فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {بالحَقِّ} يجوز فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون مفعولًا به، أي: بسبب إقامة الحق.
الثاني: أن يكون حالًا من المفعول في {أَرْسَلْنَاكَ} أي: أرسلناك ملتبسًا بالحق.
الثالث: أن يكون حالًا من الفاعل، أي: ملتبسين في الحق.
وفيه وجوه:
أحدها: أنه الصدق كقوله تعالى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ} [يونس: 53] أي: صدق وقال ابن عباس رضي الله عنهما: بالقرآن، لقوله تعالى: {بَلْ كَذَّبُواْ بالحق لَمَّا جَاءَهُمْ} [ق: 5].
وقال ابن كيسان: بالإسلام وشرائعه، لقوله تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الحق} [الإسراء: 81]، وقال مقاتل: لم نُرسِلْك عبثًا وإنما أرسناك بالحق لقوله عز وجل: {مَا خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بالحق} [الأحقاف: 3] وعلى هذه الأقوال في تعلّق هذا الجار وجوه:
أحدها: أنه متعلق بالإرسال.
وثانيها: أنه متعلّق بالبشير والنذير أي: أنت مبشر بالحق ومنذر به.
وثالثها: أن يكون المراد من الحق الدين والقرآن، أي أرسلناك بالقرآن حال كونك بشيرًا لمن أطاع الله بالثواب، ونذيرًا لمن كفر بالعقاب، والأولى أن يكون البشير والنذير حالًا من الرسول، أي: أرسلناك بالحق لتكون بشيرًا ونذيرًا لمن اتبعك ونذيرًا لمن كفر بك ويجوز أن يكون بشيرًا ونذيرًا حالًا من {الحق}؛ لأنه يوصف أيضًا بالبشارة والنَّذَارة، وبشير ونذير على صيغة فعيل.
أما بشير فتقول: هو من بَشَرَ مخففًا؛ لأنه مسموع فيهن وفعيل مطرد من الثلاثي.
وأما: نذير فمن الرباعي، ولا ينقاس عَدْل مُفْعِل إلى فَعِيل، إلا أن له هنا مُحَسِّنًا.
قوله تعالى: {وَلاَ تُسْأَلُ} قرأ الجمهور: {تُسْأَلُ} مبنيًّا للمعفول مع رفع الفعل معلى النفي، وفي معنى هذه القراءة وجوه:
أحدها: أن مصيرهم إلى الجحيم، فمعصيتهم لا تضّرك، ولست مسئولًا عن ذلك، وهنو كقوله: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ وَعَلَيْنَا الحساب} [الرعد: 40] وقوله: {عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ} [النور: 54].
الثاني: أنك هَادٍ وليسي لك من الأمر شيء، ولا تَغْتَمّ لكفرهم ومصيرهم إلى العذاب، ونظيره قوله تعالى: {فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر: 8].
الثالث: أنك لا تسأل عن ذَنْب غيرك ويعضد هذه القراءة قراءة أُبَيّ: {وما تسأل}، وقراءة عبدالله {ولن تسأل}.
وقال مقاتل رحمه الله تعالى: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَوْ أنَّ اللهَ تَعَالَى أَنْزَلَ بَأْسَهُ بِاليَهُودِ لآمَنُوا»؛ فأنزل الله تعالى: {وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الجحيم} وقرئ {تَسْألُ} مبينًا للفاعل مرفوعًا أيضًا، وفي هذه الجملة وجهان:
أحدهما: أنه حال، فيكون معطوفًا على الحال قبلها، كأنه قيل: بشيرًا أو نذيرًا، وغيرك مسئول.
والثاني: أن تكون مستأنفةً.
وقرأ نافع ويعقوب: {تَسْأَلْ} على النَّهي، وهذا مستأنف فقط، ولا يجوز أن تكون حالًا؛ لأن الطَّلب لا يقع حالًا. اهـ.

.تفسير الآية رقم (120):

قوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120)}.

