وأن الكلام قد تمَّ، ذكره الزجاج أيضًا، وهو قول مقاتل بن سليمان، فإن الواو تدل على تمام الكلام قبلها، واستئناف ما بعدها؛ قال الثعلبي: فهذه واو الحكم والتحقيق، كأن الله تعالى حكى اختلافهم، فتم الكلام عند قوله: {ويقولون سبعة}، ثم حكم أن ثامنهم كلبهم.
وجاء في بعض التفسير أن المسلمين قالوا عند اختلاف النصارى: هم سبعة، فحقَّق الله قول المسلمين.
والرابع: أن العرب تعطف بالواو على السبعة، فيقولون: ستة، سبعة، وثمانية، لأن العقد عندهم سبعة، كقوله: {التائبون العابدون} إِلى أن قال في الصفة الثامنة: {والناهون عن المنكر} [التوبة: 112]، وقوله في صفة الجنة: {وفتحت أبوابها} [الزمر: 73] وفي صفة النار: [الزمر: 71]، لأن أبواب النار سبعة، وأبواب الجنة ثمانية، ذكر هذا المعنى أبو إِسحاق الثعلبي.
وقد اختلف العلماء في عددهم على قولين.
أحدهما: أنهم كانوا سبعة، قاله ابن عباس.
والثاني: ثمانية، قاله ابن جريج، وابن إِسحاق.
وقال ابن الأنباري: وقيل: معنى قوله: {وثامنهم كلبهم}: صاحب كلبهم، كما يقال: السخاء حاتم، والشِّعر زهير، أي: السخاء سخاء حاتم، والشِّعر شِعر زهير.
وأما أسماؤهم، فقال هُشَيْم: مكسلمينا، ويمليخا، وطَرينوس، وسَدينوس، وسَرينوس، ونَواسس، ويرانوس، وفي التفسير خلاف في أسمائهم فلم أُطل به.
واختلفوا في كلبهم لمن كان على ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه كان لراع مَرّوا به فتبعهم الراعي والكلب، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه كان لهم يتصيدون عليه، قاله عبيد بن عمير.
والثالث: أنهم مَرّوا بكلب فتبعهم، فطردوه، فعاد، ففعلوا ذلك به مرارًا، فقال لهم الكلب: ما تريدون مني؟! لا تخشوا جانبي أنا أُحِبُّ أَحِبَّاءَ الله، فناموا حتى أحرسَكم، قاله كعب الأحبار.
وفي اسم كلبهم أربعة أقوال.
أحدها: قطمير، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: اسمه الرقيم، وقد ذكرناه عن سعيد بن جبير.
والثالث: قطمور، قاله عبد الله بن كثير.
والرابع: حُمران، قاله شعيب الجبائي.
وفي صفته ثلاثة أقوال.
أحدها: أحمر، حكاه الثوري.
والثاني: أصفر، حكاه ابن إِسحاق.
والثالث: أحمر الرأس، أسود الظهر، أبيض البطن، أبلق الذنب، ذكره ابن السائب.
قوله تعالى: {ربّي أعلمُ بعدَّتهم} حرك الياء ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وأسكنها الباقون.
قوله تعالى: {ما يعلمهم إِلا قليل} أي: ما يعلم عددهم إِلا قليل من الناس.
قال عطاء: يعني بالقليل: أهل الكتاب.
قال ابن عباس: أنا من ذلك القليل، هم سبعة، إِن الله عدَّهم حتى انتهى إِلى السبعة.
قوله تعالى: {فلا تُمارِ فيهم إِلا مراءً ظاهرًا} قال ابن عباس، وقتادة: لا تُمارِ أحدًا، حسبك ما قصصتُ عليكَ من أمرهم.
وقال ابن زيد: لا تُمارِ في عِدَّتهم إِلا مراءً ظاهرًا أن تقول لهم: ليس كما تقولون، ليس كما تعلمون.
وقيل: {إِلا مراءً ظاهرًا} بحجة واضحة، حكاه الماوردي.
والمراء في اللغة: الجدال؛ يقال: مارى يُماري مُماراة ومِراءً، أي: جادَل.
قال ابن الأنباري: معنى الآية: لا تجادل إِلا جدال متيقِّنٍ عالِم بحقيقة الخبر، إِذ الله تعالى ألقى إِليك مالا يشوبه باطل.
وتفسير المراء في اللغة: استخراج غضب المجادل، من قولهم: مَرَيْتُ الشاة: إِذا استخرجت لبنها.
قوله تعالى: {ولا تستفت فيهم} أي: في أصحاب الكهف، {منهم} قال ابن عباس: يعني: من أهل الكتاب.
قال الفراء: أتاه فريقان من النصارى، نسطوري، ويعقوبي، فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن عددهم، فنُهي عن ذلك.
قوله تعالى: {ولا تقولَنَّ لشيء إِني فاعل ذلك غدًا إِلا أن يشاء الله} سبب نزولها أن قريشًا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين، وعن الرُّوح، وعن أصحاب الكهف، فقال: غدًا أخبركم بذلك، ولم يقل: إِن شاء الله، فأبطأ عليه جبريل خمسة عشر يومًا لتركه الاستثناء، فشقَّ ذلك عليه، ثم نزلت هذه الآية، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
ومعنى الكلام: ولا تقولن لشيء: إِني فاعل ذلك غدًا، إِلا أن تقول: إِن شاء الله، فحذف القول.
قوله تعالى: {واذكر ربَّكَ إِذا نسيتَ} قال ابن الأنباري: معناه: واذكر ربَّكَ بعد تقضِّي النسيان، كما تقول: اذكر لعبد الله إِذا صلّى حاجتك، أي: بعد انقضاء الصلاة.
وللمفسرين في معنى الآية ثلاثة أقوال.
أحدها: أن المعنى: إِذا نسيتَ الاستثناء ثم ذكرتَ، فقل: إِن شاء الله، ولو كان بعد يوم أو شهر أو سنة، قاله سعيد بن جبير، والجمهور.
والثاني: أن معنى {إِذا نسيتَ}: إِذا غضبتَ، قاله عكرمة، قال ابن الأنباري: وليس ببعيد، لأن الغضب يُنتج النسيان.
والثالث: إِذا نسيتَ الشيء فاذكر الله ليذكِّرك إِياه، حكاه الماوردي.