فصل: تفسير الآيات (42- 44):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآيات (42- 44):

قوله تعالى: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43) هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44)}.

.مناسبة الآيات لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان من المعلوم أن هذا المؤمن المخلص بعين الرضى، كان من المعلوم أن التقدير: فاستجيب لهذا الرجل المؤمن، أو: فحقق له ما توقعه فخيب ظن المشرك، فعطف عليه قوله: {وأحيط} أي أوقعت الإحاطة بالهلاك، بني للمفعول لأن الفكر حاصل بإحاطة الهلاك من غير نظر إلى فاعل مخصوص، وللدلالة على سهولته {بثمرة} أي الرجل المشرك، كله فاستؤصل هلاكًا ما في السهل منه وما في الجبل، وما يصبر منه على البرد والحر وما لا يصبر {فأصبح يقلب كفيه} ندمًا، ويضرب إحداهما على الأخرى تحسرًا {على ما أنفق فيها} لعمارتها ونمائها {وهي خاوية} أي ساقطة مع الخلو {على عروشها} أي دعائمها التي كانت تحملها فسقطت على الأرض وسقطت هي فوقها {ويقول} تمنيًا لرد ما فات لحيرته وذهول عقله ودهشته: {يا ليتني} تمنيًا لاعتماده على الله من غير إشراك بالاعتماد على الفاني {لم أشرك بربي أحدًا} كما قال له صاحبه، فندم حيث لم ينفعه الندم على ما فرط في الماضي لأجل ما فاته من الدنيا، لا حرصًا على الإيمان لحصول الفوز في العقبى، لقصور عقله ووقوفه مع المحسوسات المشاهدات {ولم تكن له فئة} أي جماعة لا من نفره الذين اعتز بهم ولا من غيرهم {ينصرونه} مما وقع فيه {من دون الله} أي بغير عون من الملك الأعظم {وما كان} هو {منتصرًا} بنفسه، بل ليس الأمر في ذلك إلا لله وحده.
ولما أنتج هذا المثل قطعًا أنه لا أمر لغير الله المرجو لنصر أوليائه بعد ذلهم، ولإغنائهم بعد فقرهم، ولإذلال أعدائه بعد عزهم وكبرهم، وإفقارهم بعد إغنائهم وجبرهم، وأن غيره إنما هو كالخيال لا حقيقة له، صرح بذلك في قوله تعالى: {هنالك} أي في مثل هذه الشدائد العظيمة {الولاية} أي النصرة- على قراءة الفتح، والسلطان- على الكسر، وهي قراءة حمزة والكسائي، والفتح لغيرهما، وهما بمعنى واحد، وهو المصدر كما صدر به في القاموس.
{لله} أي الذي له الكمال كله {الحق} أي الثابت الذي لا يحول يومًا ولا يزول، ولا يغفل ساعة ولا ينام، ولا ولاية لغيره بوجه- هذا على قراءة الجماعة بالجر على الوصف وهو في قراءة أبي عمرو والكسائي بالرفع على الاستئناف والقطع تقليلًا، تنبيهًا على أن فزعهم في مثل هذه الأزمات إليه دون غيره برهان قاطع على أنه الحق وما سواه باطل، وأن الفخر بالعرض الزائل من أجهل الجهل، وأن المؤمنين لا يعيبهم فقرهم ولا يسوغ طردهم لأجله، وأنه يوشك أن يعود فقرهم غنى وضعفهم قوة.
