فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوزله في هذه الآية الكريمة: {وَإِن يَسْتَغِيثُواْ} يعني إن يطلبوا الغوث مما هم فيه من الكرب يغاثوا، يؤتوا بغوث هو ماء كالمهل. والمهل في اللغة: يطلق على ما أذيب من جواهر الأرض، كذائب الحديد والنحاس، والرصاص ونحو ذلك.
ويطلق أيضًا على دردي الزيت وهو عكره. والمراد بالمهل في الآية: ما أذيب من جواهر الأرض. وقيل: دردي الزيت. وقيل: هو نوع من القطران. وقيل السم. فإن قيل: أي إغاثة في ماء كالمهل مع أنه من لأأشد العذاب، وكيف قال الله تعالى: {يُغَاثُواْ بِمَاءٍ كالمهل}.
فالجواب- أن هذا من أساليب اللغة العربية التي نزل بها القرآن. ونظيره من كلام العرب قول بشر بن أبي حازم:
غضبت تميم أن تقتل عامر ** يوم النسار فأعتبوا بالصيلم

فمعنى قوله: أعتبوا بالصليم: أي أرضوا بالسيف. يعني ليس لهم منا إرضاء إلا بالسيف. وقول عمرو بن معد يكرب:
وخيل قد دلفت لها بخيل ** تحية بينهم ضرب وجيع

يعنى لا تحية لهم إلا الضرب الوجيع. وإذا كانوا لا يغاثون إلا بماء كالمهل- علم من ذلك أنهم لا إغاثة لهم البتة. والياء في قوله: {يستغيثوا} الألف في قوله: {يغاثوا} كلتاهما مبدلة من واو، لأن مادة الاستغاثة من الأجوف الواوي العين، ولكن العين أعلت للساكن الصحيح قبلها، على حد قوله في الخلاصة:
لساكن صح انقل التحريك من ** ذي لين عين فعل كأبن

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {يَشْوِي الوجوه} أي يحرقها حتى تسقط فروة الوجه، أعاذنا الله والمسلمين منه! زوعن النَّبي صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية الكريمة أنه قال: {كالمهل يشوي الوجوه}، هو كعكر الزيت فإذا قرب إليه سقطت فروة وجهه. قال ابن حجر رحمه الله في الكافي الشاف، في تخريج أحاديث الكشاف: أخرجه الترمذي من طريق رشدين بن سعد، عن عمرو بن الحارث، عن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، واستغربه وقال: لا يعرف إلا من حديث رشدين بن سعد، وتعقب قوله بأن أحمد وأبا يعى أخرجاه من طريق ابن لهيعة عن دراج، وبأن ابن حبان والحاكم أخرجاه من طريق وهب عن عمرو بن الحارث.
وقوله في هذه الآية الكريمة: {بِئْسَ الشراب} المخصوص بالذم فيه محذوف، تقديره: بئس الشراب ذلك الماء الذي يغاثون به. والضمير الفاعل في قوله: {ساءت} عائد إلى النار. والمرتفق: مكان الارتفاق. وأصله أن يتكىء الإنسان معتمدًا على مرفقه. وللعلماء في المراد بالمرتفق في الآية أقوال متقاربة في المعنى. قيل مرتفقًا. أي منزلًا، وهو مروي عن ابن عباس. وقيل مقرًا، وهو مروي عن عطاء. وقيل مجلسًا وهو مروي عن العتبي. وقال مجاهد: مرتفقًا أي مجتمعًا. فهو عنده مكان الارتفاق بمعنى مرافقة بعضهم لبعض في النار.
وحاصل معنى الأقوال- أن النار بئس المستقر هي، وبئس المقام هي. ويدل لهذا قوله تعالى: {إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان: 66]، وكون أصل الارتفاق هو الاتكاء على المرفق- معروف في كلام العرب، منه قول أبي ذؤيب الهذلي:
نام الخى وبت الليل مرتفقًا ** كأن عيني فيها الصاب مذبوح

ويروى:
........ وبت الليل مشتجرًا

وعليه فلا شاهد في البيت. ومنه قول أعشر باهلة:
قد بت مرتفقًا للنجم أرقبه ** حيران ذا حذر لو ينفع الحذر

