فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وهذا القول ضعيف عند أهل البصرة؛ لأنه لو كان مثنى لوجب أن تكون ألفه في النصب والجر ياءً مع الاسم الظاهر، ولأن معنى كِلا مخالف لمعنى كل لأن كُلًا للإحاطة وكِلاَ يدل على شيء مخصوص، وأما هذا الشاعر فإنما حذف الألف للضرورة وقدّر أنها زائدة، وما يكون ضرورة لا يجوز أن يجعل حجة، فثبت أنه اسم مفرد كَمِعَى، إلا أنه وُضع ليدل على التثنية، كما أن قولهم نحن اسم مفرد يدل على اثنين فما فوقهما، يدل على ذلك قول جرير:
كِلاَ يَوْمَيْ أُمامةَ يومُ صَدٍّ ** وإن لم نأتها إلا لِمامَا

فأخبر عن كلا بيوم مفرد، كما أفرد الخبر بقوله: {آتت} ولو كان مثنى لقال آتتا، ويوما.
واختلف أيضًا في ألف {كلتا}؛ فقال سيبويه: ألف {كلتا} للتأنيث والتاء بدل من لام الفعل وهي واو والأصل كِلْوا، وإنما أبدلت تاء لأن في التاء علَم التأنيث، والألف {في كلتا} قد تصير ياء مع المضمر فتخرج عن علم التأنيث، فصار في إبدال الواو تاء تأكيدٌ للتأنيث.
وقال أبو عمر الجَرْمِيّ: التاء ملحقة والألف لام الفعل، وتقديرها عنده: فِعْتَلٌ، ولو كان الأمر على ما زعم لقالوا في النسبة إليها كِلْتَوِيّ، فلما قالوا كِلَوِيّ وأسقطوا التاء دلّ على أنهم أجروها مُجْرى التاء في أخت إذا نسبت إليها قلت أَخَوِيّ؛ ذكره الجوهري.
قال أبو جعفر النحاس: وأجاز النحويون في غير القرآن الحمل على المعنى، وأن تقول: كلتا الجنتين آتتا أكلهما؛ لأن المعنى المختار كلتاهما آتتا.
وأجاز الفراء: كلتا الجنتين آتى أكله، قال: لأن المعنى كل الجنتين.
قال: وفي قراءة عبد الله {كلّ الجنتين آتى أكله}.
والمعنى على هذا عند الفراء: كل شيء من الجنتين آتى أكله.
والأُكُل بضم الهمزة ثمر النخل والشجر.
وكل ما يؤكل فهو أكُل؛ ومنه قوله تعالى: {أُكُلُهَا دَآئِمٌ} [الرعد: 35] وقد تقدم.
{وَلَمْ تَظْلِمِ مِّنْهُ شَيْئًا} أي لم تنقص.
قوله تعالى: {وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا} أي أجرينا وشققنا وسط الجنتين بنهر.
{وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} قرأ أبو جعفر وشَيْبة وعاصم ويعقوب وابن أبي إسحاق {ثَمَر} بفتح الثاء والميم، وكذلك قوله: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} جمع ثمرة.
قال الجوهري: الثمرة واحدة الثمر والثمرات، وجمع الثمر ثمار؛ مثل جبل وجبال.
قال الفراء: وجمع الثمار ثُمُر؛ مثل كتاب وكتب، وجمع الثمر أثمار؛ مثل أعناق وعنق.
والثمر أيضًا المال المُثَمَّر؛ يخفف ويثقّل.
وقرأ أبو عمرو {وكان له ثُمْر} بضم الثاء وإسكان الميم، وفسره بأنواع المال.
الباقون بضمها في الحرفين.
قال ابن عباس: ذهب وفضة وأموال.
وقد مضى في الأنعام نحو هذا مبيَّنًا.
وذكر النحاس: حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرني عمران بن بكار قال حدثنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي قال حدثنا شعيب بن إسحاق قال أخبرنا هارون قال حدثني أبان عن ثعلب عن الأعمش أن الحجاج قال: لو سمعت أحدًا يقرأ: {وكان له ثُمُر} لقطعت لسانه؛ فقلت للأعمش: أتأخذ بذلك؟ فقال: لا ولاَ نِعْمَةَ عينٍ.
فكان يقرأ: {ثُمُر} ويأخذه من جمع الثمر.
قال النحاس: فالتقدير على هذا القول أنه جمع ثمرة على ثمار، ثم جمع ثمار على ثمر؛ وهو حسن في العربية إلا أن القول الأول أشبه والله أعلم؛ لأن قوله: {كِلْتَا الجنتين آتَتْ أُكُلَهَا} يدل على أن له ثمرًا.
قوله تعالى: {فَقَالَ لَصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} أي يراجعه في الكلام ويجاوبه.
