فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ} حض على القول وتوبيخ على تركه، وتقديم الظرف على المحضض عليه للإيذان بتحتم القول في آن الدخول من غير ريث للقصر، وجاز تقديمه لذلك وجعله فاصلًا بين {لَوْلاَ} وفعلها لتوسعهم في الظروف أي هلا قلت عندما دخلتها {مَا شَاء الله} أي الأمر ما شاء الله أو ما شاء الله تعالى كائن على أن ما موصولة مرفوعة المحل إما على أنها خبر مبتدأ محذوف أو على أنها مبتدأ محذوف الخبر.
ويجوز أن تكون شرطية في محل نصب بشاء والجواب محذوف أي أي شيء شاء الله تعالى كان، وأيًا ما كان فالمراد تحضيضه على الاعتراف بأن جنته وما فيها بمشيئة الله تعالى إن شاء أبقاها وإن شاء أبادها، ودلالة الجملة على العموم الداخل فيه ما ذكر دخولًا أوليًا على التقدير الأول لأن تعريف الأمر للاستغراق، والجملة على هذا تفيد الحصر وأما على غيره فقيل لأن ما شرطية أو موصولة وهي في معنى الشرط والشرط وما في معناه يفيد توقف وجود الجزاء على ما في حيزه فيفيد عدمه عند عدمه فيكون المعنى ما شاء كان وإن لم يشأ لم يكن، ولا غبار على ذلك عند من يقول بمفهوم الشرط، وقدر بعضهم في الثاني من احتمالي الموصولة ما شاء الله هو الكائن حتى تفيد الجملة ما ذكر وليس بشيء كما لا يخفى.
وزعم القفال من المعتزلة أن التقدير هذا ما شاءه الله تعالى والإشارة إلى ما في الجنة من الثمار ونحوها، وهذا كقول الإنسان إذا نظر إلى كتاب مثلًا: هذا خط زيد، ومراده نفي دلالة الآية على العموم ليسلم له مذهب الاعتزال، وكذلك فعل الكعبي والجبائي حيث قالا: الآية خاصة فيما تولى الله تعالى فعله ولا تشمل ما هو من فعل العباد ولا يمتنع أن يحصل في سلطانه سبحانه ما لا يريد كما يحصل فيه ما ينهى عنه، ولا يخفى على من له ذوق سليم وذهن مستقيم أن المنساق إلى الفهم العموم وكم للمعتزلة عدول عن ذلك {لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله} من مقول القول أيضًا أي هلا قلت ذلك اعترافًا بعجزك وإقرارًا بأن ما تيسر لك من عمارتها وتدبير أمرها إنما هو بمعونته تعالى وإقداره جل جلاله، وقد تضمنت هذه الآية ذكرًا جليلًا أيضًا، فقد أخرج أحمد عن أبي هريرة قال: قال لي نبي الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة تحت العرش؟ قلت: بلى. قال. أن تقول لا قوة إلا بالله قال عمرو بن ميمون: قلت لأبي هريرة: لا حول ولا قوة إلا بالله فقال: لا إنها في سورة الكهف {ولولا إذ دخلت}» الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن مرة قال: «إن من أفضل الدعاء قول الرجل ما شاء الله»، وأخرج أبو يعلى وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنعم الله تعالى على عبد نعمة في أهل أو مال أو ولد فيقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله إلا دفع الله تعالى عنه كل آفة حتى تأتيه منيته وقرأ لولا إذ دخلت» إلخ.
وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن أنس قال: من رأى شيئًا من ماله فأعجبه فقال ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يصب ذلك المال آفة أبدًا وقرأ الآية، وأخرجه البيهقي في الشعب عن أنس مرفوعًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مطرف قال: كان مالك إذا دخل بيته يقول: ما شاء الله قلت لمالك: لم تقول هذا؟ قال: ألا تسمع الله تعالى يقول: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء الله} ونقل عن ابن العربي أن مالكًا يستدل بالآية على استحباب ما تضمنته من الذكر لكل من دخل منزله.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن عروة أنه كان إذا رأى من ماله شيئًا يعجبه أو دخل حائطًا من حيطانه قال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله ويتأول قول الله تعالى: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ} الآية، ويفهم من بعض الروايات استحباب قول ذلك عند رؤية ما يعجب مطلقًا سواء كان له أو لغيره وإنه إذا قال ذلك لم تصبه عين الإعجاب {إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا} إلخ {أَنَاْ} توكيد للضمير المنصوب على المفعولية في {ترني} وقد أقيم ضمير الرفع مقام ضمير النصب، والرؤية إن كانت علمية فأقل مفعول ثان وإن كانت بصرية فهو حال من المفعول، ويجوز أن يكون {الجن أَنَاْ} فصلًا وحينئذٍ يتعين أن تكون الرؤية علمية لأن الفصل إنما يقع بين مبتدأ وخبر في الحال أو في الأصل.
