فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

قوله: {واتل ما أوحي إليك} الآية، من قرأ: {ولا تشرك} بالنهي، عطف قوله: {واتلُ} عليه، ومن قرأ: {ولا يشرك}، جعل هذا أمرًا بدىء به كلام آخر ليس من الأول، وكأن هذه الآية، في معنى الإعتاب للنبي عليه السلام، عقب العتاب الذي كان تركه الاستثناء، كأنه يقول هذه أجوبة الأسئلة فاتل وحي الله إليك، أي اتبع في أعمالك، وقيل اسرد بتلاوتك ما أوحي إليك من كتاب ربك، لا نقض في قوله، {ولا مبدل لكلماته}، وليس لك سواه جانب تميل إليه، وتستند، والملتحد: الجانب الذي يمال إليه، ومعنى اللحد كأنه الميل في أحد شقي القبر، ومنه الإلحاد في الحق، وهو الميل عن الحق، ولا يفسر قوله: {لا مبدل لكلماته} أمر النسخ لأن المعنى: إما أن يكون لا مبدل سواه فتبقى الكلمات على الإطلاق، وإما أن يكون أراد من الكلمات الخبر ونحوه، مما لا يدخله نسخ، والإجماع أن الذي لا يتبدل هو الكلام القائم بالذات الذي بحسبه يجري القدر. فأما الكتب المنزلة فمذهب ابن عباس أنها لا تبدل إلا بالتأويل.
{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ}.
سبب هذه الآية أن عظماء الكفار قيل من أهل مكة، وقيل عيينة بن حصن وأصحابه والأول أصوب، لأن السورة مكية، قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أبعدت هؤلاء عن نفسك لجالسناك وصحبناك، يريدون عمار بن ياسر وصهيب بن سنان وسلمان الفارسي وابن مسعود وغيرهم من الفقراء كبلال ونحوه، وقالوا إن ريح جباتهم تؤذينا، فنزلت الآية بسبب ذلك، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إليهم وجلس بينهم، وقال الحمد لله الذي جعل من أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معه، وروي أنه قال لهم رحبًا بالذي عاتبني فيهم ربي، وروى سلمان أن المؤلفة قلوبهم، عيينة بن حصن والأقرع بن حابس وذويهم، قالوا ما ذكر، فنزلت الآية في ذلك.
قال القاضي أبو محمد: فالآية على هذا مدنية، ويشبه أن تكون الآية مكية، وفعل المؤلفة قريش فرد بالآية عليهم، {واصبر} معناه احبس، ومنه المصبورة التي جاء فيها الحديث: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صبر الحيوان، أي حبسه للرمي ونحوه، وقرأ الجمهور: {بالغداة}، وقرأ ابن عامر: {بالغدوة} وهي قراءة نصر بن عاصم ومالك بن دينار وأبي عبد الرحمن والحسن، وهي في الخط على القراءتين بالواو، فمن يقرأها {بالغداة} يكتبها {بالغدوة} كما تكتب {الصلوة والزكوة}، وفي قراءة من قرأ: {بالغدوة} ضعف لأن غدوة اسم معروف فحقه أن لا تدخل عليه الألف واللام ووجه القراءة بذلك أنهم ألحقوها ضربًا من التنكير إذ قالوا حيث غدوة يريدون الغدوات فحسن دخول الألف واللام كقولهم الفينة وفينة اسم معرف، والإشارة بقوله: {يدعون ربهم بالغداة والعشي} إلى الصلوات الخمس. قاله ابن عمر ومجاهد وإبراهيم، وقال قتادة المراد صلاة الفجر، وصلاة العصر.