ولما علم من ذلك من أنه آخذ بأيدي عبيدة الأبرار وعلى أيدي عصاته الأشرار، قال تعالى: {هو خير ثوابًا} لمن أثابه {وخير عقبًا} أي عاقبة عظيمة، فإن فعلا- بضمه وبضمتين- من صيغ جموع الكثرة فيفيده ذلك مبالغة وإن لم يكن جمعًا، والمعنى أنه أي ثوابه لأوليائه خير ثواب وعقباه خير عقبى. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ثم أخبر الله تعالى أنه حقق ما قدره هذا المؤمن فقال: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} وهو عبارة عن إهلاكه بالكلية وأصله من إحاطة العدو لأنه إذا أحاط به فقد ملكه واستولى عليه ثم استعمل في كل إهلاك ومنه قوله: {إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ} [يوسف: 66] ومثله قولهم: أتى عليه إذا أهلكه من أتى عليهم العدو إذا جاءهم مستعليًا عليهم.
ثم قال تعالى: {فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ} وهو كناية عن الندم والحسرة فإن من عظمت حسرته يصفق إحدى يديه على الأخرى، وقد يمسح إحداهما على الأخرى، وإنما يفعل هذا ندامة على ما أنفق في الجنة التي وعظه أخوه فيها وعذله: {وَهِىَ خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا} أي ساقطة على عروشها فيمكن أن يكون المراد بالعروش عروش الكرم فهذه العروش سقطت ثم سقطت الجدران عليها ويمكن أن يراد من العروش السقوف وهي سقطت على الجدران.
وحاصل الكلام أن هذه اللفظة كناية عن بطلانها وهلاكها، ثم قال تعالى: {وَيَقُولُ ياليتنى لَمْ أُشْرِكُ بِرَبّى أَحَدًا} والمعنى أن المؤمن لما قال: {لَكُنَّا هُوَ الله رَبّى وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبّى أَحَدًا} فهذا الكافر تذكر كلامه وقال: {ياليتنى لَمْ أُشْرِكْ بِرَبّى أَحَدًا} فإن قيل هذا الكلام يوهم أنه إنما هلكت جنته بشؤم شركه وليس الأمر كذلك لأن أنواع البلاء أكثرها إنما يقع للمؤمنين قال تعالى: {وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ الناس أُمَّةً واحدة لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} [الزخرف: 33] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «خص البلاء بالأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل» وأيضًا فلما قال: {ياليتنى لَمْ أُشْرِكْ بِرَبّى أَحَدًا} فقد ندم على الشرك ورغب في التوحيد فوجب أن يصير مؤمنًا فلم قال بعده: {وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ الله وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا} والجواب عن السؤال الأول: أنه لما عظمت حسرته لأجل أنه أنفق عمره في تحصيل الدنيا وكان معرضًا في كل عمره عن طلب الدين فلما ضاعت الدنيا بالكلية بقي الحرمان عن الدنيا والدين عليه.
فلهذا السبب عظمت حسرته والجواب عن السؤال الثاني: أنه إنما ندم على الشرك لاعتقاده أنه لو كان موحدًا غير مشرك لبقيت عليه جنته فهو إنما رغب في التوحيد والرد عن الشرك لأجل طلب الدنيا فلهذا السبب ما صار توحيده مقبولًا عند الله ثم قال تعالى: {وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ الله} وفيه بحثان:
البحث الأول:
قرأ حمزة والكسائي: {ولم يكن له فئة} بالياء لأن قوله: {فِئَةٌ} جمع فإذا تقدم على الكناية جاز التذكير، ولأنه رعاية للمعنى.
والباقون بالتاء المنقوطة باثنتين من فوق لأن الكناية عائدة إلى اللفظة وهي الفئة.
البحث الثاني:
المراد من قوله: {يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ الله} هو أنه ما حصلت له فئة يقدرون على نصرته من دون الله أي هو الله تعالى وحده القادر على نصرته ولا يقدر أحد غيره أن ينصره ثم قال تعالى: {هُنَالِكَ الولاية لِلَّهِ الحق هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عقبى}.
المسألة الأولى:
اختلف القراء في ثلاثة مواضع من هذه الآية.
أولها: في لفظ الولاية ففي قراءة حمزة والكسائي بكسر الواو وفي قراءة الباقين بالفتح وحكى عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال: كسر الواو لحن قال صاحب الكشاف: الولاية بالفتح النصرة والتولي وبالكسر السلطان والملك.