وقول الراجز:
قالت له وارتفقع إلا فتى ** يسوق بالقوم غزالات الضحا

وهذا الذي ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من صفات هذا الشراب، الذي يسقى به أهل النار- جاء نحوه في آيات كثيرة، كقوله تعالى: {لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ} [الأنعام: 70]، وقوله تعالى: {وَسُقُواْ مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد: 15]، وقوله تعالى: {تسقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ} [الغاشية: 5]، وقوله تعالى: {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن: 44] والحميم الآتي من الماء المتناهي في الحرارة.
وقوله تعالى: {ويسقى مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ} [إبراهيم: 16-17] الآية، وقوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ} [الصافات: 67]، وقوله تعالى: {فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الحميم فَشَارِبُونَ شُرْبَ الهيم} [الواقعة: 54-55]. وقوله تعالى: {لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلاَ شَرَابًا إِلاَّ حَمِيمًا وَغَسَّاقًا} [النبأ: 24-25] الآية، وقوله تعالى: {هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} [ص: 57و58] إلى غير ذلك من الآيات.
وقد قدمنا طرقًا من هذا في سورة: يونس. اهـ.

.قال الشعراوي:

قوله تعالى: {وَقُلِ الحق مِن رَّبِّكُمْ} [الكهف: 29] أي: قُلِ الحق جاء من ربكم، واختار كلمة الرب ولم يَقُلْ من الله، لأن الكل معتقد أن الرب هو الذي خلق، كما في قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله فأنى يُؤْفَكُونَ} [الزخرف: 87].
وقوله: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله} [لقمان: 25].
فمعنى: {مِن رَّبِّكُمْ} [الكهف: 29] أي: بإقراركم أنتم، فالذي خلقكم وربّاكم وتعهدكم هو الذي نزَّل لكم هذا الحق و{رَّبِّكُمْ} [الكهف: 29] أي: ليس ربي وحدي، بل ربكم وربّ الناس جميعًا.
والحق: هو الشيء الثابت، وما دام من الله فلن يُغيِّره أحد؛ لأن الذي يتغير كلامه هو الذي يقضي شيئًا ويجهل شيئًا مُقبلًا، وبعد ذلك يُعدِّل، فالحق من الله لأنه سبحانه لا يَخْفَى عليه شيء ولا يَعْزُب عن عمله شيء، لذلك لا استدراك على حُكْم من أحكامه من أحد من خلقه.
فالربوبية عطاء، فربك الذي خلقك وأمدَّك بالنعم، وهو الذي يُربّيك كما يُربِّي الوالد ولده؛ لذلك لم يعترض على الربوبية أحد، أما الألوهية فمطلوبها تكليف: افعل كذا، ولا تفعل كذا، فخاطبهم بالربوبية التي فيها مصلحتهم، ولم يخاطبهم بالألوهية التي تُقيِّد اختياراتهم والإنسان بطبعه لا يميل إلى ما يُقيّد اختياراته؛ لذلك يلجأون إلى عبادة آلهة أخرى؛ لأنها ليس لها مطلوبات.
فالذي يعبد الشمس أو الصنم أو غيره: بماذا أمرك معبودك؟ وعَمَّا نهاك؟ فما العبادة إلا طاعة عابد لمعبود، إذن: فلهم أن يقولوا: نِعْمَ هذا الإله، ونِعْمَ هذا الدين؛ لأنه يتركني بحريتي أفعل ما أريد.
لذلك؛ نجد الذين يدَّعُون ألوهية، أو يدعون نُبوّة دائمًا يميلون إلى تخفيف المناهج؛ لأنهم يعلمون أن المناهج السماوية تصعُب على الناس؛ لأن فيها حَجْرًا على حرية حركتهم وحرية اختياراتهم، فلما ادَّعى مسيلمة النبوة رأى الناس تتبرم من الزكاة فأسقطها عنهم، وكذلك لما ادعتّ سجاح النبوة خففتْ الصلاة، وإلا، فكيف سيجمعون الناس من حولهم؟