قال القاضي أبو محمد: ويدخل في الآية من يدعو في غير صلاة، ومن يجتمع لمذاكرة علم، وقد روى عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لذكر الله بالغداة والعشي أفضل من حطم السيوف في سبيل الله، ومن إعطاء المال سحًّا»، وقرأ أبو عبد الرحمن {بالغدو} دون هاء، وقرأ ابن أبي عبلة {بالغدوات} {والعشيات} على الجمع، وقوله: {ولا تعد عيناك} أي لا تتجاوز عنهم إلى أبناء الدنيا والملابس من الكفار، وقرأ الحسن: {ولا تُعَدِّ عينيك} بضم التاء وفتح العين وشد الدال المكسورة، أي لا تجاوزها أنت عليهم، وروي عنه {ولا تُعْد عينك} بضم التاء وسكون العين، وقوله: {من أغفلنا} قيل إنه أراد بذلك معينًا وهو عيينة بن حصن، والأقرع قاله خباب، وقيل إنما أراد من هذه صفته، وإنما المراد أولًا كفار قريش، لأن الآية، وقرأ الجمهور: {أغفلنا قلبَه} بنصب الباء على معنى جعلناه غافلًا، وقرأ عمرو بن فائد وموسى الأسواري {أغفلنا قلبه} على معنى أهمل ذكرنا وتركه، قال ابن جني المعنى من ظننا غافلين عنه، وذكر أبو عمرو الداني أنها قراءة عمرو بن عبيد والفرط يحتمل أن يكون بمعنى التفريط والتضييع، أي أمره الذي يجب أن يلتزم، ويحتمل أن يكون بمعنى الإفراط والإسراف، أي أمره وهواه الذي هو بسبيله، وقد فسره المتأولون بالعبارتين: أعني التضييع والإسراف، وعبر خباب عنه بالهلاك، وداود بالندامة، وابن زيد بالخلاف للحق، وهذا كله تفسير بالمعنى. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {واتل ما أُوحي إِليك} في هذه التلاوة قولان:
أحدهما: أنها بمعنى القراءة.
والثاني: بمعنى الاتِّباع.
فيكون المعنى على الأول: اقرأ القرآن، وعلى الثاني: اتَّبِعْه واعمل به.
وقد شرحنا في [الأنعام: 115] معنى {لا مبدِّل لكلماته}.
قوله تعالى: {ولن تجد من دونه ملتحدًا} قال مجاهد، والفراء: مَلجَأً.
وقال الزجاج: مَعْدِلًا عن أمره ونهيه.
وقال غيرهم: موضعًا تميل إِليه في الالتجاء.
قوله تعالى: {واصبر نفسك} سبب نزولها «أن المؤلَّفة قلوبُهم جاؤوا إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، وذووهم، فقالوا: يا رسول الله: لو أنك جلست في صدر المجلس، ونحَّيت هؤلاء عنّا، يعنون سلمانَ وأبا ذَرٍّ وفقراءَ المسلمين، وكانت عليهم جباب الصوف جلسنا إِليك، وأخذنا عنك، فنزلت هذه الآية إِلى قوله: {إِنا أعتدنا للظالمين نارًا}، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمسهم، حتى إِذا أصابهم في مؤخَّر المسجد يذكرون الله، قال: الحمد لله الذي لم يُمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمَّتي، معكم المحيا ومعكم الممات» هذا قول سلمان الفارسي.
ومعنى قوله: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم} أي: احبسها معهم على أداء الصلوات {بالغداة والعشي}.
وقد فسرنا هذه الآية في [الأنعام: 52] إِلى قوله تعالى: {ولا تعد عيناك عنهم} أي: لا تصرف بصرك إِلى غيرهم من ذوي الغنى والشرف؛ وكان عليه السلام حريصًا على إِيمان الرؤساء ليؤمن أتباعهم، ولم يكن مريدًا لزينة الدنيا قطُّ، فأُمر أن يجعل إِقباله على فقراء المؤمنين.
قوله تعالى: {ولا تُطِع من أغفلنا قلبه عن ذِكْرنا} سبب نزولها أن أُمية بن خلف الجمحي، دعا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إِلى طرد الفقراء عنه، وتقريبِ صناديد أهل مكة، فنزلت هذه الآية، رواه الضحاك عن ابن عباس.
وفي رواية أخرى عنه أنه قال: هو عيينة وأشباهه.
ومعنى {أغفلنا قلبه}: جعلناه غافلًا.
وقرأ أبو مجلز: {من أغفلَنا} بفتح اللام، ورفع باء القلب.
{عن ذِكْرنا}: عن التوحيد والقرآن والإِسلام، {واتبع هواه} في الشّرك.
