فصل: قال الزمخشري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{ثلاثمائة سنين} مضاف غير منّون، قرأها حمزة، والكسائي والباقون بالتنوين يعني: ولبثوا في كهفهم سنين ثلاثمئة. وقال الضحّاك ومقاتل: نزلت: {وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِاْئَةٍ} فقالوا: أيّامًا أو سنين؟ فنزلت {سِنِينَ} فلذلك قال: {سِنِينَ} ولم يقل: سنة. {وازدادوا تِسْعًا قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ لَهُ غَيْبُ السماوات والأرض أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} يعني: ما أبصر الله بكل موجود وأسمعه بكل مسموع {مَا لَهُم}، أي لأهل السماوات والأرض {مِّن دُونِهِ} من دون الله {مِن وَلِيٍّ}: ناصر، {وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} من الأصنام وغيرها.
{واتل} أي واقرأ يا محمد {مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ}، يعني: القرآن، واتّبع ما فيه {لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ}، قال الكلبي: لا مغير للقرآن. وقال محمد بن جرير: يعني: لا مغير لما أوعد بكلماته أهل معاصيه والمخالفين لكتابه. {وَلَن تَجِدَ} أنت {مِن دُونِهِ} إن لم تتبع القرآن وخالفته {مُلْتَحَدًا}، قال ابن عباس: حرزًا. وقال الحسن: مدخلا. وقيل: معدلا. وقيل: موئلا وقال مجاهد ملجأً، وأصله من الميل، ومنه لحد القبر.
{واصبر نَفْسَكَ} الآية قال المفسرون: نزلت في عيينة بن حصين الفزاري، وذلك أنه أتى النبّي صلى الله عليه وسلم قبل نزول هذه الآية، وعنده بلال وصهيب وخباب وعمار وعامر بن فهيرة ومهجع وسلمان، وعلى سلمان شملة قد عرق فيها وبيده خوصة يشتقها ثمّ ينسجها، فقال عيينة للنبّي صلى الله عليه وسلم أما يؤذيك ريح هؤلاء؟ فوالله لقد آذانا ريحهم. وقال: نحن سادات مضر وأشرافها فإن أسلمنا أسلم الناس وإن أبينا أبى الناس، وما يمنعنا من اتّباعك إلاّ هؤلاء، فنحِّ هؤلاء حتّى نتبعك، واجعل لنا مجلسًا ولهم مجلسًا.
فأنزل الله عز وجّل: {واصبر}: واحبس {نَفْسَكَ مَعَ الذين يَدْعُونَ}: يعبدون ربهم ويوقّرون {رَبَّهُم بالغداة والعشي}، أي طرفي النهار {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}، يعني: يريدون الله عزّ وجلّ لا يريدون عرضًا من الدنيا. والمراد منه: الحسنة وترك الريّاء. قال قتادة: يعني: صلاة الصبح والعصر. وقال كعب الأحبار: والذي نفسي بيده إنّهم لأهل الصّلوات المكتوبة. قال قتادة: نزلت هذه الآية في أصحاب الصفة، وكانوا سبعمئة رجل فقراء لزموا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرجعون إلى تجارة ولا إلى زرع ولا ضرع، يصلّون صلاة وينتظرون أُخرى. قال قتادة: فلما نزلت هذه الآية قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «الحمد لله الذي جعل في أُمّتي من أمرت أن أصبر معهم».
{وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ}: لا تصرف ولا تجاوز عيناك {عَنْهُمْ} إلى غيرهم {تُرِيدُ زِينَةَ الحياة الدنيا}، يعني مجالسة الرؤساء والأغنياء والأشراف.
ومعنى الآية: ولا تعدُ عيناك عنهم مريدًا زينة الدنيا حال خوضهم في الاستغفار لأنه حكم على النبّي صلى الله عليه وسلم بإرادته الدنيا. {وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا} أي تركنا قلبه وأنسيناه ذكرنا. قال أبو العالية: يعني: أُميّة بن خلف الجمحي. وقال غيره: يعني عيينة بن حصين، {واتبع هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}، قال قتادة والضحّاك ومجاهد: ضياعًا. وقال داود: ندمًا. وقال حباب: هلاكًا. وقال ابن زيد: مخالفًا للحق. وقال مقاتل بن حيّان: سرفًا. وقال الأخفش: مجاوزًا للحد. وقال الفرّاء: متروكًا. وقيل: باطلًا. وقال أبو زيد البلخي: قُدُمًا في الشر. قال أبو عبيد: هو من قول العرب: فرس فرط إذا سبقت الخيل، وفرط القول منّي أي سبق. وقيل: معناه ضيّع أمره وعطّل أيامه، قالوا: أن المؤمن من يستعمل الأوقات، ولا تستعمله الأوقات.
{وَقُلِ الحق مِن رَّبِّكُمْ}، الحقُ: رفع على الحكاية، وقيل: هو رفع على خبر ابتداء مضمر معناه: وقل هو الحقّ من ربكّم، يعني: ما ذكر من القرآن والإيمان وشأن محمد صلى الله عليه وسلم وقيل: هو رفع على الابتداء وخبره في قوله: {مِن رَّبِّكُمْ}، ومعنى الآية: وقل يا محمّد لهؤلاء الّذين أغفلنا قلوبهم عن ذكرنا: أيُّها الناس، مِن ربكم الحقُّ، وإليه التوفيق والخذلان، وبيده الضلالة والهدى، يهدي من يشاء فيؤمن، ويضل من يشاء فيكفر ليس إليّ من ذلك شيء، ولست بطارد المؤمنين لكم، فإن شئتم فآمنوا، وإن شئتم فاكفروا؛ فإنكم إن كفرتم فقد أعدّ لكم ربكم على كفركم نارًا أحاط بكم سرادقها، وإن آمنتم وأطعتم فإن لكم ما وصف الله عزّ وجلّ لأهل طاعته.
وقوله: {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} ليس بترخيص وتخيير، إنما هو وعيد وتهديد، كقوله: {اعملوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40]. قال ابن عباس: من شاء الله له الاِيمان آمن، ومن شاء له الكفر كفر، وهو قوله: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله} [الإنسان: 30].
{إِنَّا أَعْتَدْنَا}: أعددنا وهيّأنا، من العتاد، وهو العدّة {لِلظَّالِمِينَ}: للكافرين {نَارًا}، وفيه دليل على أن النار مخلوقة؛ لأنها لو لم تكن مخلوقة موجودة معدّة لكان المخبر كذّابًا، وتعالى الله عن ذلك.
وقوله: {أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا}، روى سعيد الخدري عن النبّي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سرادق النار أربعة جدر كُثُف، كل واحد مسيرة أربعين سنة» وقال ابن عباس: هو حائط من نار. الكلبي: هو عَنَق يخرج من النار فيحيط بالكفّار كالحظيرة. وقال القتيبي: السّرادق الحجرة التي تكون حول الفسطاط. قال رؤبة:
يا حكم بن المنذر بن الجارودْ ** سرادق المجد عليك ممدودْ

