فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118)}.
أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال قال رافع بن حريملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا محمد إن كنت رسولًا من الله كما تقول فقل لله فليكلمنا حتى نسمع كلامه، فأنزل الله في ذلك {وقال الذين لا يعلمون} قال: هم كفار العرب {لولا يكلمنا الله} قالا: هلا يكلمنا {كذلك قال الذين من قبلهم} يعني اليهود والنصارى وغيرهم {تشابهت قلوبهم} يعني العرب واليهود والنصارى وغيرهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: {وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله} قال: النصارى يقوله، والذين من قبلهم يهود. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
لو ولولا يكونان حرفي ابتداء، وقد تقدم عند قوله: {فَلَوْلاَ فَضْلُ الله} [البقرة: 64] ويكونان حرفي تحضيض بمنزلة: هلا فيختصَّان بالأفعال ظاهرة أو مضمرة، كقوله: الطويل:
تَعُدُّونَ عَقْرَ النِّيبِ أَفْضَلَ مَجْدِكُمْ ** بَنِي ضَوْطَرَى لَوْلاَ الكَمِيَّ المُقَنَّعَا

أي: لولا تعدون الكمَيَّ، فإن ورد ما يوهم وقوع الاسم بعد حرف التخصيص يؤوَّل؛ كقوله: الطويل:
ونُبِّئْتُ لَيْلَى أَرْسَلَتْ بِشَفَاعَةٍ ** إلَيَّ فَهَلاَّ نَفْسُ لَيْلَى شَفِيعُهَا

فنفس ليلى مرفوع بفعل محذوف يفسره شفيعها أي: فهلا شفعت نفس ليلى.
وقال أبو البقاء: إذا وقع بعدها المستقبل كانت للتحضيض، وإن وقع بعدها الماضي كانت للتوبيخ وهذا شيء يقوله علماء البيان، وهذه الجملة التخضيضية في محلّ نصب بالوقل.
قوله: {كَذَلِكَ قَالَ الذين} قد تقدم الكلام على نظيره فليطلب هناك.
وقرأ أبو حيوة، وابن أبي إسحاق: {تَشَّابَهَت} بتشديد الشين.
قال الدَّاني: وذلك غير جائز؛ لأنه فعل ماض، يعني: أن التاءين المزيدتين إنما تجيثان في المضارع فتدغم أما الماضي فلا. اهـ.

.تفسير الآية رقم (119):

قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما تضمن هذا السياق الشهادة بصحة رسالته صلى الله عليه وسلم وأنه ليس عليه إلا البيان صرح بالأمرين في قوله مؤكدًا لكثرة المنكرين {إنا أرسلناك} هذا على أن يكون المراد بذلك جميع الأمم، أما إذا أريد هذه الأمة فقط فيكون المعنى: قد بينا الآيات الدالات على طريق الحق بأعظم برهان وبالإخبار عن دقائق لا يعلمها إلا حُذّاق أهل الكتاب لقوم يحق عليهم الإيقان لما وضح لهم من الأدلة، ثم علل ذلك لقوله: {إنا أرسلناك} إرسالًا ملتبسًا {بالحق} أي بالأمر الكامل الذي يطابقه الواقع في كل جزئية يخبر بها.
قال الحرالي: والحق التام المكمل بكلمة (أل) هو استنطاق الخلق عن أمر الله فيهم على وجه أعلى لرسالته العلية الخاصة به عن عموم مّا وقعت به رسالة المرسلين من دون هذا الخصوص، وذلك حق منكر، كما تقدم أي عند قوله: {وهو الحق مصدقًا لما معهم} [البقرة: 91] لأن ما أحق غيبًا مما أنزله الله فهو حق حتى السحر، وما أظهر غيب القضاء والتقدير وأعلن بإبداء حكمة الله على ما أبداها من نفوذ مشيئته في متقابل ما أبداه من خلقه فهو {الحق} الذي خلقت به السماوات والأرض ابتداء وبه ختمت الرسالة انتهاء لتطابق الأول والآخر كمالًا، حال كونك {بشيرًا ونذيرًا}.
وقال الحرالي: لما أجرى الله سبحانه من الخطاب عن أهل الكتاب والعرب نبّأ ردهم لما أنزل أولًا وآخرًا ونبأ ما افتروه مما لا شبهة فيه دعواه أعرض بالخطاب عن الجميع وأقبل به على النبي صلى الله عليه وسلم تسلية له وتأكيدًا لما أعلمه به في أول السورة من أن الأمر مجرى على تقديره وقسمته الخلق بين مؤمن وكافر ومنافق، فأنبأه تعالى أنه ليس مضمون رسالته أن يدعو الخلق إلى غير ما جبلوا عليه، وأن مضمون رسالته أن يستظهر خبايا الأفئدة والقلوب على الألسنة والأعمال، فيبشر المهتدي والثابت على هدى سابق، وينذر الأبيّ والمنكر لما سبق إقراره به قبل، فعم بذلك الأولين والآخرين من المبشرين والمنذرين- انتهى- أي فليس عليك إلا ذلك فبشر وأنذر فإنما عليك البلاغ وليس عليك خلق الهداية في قلوب أهل النعيم {ولا تسأل} ويجوز أن يكون حالًا من {أرسلناك} أو من {بشيرًا} {عن أصحاب الجحيم} والمراد بهم من ذكر في الآية السابقة من الجهلة ومن قبلهم، أي عن أعمالهم لتذهب نفسك عليهم حسرات لعدم إيمانهم، كما قال تعالى: {ولا تسألون عما كانوا يعملون} [البقرة: 141] أي فحالك مستو بالنسبة إلينا وإليهم.
لأنك إن بلغتهم جميع ما أرسلت به إليهم لم نحاسبك بأعمالهم، وإن تركت بعض ذلك محاسنة لهم لم يحبّوك ما دمت على دينك فأقبل على أمرك ولا تبال بهم، وهو معنى قراءة نافع {ولا تسأل} على النهي، أي احتقرهم فإنهم أقل من أن يلتفت إليهم، فبلغهم جميع الأمر فإنهم لا يحبونك إلا إذا انسخلت مما أنت عليه؛ وفي الحكم بكونهم أصحابها إثبات لما نفوه عن أنفسهم بقوله: {لن تمسنا النار} [البقرة: 80] ونفى لما خصصوا به أنفسهم في قولهم: {لن يدخل الجنة} [البقرة: 111] الآية، والجحم قال الحرالي: انضمام الشيء وعظم فيه، ومن معنى حروفه الحجم وهو التضام وظهور المقدار إلا أن الحجم فيما ظهر كالأجسام والجحم- بتقديم الجيم- فيما يلطف كالصوت والنار. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{ولا تسئل} على النهي: نافع ويعقوب. الباقون بضم التاء ورفع اللام على الخبر.