وقرأ عيسى بن عمر {أَقُلْ} بالرفع فيكون {أَنَاْ} مبتدأ و{أَقُلْ} خبره والجملة في موضع المفعول الثاني على الأول من احتمالي الرؤية أو الحال على الثاني منهما و{مَالًا وَوَلَدًا} تمييز على القراءتين وما فيهما من الاحتمال، وقوله: {فعسى رَبّى أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مّن جَنَّتِكَ} قائم مقام جواب الشرط أي إن ترن كذلك فلا بأس عسى ربي الخ، وقال كثير: هو جواب الشرط، والمعنى إن ترني أفقر منك فأنا أتوقع من صنيع الله تعالى أن يقلب ما بي وما بك من الفقر والغنى فيرزقني لإيماني جنة خيرًا من جنتك ويسلبك بكفرك نعمته ويخرب جنتك، وقيد بعضهم هذا الإيتاء بقوله: في الآخرة، وقال آخر: في الدنيا أو في الآخرة، وظاهر ما ذكر أنه في الدنيا كالإرسال في قوله: {وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السماء} أي عذابًا كما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس وأخرج الطستي عنه أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله تعالى: {حُسْبَانًا} فقال: نارًا وأنشد له قول حسان:
بقية معشر صبت عليهم ** شآبيب من الحسبان شهب

وأخرج ذلك ابن أبي شيبة. وابن أبي حاتم عن الضحاك أيضًا، وقال الزمخشري: هو مصدر كالبطلان والغفران بمعنى الحساب والمراد به المحسوب والمقدر أي مقدرًا قدره الله تعالى وحسبه وهو الحكم بتخريبها، والظاهر أن إطلاقه على الحكم المذكور مجاز.
والزجاج جعل الحسبان بمعنى الحساب أيضًا إلا أنه قدر مضافًا أي عذاب حساب وهو حساب ما كسبت يداه، ولا يخفى أنه يجوز أن يراد من الحسبان بهذا المعنى العذاب مجازًا فلا يحتاج إلى تقدير مضاف.
وظاهر عبارة القاموس وكذا ما روى أولًا عن ابن عباس أن إطلاق الحسبان على العذاب حقيقة، ويمكن على ما قيل أن يكون إطلاقه على النار باعتبار أنها من العذاب أو من المقدر، ونقل الزمخشري أن {حُسْبَانًا} جمع حسبانة وهي المرماة أي ما يرمي به كالسهم والصاعقة وأريد بها هنا الصواعق، وقيل أعم من ذلك أن يرسل عليها مرامي من عذابه إما بردًا وإما حجارة وإما غيرهما مما يشاء {فَتُصْبِحُ} لذلك {صَعِيدًا} أي أرضًا {زَلَقًا} ليس فيها نبات قاله الحسن وأخرجه ابن أبي حاتم عن السدي؛ قيل وأصل معنى الزلق الزلل في المشي لوحل ونحوه لكن لما كان ذلكم فيما لا يكون فيه نبت ونحوه مما يمنع منه تجوز به أو كنى عنه، وعبر بالمصدر عن المزلقة مبالغة، وقيل الزلق من زلق رأسه بمعنى حلقه والكلام على التشبيه أي فتصبح أرضًا ملساء ليس فيها شجر ولا نبات كالرأس الذي حلق وفيه بعد، وقيل المراد بالزلق المزلقة بالمعنى الحقيقي الظاهر، والمعنى فتصبح أرضًا لا نبات فيها ولا يثبت فيها قدم، وحاصله فتصبح مسلوبة المنافع حتى منفعة المشي عليها فتكون وحلًا لا تنبت ولا يثبت عليها قدم، وظاهر صنيع أبي حيان اختياره، وقال مجاهد: أي فتصبح رملًا هائلًا {أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا} أي غائرًا في الأرض، والتعبير بالمصدر للمبالغة نظير ما مر. {فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ} أي للماء الغائر {طَلَبًا} تحركًا وعملًا في رده وإخراجه، والمراد نفي استطاعة الوصول إليه فعبر عنه بنفي الطلب إشارة إلى أنه غير ممكن والعاقل لا يطلب مثله، وقيل ضمير {لَهُ} للماء مطلقًا لا للماء المخصوص أي فلن ستطيع لماء لها بدل ذلك الماء الغائر طلبًا، وهو الذي يقتضيه كلام الماوردي إلا أنه خلاف الظاهر.