وقال سلامة بن جندل:
هو المدخل النعمان بيتًا سماؤه ** صدور الفيول بعد بيت مسردق

وهو هاهنا دخان يحيط بالكفار يوم القيامة، وهو الذي ذكره الله في سورة المرسلات: {انطلقوا إلى ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ} [المرسلات: 30]. {وَإِن يَسْتَغِيثُواْ} من شدة العطش {يُغَاثُواْ بِمَاءٍ كالمهل}، روى أبو مسلم عن أبي سعيد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «{بِمَاءٍ كالمهل} قال: كعُكر الزّيت، فإذا قرب إليه سقطت فروة وجهه فيه» وقال ابن عباس: ماء غليظ مثل دردي الزيت. وقال الأعمش: هو عصارة الزيت. ومجاهد: القيح والدم. قال الضحّاك: المهل ماء أسود، وإن جهنم سوداء، ماؤها أسود، وشجرها أسود، وأهلها سود. وقال أبو عبيدة: كل ما أُذيب من جواهر الأرض.
وروى روح بن عبادة، عن سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أن ابن مسعود أُهديت له سقاية من ذهب وفضّة، فأمر بأُخدود فخُدّ في الأرض، ثمّ قذف فيه من جزل الحطب، ثمّ قذف فيه تلك السقاية، فلما أزبدت وانماعت، قال لغلامه: ادعُ من بحضرتك من أهل الكوفة. فدعا رهطًا، فلما دخلوا عليه قال: أترون هذا؟ قالوا: نعم. قال: ما رأينا في الدنيا شبهًا بالمهل أدنى من هذا الذهب والفضّة حين أزبد وانماع. وقال سعيد بن جبير: المهل الذي قد انتهى حرّه. وقال أبو عبيدة: سمعت المنتجع بن نبهان وذكر رجلًا، فقال: هو أبغض إلىّ من الطليا والمهل، فقلت له: ما المهل؟ قال: الملّة التي تحدّد من جوانب الرغيّف من النار، أحمر شديد الحمرة كأنّها الرمانة، وهي جمرة والطليا: الناقة المطليّة بالقطران. {يَشْوِي الوجوه}، قال سعيد بن جبير: إذا جاع أهل النار استغاثوا بشجرة الزّقوم فيأكلون منها فاختلست جلودهم ووجوههم، فلو أن مارًّا مرّ يعرفهم لعرف جلود وجوههم فيها، ثمّ يصّب عليهم العطش فيستغيثون فيغاثون بماء كالمهل، وهو الذي قد انتهى حرّه، فإذا أدنوه من أفواههم اشتوى من حرّه لحوم وجوههم التي قد سقطت عنها الجلود.
{بِئْسَ الشراب} هذا، {وَسَاءَتْ} النار {مُرْتَفَقًا}، قال ابن عباس: منزلًا. مجاهد: مجتمعًا. عطاء: مقرًّا. وقيل: مهادًا. وقال القتيبي: مجلسًا. وأصل: المرتفق المتّكأ، يقال منه: ارتفقت، إذا اتّكأت على المرتفق. قال الشاعر:
قالت له وارتفقت ألا فتى ** يسوق بالقوم غزالات الضحى