وما أشبه مُدَّعي الأمس بمدعي اليوم الذين يبيعون الدين بعَرَضٍ من الدنيا، فيُفْتون الناس بتحليل ما حرَّم الله، مثل الاختلاط وغيره من القضايا حتى هان أمر الدين على الناس. والدين وإنْ كان فطريًا في النفس الإنسانية إلا أن الإنسان يميل إلى مَنْ يُخفِّف عنه، وتعجب حين ترى بعض المثقفين وحملة الشهادات يذهبون إلى الدجالين ويصدقونهم، وترى الواحد منهم يُكذِّب نفسه أنه على دين يريحه، ويفعل في ظله ما يريد.
إذن: ما دُمْتم مؤمنين بربوبية خلق وربوبية إمداد وإنعام، فعليكم أن تؤمنوا بما جاء من ربكم، كما نقول في المثل: اللي يأكل لقمتي يسمع كلمتي، ومع ذلك ورغم فضل الله ونعمه عليهم قُلْ لهم: لا جبرَ في الإيمان {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] لأن منفعة الإيمان عائدة عليكم أنتم.
وقد جاء في الحديث القدسي: «إنكم لن تملكوا نفعي فتنفعوني، ولن تملكوا ضُرّي فتضروني، ولو أن أوّلكم وآخركم، وحيكم وميتكم، وشاهدكم وغائبكم اجتمعوا على أتْقَى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في مُلْكي شيئًا، ولو أن أولكم وآخركم، وحيكم وميتكم، وشاهدكم وغائبكم اجتمعوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئًا. ولو أن أولكم وآخركم اجتمعوا في صعيد واحد، وسألني كُلٌّ مسألته فأعطيتها له ما نقص ذلك مما عندي إلا كمِغْرز إبرة إذا غمسها أحدكم في بحر، وذلك أَنَّي جواد واجد ماجد، عطائي كلام وعذابي كلام، إنما أمري لشيء إذا أردتُه أنْ أقولَ له كُنْ فيكون».
إذن: فائدة الإيمان تعود على المؤمن، كما قال تعالى: {مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [فصلت: 46] لكني أحب لخَلْقي أن يكونوا دائمًا على خير مني، فأنا أعطيهم خير الدنيا، وأحب أيضًا أن أعطيهم خير الآخرة.
جاءت هذه الآية بعد قوله تعالى: {واصبر نَفْسَكَ مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم بالغداة والعشي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف: 28].
وكان خصوم الإسلام حينما يَرَوْنَ الدعوة تنتشر شيئًا فشيئًا يحاولون إيقافها، لا من جهتهم بالعدوان على مَنْ يؤمن، ولكن من جهته صلى الله عليه وسلم، فأرسلوا إليه وَفْدًا، قالوا: يا محمد إنّا بعثنا إليك لنُعْذرَ فيك، لقد أدخلتَ على قومك ما لم يُدخِلْه أحد قبلك، شتمتَ آلهتنا وسفَّهْتَ أحلامنا وسبَبْت ديننا، فإنْ كنت تريد مالًا جمعنا لك المال حتى تصير أغنانا، وإنْ كنت تريد جاهًا سوَّدناكَ علينا، وجعلناك رئيسنا، وإنْ كنت تريد مُلْكًا ملكْناك.
فقال صلى الله عليه وسلم: «والله ما بي ما تقولون، ولكن ربي أرسلني بالحق إليكم، فإنْ أنتم أطعتُم فبها، وإلاَّ فإنَّ الله ناصري عليكم».
وكانت هذه المحاولة بينهم وبينه صلى الله عليه وسلم لعل الأمر حين يكون سِرًا يتساهل فيه رسول الله، فلما لم يجدوا بُغْيتهم قالوا: نتوسل إليك بمَنْ تحب، فربما خجل أنْ يقبلَ منا ونحن خصومه، فلنرسل إليه مَنْ يحبه، فذهبوا إلى عمه أبي طالب، فلما كلَّمه عمه قال قولته المشهورة: «والله، يا عَمِّ لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أتركَ هذا الأمر ما تركته، حتى يُظِهره الله، أو أَهْلِك دونه».
فلما فشلت هذه المحاولة أيضًا أتَوْهُ من ناحية ثالثة، فقالوا: ننتهي إلى أمر هو وسط بيننا وبينك: دَعْكَ من هؤلاء الفقراء، واصْرِف وجهك عنهم، ولا تربط نفسك بهم، ووجِّه وجهك إلينا، فأنزل الله: {واصبر نَفْسَكَ} [الكهف: 28].