وثانيها: قرأ أبو عمرو والكسائي قوله: {الحق} بالرفع والتقدير هنالك الولاية الحق لله وقرأ الباقون بالجر صفة لله.
وثالثها: قرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع والكسائي وابن عامر {عقبًا} بضم القاف وقرأ عاصم وحمزة عقبى بتسكين القاف.
المسألة الثانية:
{هُنَالِكَ الولاية لِلَّهِ} فيه وجوه:
الأول: أنه تعالى لما ذكر من قصة الرجلين ما ذكر علمنا أن النصرة والعاقبة المحمودة كانت للمؤمن على الكافر وعرفنا أن الأمر هكذا يكون في حق كل مؤمن وكافر فقال: {هُنَالِكَ الولاية لِلَّهِ الحق} أي في مثل ذلك الوقت وفي مثل ذلك المقام تكون الولاية لله يوالي أولياءه فيغلبهم على أعدائه ويفوض أمر الكفار إليهم فقوله هنالك إشارة إلى الموضع والوقت الذي يريد الله إظهار كرامة أوليائه وإذلال أعدائه فيهما.
والوجه الثاني:
في التأويل أن يكون المعنى في مثل تلك الحالة الشديدة يتولى الله ويلتجيء إليه كل محتاج مضطر يعني أن قوله: {يا ليتني لَمْ أُشْرِكْ بِرَبّي أَحَدًا} كلمة ألجيء إليها ذلك الكافر فقالها جزعًا مما ساقه إليه شؤم كفره ولولا ذلك لم يقلها.
والوجه الثالث:
المعنى هنالك الولاية لله ينصر بها أولياءه المؤمنين على الكفرة وينتقم لهم ويشفي صدورهم من أعدائهم يعني أنه تعالى نصر بما فعل بالكافر أخاه المؤمن وصدق قوله في قوله: {فعسى رَبّى أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السماء} ويعضده قوله: {هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عقبى} أي لأوليائه.
والوجه الرابع:
أن قوله هنالك إشارة إلى الدار الآخرة أي في تلك الدار الآخرة الولاية لله كقوله لمن الملك اليوم لله ثم قال تعالى: {هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا} أي في الآخرة لمن آمن به والتجأ إليه: {وَخَيْرٌ عقبى} أي هو خير عاقبة لمن رجاه وعمل لوجهه وقد ذكرنا أنه قرئ: {عقبى} بضم القاف وسكونها وعقبى على فعلى وكلها بمعنى العاقبة. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وأحيط بثمرِهِ} أي أهلك ماله، وهذا أول ما حقق الله به إنذار أخيه. {فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها} يحتمل وجهين:
أحدهما: يقلب كفيه ندمًا على ما أنفق فيها وأسفًا على ما تلف.
الثاني: يقلب ملكه فلا يرى فيه عوض ما أنفق وهلك، لأن الملك قد يعبر عنه باليد، من قولهم في يده مال، أي في ملكه.
{وهي خاويةٌ على عروشِها} أي منقلبة على عاليها فجمع عليه بين هلاك الأصل والثمر، وهذا من أعظم الجوائح مقابلة على بغيه.
قوله عز وجل: {ولم تكُنْ له فِئة ينصرونه منْ دونِ الله} فيه وجهان:
أحدهما: أن الفئة الجند، قاله الكلبي.
الثاني: العشيرة، قاله مجاهد.
{وما كان منتصرًا} فيه وجهان:
أحدهما: وما كان ممتنعًا، قاله قتادة.
الثاني: وما كان مستردًا بدل ما ذهب منه.
قال ابن عباس: هما الرجلان ذكرهما الله تعالى في سورة الصافات حيث يقول:
{إني كان لي قرين} إلى قوله: {في سواء الجحيم} وهذا مثل قيل إنه ضرب لسلمان وخباب وصهيب مع أشراف قريش من المشركين.
