فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ قتادة {تغادر} بالتاء الفوقية على أن الضمير للأرض كما في قوله تعالى: {مُدَّتْ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} [الإنشقاق: 4] وجوز أبو حيان كونه للقدرة وقرأ أبان بن يزيد عن عاصم كذلك أو بفتح الدال مبنيًا للمفعول ورفع {أَحَدٌ} على النيابة عن الفاعل وقرأ الضحاك {نغدر} بضم النون وإسكان الغين وكسر الدال. {وَعُرِضُواْ على رَبّكَ} أحضروا محل حكمه وقضائه عز وجل فيهم {صَفَّا} مصطفين أو مصفوفين فقد أخرج ابن منده في التوحيد عن معاذ بن جمبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى ينادي يوم القيامة يا عبادي أن الله لا إله إلا أنا أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين وأسرع الحاسبين أحضروا حجتكم ويسروا جوابًا فانكم مسؤولين محاسبون يا ملائكتي أقيموا عبادي صفوفًا على أطراف أنأمل أقدامهم للحساب» وفي الحديث الصحيح: «يجمع الله تعالى الأولين والآخرين في صعيد واحد صفوفًا يسمعهم الداعي وينفذهم البصر» الحديث بطوله، وقيل تقام كل أمة وزمرة صفا.
وفي بعض الأخبار أهل الجنة يوم القيامة مائة وعشرون صفا أنتم منها ثمانون، وقيل لا عرض بالمعنى المعروف ولا اصطفاف والكلام خارج مخرج الاستعارة التمثيلية شبهت حالهم في حشرهم بحال جند عرضوا على السلطان ليأمر فيهم بما يأمر، وقيل إن فيه استعارة تبعية بتشبيه حشرهم بعرض هؤلاء، ومعنى {صَفَّا} سواء كان داخلًا في الاستعارة التمثيلية أو كان ترشيحًا غير متفرقين ولا مختلطين فلا تعرض فيه لوحدة الصف وتعدده ولا حاجة إلى أن يقال: إنه مفرد أريد به الجمع لكونه مصدرًا أي صفوفًا أو يقال: أن الأصل صفاصفا، على أن هذا مع بعده عليه أن ما يدل على التعدد بالتكرار كبابًا بابًا وصفاصفا لا يجوز حذفه، هذا والحق أن إنكار الاصطفاف مما لا وجه له بعد إمكانه وصحة الأخبار فيه، ولعل ما فسرنا به الآية مما لا غيار عليه، وفي الالتفات إلى الغيبة وبناء الفعل للمفعول مع التعرض لعنوان الربوبية والإضافة إلى ضميره صلى الله عليه وسلم من تربية المهابة والجرى على سنن الكبرياء وإظهار اللطف به عليه الصلاة والسلام ما لا يخفى، وقيل في قوله تعالى: {على رَبِّكَ} إشارة إلى غضب الله تعالى عليهم وطردهم عن ديوان القبول بعدم جريهم على معرفتهم لربوبيته عز وجل {لَّقَدْ جِئْتُمُونَا} خطاب للكفار المنكرين للبعث على إضمار القول، ويكون حالا مما تقدم فيقدر قائلين أو نقول إن كان حالًا من فاعل {حشرنا} أو قائلًا أو يقول إن كان من {إِنَّ رَبَّكَ} أو مقولًا لهم أو يقال لهم إن كان من ضمير {عرضوا}. وقد يقدر فعلًا كقلنا أو نقول لا محل لجملته، وجوز تعلق {يوم} [الكهف: 47] السابق به على هذا التقدير دون تقدير الحالية.
قال الخفاجي: لأنه يصير كغلام زيد ضاربًا على أن ضاربًا حال من زيد ناصبًا لغلام ومثله تعقيد غير جائز لا لأن ذلك قبل الحشر وهذا بعده ولا لأن معمول الحال لا يتقدم عليها كما يتوهم، ثم قال: وأما ما أورد على تعلقه بالفعل في التقدير الثاني من أنه يلزم منه أن هذا القول هو المقصود إصالة فتخيل أغني عن الرد أنه لا محذور فيه اهـ.، والحق أن تعلقه بالقول المقدر حالًا أو غيره مما لا يرتضيه الطبع السليم والذهن المستقيم، ولا يكاد يجوز مثل هذا التركيب على تقدير الحالية وإن قلنا بجواز تقدم معمول الحال عليها فتدبر، والمراد من مجيئهم إليه تعالى مجيئهم إلى حيث لا حكم لأحد غيره سبحانه من المعبودات الباطلة التي تزعم فيها عبدتها النفع والضر وغير ذلك نظير ما قالوا في قوله تعالى: {الرحيم مالك يَوْمِ الدين} [الفاتحة: 4] {كَمَا خلقناكم} نعت لمصدر محذوف أي مجيئًا كائنًا كمجيئكم عندخلقنا لكم {أَوَّلَ مَرَّةٍ} أو حال من الضمير المرفوع في {جِئْتُمُونَا} أي كائنين كما خلقناكم أول مرة حفاة عراة غرلا أو ما معكم شيء مما تفتخرون به من الأموال والأنصار لقوله تعالى: {لَقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى كَمَا خلقناكم أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خولناكم وَرَاء ظُهُورِكُمْ} [الأنعام: 94].
وجوز أن يكون المراد أحياء كخلقتكم الأولى، والكلام عليه إعرابًا كما تقدم لكن يخالفه في وجه التشبيه وذاك كما قيل أوفق بما قبل وهذا بقوله تعالى: {بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِدًا} وهو إضراب وانتقال من كلام إلى كلام كلاهما للتوبيخ والتقريع، والموعد اسم زمان وأن مخففة من المثقلة فصل بينها وبين خبرها بحرف النفي لكونه جملة فعلية فعلها متصرف غير دعاء وفي ذلك يجب الفصل بأحد الفواصل المعلومة إلا فيما شذ، والجعل إما بمعنى التصيير فالجار والمجرور مفعوله الثاني و{مَّوْعِدًا} مفعوله الأول، وإما بمعنى الخلق والإيجاد فالجار والمجرور في موضع الحال من مفعوله وهو {مَّوْعِدًا} أي زعمتم في الدنيا أنه لن نجعل لكم وقتًا ينجز فيه ما وعدنا من البعث وما يتبعه. {وَوُضِعَ الكتاب} عطف على {عرضوا} [الكهف: 48] داخل تحت الأمور الهائلة التي أريد بذكر وقتها تحذير المشركين كما مر، وإيراد صيغة الماضي للدلالة على التقرر.
والمراد من الكتاب كتب الأعمال فأل فيه للاستغراق، ومن وضعه إما جعل كل كتاب في يد صاحبه اليمين أو الشمال وإما جعل كل في الميزان، وجوز أن يكون المراد جعل الملائكة تلك الكتب في البين ليحاسبوا المكلفين بما فيها، وعلى هذا يجوز أن يكون المراد بالكتاب كتابًا واحدًا بأن تجمع الملائكة عليهم السلام صحائف الأعمال كلها في كتاب وتضعه في البين للمحاسبة لكن لم أجد في ذلك أثرًا، نعم قال اللقاني في شرح قوله في جوهرة التوحيد:
وواجب أخذ العباد الصحفا ** كما من القرآن نصا عرفا

جزم الغزالي بما قيل إن صحف العباد ينسخ ما في جميعها في صحيفة واحدة انتهى، والظاهر أن جزم الغزالي وأضرا به بذلك لا يكون إلا عن أثر لأن مثله لا يقال من قبل الرأي كما هو الظاهر، وقيل: وضع الكتاب كناية عن إبراز محاسبة الخلق وسؤالهم فإنه إذ أريد محاسبة العمال جيء بالدفاتر ووضعت بين أيديهم ثم حوسبوا فأطلق الملزوم وأريد لازمه، ولا يخفى أنه لا داعي إلى ذلك عندنا وربما يدعو إليه إنكار وزن الأعمال.
وقرأ زيد بن علي رضي الله عنهما {مَّوْعِدًا وَوُضِعَ الكتاب} ببناء {وُضِعَ} للفاعل وإسناده إلى ضميره تعالى على طريق الالتفات ونصب {الكتاب} على المفعولية أي ووضع الله الكتاب {فَتَرَى المجرمين} قاطبة فيدخل فيهم الكفرة المنكرون للبعث دخولًا أوليًا، والخطاب نظير ما مر {مُشْفِقِينَ} خائفين {مِمَّا فِيهِ} أي الكاتب من الجرائم والذنوب لتحققهم ما يترتب عليها من العذاب {وَيَقُولُونَ} عند وقوفهم على ما في تضاعيفه نقيرًا وقطميرًا {يَا وَيْلَتَنَا} نداء لهلكتهم التي هلكوها من بين الهلكات فإن الويلة كالويل الهلاك ونداؤها على تشبيهها بشخص يطلب إقباله كأنه قيل يا هلاك أقبل فهذا أو انك ففيه استعارة مكنية تخييلية وفيه تقريع لهم وإشارة إلى أنه لا صاحب لهم غير الهلاك وقد طلبوه ليهلكوا ولا يروا العذاب الأليم.
وقيل: المراد نداء من بحضرتهم كأنه قيل: يا من بحضرتنا انظروا هلكتنا، وفيه تقدير يفوت به تلك النكتة.
{مَّالِ هذا الكتاب} أي أي شيء له؟ والاستفهام مجاز عن التعجب من شأن الكتاب، ولام الجر رسمت في الإمام مفصولة، وزعم الطبرسي أنه لا وجه لذلك، وقال البقاعي: إن في رسمها كذلك إشارة إلى أن المجرمين لشدة الكرب يقفون على بعض الكلمة، وفي لظائف الإشارات وقف على {مَا} أبو عمرو والكسائي ويعقوب والباقون على اللام والأصح الوقف على ما لأنها كلمة مستقلة، وأكثرهم لم يذكر فيها شيئا اهـ.
