فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال البيضاوي:

{الحمد لِلَّهِ الذي أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب} يعني القرآن، رتب استحقاق الحمد على إنزاله تنبيهًا على أنه أعظم نعمائه، وذلك لأنه الهادي إلى ما فيه كمال العباد والداعي إلى ما به ينتظم صلاح المعاش والمعاد. {وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا} شيئًا من العوج باختلال في اللفظ وتناف في المعنى، أو انحراف من الدعوة إلى جانب الحق وهو في المعاني كالعوج في الأعيان.
{قَيِّمًا} مستقيمًا معتدلًا لا إفراط فيه ولا تفريط، أو {قَيِّمًا} بمصالح العباد فيكون وصفًا له بالتكميل بعد وصفه بالكمال، أو على الكتب السابقة يشهد بصحتها، وانتصابه بمضمر تقديره جعله قيمًا أو على الحال من الضمير في {لَهُ}، أو من {الكتاب} على أن الواو {وَلَمْ يَجْعَل} للحال دون العطف، إذ لو كان للعطف لكان المعطوف فاصلًا بين أبعاض المعطوف عليه ولذلك قيل فيه تقديم وتأخير {قَيِّمًا}. {لِّيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا} أي لينذر الذين كفروا عذابًا شديدًا، فحذف المفعول الأول اكتفاء بدلالة القرينة واقتصارًا على الغرض المسوق إليه. {مِن لَّدُنْهُ} صادرًا من عنده، وقرأ أبو بكر بإسكان الدال كإسكان الباء من سبع مع الإشمام ليدل على أصله، وكسر النون لالتقاء الساكنين وكسر الهاء للإِتباع. {وَيُبَشّرَ المؤمنين الذين يَعْمَلُونَ الصالحات أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا} هو الجنة.
{مَّاكِثِينَ فِيهِ} في الأجر. {أَبَدًا} بلا انقطاع.
{وَيُنْذِرَ الذين قَالُواْ اتخذ الله وَلَدًا} خصهم بالذكر وكرر الإنذار متعلقًا بهم استعظامًا لكفرهم، وإنما لم يذكر المنذر به استغناء بتقدم ذكره.
{مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} أي بالولد أو باتخاذه أو بالقول، والمعنى أنهم يقولونه عن جهل مفرط وتوهم كاذب، أو تقليد لما سمعوه من أوائلهم من غير علم بالمعنى الذي أرادوا به، فإنهم كانوا يطلقون الأب والابن بمعنى المؤثر والأثر. أو بالله إذ لو علموه لما جوزوا نسبة الاتخاذ إليه. {وَلاَ لآَبَائِهِمْ} الذين تقولوه بمعنى التبني. {كَبُرَتْ كَلِمَةً} عظمت مقالتهم هذه في الكفر لما فيها من التشبيه والتشريك، وإيهام احتياجه تعالى إلى ولد يعينه ويخلفه إلى غير ذلك من الزيغ، و{كَلِمَةَ} نصب على التمييز وقرئ بالرفع على الفاعلية والأول أبلغ وأدل على المقصود. {تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} صفة لها تفيد استعظام اجترائهم على إخراجها من أفواهم، والخارج بالذات هو الهواء الحامل لها. وقيل صفة محذوف هو المخصوص بالذم لأن كبرها هنا بمعنى بئس وقرئ: {كَبُرَتْ} بالسكون مع الإِشمام. {إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا}.
{فَلَعَلَّكَ باخع نَّفْسَكَ} قاتلها. {على ءاثارهم} إذا ولوا عن الإِيمان، لما يداخله من الوجد على توليهم بمن فارقته أعزته فهو يتحسر على آثارهم ويبخع نفسه وجدًا عليهم. وقرئ: {باخع نَّفْسَكَ} على الإِضافة. {إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بهذا الحديث} بهذا القرآن. {أَسَفًا} للتأسف عليهم أو متأسفًا عليهم، والأسف فرط الحزن والغضب. وقرئ: {أن} بالفتح على لأن فلا يجوز إعمال {باخع} إلا إذا جعل حكاية حال ماضية.
{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض} من الحيوان والنبات والمعادن. {زِينَةً لَّهَا} ولأهلها {لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلًا} في تعاطيه، وهو من زهد فيه ولم يغتر به وقنع منه بما يزجي به أيامه وصرفه على ما ينبغي، وفيه تسكين لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
{وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا} تزهيد فيه، والجرز الأرض التي قطع نباتها. مأخوذ من الجرز وهو القطع، والمعنى إنا لنعيد ما عليها من الزينة ترابًا مستويًا بالأرض ونجعله كصعيد أملس لا نبات فيه.
{أَمْ حَسِبْتَ} بل أحسبت. {أَنَّ أصحاب الكهف والرقيم} في إبقاء حياتهم مدة مديدة. {كَانُواْ مِنْ ءاياتنا عَجَبًا} وقصتهم بالإِضافة إلى خلق ما على الأرض من الأجناس والأنواع الفائتة للحصر على طبائع متباعدة وهيئات متخالفة تعجب الناظرين من مادة واحدة، ثم ردها إليها ليس بعجيب مع أنه من آيات الله كالنزر الحقير. و{الكهف} الغار الواسع في الجبل. و{الرقيم} اسم الجبل أو الوادي الذي فيه كهفهم، أو اسم قريتهم أو كلبهم. قال أمية بن أبي الصلت:
وَلَيْسَ بِهَا إِلاَّ الرَّقِيمُ مُجَاوِرا ** وَصَيْدَهُمُو وَالقَوْمُ فِي الكَهْفِ هُجّدٌ

أو لوح رصاصي أو حجري رقمت فيه أسماؤهم وجعل على باب الكهف. وقيل أصحاب الرقيم قوم آخرون كانوا ثلاثة خرجوا يرتادون لأهلهم، فأخذتهم السماء فأووا إلى الكهف فانحطت صخرة وسدت بابه. فقال أحدهم اذكروا أيكم عمل حسنة لعل الله يرحمنا ببركته، فقال أحدهم: استعملت أجراء ذات يوم فجاء رجل وسط النهار وعمل في بقيته مثل عملهم فأعطيته مثل أجرهم، فغضب أحدهم وترك أجره فوضعته في جانب البيت، ثم مر بي بقر فاشتريت به فصيلة فبلغت ما شاء الله، فرجع إلي بعد حين شيخًا ضعيفًا لا أعرفه وقال: إنه لي عندك حقًا وذكره لي حتى عرفته فدفعتها إليه جميعًا، اللهم إن كنت فعلت ذلك لوجهك فافرج عنا، فانصدع الجبل حتى رأوا الضوء. وقال آخر: كان فِيَّ فضل وأصابت الناس شدة، فجاءتني امرأة فطلبت مني معروفًا فقلت: والله ما هو دون نفسك فأبت وعادت ثم رجعت ثلاثًا، ثم ذكرت لزوجها فقال أجيبي له وأغيثي عيالك، فأتت وسلمت إلي نفسها فلما تكشفتها وهممت بها ارْتَعَدَتْ فقلت: ما لكِ قالت أخاف الله، فقلت لها: خفته في الشدة ولم أخفه في الرخاء فتركتها وأعطيتها ملتمسها، اللهم إن كنت فعلته لوجهك فافرج عنا، فانصدع حتى تعارفوا. وقال الثالث كان لي أبوان هرمان وكانت لي غنم وكنت أطعمهما وأسقيهما ثم أرجع إلى غنمي فحبسني ذات يوم غيث فلم أبرح حتى أمسيت، فأتيت أهلي وأخذت محلبي فحلبت فيه ومضيت إليهما، فوجدتهما نائمين فشق علي أن أوقظهما، فتوقعت جالسًا ومحلبي على يدي حتى أيقظهما الصبح فسقيتهما. اللهم إن كنت فعلته لوجهك فافرج عنا. ففرج الله عنهم فخرجوا وقد رفع ذلك نعمان بن بشير.
{إِذْ أَوَى الفتية إِلَى الكهف} يعني فتية من أشراف الروم أرادهم دقيانوس على الشرك فأبوا وهربوا إلى الكهف، {فَقَالُواْ رَبَّنَا ءاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً} توجب لنا المغفرة والرزق والأمن من العدو. {وَهَيّىء لَنَا مِنْ أَمْرِنَا} من الأمر الذي نحن عليه من مفارقة الكفار. {رَشَدًا} نصير بسببه راشدين مهتدين، أو اجعل أمرنا كله رشدًا كقولك: رأيت منك أسدًا وأصل التهيئة إحداث هيئة الشيء.
{فَضَرَبْنَا على ءاذَانِهِمْ} أي ضربنا عليهم حجابًا يمنع السماع بمعنى أنمناهم إنامة لا تنبههم فيها الأصوات، فحذف المفعول كما حذف في قولهم: بنى على امرأته. {فِى الكهف سِنِينَ} ظرفان لضربنا. {عَدَدًا} أي ذوات عدد، ووصف السنين به يحتمل التكثير والتقليل، فإن مدة لبثهم كبعض يوم عنده.
{ثُمَّ بعثناهم} أيقظناهم. {لِنَعْلَمَ} ليتعلق علمنا تعلقًا حاليًا مطابقًا لتعلقه أولًا تعلقًا استقباليًا. {أَيُّ الحِزْبَيْنِ} المختلفين منهم أو من غيرهم في مدة لبثهم. {أحصى لِمَا لَبِثُواْ أَمَدًا} ضبط أمد الزمان لبثهم وما في أي من معنى الاستفهام علق عنه لنعلم، فهو مبتدأ و{أحصى} خبره. وهو فعل ماضٍ و{أَمَدًا} مفعول له و{لِمَا لَبِثُواْ} حال منه أو مفعول له، وقيل إنه المفعول واللام مزيدة وما موصولة و{أَمَدًا} تمييز، وقيل {أحصى} اسم تفضيل من الإِحصاء بحذف الزوائد كقولهم: هو أحصى للمال وأفلس من ابن المذلق، و{أَمَدًا} نصب بفعل دل عليه {أحصى} كقوله:
وَأضرب مِنَّا بِالسُّيُوفِ القَوَانِسَا

{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بالحق} بالصدق. {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ} شبان جمع فتى كصبي وصبية. {ءَامَنُواْ بِرَبّهِمْ وزدناهم هُدًى} بالتثبيت.
{وَرَبَطْنَا على قُلُوبِهِمْ} وقويناها بالصبر على هجر الوطن والأهل والمال، والجراءة على إظهار الحق والرد على دقيانوس الجبار. {إِذْ قَامُواْ} بين يديه. {فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ السموات والأرض لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إلها لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} والله لقد قلنا قولًا ذا شطط أي ذا بعد عن الحق مفرط في الظلم.
{هَؤُلاء} مبتدأ. {قَوْمُنَا} عطف بيان. {اتخذوا مِن دُونِهِ ءالِهَةً} خبره، وهو إخبار في معنى إنكار. {لَّوْلاَ يَأْتُونَ} هلا يأتون. {عَلَيْهِمْ} على عبادتهم. {بسلطان بَيّنٍ} ببرهان ظاهر فإن الدين لا يؤخذ إلا به، وفيه دليل على أن ما لا دليل عليه من الديانات مردود وأن التقليد فيه غير جائز. {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا} بنسبة الشريك إليه.
{وَإِذِ اعتزلتموهم} خطاب بعضهم لبعض. {وَمَا يَعْبُدُونَ إَلاَّ الله} عطف على الضمير المنصوب، أي وإذا اعتزلتم القوم ومعبوديهم إلا الله، فإنهم كانوا يعبدون الله ويعبدون الأصنام كسائر المشركين. ويجوز أن تكون {مَا} مصدرية على تقدير وإذ اعتزلتموهم وعبادتهم إلا عبادة الله، وأن تكون نافية على أنه إخبار من الله تعالى عن الفتية بالتوحيد معترض بين {إِذْ} وجوابه لتحقيق اعتزالهم. {فَأْوُواْ إِلَى الكهف يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم} يبسط الرزق لكم ويوسع عليكم. {مّن رَّحْمَتِهِ} في الدارين. {وَيُهَيّىء لَكُمْ مّنْ أَمْرِكُمْ مّرْفَقًا} ما ترتفقون به أي تنتفعون، وجزمهم بذلك لنصوع يقينهم وقوة وثوقهم بفضل الله تعالى، وقرأ نافع وابن عامر {مّرْفَقًا} بفتح الميم وكسر الفاء وهو مصدر جاء شاذًا كالمرجع والمحيض فإن قياسه الفتح.
{وَتَرَى الشمس} لو رأيتهم، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لكل أحد. {إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ} تميل عنه ولا يقع شعاعها عليهم فيؤذيهم، لأن الكهف كان جنوبيًا، أو لأن الله تعالى زورها عنهم.