قوله تعالى: {هنالك الولاية لله الحق} يعني القيامة. وفيه أربعة أوجه:
أحدها: أنهم يتولون الله تعالى في القيامة فلا يبقى مؤمن لا كافر إلا تولاه، قاله الكلبي.
الثاني: أن الله تعالى يتولى جزاءهم، قاله مقاتل.
الثالث: أن الولاية مصدر الولاء فكأنهم جميعًا يعترفون بأن الله تعالى هو الوليّ قاله الأخفش.
الرابع: أن الولاية النصر، قاله اليزيدي.
وفي الفرق بين الولاية بفتح الواو وبين الولاية بكسرها وجهان:
أحدهما: أنها بفتح الواو: للخالق، وبكسرها: للمخلوقين، قاله أبو عبيدة.
الثاني: أنها بالفتح في الدين، وبكسرها في السلطان. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {وأحيط بثمره} الآية، هذا خبر من الله عن إحاطة العذاب بحال هذا المثل به، وقد تقدم القول في الثمر، غير أن الإحاطة كناية عن عموم العذاب والفساد، و{يقلب كفيه} يريد يضع بطن إحداهما على ظهر الأخرى، وذلك فعل المتلهف المتأسف على فائت وخسارة ونحوها، ومن عبر بيصفق فلم يتقن، وقوله: {خاوية على عروشها} يريد أن السقوف وقعت، وهي العروش، ثم تهدمت الحيطان عليها، فهي خاوية، والحيطان على العروش {ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدًا} قال بعض المفسرين: هي حكاية عن قول الكافر هذه المقالة في الآخرة، ويحتمل أن يريد أنه قالها في الدنيا على جهة التوبة بعد حلول المصيبة ويكون فيها زجر للكفرة من قريش أو غيرهم، لئلا تجيء لهم حال يؤمنون فيها بعد نقم تحل بهم، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم وأبو عمرو والحسن وأبو جعفر وشيبة: {ولم تكن} بالتاء على لفظة الفئة، وقرأ حمزة والكسائي ومجاهد وابن وثاب {ولم يكن} بالياء على المعنى، الفئة الجماعة التي يلجأ إلى نصرها، قال مجاهد هي العشيرة.
قال القاضي أبو محمد: وهي عندي من فاء يفيء وزنها فئة، حذفت العين تخفيفًا، وقد قال أبو علي وغيره: هي من فاوت وليست من فاء، وهذا الذي قالوه أدخل في التصريف، والأول أحكم في المعنى، وقرأ ابن أبي عبلة: {فئة تنصره}، وقوله: {هنالك} يحتمل أن يكون ظرفًا لقوله: {منتصرًا} ويحتمل أن تكون {الولاية} مبتدأ، و{هنالك} خبره، وقرأ حمزة والكسائي والأعمش ويحيى بن وثاب {الوِلاية} بكسر الواو، وهي بمعنى الرياسة والزعامة ونحوه، وقرأ الباقون: {الوَلاية} بفتح الواو وهي بمعنى الموالاة والصلة ونحوه، ويحكى عن أبي عمرو والأصمعي أن كسر الواو هنا لحن، لأن فعالة، إنما تجيء فيما كان صنعة أو معنى متقلدًا، وليس هنا تولي أمر الموالاة، وقرأ أبو عمرو والكسائي: {الحق} بالرفع على جهة النعت لـ: {الولاية}، وقرأ الباقون: {الحقِّ} بالخفض على النعت {لله} عز وجل، وقرأ أبو حيوة {لله الحقَّ} بالنصب وقرأ الجمهور: {عُقُبًا} بضم العين والقاف وقرأ عاصم وحمزة والحسن: {عُقْبًا} بضم العين وسكون القاف وتنوين الباء، وقرأ عاصم أيضًا {عقبى} بياء التأنيث، والعُقُب والعُقْب بمعنى العاقبة. اهـ.