.الوقوف:

{ونذيرًا} لا للعطف أي نذيرًا وغير مسئول إلا لمن قرأ {ولا تسئل} على النهي لاختلاف الجملتين {الجحيم} o {ملتهم} ط {الهدى} ط {من العلم} لا لأن نفي الولاية والنصرة يتعلق بشرط اتباع أهوائهم فكان في الإطلاق حظر {نصير} o {تلاوته} ط لأن ما بعدها مبتدأ آخر مع خبره. وعندي أن الأصوب عدم الوقف لتكون الجملة أعني يتلونه حالًا من مفعول آتينا أو من فاعله مقدرة وقوله: {أولئك يؤمنون به} الجملة خبر {الذين} لأن الإخبار عن أهل الكتاب مطلقًا بأنهم يتلونه حق تلاوته لا يصح، اللهم إلا أن يحمل الكتاب على القرآن كما يجيء {يؤمنون به} ط للابتداء بالشرط {الخاسرون} o {العالمين} o {ينصرون} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن القوم لما أصروا على العناد واللجاج الباطل واقترحوا المعجزات على سبيل التعنت بين الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أنه لا مزيد على ما فعله في مصالح دينهم من إظهار الأدلة وكما بين ذلك بين أنه لا مزيد على ما فعله الرسول في باب الإبلاغ والتنبيه لكي لايكثر غمه بسبب إصرارهم على كفرهم.
وفي قوله: {بالحق} وجوه:
أحدها: أنه متعلق بالإرسال، أي أرسلناك إرسالًا بالحق.
وثانيها: أنه متعلق بالبشير والنذير أي أنت مبشر بالحق ومنذر به.
وثالثها: أن يكون المراد من الحق الدين والقرآن، أي أرسلناك بالقرآن حال كونه بشيرًا لمن أطاع الله بالثواب ونذيرًا لمن كفر بالعقاب، والأولى أن يكون البشير والنذير صفة للرسول صلى الله عليه وسلم فكأنه تعالى قال: إنا أرسلناك يا محمد بالحق لتكون مبشرًا لمن اتبعك واهتدى بدينك ومنذرًا لمن كفر بك وضل عن دينك. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {إِنَّا أرسلناك بالحق بَشِيرًا وَنَذِيرًا}، أي بالقرآن.
ويقال بالحق يعني بالدعوة إلى الحق.
ويقال: بالحق أي لأجل الحق.
ويقال: أي بالدعوة إلى الحق.
ويقال: ببيان الحق. اهـ.