والظاهر أن {يُصْبِحَ} عطف على {تصبح} [الكهف: 40] وحينئذ لابد أن يراد بالحسبان ما يصلح ترتب الأمرين عليه عادة كالحكم الإلهي بالتخريب إذ ليس كل آفة سماوية يترتب عليها إصباح الجنة صعيدًا زلقًا يترتب عليها إصباح مائها غورًا.
وجوز أن يكون العطف على {يُرْسِلُ} [الكهف: 40] وحينئذ يجوز أن يراد بالحبسان أي معنى كان من المعاني السابقة، وعلى هذا يكون المؤمن قد ترجى هلاك جنة صاحبه الكافر إما بآفة سماوية أو بآفة أرضية وهو غور مائها فيتلف كل ما فيها من الشجر والزرع لكنه لم يصرح بما يترتب على الغور من الضرر والخراب، ولعل ذلك لظهوره والاكتفاء بالإشارة إليه بقوله: {فَلَنْ} إلخ.
وتعقب بأنه لا يخفى أنه لا فساد في هذا العطف لا لفظًا ولا معنى إلا أنه كان الظاهر أن يقال: أو يجعل ماءها غورًا أو نحو ذلك مما فيه إسناد الفعل إلى الله تعالى ولا يظهر للعدول إلى ما في النظم الكريم وجه فتأمل، ثم أن أكثر العلماء على أن قوله: {إِن تَرَنِ} [الكهف: 39] إلخ في مقابلة قول الكافر {أَنَاْ أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا} [الكهف: 34] إلخ وكأنه عنوا المقابلة في الجملة لا المقابلة التامة أما إذا لم يتحد المراد بالنفر والولد فظاهر، وأما إذا اتحد بأن فسر النفر بالولد فلأن هناك أمرين أكثرية واعزية ولم يذكر هنا إلا مقابل أحدهما وهو الأقلية المنسوبة في المعنى إلى المال والولد، نعم قيل: إن أقلية الولد قد تستلزم الأذلية والأكثرية قد تستلزم الأعزية كما يشاهد في عرب البادية.
هذا وكان الظاهر أن يتعرض في الجزاء لأمر الولد كما تعرض لأمر المال بأن يقال وعسى أن يؤتيني خيرًا من ولدك ويصيبهم ببلاء فيصبحوا هلكى أو نحو ذلك الكافر وأنه يكفي في نكايته وإغاظته تلف جنته وإعطاء احبه المؤمن خيرًا منها.
وقيل: إنما لم يتعرض لذلك لما فيه من ترجي هلاك من لم يصدر منه مكالمة ومحاورة ولم ينقل عنه مقاومة ومفاخرة لمجرد إغاظة كافر حاور وكاثر وفاخر وتركه أفضل للكامل وأكمل للفاضل، والدعاء على الكفرة وذراريهم الصادر من بعض الأنبياء عليهم السلام ليس من قبيل هذا الترجي كما لا يخفى على المتأمل؛ وحيث أراد ترك هذا الترجي ترك ترجي الولد لنفسه تبعًا له أو لكونه غير مهم له، وقيل: إنه ترجاه في قوله: {خَيْرًا مّن جَنَّتِكَ} [الكهف: 40] لأن المراد شيئًا خيرًا من جنتك والنكرة قد تعم بمعونة المقام فيندرج الولد وليس بشيء.
وقيل: أراد ما هو الظاهر أي جنة خيرًا من جنتك إلا أن الخيرية لا تتم من دون الولد إذ لا تكمل لذة بالمال لمن لا ولد له فترجى جنة خير من تلك الجن متضمن لترجى ولد خير من أولئك الولد ولم يترج هلاك ولده ليكون بقاؤهم بعد هلاك جنته حملًا عليه، ولا يخفى أنه لا يتبادر إلى الذهن من خيرية الجنة الجنة إلا خيريتها فيما يعود إلى كونها جنة من كثرة الأشجار وزيادة الثمار وغزارة مياه الأنهار ونحو ذلك، وفي قوله: ليكون إلخ منع ظاهر، وقيل: لم يترك الولد اكتفاءًا بما عنده منهم فإن كثرة الأولاد ليس مما يرغب فيه الكاملون وفيه نظر، وقيل: إنه لم يقرن ترجي إيتاء الولد مع ترجي إيتاء الجنة لأن ذلك الإيتاء المترجي في الآخرة وهي ليست محلًا لايتاء الولد لانقطاع التولد هناك، ولا يخفى أن هذا بعد تسليم أنه لا يؤتي الولد لمن شاءه في الآخرة ليس بشيء، وقيل: يمكن أن يكون ترجي الولد في قوله: {خَيْرًا مّن جَنَّتِكَ} [الكهف: 40] بناءًا على أنه أراد من جنته جميع ما متع به من الدنيا وتكون الضمائر بعدها عائدة عليها بمعنى البستان على سبيل الاستخدام وهو كما ترى فتدبر، والله تعالى أعلم بأسرار كتابه وأخبر.