ويقال: ارتفق الرجل، إذا بات على مرفقه لا يأتيه نوم. قال أبو ذويب الهذلي:
نام الخلي وبتّ الليل مرتفقًا ** كأن عيني فيها الصاب مذبوح

أي مقطوع من معتضده، والصاب: شجر اذا استؤصل خرج منه كهيئة اللبن، وربما ترتفع منه تربة أي فطرة، فيقع في العين فكأنها شهاب نار، وربما أضعف البصر. ويجوز أن يكون قوله: {مُرْتَفَقًا} من الرفق والمنفعة.
{إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا}. ليس قوله: {إِنَّا لاَ نُضِيعُ} خبرًا لقوله: {إِنَّ الذين آمَنُواْ} بل هو كلام معترض، وخبر {إِنَّ} الأُولى قوله: {أولئك لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ}. ومثله في الكلام كثير، قال الشاعر:
إنّ الخليفة إنّ الله سربله ** سربال ملك به ترجى الخواتيم

ومنهم من قال: فيه إضمار؛ فإن معناه: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات فإنا لا نضيع أجره بل نجازيه.
ثمّ ذكر الجزاء فقال: {أولئك لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ}، ووهي الإقامة {تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنهار يُحَلَّوْنَ}: يلبسون {فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ}، وهو جمع الأسوار، قال سعيد بن جبير: يُحلّى كل واحد منهم ثلاثةً من الأساور، واحدًا من فضّة، وواحدًا من ذهب، ووحدًا من لؤلؤ ويواقيت. {مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُنْدُسٍ}، وهو ما رقّ من الديباج {وَإِسْتَبْرَقٍ}، وهو ما غلظ منه. وقيل: هو فارسيّ معّرب {مُّتَّكِئِينَ فِيهَا}: في الجنان {عَلَى الأرآئك}، وهي السّرر في الحجال، واحدتها: أريكة {نِعْمَ الثواب وَحَسُنَتْ} يعني: الجنان {مُرْتَفَقًا}. اهـ.

.قال الزمخشري:

سورة الكهف:
مكية إلا آية 38 ومن آية 83 إلى غاية آية 101 فمدنية، وآياتها 110 نزلت بعد الغاشية.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

.[سورة الكهف: الآيات 1- 5].