ثم بيَّن الحق سبحانه وتعالى أن الإسلام أو الدين الذي أًَنزله الله لا يأخذ أحكامه من القوم الذين أُنزِل عليهم؛ لأن رسول الله إنما أُرسِلَ ليضع لهم موازين الحق، ويدعو قومه إليها، فكيف يضعون هم هذه الموازين، فيأمرون رسول الله بأنْ يصرف وجهه عن الفقراء ويتوجّه إليهم؟ لذلك قال: {وَقُلِ الحق مِن رَّبِّكُمْ} [الكهف: 29] لأنه بعثني بالحق رسولًا إليكم، وما جئت إلا لهدايتكم، فإنْ كنتم تريدون توجيهي حسْب أهوائكم فقد انقلبتْ المسألة، ودعوتكم لي أن أنصرف عن هؤلاء الذين يدعُون ربهم بالغداة والعشيّ وأتوجه إليكم، فهذا دليل على عدم صِدْق إيمانكم، وأنكم لستم جادِّين في اتباعي؛ لذلك فلا حاجة بي إليكم.
ثم يقول تعالى: {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] أي: ادخلوا على هذا الأساس: أن كل حَقٍّ ينزل من الله، لا أن آخذ الحق منكم، ثم أردّه إليكم، بل الحق الذي أرسلني الله به إليكم، وعلى هذا مَنْ شاء فليؤمن ومَنْ شاء فليكفر.
والأمر في هذه الآية سبق أنْ أوضحناه فقلنا: إذا وجدنا أمرًا بغير مطلوب فلنفهم أن الأمر استُعمِل في غير موضعه، كما يقول الوالد لولده المهمل: العب كما تريد، فهو لا يقصد أمر ولده باللعب بالطبع، بل يريد تهديده وتأنيبه.
وهكذا في: {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] وإلا لو أخذتَ الآية على إطلاقها لَكانَ مَنْ آمن مطيعًا للأمر: {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن} [الكهف: 29] والعاصي أيضًا مطيع للأمر: {وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] فكلاهما إذن مطيع، فكيف تُعذِّب واحدًا دون الآخر؟
فالأمر هنا ليس على حقيقته، وإنما هو للتسوية والتهديد، أي: سواء عليكم آمنتم أم لم تؤمنوا، فأنتم أحرار في هذه المسألة؛ لأن الإيمان حصيلته عائدة إليكم، فالله سبحانه غنيّ عنكم وعن إيمانكم، وكذلك خَلْق الله الذين آمنوا بمحمد هم أيضًا أغنياء عنكم، فاستغناء الله عنكم مَسْحوب على استغناء الرسول، وسوف ينتصر محمد وينتشر دين الله دونكم.
وقد أراد الحق سبحانه أن يصيح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعوة في مكة ويجهر بها في أُذن صناديد الكفر وعُتَاة الجزيرة العربية الذين لا يخرج أحد عن رأيهم وأمرهم؛ لأن لهم مكانةً وسيادة بين قبائل العرب.
ولحكمة أرادها الحق سبحانه لم يأْتِ نصر الإسلام على يد هؤلاء، ولو جاء النصر على أيديهم لقيل: إنهم أَلِفُوا النصر وألفوا السيادة على العرب، وقد تعصَّبوا لواحد منهم ليسُودوا به الدنيا كلها، فالعصبية لمحمد لم تخلق الإيمان بمحمد، ولكن الإيمان بمحمد خلق العصبية لمحمد.
ثم يقول الحق سبحانه: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف: 29].
والعذاب هنا لمن اختار الكفر، لكن لماذا تُهوّل الآية وتُفخِّم أمر العذاب؟ لأن الإعلام بالعقاب وتهويله وتفظيعه الإنذار به لا ليقع الناس في موجبات العقاب، بل لينتهوا عن الجريمة، وينأوْا عن أسبابها، إذن: فتفظيع العقاب وتهويله رحمة من الله بالعباد؛ لأن خَوْف العذاب سيمنعهم من الجريمة.
ومعنى {أَعْتَدْنَا} أي: أعددنا، فالمسألة منتهية مُسْبقًا، فالجنة والنار مخلوقة فعلًا ومُعدَّة ومُجهّزة، لا أنها ستُعَدُّ في المستقبل، وقد أُعِدَّتْ إعداد قادر حكيم، فأعدَّ الله الجنة لتتسع لكل الخَلْق إنْ آمنوا، وأعدّ النار لتتسع لكل الخلق إنْ كفروا، فإنْ آمن بعض الخلق وكفر البعض، فالذي آمن وَفّر مكانه في النار، والذي كفر وفَّر مكانه في الجنة.