وقرأت فرقة {غؤورًا} بضم الغين وهمزة بعدها وواو بعدهما. اهـ.

.قال القاسمي:

{قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ} أي: الذي عيّره بالفقر، تعييرا له على كفره: {وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} أي: يراجعه كلام التعيير على الكفر، محاورته كلام التعيير على الفقر، في ضمن النكر عليه: {أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} أي: يجعل التراب نباتًا ثم جعله غذاء يتولد منه النطفة: {ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} أي: عدّلك وكمّلك إنسانًا ذكرًا بالغًا مبلغ الرجال. قال أبو السعود: والتعبير عنه تعالى بالموصول، للإشعار بعليّة ما في حيز الصلة، لإنكار الكفر. والتلويح بدليل البعث الذي نطق به قوله تعالى عز من قائل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [الحج: 5]، وكما قال تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} [البقرة: 28]. قال ابن كثير: أي: كيف تجحدون ربكم، ودلالته عليكم ظاهرة جلية، كل أحد يعلمها من نفسه. فإنه ما من أحد من المخلوقات إلا ويعلم أنه كان معدومًا ثم وجد. وليس وجوده من نفسه ولا مستندًا إلى شيء. من المخلوقات، لأنه بمثابته. فعلم إسناد إيجاده إلى خالقه، وهو الله لا إله إلا هو خالق كل شيء. ولهذا قال صاحبه المؤمن:
{لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا} أي: لكن أنا لا أقول بمقالتك، بل اعترف لله بالوحدانية والربوبية. ولا أشرك به أحدًا معه من العلويات والسفليات. وقد قرأ ابن عامر: {لكنَّا} بإثبات الألف وصلًا ووقفًا. الباقون بحذفها وصلًا، وبإثباتها وقفًا، فالوقف في المطبوع: قالوقف وفاق. وأصله لكن أنا. وقرئ كذلك فحذفت الهمزة ثم أدغمت النون في مثلها فصار لكن ثم ألحق الألف إجراء للوصل مجرى الوقف. لأن الوقف على أنا بالألف، ولأن الألف تدل على أن الأصل لكن أنا وبغيرها يلزم الإلباس بينه وبين لكن المشددة. قال الزمخشري: ونحوه قول القائل:
وتَرْمِيْنَني بِالطرف

أي: أَنْتَ مُذْنِبٌ.
وتقلينني لكنَّ إِيَّاكِ لا أّقْلِي

أي لكن أنا لا أقليك.
ويقرب منه قول الآخر:
ولو كنتَ ضبِّيًّا عرفتَ قَرَابتي ** ولكنّ زَنجيٌّ عظيم المَشَافِرِ

أي ولكنك.
{وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ} أي: هلا قلت عند دخولها ذلك. قال الزمخشري: يجوز أن تكون ما موصولة مرفوعة المحل، على أنها خبر مبتدأ محذوف. تقديره الأمر ما شاء الله أو شرطية منصوبة الموضع والجزاء محذوف بمعنى أي: شيء شاء الله كان ونظيرها في حذف الجواب لو في قوله: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} [الرعد: 31]، والمعنى: هلا قلت عند دخولها، والنظر إلى ما رزقك الله منها، الأمر ما شاء الله، اعترافًا بأنها وكل خير فيها، إنما حصل بمشيئة الله وفضله. وأن أمرها بيده. إن شاء تركها عامرة، وإن شاء خربها. وقلت: {لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} إقرارًا بأن ما قويت به على عمامتها وتدبير أمرها، إنما هو بمعونته وتأييده. إذ لا يقوى أحد في بدنه ولا في ملك يده، إلا بالله تعالى. والقصد من الجملتين التبرؤ من الحول والقوة، إسناد ما أوتيه إلى مشيئة الله وقوته وحده. ثم أشار له صاحبه بأن تعييره إياه بالفقر، لا يبعد أن ينعكس فيه الأمر، بقوله: {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ} أي: في الدنيا أيضًا: {خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا} أي: مقدارًا قدره الله وحسبه، وهو الحكم بتدميرها من صواعق وآفات علوية: {مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} أي: ترابًا أملس لا تثبت فيها قدم، لملاستها {أَوْ} يهلكها بآفة سفلية من جهة الأرض بأن: {يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا} أي: غائرًا في الأرض: {فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا} أي: حيلة تدركه بها، بالحفر أو بغيره.
تنبيه:
كل من قوله تعالى: {إنْ تَرَنِ} وقوله: {أَنْ يُؤْتِيَنِ} رسم بدون ياء. لأنها من ياءات الزوائد. وأما في النطق، فبعض السبعة يثبتها وبعضهم يحذفها. اهـ.