.سبب النزول:

في سبب نزولها ثلاثة أقوال:
أحدها: أن يهود المدينة ونصارى نجران كانوا يرجون أن يصلي النبي صلى الله عليه وسلم إلى قبلتهم، فلما صرف إلى الكعبة يئسوا منه، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس.
والثاني: أنهم دعوه إلى دينهم، فنزلت، قاله مقاتل.
والثالث: أنهم كانوا يسألونه الهدنة، ويطمعونه في أنه إن هادنهم وافقوه؛ فنزلت، ذكر معناه الزجاج. اهـ.

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما جرت العادة بأن المبشر يسرّ بالبشير أخبر تعالى أن أهل الكتاب في قسم المنذرين فهم لا يزالون عليه غضابًا فقال عطفًا على ما اقتضاه ما قبله: {ولن ترضى} من الرضى وهو إقرار ما ظهر عن إرادة- قاله الحرالي: {عنك اليهود ولا النصارى} لشيء من الأشياء {حتى تتبع ملتهم} أي حتى تكون بشيرًا لهم، ولن تكون بشيرًا لهم حتى توافقهم فيما أحدثوه من أهوائهم بأن تتبع كتابهم على ما بدلوا فيه وحرفوا وأخفوا على ما أفهمته إضافة الملة إليهم لا إلى صاحبها المعصوم وهو إبراهيم عليه السلام، ويكون ذلك برغبة منك تامة على ما أفهمته صيغة الافتعال وتترك كتابك الناسخ لفروع كتابهم، والملة قال الحرالي: الأخذ والعمل بما في العقل هدايته من إعلام المحسوسات.
ولما قيل ذلك اقتضى الحال سؤالًا وهو: فما أقول؟ فقال: {قل} ولم يقيده بلهم إعراضًا عنهم {إن هدى الله} الذي هو جميع ما أنزل الجامع لصفات الكمال على رسله من كتابي وكتابكم {هو} أي خاصة {الهدى} أي كله مشيرًا بأداة التعريف إلى كمال معناه، وبالحصر إلى أن غيره هو الهوى؛ وأضافه إلى الاسم الأعظم وأكده بأن وأعاده بلفظه وعبر عنه بالمصدر واستعمل فيه ضمير الفصل ردًا لإنكارهم له، فإن اتبعوه كله فآمنوا بأن كتابهم داع إلى كتابك فبشرهم، وإن لم يتبعوه فالزم إنذارهم، وفي الآية إشارة إلى ذلك الكتاب لا ريب فيه.
ثم عطف على ما أفهمه السياق من نحو: فلئن زغت عنه لتتركن الهدى كله باتباع الهوى، قوله: {ولئن اتبعت أهواءهم} الداعية لهم إلى تغيير كتابهم.
قال الحرالي: فأظهر إفصاحًا ما أفهمته إضافة الملة إليهم من حيث كانت وضعًا بالهوى لا هداية نور عقل كما هي في حق الحنيفيين. انتهى.
ولما كان الكلام هنا في أمر الملة التي هي ظاهرة للعقل أسقط من وأتى بالذي بخلاف ما يأتي في القبلة فقال: {بعد الذي} قال الحرالي: أشارت كلمة {الذي} إلى معنى قريب من الظاهر المحسوس كأنه عَلَم ظاهر، ففيه إنباء بأن أدنى ما جاءه من العلم مظهر لإبطال ما هم عليه في وجوه تلبيسهم وأهوائهم {جاءك من العلم} بأنهم على ضلال وأنك على جميع الهدى.
وخاطبهم بذلك صلى الله عليه وسلم والمراد والله أعلم من اتبع أهواءهم بعد الإسلام من المنافقين تمسكًا بولايتهم طمعًا في نصرتهم ولذا ختم بقوله: {ما لك من الله} الذي له الأمر كله ولا كفؤ له، وأكد النفي بالجار فقال: {من ولي ولا نصير}. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما صبر رسوله بما تقدم من الآية وبين أن العلة قد انزاحت من قبله لا من قبلهم وأنه لا عذر لهم في الثبات على التكذيب به عقب ذلك بأن القوم بلغ حالهم في تشددهم في باطلهم وثباتهم على كفرهم أنهم يريدون مع ذلك أن يتبع ملتهم ولا يرضون منه بالكتاب، بل يريدون منه الموافقة لهم فيما هم عليه فبين بذلك شدة عداوتهم للرسول وشرح ما يوجب اليأس من موافقتهم والملة هي الدين ثم قال: {قُلْ إِنَّ هُدَى الله هُوَ الهدى} بمعنى أن هدى الله هو الذي يهدي إلى الإسلام وهو الهدي الحق والذي يصلح أن يسمى هدى وهو الهدى كله ليس وراءه هدى، وما يدعون إلى اتباعه ما هو بهدى إنما هو هوى، ألا ترى إلى قوله: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُمْ} أي أقوالهم التي هي أهواء وبدع، {بَعْدَ الذي جَاءكَ مِنَ العلم} أي من الدين المعلوم صحته بالدلائل القاطعة.
{مَا لَكَ مِنَ الله مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ} أي معين يعصمك ويذب عنك، بل الله يعصمك من الناس إذا أقمت على الطاعة والاعتصام بحبله. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال القرطبي:

{ولن ترضى عنك اليهود} يعني إلا باليهودية، {ولا النصارى} يعني إلا بالنصرانية وهذا شيء لا يتصور إذ لا يجتمع في رجل واحد شيئان في وقت واحد وهو قوله: {حتى تتبع ملتهم} يعني دينهم وطريقتهم. اهـ.

.قال الطبري:

وليست اليهود، يا محمد، ولا النصارى براضية عنك أبدا، فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم، وأقبل على طلب رضا الله في دعائهم إلى ما بعثك الله به من الحق، فإن الذي تدعوهم إليه من ذلك لهو السبيل إلى الاجتماع فيه معك على الألفة والدين القيم. ولا سبيل لك إلى إرضائهم باتباع ملتهم، لأن اليهودية ضد النصرانية، والنصرانية ضد اليهودية، ولا تجتمع النصرانية واليهودية في شخص واحد في حال واحدة، واليهود والنصارى لا تجتمع على الرضا بك، إلا أن تكون يهوديا نصرانيا، وذلك مما لا يكون منك أبدا، لأنك شخص واحد، ولن يجتمع فيك دينان متضادان في حال واحدة. وإذا لم يكن إلى اجتماعهما فيك في وقت واحد سبيل، لم يكن لك إلى إرضاء الفريقين سبيل. وإذا لم يكن لك إلى ذلك سبيل، فالزم هدى الله الذي لجمع الخلق إلى الألفة عليه سبيل. اهـ.
سؤال: فإن قيل لماذا أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يدعوهم إلى هدى الله؟
فالجواب: لأن فيه تكذيب اليهود والنصارى فيما قالوا من أن الجنة لن يدخلها إلا من كان هودا أو نصارى، وبيان أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وأن المكذب به من أهل النار دون المصدق به. اهـ.
سؤال: فإن قيل لم جاء بقوله: {ملتهم} دون ملتيهما؟
فالجواب كما ذكره ابن عطية: جمعهم إيجازًا. اهـ.

.قال ابن عادل:

دلت هذه الآية على أن الكفر ملّة واحدة لقوله تعالى: {مِلَّتَهُمْ} فوحّد الملّة، وبقوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6]، وأمّا قوله صلوات الله وسلامه عليه: «لَا يَتَوارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى» المراد به الإسلام والكفر بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: «لا يُوَرّثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ، وَلا الكَافِرُ المُسْلِمَ». اهـ.
سؤال: لم جمع الأهواء ولم يقل: هواهم؟
فالجواب لأن أهواهم مختلفة. اهـ.

.قال البيضاوي:

{وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَاءهُم} آراءهم الزائفة. والملة ما شرعه الله تعالى لعباده على لسان أنبيائه، من أمللت الكتاب إذا أمليته، والهوى: رأي يتبع الشهوة. اهـ.