وأصله تتزاور فأدغمت التاء في الزاي، وقرأ الكوفيون بحذفها وابن عامر ويعقوب: {تزور} كتحمر، وقرئ: {تزوار} كتحمار وكلها من الزور بمعنى الميل. {ذَاتَ اليمين} جهة اليمين وحقيقتها الجهة ذات اسم اليمين. {وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ} تقطعهم وتصرم عنهم. {ذَاتَ الشمال} يعني يمين الكهف وشماله لقوله: {وَهُمْ في فَجْوَةٍ مّنْهُ} أي وهم في متسع من الكهف، يعني في وسطه بحيث ينالهم روح الهواء ولا يؤذيهم كرب الغار ولا حر الشمس، وذلك لأن باب الكهف في مقابلة بنات نعش، وأقرب المشارق والمغارب إلى محاذاته مشرق رأس السرطان ومغربه، والشمس إذا كان مدارها مداره تطلع مائلة عنه مقابلة لجانبه الأبيض وهو الذي يلي المغرب، وتغرب محاذية لجانبه الأيسر فيقع شعاعها على جانبيه، ويحلل عفونته ويعدل هواءه ولا يقع عليهم فيؤذي أجسادهم ويبلي ثيابهم. {ذلك مِنْ آيات الله} أي شأنهم وإيواؤهم إلى كهف شأنه كذلك، أو إخبارك قصتهم، أو ازورار الشمس عنهم وقرضها طالعة وغاربة من آيات الله. {مَن يَهْدِ الله} بالتوفيق. {فَهُوَ المهتد} الذي أصاب الفلاح، والمراد به إما الثناء عليهم أو التنبيه على أن أمثال هذه الآيات كثيرة ولكن المنتفع بها من وفقه الله للتأمل فيها والاستبصار بها. {وَمَن يُضْلِلِ} ومن يخذله. {فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّا مُّرْشِدًا} من يليه ويرشده:
{وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا} لانفتاح عيونهم أو لكثرة تقلبهم. {وَهُمْ رُقُودٌ} نيام. {وَنُقَلّبُهُمْ} في رقدتهم. {ذَاتَ اليمين وَذَاتَ الشمال} كيلا تأكل الأرض ما يليها من أبدانهم على طول الزمان. وقرئ: {ويقلبهم} بالياء والضمير لله تعالى، و{تَقَلُبَهُمْ} على المصدر منصوبًا بفعل يدل عليه تحسبهم أي وترى تقلبهم. {وَكَلْبُهُمْ} هو كلب مروا به فتبعهم فطردوه فأنطقه الله تعالى فقال: أنا أحب أحباء الله فناموا وأنا أحرسكم. أو كلب راع مروا به فتبعهم وتبعه الكلب، ويؤيده قراءة من قرأ: و{كالبهم} أي وصاحب كلبهم. {باسط ذِرَاعَيْهِ} حكاية حال ماضية ولذلك أعمل اسم الفاعل. {بالوصيد} بفناء الكهف، وقيل الوصيد الباب، وقيل العتبة. {لَوِ اطلعت عَلَيْهِمْ} فنظرت إليهم، وقرئ: {لَو اطلعت} بضم الواو. {لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا} لهربت منهم، و{فِرَارًا} يحتمل المصدر لأنه نوع من التولية والعلة والحال. {وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} خوفًا يملأ صدرك بما ألبسهم الله من الهيبة أو لعظم أجرامهم وانفتاح عيونهم. وقيل لوحشة مكانهم.
وعن معاوية رضي الله عنه أنه غزا الروم فمر بالكهف فقال: لو كشفت لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم، فقال له ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ليس لك ذلك قد منع الله تعالى منه من هو خير منك فقال: {لَوِ اطلعت عَلَيْهِمْ لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا} فلم يسمع وبعث ناسًا فلما دخلوا جاءت ريح فأحرقتهم.
وقرأ الحجازيان {لَمُلِئْتَ} بالتشديد للمبالغة وابن عامر والكسائي ويعقوب: {رُعْبًا} بالتثقيل.
{وكذلك بعثناهم} وكما أنمناهم آية بعثناهم آية على كمال قدرتنا. {لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ} ليسأل بعضهم بعضًا فتعرفوا حالهم وما صنع الله بهم فيزدادوا يقينًا على كمال قدرة الله تعالى، ويستبصروا به أمر البعث ويشكروا ما أنعم الله به عليهم. {قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} بناء على غالب ظنهم لأن النائم لا يحصي مدة نومه ولذلك أحالوا العلم إلى الله تعالى. {قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} ويجوز أن يكون ذلك قول بعضهم وهذا إنكار الآخرين عليهم. وقيل إنهم دخلوا الكهف غدوة وانتبهوا ظهيرة وظنوا أنهم في يومهم أو اليوم الذي بعده قالوا ذلك، فلما نظروا إلى طول أظفارهم وأشعارهم قالوا هذا ثم لما علموا أن الأمر ملتبس لا طريق لهم إلى علمه أخذوا فيما يهمهم وقالوا: {فابعثوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذه إلى المدينة} والورق الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة، وقرأ أبو بكر وأبو عمرو وحمزة وروح عن يعقوب بالتخفيف. وقرئ بالتثقيل وإدغام القاف في الكاف وبالتخفيف مكسور الواو مدغمًا وغير مدغم، ورد المدغم لالتقاء الساكنين على غير حده، وحملهم له دليل على أن التزود رأي المتوكلين والمدينة طرسوس. {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا} أي أهلها. {أزكى طَعَامًا} أحل وأطيب أو أكثر وأرخص. {فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ} وليتكلف اللطف في المعاملة حتى لا يغبن، أو في التخفي حتى لا يعرف. {وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} ولا يفعلن ما يؤدي إلى الشعور.