{وكان أمره فُرُطًا} فيه أربعة أقوال.
أحدها: أنه أفرط في قوله، لأنه قال: إِنّا رؤوس مضر، وإِن نُسلِم يُسلم الناس بعدنا، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: ضيَاعًا، قاله مجاهد.
وقال أبو عبيدة: سَرَفًا وتضييعًا.
والثالث: نَدَمًا، حكاه ابن قتيبة عن أبي عبيدة.
والرابع: كان أمره التفريط، والتفريط: تقديم العجز، قاله الزجاج. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {واتل مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ}.
قيل: هو من تمام قصة أصحاب الكهف؛ أي اتبع القرآن فلا مبدّل لكلمات الله ولا خلف فيما أخبر به من قصة أصحاب الكهف.
وقال الطبري: لا مغيّر لما أوعد بكلماته أهل معاصيه والمخالفين لكتابه.
{وَلَن تَجِدَ} أنت {مِن دُونِهِ} إن لم تتبع القرآن وخالفته.
{مُلْتَحَدًا} أي ملجأ.
وقيل موئلًا.
وأصله الميل؛ ومن لجأت إليه فقد مِلْت إليه.
قال القشيريّ أبو نصر عبد الرحيم: وهذا آخر قصة أصحاب الكهف.
ولما غزا معاوية غزوة المضيق نحو الروم وكان معه ابن عباس فانتهى إلى الكهف الذي فيه أصحاب الكهف؛ فقال معاوية: لو كشف لنا عن هؤلاء فننظر إليهم؛ فقال ابن عباس: قد منع الله من هو خير منك عن ذلك، فقال: {لَوِ اطلعت عَلَيْهِمْ لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا} فقال: لا أنتهي حتى أعلم علمهم، وبعث قومًا لذلك، فلما دخلوا الكهف بعث الله عليهم ريحًا فأخرجتهم؛ ذكره الثعلبي أيضًا.
وذكر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سأل الله أن يريه إياهم، فقال إنك لن تراهم في دار الدنيا ولكن ابعث إليهم أربعة من خيار أصحابك ليبلغوهم رسالتك ويدعوهم إلى الإيمان، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام: كيف أبعثهم؟ فقال: أبسط كساءك وأجلس على طرف من أطرافه أبا بكر وعلى الطرف الآخر عمر وعلى الثالث عثمان وعلى الرابع عليّ بن أبي طالب، ثم ادع الريح الرُّخاء المسخرة لسليمان فإن الله تعالى يأمرها أن تطيعك؛ ففعل فحملتهم الريح إلى باب الكهف، فقلعوا منه حجرًا، فحمل الكلب عليهم فلما رآهم حرك رأسه وبصبص بذنبه وأومأ برأسه أن ادخلوا فدخلوا الكهف فقالوا: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ فردّ الله على الفتية أرواحهم فقاموا بأجمعهم وقالوا: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛ فقالوا لهم: معشر الفتية، إن النبيّ محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليكم السلام؛ فقالوا: وعلى محمد رسول الله السلام ما دامت السموات والأرض، وعليكم بما أبلغتم، وقبلوا دينه وأسلموا، ثم قالوا: أقرئوا محمدًا رسول الله منّا السلام، وأخذوا مضاجعهم وصاروا إلى رقدتهم إلى آخر الزمان عند خروج المهدي.
فيقال: إن المهدي يسلم عليهم فيحييهم الله ثم يرجعون إلى رقدتهم فلا يقومون حتى تقوم الساعة، فأخبر جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كان منهم، ثم ردّتهم الريح فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «كيف وجدتموهم»؟ فأخبروه الخبر، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «اللهم لا تفرّق بيني وبين أصحابي وأصهاري واغفر لمن أحبّني وأحبّ أهل بيتي وخاصّتي وأصحابي» وقيل: إن أصحاب الكهف دخلوا الكهف قبل المسيح؛ فأخبر الله تعالى المسيح بخبرهم ثم بعثوا في الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم.
وقيل: كانوا قبل موسى عليه السلام وأن موسى ذكرهم في التوراة؛ ولهذا سألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم.