فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {الحمد للَّهِ}، يقول: الشكر لله والألوهية لله.
{الذى أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب}، أي أنزل على عبده محمدٍ صلى الله عليه وسلم القرآن.
{وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا}، أي لم ينزله متناقضًا.
{قَيِّمًا}، بل أنزله مستقيمًا؛ ويقال: في الآية تقديم، ومعناه الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيمًا أي مستقيمًا، ولم يجعل له عوجًا؛ أي لم ينزله مخالفًا للتوراة والإنجيل.
قال أهل اللغة: {عوجًا} بكسر العين في الأقوال وبنصب العين في الأشخاص؛ ويقال: في كلامه عوج، وفي هذه الخشبة عوج.
{لِّيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا}، أي لينذركم ببأس شديد، كما قال: {إِنَّمَا ذلكم الشيطان يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175] أي بأوليائه وهذا قول القتبي. وقال الزجاج: أي لينذرهم بالعذاب البئيس.
{مِن لَّدُنْهُ}، أي من قبله؛ ويقال: {لِّيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا}، أي يخوفهم بالعذاب الشديد بما في القرآن {مِن لَّدُنْهُ}، أي من عنده.
قرأ عاصم في رواية أبي بكر: {مِن لَّدُنْهُ} بجزم الدال؛ وقرأ الباقون بالضم، ومعناهما واحد.
{وَيُبَشّرُ المؤمنين}، بالجنة.
ثم وصف المؤمنين، فقال: {الذين يَعْمَلُونَ الصالحات}، فيما بينهم وبين ربهم.
ثم بيّن الذي يبشرهم به، فقال: {أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا} في الْجَنَّةِ، {مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا}؛ أي مقيمين في الثواب والنعيم خالدًا مخلدًا و{مَّاكِثِينَ} منصوب على الحال في معنى خالدين.
{وَيُنْذِرَ الذين قَالُواْ}، أي يخوف بالقرآن الذين قالوا: {اتخذ الله وَلَدًا}، وهم المشركون والنصارى.
{مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ}، أي ليس لهم بذلك القول بيان ولا حجة، {وَلاَ لائَبَائِهِمْ}؛ أي ولا حجة لآبائهم الذين مضوا، فأخبر أنهم أخذوا دينهم من آبائهم بالتقليد لا بالحجة والبيان، لأنهم قالوا كان آباؤُنا على هذا.
{كَبُرَتْ كَلِمَةً}، أي عظمت الكلمة.
قرأ الحسن بالضم، ومعناه عظمت كلمة وهي قولهم: {وَقَالُواْ اتخذ الله وَلَدًا سبحانه بَل لَّهُ مَا فِي السماوات والأرض كُلٌّ لَّهُ قانتون} [البقرة: 116] {تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ}، فصارت نصبًا بالتفسير.
{إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا}، أي ما يقولون إلا كذبًا.
{فَلَعَلَّكَ باخع نَّفْسَكَ}، أي قاتل نفسك أسفًا وحزنًا {على ءاثارهم}، أي على أعمالهم.
{إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بهذا الحديث أَسَفًا}، أي بهذا القرآن أسفًا؛ والأسف المبالغة في الحزن والغضب، وهو منصوب لأنه مصدر في موضع الحال.
{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لَّهَا}، أي ما على وجه الأرض من الرجال زينة لها، أي للأرض؛ ويقال: جعلنا ما على الأرض من النبات والأشجار والأنهار زينة لها أي للأرض {لِنَبْلُوَهُمْ}، أي لنختبرهم {أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلًا}، أي أخلص؛ ويقال: أيهم أخلص في الزهد في الدنيا وأترك لها.
{وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا}، أي ما على الأرض في الآخرة من شيء من الزهرة.
{صَعِيدًا جُرُزًا}، أي ترابًا أملس لا نبات فيه وقال القتبي: الصعيد المستوي قال: ويقال وجه الأرض، ومنه يقال للتراب صعيد، لأنه وجه الأرض والجرز الذي لا نبات فيه.
يقال أرض جرز وسنة جرز، إذا كان فيه جدوبة.
{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أصحاب الكهف}، أي غار في الجبل {والرقيم} الكتاب؛ وقال قتادة: دراهمهم؛ وقال عكرمة، عن ابن عباس قال: كل القرآن أعلمه إلا أربعة غسلين، وحنان، والأواه، والرقيم، وقال القتبي: الرقيم لوح كتب فيه خبر أصحاب الكهف، ونصب على باب الكهف؛ والرقيم الكتاب وهو فعيل بمعنى مفعول وبِهِ كِتَابٌ مَرْقُومٌ أي مكتوب؛ وقال الزجاج: هو اسم الجبل الذي فيه الكهف؛ وقال كعب الأحبار: الرَّقِيمُ اسم القرية.
روي عن ابن عباس أن قريشًا اجتمعوا وكان فيهم الوليد بن المغيرة، والعاصي بن وائل السهمي، وأبو جهل بن هشام، وأمية وأبي أبناء خلف والأسود بن عبد المطلب، وسائر قريش، فبعثوا منهم خمسة رهط إلى يهود يثرب أي يهود المدينة فسألوهم عن محمد وعن أمره وصفته، وأنه خرج من بين أظهرنا ويزعم أنه نبي مرسل، واسمه محمد، وهو فقير يتيم.
فلما قدموا المدينة، أتوا أحبارهم وعلماءهم، فوجدوهم قد اجتمعوا في عيد لهم، فسألوهم عنه؛ ووصفوا لهم صفته فقالوا لهم: نجده في التوراة كما وصفتموه لنا، وهذا زمانه.
ولكن سلوه عن ثلاث خصال؛ فإن أخبركم بخصلتين ولم يخبركم بالثالثة، فاعلموا أنه نبي فاتبعوه؛ فإنا قد سألنا مسيلمة الكذاب عن هؤلاء، فلم يدر ما هن، وقد زعمتم أنه يتعلم من مسيلمة الكذاب.
سلوه عن أصحاب الكهف، أي قصوا عليه أمرهم؛ وسلوه عن ذي القرنين أن كان ملكًا وكان أمره كذا وكذا؛ وسلوه عن الروح: فإن أخبركم عن قليل أو كثير فهو كاذب.
ففرحوا بذلك، فلما رجعوا وأخبروا أبا جهل، ففرح وأتوه، فقال أبو جهل: إنا سائلون عن ثلاث خصال.
فسألوه عن ذلك، فقال لهم: ارجعوا غدًا أخبركم، ولم يقل: إن شاء الله.
فرجعوا ولم ينزل عليه جبريل إلى ثلاثة أيام وفي رواية الكلبي إلى خمسة عشر يومًا، وفي رواية الضحاك إلى أربعين يومًا فجعلت قريش تقول: يزعم محمد أنه يخبرنا غدًا بما سألناه، وقد مضى كذا وكذا يومًا؛ فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم أتاه جبريل، فقال لجبريل: لقد علمت ما سألني عنه قومي، فلم أبطأت علي؟ فقال: أنا عبد مثلك {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذلك وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64]؛ وقال: {وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَىْءٍ إِنِّى فَاعِلٌ ذلك غَدًا إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله واذكر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عسى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّى لًاقْرَبَ مِنْ هذا رَشَدًا} [الكهف: 23-24].
وكان المشركون يقولون: إن ربه قد ودعه وأبغضه، فنزل: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قلى} [الضحى: 3] ونزل: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أصحاب الكهف والرقيم} {كَانُواْ مِنْ ءاياتنا عَجَبًا}.
فلما قرأ عليهم، قالوا: هذان ساحران، يعني: محمدًا وموسى عليهما السلام ولم يصدقوه.
وقوله: {عَجَبًا} يقول هم عجب، وأمرهم أعجب، وغيرهم مما خلقت أعجب منهم، الشمس والقمر والجبال والسموات والأرض أعجب منهم.
ثم بيَّن أمرهم، فقال تعالى: {إِذْ أَوَى الفتية إِلَى الكهف}، أي صاروا إِليه وجعلوه مأواهم.
والفتية جمع فتى، غلام وغلمة، وصبي وصبية.
{فَقَالُواْ رَبَّنَا ءاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً}، أي ثبتنا على الإسلام.
{وَهَيّىء لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا}، أي هب لنا من أمرنا مخرجًا.
{فَضَرَبْنَا على ءاذَانِهِمْ}، أي أنمناهم وألقينا عليهم النوم؛ وقال الزجاج: {فَضَرَبْنَا على ءاذَانِهِمْ}؛ أي منعناهم أن يسمعوا، لأن النائم إذا سمع انتبه.
{فِى الكهف سِنِينَ عَدَدًا}؛ ويراد بذكر العدد التأكيد، لأن الكثير يحتاج أن يعد.
وإنما صار نصبًا، لأنه مصدر.
قال ابن عباس في حديث أصحاب الكهف أنه قال: إن مدينة كانت بالروم ظهر عليها ملك من الملوك يقال له دقيانوس، غلب على مدينتهم وأرضهم؛ وكانت المدينة تسمى أفسوس، فجعل يدعوهم إلى عبادة الأوثان ويقتلهم على ذلك؛ فمن كفر بالله واتبع دينه، تركه.
فهدى الله شابًا من أهل تلك المدينة إلى دين الإسلام، فجعل يدعوهم سرًا حتى تابعه على ذلك سبعة غلمة، ففطن لهم الملك، فأرسل إليهم وأخذهم ودفعهم إلى آبائهم يحفظونهم، حتى يرسل إليهم من يطلبهم من آبائهم.
فأَرسل إليهم فهربوا، فقالت آباؤهم: والله لقد خرجوا من عندنا بالأمس، فما ندري أَين هم.
فمروا بغلام راعٍ ومعه كلب له، فدعوه إلى أمرهم فأعجبه ذلك، فتابعهم عليه.
فمضى معهم واتبعه كلبه، حتى أَتوا غارًا أي كهفًا فدخلوا فيه.
ثم أرسلوا بعضهم إلى السوق، ليشتري لهم طعامًا من السوق فركب الملك والناس معه في طلبهم، وهم يسألون عنهم.
فسمع رسولهم بذلك، فعجَّل أن يشتري لهم كل الذي أرادوا؛ فاشترى بعضه وأتاهم فأخبرهم أن الملك والناس في طلبهم، فأكلوا ما أتاهم به ولم يشبعوا.
ثم ناموا على وجوههم، فضرب الله على آذانهم بالنوم سنين عددًا.
وسار الملك والناس معه، حتى انتهوا إلى باب الكهف، فوجدوا آثارهم داخلين ولم يجدوا آثارهم خارجين؛ فدخلوا الكهف فأعمى الله عليهم، فطلبوهم فلم يجدوا شيئًا.
فقال الملك: سدوا عليهم باب الكهف، حتى يموتوا فيه، فيكون قبرهم إن كانوا فيه.
ثم انصرف الملك والناس معه، فعمد رجلان مسلمان يكتمان إيمانهما إلى لوح من رصاص، فكتبا فيه أسماء الفتية وأسماء آبائهم ومدينتهم، وأنهم خرجوا فرارًا من دقيانوس الملك الكافر؛ فمن ظهر عليهم، يعلم بأنهم مسلمون.
وأَلْزَقَاهُ في السد من داخل الكهف.
وقال في رواية السدي، في قصة أصحاب الكهف: كان في المدينة فتية ليس منهم أحد يعرف صاحبه، فخرج ملكهم مخرجًا له وخرج الفتية ومنهم واحد له كلب، وليس منهم أحد إلا وهو يقول في نفسه: إن رأيت أحدًا استضعف، دعوته إلى الإيمان بالله.
فلما رجع الناس، تخلف الفتية فاجتمعوا على باب المدينة، وقد أغلق الباب دونهم، فطلبوا أن يدخلوا فلم يفتح لهم.
فقال بعضهم: إني أسر إليكم أمرًا، فإن تابعتموني عليه رشدتم.
فقص عليهم أمره، فقالوا جميعًا نحن على هذا آنذاك.
قوله عز وجل: {إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ السموات والأرض} الآية، فصاروا إلى الكهف فدخلوه ورقدوا فيه، ورقد الكلب بفناء الكهف؛ فضرب الله على آذانهم بالنوم.
فلما فقدهم أهلوهم، انطلقوا إلى الملك فأخبروه.
فدعا بصخرة، فكتب فيها أسماءهم وكتب فيها أنهم هلكوا في زمن كذا، ثم ضربها في سور المدينة على الباب وهو الرقيم.
وفي رواية وهب بن منبه قال: جاء حواريّ من حواريي عيسى ابن مريم عليهما السلام إلى مدينة أَصحاب الكهف، فأَراد أن يدخلها فقيل له: إن على بابها صنمًا لا يدخلها أحد إِلاَّ سجد له.
فكره أن يدخلها؛ وأتى حمامًا كان قريبًا من تلك المدينة، فكان يعمل فيه يعني: أجّرَ نفسه من صاحب الحمام فرأى صاحب الحمام.
في حمامه البركة، ودر عليه الرزق، واجتمع إليه فتية من أهل المدينة، فكان يخبرهم بخبر السماء والأرض وخبر الآخرة، حتى آمنوا به وصدقوه.
وكانوا على مثل حاله في حسن الهيئة، فكانوا في ذلك حتى جاء ابن الملك بامرأة، فدخل بها الحمام، فماتا في الحمام جميعًا.
فأتي الملك، فقيل له: صاحب الحمام قتل ابنك: فالتمسه، فلم يقدر عليه.
فقال: من كان يصحبه فسموا الفتية، فالتمسوهم فخرجوا من المدينة.
فمروا بصاحب لهم في زرع له، وكان على مثل أمرهم، فذكروا له أنهم التمسوا؛ فانطلق معهم ومعه الكلب، حتى آواهم الليل إلى الكهف، فدخلوه، وقالوا: نبيت ها هنا الليلة، ثم نصبح إن شاء الله، فترون رأيكم.
فضرب على آذانهم.
فخرج الملك في أصحابه يتبعونهم، حتى وجدوا آثارهم وقد دخلوا الكهف، فلما أراد رجل منهم أن يدخل الكهف، أرب فلم يطق أحد أن يدخل عليهم، فقال له قائل: ألست لو كنت قدرت عليهم قتلتهم؟ فسد عليهم باب الكهف ودعهم حتى يموتوا عطشًا وجوعًا، ففعل ذلك.
ثم إن راعيًا احتاج أن يبني حظيرة لغنمه، فهدم ذلك السد وبنى عليه لغنمه، فصار باب الكهف مفتوحًا.
وكلما غزا تلك المدينة فظهر عليها، أظهر علامته.
إن كان مسلمًا أظهر علامة المسلمين، وإن كان كافرًا أظهر علامة المشركين.
ثم مات دقيانوس، وملك ملك آخر مسلم، فأظهر علامة المؤمنين بالمدينة، وكان يقال له: ستفاد الملك.
ثم إن أصحاب الملك استيقظوا بعد ثلاثمائة سنة وتسع سنين، فنظر واحد منهم إلى الشمس وقد دنت إلى الغروب ويقال: عند زوال الشمس فقال: كم لبثتم؟ قالوا: لبثنا يومًا أو بعض يوم.
فقال كبيرهم: لا تختلفوا، فإنه لم يختلف قوم إلا هلكوا.
ثم قال: فقال الآخرون: {وكذلك بعثناهم لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فابعثوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذه إلى المدينة فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أزكى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} [الكهف: 19]، أي أحلَّ وأظهر، لأنهم كانوا يذبحون الخنازير.
فدفعوا الدراهم إلى رجل يقال له تمليخا.
فلما انتهى إلى باب الكهف، رأى حجارة مكسرة على بابه فقال: إن هذا شيء ما رأيناه بالأمس.
فلما خرج، أنكر الطريق، فدنا إلى باب المدينة، فلم يعرفها.
فلما دخل المدينة لم يعرف أحدًا من الناس، فأشكل عليه فقال: لعل هذه غير تلك المدينة.
فسأل إنسانًا، فقال: أي مدينة هذه؟ فقال: أقسوس.
فقال: لقد أصابني شر وتغير عقلي؛ فهذه مدينتنا، ولا أعرفها ولا أعرف أحدًا من أهلها.
فأخرج الدراهم، وجاء إلى الخباز ودفعها إليه؛ فأخذ الخباز الدراهم فأنكرها، وقال: من أين لك هذه الدراهم؟ لقد وجدت كنزًا لتخبرني، وإلا دفعتك إلى الملك.
وكان كل ملك يحدث بعد آخر، يضرب دراهم على سكته وختمه؛ فمن وجد معه دراهم غير تلك الدراهم، علم أنه كنز.
فلما وجدوا معه تلك الدراهم، قالوا: هذا كنز.
فقال: هذه الدراهم ما أخرجت من المدينة إلا أمس.
فظن الخباز أنه يتجانن عليه ليرسله، فقال له: لقد علمت أنك تتجانن علي.
لا أرسلك حتى تعطيني من هذا الكنز، وإلا دفعتك إلى الملك.
اجتمع الناس عليه وذهبوا به إلى الملك، فجعل تمليخا يبكي خوفًا من الملك، وأن يرفع إلى ملكهم الجبار الذي فرّ منه فلما رأى أنّ الذي أدخل على غيره سكن فقال له الملك: من أين لك هذه الدراهم؟ فقال: خرجت بها عشية أمس أنا وأصحاب لي فرارًا من دقيانوس الملك.
فقال: إنك رجل شاب، وذلك الملك قد مضى عليه دهر طويل.
فما أنا بالذي أرسلك، حتى تخبرني من أين لك هذه الدراهم؟ فقص عليه أمره وأمر أصحابه، فقال: أُنَاسٌ من المسلمين قد أخبروا بقصتهم، أن آباءنا أخبرونا أن فتية قد خرجوا بدينهم وهم مسلمون فرارًا من دقيانوس الملك؛ وإنا والله لا ندري ولعله صادق.
فاركب وانظر لعله شيء أراد الله أن يظهرك عليه، أو يكون في ولايتك، فركب الملك وركب معه الناس، المسلم والكافر، حتى انتهوا إلى الكهف.