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) ماكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا (5)}.
لقن اللّه عباده وفقههم كيف يثنون عليه ويحمدونه على أجزل نعمائه عليهم وهي نعمة الإسلام، وما أنزل على عبده محمد صلى اللّه عليه وسلم من الكتاب الذي هو سبب نجاتهم وفوزهم {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا} ولم يجعل له شيئا من العوج قط، والعوج في المعاني كالعوج في الأعيان، والمراد نفى الاختلاف والتناقض عن معانيه، وخروج شيء منه من الحكمة والإصابة فيه. فإن قلت: بم انتصب {قَيِّمًا}؟ قلت: الأحسن أن ينتصب بمضمر ولا يجعل حالا من الكتاب، لأنّ قوله: {وَلَمْ يَجْعَلْ} معطوف على أنزل، فهو داخل في حيز الصلة، فجاعله حالا من الكتاب فاصل بين الحال وذى الحال ببعض الصلة، وتقديره: ولم يجعل له عوضا جعله قيما، لأنه إذا نفى عنه العوج فقد أثبت له الاستقامة. فإن قلت: ما فائدة الجمع بين نفى العوج وإثبات الاستقامة، وفي أحدهما غنى عن الاخر؟ قلت: فائدته التأكيد، فرب مستقيم مشهود له بالاستقامة ولا يخلو من أدنى عوج عند السير والتصفح. وقيل: قيما على سائر الكتب مصدقا لها، شاهدا بصحتها. وقيل: قيما بمصالح العباد وما لابد لهم منه من الشرائع. وقرئ: {قيما}.
{أنذر} متعدّ إلى مفعولين، كقوله: {إنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذابًا قَرِيبًا} فاقتصر على أحدهما، وأصله لِيُنْذِرَ {الذين} كفروا {بَأْسًا شَدِيدًا} والبأس من قوله: {بِعَذابٍ بَئِيسٍ} وقد بؤس العذاب وبؤس الرجل بأسا وبآسة {مِنْ لَدُنْهُ} صادرا من عنده. وقرئ: {من لدنه}، بسكون الدال مع إشمام الضمة وكسر النون {وَيُبَشِّرَ} بالتخفيف والتثقيل. فإن قلت: لم اقتصر على أحد مفعولي أنذر؟ قلت: قد جعل المنذر به هو الغرض المسبوق إليه، فوجب الاقتصار عليه.
والدليل عليه تكرير الإنذار في قوله: {وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} متعلقا بالمنذرين من غير ذكر المنذر به، كما ذكر المبشر به في قوله: {أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا} استغناء بتقدّم ذكره.
والأجر الحسن: الجنة {ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} أي بالولد أو باتخاذه، يعني أنّ قولهم هذا لم يصدر عن علم ولكن عن جهل مفرط وتقليد للآباء، وقد اشتملته آباؤهم من الشيطان وتسويله.
فإن قلت: اتخاذ اللّه ولدا في نفسه محال، فكيف قيل: ما لهم به من علم؟ قلت: معناه ما لهم به من علم، لأنه ليس مما يعلم لاستحالته، وانتفاء العلم بالشيء إمّا للجهل بالطريق الموصل إليه، وإما لأنه في نفسه محال لا يستقيم تعلق العلم به. قرئ: {كبرت كلمة}، و{كلمة} بالنصب على التمييز والرفع على الفاعلية، والنصب أقوى وأبلغ. وفيه معنى التعجب، كأنه قيل: ما أكبرها كلمة.
و{تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ} صفة للكلمة تفيد استعظاما لاجترائهم على النطق بها وإخراجها من أفواههم، فإن كثيرا مما يوسوسه الشيطان في قلوب الناس ويحدّثون به أنفسهم من المنكرات لا يتمالكون أن يتفوّهوا به ويطلقوا به ألسنتهم، بل يكظمون عليه تشوّرا من إظهاره، فكيف بمثل هذا المنكر؟ وقرئ: {كبرت} بسكون الباء مع إشمام الضمة. فإن قلت: إلام يرجع الضمير في كبرت؟ قلت: إلى قولهم {اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} وسميت كلمة كما يسمون القصيدة بها.

.[سورة الكهف: آية 6].

{فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)}.
شبهه وإياهم حين تولوا عنه ولم يؤمنوا به وما تداخله من الوجد والأسف على توليهم، برجل فارقه أحبته وأعزته فهو يتساقط حسرات على آثارهم ويبخع نفسه وجدا عليهم وتلهفا على فراقهم. وقرئ: {باخع نفسك}، على الأصل، وعلى الإضافة: أي قاتلها ومهلكها، وهو للاستقبال فيمن قرأ: {إن لم يؤمنوا}. وللمضى فيمن قرأ: {أن لم يؤمنوا}، بمعنى: لأن لم يؤمنوا بِهذَا الْحَدِيثِ بالقرآن أَسَفًا مفعول له، أى: لفرط الحزن. ويجوز أن يكون حالا.
والأسف: المبالغة في الحزن والغضب. يقال: رجل أسف وأسيف.