والمحاورة المجاوبة، والتحاورُ التجاوب.
ويقال: كلمته فما أحار إليّ جوابًا، وما رجع إليّ حَويرًا ولا حَوِيرة ولا مَحُورة ولا حِوَارًا؛ أي ما ردّ جوابًا.
{أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} النفر: الرهط وهو ما دون العشرة.
وأراد هاهنا الأتباع والخدم والولد، حسبما تقدّم بيانه.
قوله تعالى: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ}.
قيل: أخذ بيد أخيه المؤمن يُطيف به فيها ويُرِيه إيّاها.
{وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ} أي بكفره، وهو جملة في موضع الحال.
ومن أدخل نفسه النار بكفره فهو ظالم لنفسه.
{قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هذه أَبَدًا} أنكر فناء الدار.
{وَمَآ أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً} أي لا أحسب البعث كائنًا.
{وَلَئِن رُّدِدتُّ إلى رَبِّي} أي وإن كان بعثٌ فكما أعطاني هذه النعم في الدنيا فسيعطيني أفضل منه لكرامتي عليه؛ وهو معنى قوله: {لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنْقَلَبًا} وإنما قال ذلك لما دعاه أخوه إلى الإيمان بالحشر والنشر.
وفي مصاحف مكة والمدينة والشام {منهما}.
وفي مصاحف أهل البصرة والكوفة {منها} على التوحيد، والتثنية أولى؛ لأن الضمير أقرب إلى الجنتين. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ}.
حفه: طاف به من جوانبه.
قال الشاعر:
يحفه جانبًا نيق ويتبعه ** مثل الزجاجة لم يكحل من الرمد

وحففته به: جعلته مطيفًا به، وحف به القوم صاروا في حفته، وهي جوانبه.
كلتا: اسم مفرد اللفظ عند البصريين مثنى المعنى ومثنى لفظًا، ومعنى عند البغداديين وتاؤه عند البصريين غير الجرمي بدل من واو فاصله كلوى، والألف فيه للتأنيث وزائدة عند الجرمي، والألف منقلبة عن أصلها ووزنها عنده فعيل.
المحاورة: مراجعة الكلام من حار إذا رجع.
البيدودة الهلاك، ويقال منه: باد يبيد بيودًا وبيدودة.
قال الشاعر:
فلئن باد أهله ** لبما كان يوهل

{واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعًا كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئًا وفجرنا خلالهما نهرًا وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالًا وأعز نفرًا ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدًا وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرًا منها منقلبًا}.
قيل نزلت في أخوين من بني مخزوم الأسود بن عبد الأسود بن عبد ياليل وكان كافرًا، وأبي سلمة عبد الله بن الأسود كان مؤمنًا.
وقيل: اخوان من بني إسرائيل فرطوس وهو الكافر وقيل: اسمه قطفير، ويهوذا وهو المؤمن في قول ابن عباس.
وقال مقاتل: اسمه تمليخا وهو المذكور في الصافات في قوله: {قال قائل منهم إني كان لي قرين} وعن ابن عباس أنهما ابنا ملك من بني إسرائيل أنفق أحدهما ماله في سبيل الله وكفر الآخر واشتغل بزينة الدنيا وتنمية ماله.
وعن مكي أنهما رجلان من بني إسرائيل اشتركًا في مال كافر ستة آلاف فاقتسماها.
وروي أنهما كانا حدادين كسبا مالًا.
وروي أنهما ورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينار، فاشترى الكافر أرضًا بألف وبني دارًا بألف وتزوج امرأة بألف واشترى خدمًا ومتاعًا بألف، واشترى المؤمن أرضًا في الجنة بألف فتصدق به، وجعل ألفًا صداقًا للحور فتصدق به، واشترى الولدان المخلدين بألف فتصدق به، ثم أصابته حاجة فجلس لأخيه على طريقه فمر في حشمه فتعرض له فطرده ووبخه على التصدق بماله.
والضمير في {لهم} عائد على المتجبرين الطالبين من الرسول صلى الله عليه وسلم طرد الضعفاء المؤمنين، فالرجل الكافر بإزاء المتجبرين والرجل المؤمن بإزاء ضعفاء المؤمنين، وظهر بضرب هذا المثل الربط بين هذه الآية والتي قبلها إذ كان من أشرك إنما افتخر بماله وأنصاره، وهذا قد يزول فيصير الغني فقيرًا، وإنما المفاخرة بطاعة الله والتقدير {واضرب لهم مثلًا} قصة {رجلين} وجعلنا تفسير للمثل فلا موضع له من الإعراب، ويجوز أن يكون موضعه نصبًا نعتًا لرجلين.
وأبهم في قوله: {جعلنا لأحدهما} وتبين أنه هو الكافر الشاك في البعث، وأبهم تعالى مكان الجنتين إذ لا يتعلق بتعيينه كبير فائدة.