.قال السعدي:

ثم ذكر تعالى بعض آية موجزة مختصرة جامعة للآيات الدالة على صدقه صلى الله عليه وسلم وصحة ما جاء به فقال: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} فهذا مشتمل على الآيات التي جاء بها، وهي ترجع إلى ثلاثة أمور:
الأول: في نفس إرساله، والثاني: في سيرته وهديه ودله، والثالث: في معرفة ما جاء به من القرآن والسنة.
فالأول والثاني، قد دخلا في قوله: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ} والثالث دخل في قوله: {بِالْحَقِّ}.
وبيان الأمر الأول وهو- نفس إرساله- أنه قد علم حالة أهل الأرض قبل بعثته صلى الله عليه وسلم وما كانوا عليه من عبادة الأوثان والنيران، والصلبان، وتبديلهم للأديان، حتى كانوا في ظلمة من الكفر، قد عمتهم وشملتهم، إلا بقايا من أهل الكتاب، قد انقرضوا قبيل البعثة.
وقد علم أن الله تعالى لم يخلق خلقه سدى، ولم يتركهم هملا لأنه حكيم عليم، قدير رحيم، فمن حكمته ورحمته بعباده، أن أرسل إليهم هذا الرسول العظيم، يأمرهم بعبادة الرحمن وحده لا شريك له، فبمجرد رسالته يعرف العاقل صدقه، وهو آية كبيرة على أنه رسول الله، وأما الثاني: فمن عرف النبي صلى الله عليه وسلم معرفة تامة، وعرف سيرته وهديه قبل البعثة، ونشوءه على أكمل الخصال، ثم من بعد ذلك، قد ازدادت مكارمه وأخلاقه العظيمة الباهرة للناظرين، فمن عرفها، وسبر أحواله، عرف أنها لا تكون إلا أخلاق الأنبياء الكاملين، لأن الله تعالى جعل الأوصاف أكبر دليل على معرفة أصحابها وصدقهم وكذبهم.
وأما الثالث: فهو معرفة ما جاء به صلى الله عليه وسلم من الشرع العظيم، والقرآن الكريم، المشتمل على الإخبارات الصادقة، والأوامر الحسنة، والنهي عن كل قبيح، والمعجزات الباهرة، فجميع الآيات تدخل في هذه الثلاثة.
قوله: {بَشِيرًا} أي لمن أطاعك بالسعادة الدنيوية والأخروية، {نَذِيرًا} لمن عصاك بالشقاوة والهلاك الدنيوي والأخروي. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِنَّا أرسلناك بالحق} أي متلبسا مؤيدًا به فالظرف مستقر، وقيل: لغو متعلق بأرسلنا أو بما بعده، وفسر الحق بالقرآن أو بالاسلام وبقاؤه على عمومه أولى {بَشِيرًا وَنَذِيرًا} حالان من الكاف، وقيل: من الحق والآية اعتراض لتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه كان يهتم ويضيق صدره لإصرارهم على الكفر والمراد: إنا أرسلناك لأن تبشر من أطاع وتنذر من عصى لا لتجبر على الإيمان فما عليك إن أصروا أو كابروا؟
والتأكيد لإقامة غير المنكر مقام المنكر بما لاح عليه من أمارة الإنكار والقصر إفرادي. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}.
جملة معترضة بين حكايات أحوال المشركين وأهل الكتاب، القصد منها تأنيس الرسول عليه الصلاة والسلام من أسفه على ما لقيه من أهل الكتاب مما يماثل ما لقيه من المشركين وقد كان يود أن يؤمن به أهل الكتاب فيتأيد بهم الإسلام على المشركين فإذا هو يلقى منهم ما لقي من المشركين أو أشد وقد قال: «لو آمن بي عشرة من اليهود لآمن بي اليهود كلهم» فكان لتذكير الله إياه بأنه أرسله تهدئة لخاطره الشريف وعذر له إذ أبلغ الرسالة وتطمين لنفسه بأنه غير مسئول عن قوم رضوا لأنفسهم بالجحيم.
وفيه تمهيد للتأييس من إيمان اليهود والنصارى.
وجيء بالتأكيد وإن كان النبي لا يتردد في ذلك لمزيد الاهتمام بهذا الخبر وبيان أنه ينوه به لما تضمنه من تنويه شأن الرسول.
وجيء بالمسند إليه ضمير الجلالة تشريفًا للنبيء صلى الله عليه وسلم بعز الحضور لمقام التكلم مع الخالق تعالى وتقدس كأن الله يشافهه بهذا الكلام بدون واسطة فلذا لم يقل له إن الله أرسلك.
وقوله: {بالحق} متعلق بأرسلناك.
والحق هو الهدى والإسلام والقرآن وغير ذلك من وجوه الحق المعجزات وهي كلها ملابسة للنبيء صلى الله عليه وسلم في رسالته بعضها بملابسة التبليغ وبعضها بملابسة التأييد.
فالمعنى إنك رسول الله وإن القرآن حق منزل من الله.
وقوله: {بشيرًا ونذيرًا} حالان وهما بزنة فعيل بمعنى فاعل مأخوذان من بشر المضاعف وأنذر المزيد فمجيئهما من الرباعي على خلاف القياس كالقول في {بديع السماوات والأرض} [البقرة: 117] المتقدم آنفًا، وقيل: البشير مشتق من بشر المخفف الشين من باب نصر ولا داعي إليه. اهـ.