.كلام نفيس لأبي حيان في هذه الآية:

والظاهر أن قوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى} خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، علق رضاهم عنه بأمر مستحيل الوقوع منه صلى الله عليه وسلم، وهو اتباع ملتهم. والمعلق بالمستحيل مستحيل، سواء فسرنا الملة بالشريعة، أو فسرناها بالقبلة، أو فسرناها بالقرآن. وقيل: هو خطاب له، وهو تأديب لأمته، فإنهم يعلمون قدره عند ربه، وإنما ذلك ليتأدب به المؤمنون، فلا يوالون الكافرين، فإنهم لا يرضيهم منهم إلا اتباع دينهم. وقيل: هو خطاب له، والمراد أمته، لأن المخاطب لا يمكن ما خوطب به أن يقع منه، فيصرف ذلك إلى من يمكن ذلك منه، مثل قوله: {لئن أشركت ليحبطن عملك} ويكون تنبيهًا من الله على أن اليهود والنصارى يخادعونكم بما يظهرون من الميل وطلب المهادنة والوعد بالموافقة، ولا يقع رضاهم إلا باتباع ملتهم. ووحدت الملة، وإن كان لهم ملتان، لأنهما يجمعهما الكفر، فهي واحدة بهذا الاعتبار، أو للإيجاز فيكون من باب الجمع في الضمير، نظير: {وقالوا كونوا هودًا أو نصارى} لأن المعلوم أن النصارى لن ترضى حتى تتبع ملتهم، واليهود لن ترضى حتى تتبع ملتهم. وقد اختلف العلماء في الكفر، أهو ملة واحدة أو ملل؟ وثمرة الخلاف تظهر في الارتداد من ملة إلى ملة، وفي الميراث، وذلك مذكور في الفقه. اهـ.
سؤال: لم أضاف الأهواء إليهم؟
الجواب: أضاف الأهواء إليهم لأنها بدعهم وضلالاتهم، ولذلك سمى أصحاب البدع: أرباب الأهواء. اهـ.

.أسئلة وأجوبة لابن عاشور:

.سؤال: ما معنى الغاية في قوله: {حتى تتبع ملتهم}:

الجواب: الكناية عن اليأس من اتباع اليهود والنصارى لشريعة الإسلام يومئذ لأنهم إذا كانوا لا يرضون إلا باتباعه ملتهم فهم لا يتبعون ملته، ولما كان اتباع النبيء ملتهم مستحيلًا كان رضاهم عنه كذلك على حد {حتى يلج الجمل في سم الخياط} [الأعراف: 40] وقوله: {لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد} [الكافرون: 2، 3] والتصريح بلا النافية بعد حرف العطف في قوله: {ولا النصارى} للتنصيص على استقلالهم بالنفي وعدم الاقتناع باتباع حرف العطف لأنهم كانوا يظن بهم خلاف ذلك لإظهارهم شيئًا من المودة للمسلمين كما في قوله تعالى: {ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى} [المائدة: 82]. اهـ.

.سؤال: لم أضيف الهدى إلى الله؟ وما نوع القصر في الآية الكريمة؟

الجواب: إضافة الهدى إلى الله تشريف، والقصر إضافي. وفيه تعريض بأن ما هم عليه يومئذ شيء حرفوه ووضعوه، فيكون القصر إما حقيقيًا ادعائيًا بأن يراد هو الهدى الكامل في الهداية فهدى غيره من الكتب السماوية بالنسبة إلى هدى القرآن كلاَ هدى لأن هدى القرآن أعم وأكمل فلا ينافي إثبات الهداية لكتابهم كما في قوله تعالى: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور} [المائدة: 44] وقوله: {وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقًا لما بين يديه من التوراة} [المائدة: 46] وإما قصرًا إضافيًا أي هو الهدى دون ما أنتم عليه من ملة مبدلة مشوبة بضلالات وبذلك أيضًا لا ينتفي الهدى عن كثير من التعاليم والنصايح الصالحة الصادرة عن الحكماء وأهل العقول الراجحة والتجربة لكنه هدى ناقص. اهـ.