وذكر إبراهيم بن القاسم الكاتب في كتابه في عجائب البلاد أن بحيرة تنيس كانت هاتين الجنتين وكانتا الأخوين، فباع أحدهما نصيبه من الآخر وأنفقه في طاعة الله حتى عيره الآخر، وجرت بينهما هذه المحاورة قال: فغرقها الله في ليلة وإياهما عنى بهذه الآية.
قال ابن عطية: وتأمل هذه الهيئة التي ذكر الله فإن المرء لا يكاد يتخيل أجل منهما في مكاسب الناس جنتا عنب أحاط بهما نخل بينهما فسحة هي مزدرع لجميع الحبوب والماء المعين، يسقى جميع ذلك من النهر.
وقال الزمخشري: {جنتين من أعناب} بساتين من كروم، {وحففناهما} {بنخل وجعلنا} النخل محيطًا بالجنتين، وهذا مما يؤثره الدهاقين في كرومهم أن يجعلوها مؤزرة بالأشجار المثمرة انتهى.
وقرأ الجمهور: {كلتا الجنتين} وفي مصحف عبد الله كلا الجنتين، أتى بصيغة التذكير لأن تأنيث الجنتين مجازي، ثم قرأ: {آتت} فأنث لأنه ضمير مؤنث، فصار نظير قولهم طلع الشمس وأشرقت.
وقال الفراء في قراءة ابن مسعود: كل الجنتين آتى أكله انتهى فأعاد الضمير على كل.
وقال الزمخشري: جعلها أرضًا جامعة للأقوات والفواكه، ووصف العمارة بأنها متواصلة متشابكة لم يتوسطها ما يقطعها ويفصل بينهما مع الشكل الحسن والترتيب الأنيق، ونعتهما بوفاء الثمار وتمام الأكل من غير نقص ثم بما هو أصل الخير ومادته من أمر الشرب، فجعله أفضل ما يسقى به وهو السيح بالنهر الجاري فيها والأكل الثمر.
وقرأ الجمهور: {وفجرّنا} بتشديد الجيم.
وقال الفراء: إنما شدد {وفجرّنا} وهو نهر واحد لأن النهر يمتد فكان التفجر فيه كله أعلم الله تعالى أن شربهما كان من نهر واحد وهو أغزر الشرب.
وقرأ الأعمش وسلام ويعقوب وعيسى بن عمر بتخفيف الجيم وكذا قرأ الأعمش في سورة القمر، والتشديد في سورة القمر أظهر لقوله: {عيونًا} وقوله هنا {نهرًا} وانتصب {خلالهما} على الظرف أي وسطهما، كان النهر يجري من داخل الجنتين.
وقرأ الجمهور: {نهرًا} بفتح الهاء.
وقرأ أبو السمال والفياض بن غزوان وطلحة بن سليمان بسكون الهاء.
وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن عامر وحمزة والكسائي وابن كثير ونافع وجماعة قراء المدينة: {ثمر} وبثمره بضم الثاء والميم جمع ثمار.
وقرأ الأعمش وأبو رجاء وأبو عمرو بإسكان الميم فيهما تخفيفًا أو جمع ثمرة كبدنة وبدن.
وقرأ أبو جعفر والحسن وجابر بن زيد والحجاج وعاصم وأبو حاتم ويعقوب عن رويس عنه بفتح الثاء والميم فيهما.
وقرأ رويس عن يعقوب {ثمر} بضمهما وبثمره بفتحهما فيمن قرأ بالضم.
قال ابن عباس وقتادة الثمر جميع المال من الذهب والحيوان وغير ذلك.
وقال النابغة:
مهلًا فداء لك الأقوام كلهم ** وما أثمروا من مال ومن ولد

وقال مجاهد: يراد بها الذهب والفضة خاصة.
وقال ابن زيد: هي الأصول فيها الثمر.
وقال أبو عمرو بن العلاء: الثمر المال، فعلى هذا المعنى أنه كانت له إلى الجنتين أموال كثيرة من الذهب والفضة وغيرهما، فكان متمكنًا من عمارة الجنتين.
وأما من قرأ بالفتح فلا إشكال أنه يعني به حمل الشجر.
وقرأ أبو رجاء في رواية {ثمر} بفتح الثاء وسكون الميم، وفي مصحف أُبيّ وآتيناه ثمرًا كثيرًا، وينبغي أن يجعل تفسيرًا.
ويظهر من قوله: {فقال لصاحبه} أنه ليس أخاه، {وهو يحاوره} جملة حالية، والظاهر أن ذا الحال هو القائل أي يراجعه الكلام في إنكاره البعث، وفي إشراكه بالله.
وقيل: هي حال من صاحبه أي المسلم كان يحاوره بالوعظ والدعاء إلى الله وإلى الإيمان بالبعث، والظاهر كون أفعل للتفضيل وأن صاحبه كان له مال ونفر ولم يكن سبروتًا كما ذكر أهل التاريخ، وأنه جاء يستعطيه ويدل على ذلك كونه قابله بقوله: {إن ترن أنا أقل منك مالًا وولدًا} وهذا على عادة الكفار في الافتخار بكثرة المال وعزة العشيرة والتكبر والاغترار بما نالوه من حطام الدنيا، ومقالته تلك لصاحبه بإزاء مقالة عيينة والأقرع للرسول صلى الله عليه وسلم: نحن سادات العرب وأهل الوبر والمدر، فنحِّ عنا سلمان وقرناءه.
وعنى بالنفر أنصاره وحشمه.
وقيل: أولادًا ذكورًا لأنهم ينفرون معه دون الإناث، واستدل على أنه لم يكن أخاه بقوله: {وأعز نفرًا} إذ لو كان أخاه لكان نفره وعشيرته نفر أخيه وعشيرته، وعلى التفسيرين السابقين لا يرد هذا.
أما من فسر النفر بالعشيرة التي هي مشتركة بينهما فيرد، وأفرد الجنة في قوله: {ودخل جنته} من حيث الوجود كذلك لأنه لا يدخلهما معًا في وقت واحد.
وقال الزمخشري: فإن قلت: لم أفرد الجنة بعد التثنية؟ قلت: معناه ودخل ما هو جنته ما له جنة غيرها، يعني أنه لا نصيب له في الجنة التي وعد المتقون فما ملكه في الدنيا هو جنته لا غير، ولم يقصد الجنتين ولا واحدة منهما انتهى.
ولا يتصور ما قال لأن قوله ودخل جنته إخبار من الله تعالى بدخول ذلك الكافر جنته فلابد أن قصد في الإخبار أنه دخل إحدى جنتيه إذ لا يمكن أن يدخلهما معًا في وقت واحد، والمعنى {ودخل جنته} يري صاحبه ما هي عليه من البهجة والنضارة والحسن.
{وهو ظالم لنفسه} جملة حالية أي وهو كافر بنعمة ربه مغتر بما ملكه شاك في نفاد ما خوله.
وفي البعث الذي حاوره فيه صاحبه، والظاهر أن الإشارة بقوله: {هذه} إلى الجنة التي دخلها، وعنى بالأبد أبد حياته وذلك لطول أمله وتمادي غفلته، ولحسن قيامه عليها بما أوتي من المال والخدم فهي باقية مدة حياته على حالها من الحسن والنضارة، والحس يقتضي أن أحوال الدنيا بأسرها غير باقية أو يكون قائلًا بقدم العالم، وأن ما حوته هذه الجنة إن فنيت أشخاص أثمارها فتخلفها أشخاص أخر، وكذا دائمًا.
ويبعد قول من قال: يحتمل أن يشير بهذه إلى الهيئة من السموات والأرض وأنواع المخلوقات، ودل كلامه على أن المحاورة التي كانت بينهما هي في فناء هذا العالم الذي هذه الجنة جزء منه، وفي البعث الأخروي أن صاحبه كان تقرر له هذان الأمران وهو يشك فيهما.
ثم أقسم على أنه إن رد إلى ربه على سبيل الفرض والتقدير وقياس الأخرى على الدنيا وكما يزعم صاحبه ليجدن في الآخرة خيرًا من جنته في الدنيا تطمعًا، وتمنيًا على الله، وادعاء لكرامته عليه ومكانته عنده، وأنه ما أولاه الجنتين في الدنيا إلاّ لاستحقاقه، وأن معه هذا الاستحقاق أين توجه كقوله: {إن لي عنده للحسنى} وأما ما حكى الله تعالى عما قاله العاص بن وائل لأوتين مالًا وولدًا فليس على حد مقالة هذا لصاحبه لأن العاصي قصد الاستخفاف وهو مصمم على التكذيب، وهذا قال ما معناه إن كان ثم رجوع فسيكون حالي كذا وكذا.
وقرأ ابن الزبير وزيد بن عليّ وأبو بحرية وأبو جعفر وشيبة وابن محيصن وحميد وابن مناذر ونافع وابن كثير وابن عامر منهما على التثنية وعود الضمير على الجنتين، وكذا في مصاحف مكة والمدينة والشام.
وقرأ الكوفيون وأبو عمرو {منها} على التوحيد وعود الضمير على الجنة المدخولة وكذا في مصاحف الكوفة والبصرة، ومعنى {منقلبًا} مرجعًا وعاقبة أي منقلب الآخرة لبقائها خير من منقلب الدنيا لزوالها، وانتصب {منقلبًا} على التمييز المنقول من المبتدأ. اهـ.