وأنت تعلم أن الرسم العثماني متبع ولا يقاس عليه ولا يكاد يعرف وجهه وفي حسن الوقف على أو اللام توقف عندي. وقوله تعالى: {لاَ يُغَادِرُ} أي لا يترك {صَغِيرَةً} أي هنة صغيرة {وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ} أي إلا عدها وهو كناية عن الإحاطة جملة حالة محققة لما في الجملة الاستفهامية من التعجب أو استئنافية مبنية على سؤال نشأ من التعجب كأنه قيل ما شأن هذا الكتاب حتى يتعجب منه؟ فقيل: {الكتاب لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً} إلخ.
وعن ابن جبير تفسير الصغيرة بالمسيس والكبيرة بالزنا، وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال في الآية: الصغيرة التبسم بالاستهزاء بالمؤمنين والكبيرة القهقهة بذلك، وعلى هذا يحمل إطلاق ابن مردويه في الرواية عنه رضي الله تعالى عنه تفسير الصغيرة بالتبسم والكبيرة بالضحك ويندفع استشكال بعض الفضلاء ذلك ويعلم منه أن الضحك على الناس من الذنوب.
وعن عبد الله بن زمعة رضي الله تعالى عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب ويعظهم في ضحكهم من الريح الخارج بصوت وقال: «علام يضحكم أحدكم مما يفعل»؟ بل ذكر بعض علمائنا أن من الضحاك ما يكفر به الضاحك كالضحك على كلمة كفر، وقيده بعضهم بما إذا قدر على أن يملك نفسه وإلا فلا يكفر، وتمام الكلام في ذلك في محله، وكان الظاهر لا يغادر كبيرة ولا صغيرة بناء على ما قالوا من أن الترقي في الإثبات يكون من الأدنى إلى الأعلى وفي النفي على عكس ذلك إذ لا يلزم من فعل الأدنى فعل الأعلى بخلاف النفي لكن قال المحققون: هذا إذا كان على ظاهره فإن كان كناية عن العموم كما هنا وقولك ما أعطاني فليلًا ولا كثيرًا جاز تقديم الأدنى على الأعلى في النفي كما فصله ابن الأثير في المثل السائر، وفي البحر قدمت الصغيرة اهتمامًا بها، وروي عن الفضيل أنه كان إذا قرأ الآية قال: ضجوا والله من الصغائر قبل الكبائر، وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة أنه قال في الآية: اشتكى القوم كما تسمعون الإحصاء ولم يشتك أحدا ظلمًا فإياكم والمحقرات من الذنوب فإنها تجمع على صاحبها حتى تهلكه.
{وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ} في الدنيا من السيئات أو جزاء ذلك {حَاضِرًا} مسطورًا في كتاب كل منهم أو عتيدًا بين أيديهم نقدًا غير مؤجل، واختير المعنى الأخير وإن كان فبه ارتكاب خلاف الظاهر لأن الكلام عليه تأسيس محض {وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} بما لم يعمله أي منهم أو منهم ومن غيرهم، والمراد أنه عز وجل لا يتجاوز الحد الذي حده في الثواب والعقاب وإن لم يجب ذلك عليه تعالى عقلًا، وتحقيقه أنه تعالى وعد بإثابة المطيع والزيادة في ثوابه وبتعذيب العاصي بمقدار جرمه من غير زيادة وأنه قد يغفر له ما سوى الكفر وأنه لا يعذب بغير جناية فهو سبحانه وتعالى لا يجاوز الحد الذي حده ولا يخالف ما جرت عليه سنته الالهية فلا يعذب أحدًا بما لم يعمله ولا ينقص ثواب ما عمله مما أمر به وارتضاه ولا يزيد في عقابه الملائم لعمله الذي نهى عنه ولم يرتضه، وهذا مما أجمع عليه المسلمون وان اختلفوا في أن امتناع وقوع ما نفى هل هو سمعي أو عقلي فذهب إلى الأول أهل السنة وإلى الثاني المعتزلة، وهل تمسية تلك المجاوزة ظلمًا حقيقة أم لا؟ قال الخفاجي: الظاهر أنها حقيقة، وعليه لا حاجة إلى أن يقال: المراد بالآية أنه سبحانه لا يفعل باحد ما يكون ظلمًا لو صدر من العباد كالتعذيب بلا ذنب فإنه لو صدر من العباد يكون ظلمًا ولو صدر منه سبحانه لا يكون كذلك لأنه جل شأنه مالك الملك متصرف في ملكه كيف يشاء فلا يتصور في شأنه تعالى شأنه ظلم أصلًا بوجه من الوجوه عند أهل السنة، وأنت تعلم أن هذا هو المشهور لدى الجمهور لا ما اقتضاه التحقيق فتأمل والله تعالى ولي التوفيق.
واستدل بعموم الآية على أن أطفال المشركين لا يعذبون وهو القول المنصور وقد أسلفنا ولله تعالى الحمد ما يؤيده من الأخبار. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} أي: اذكر يوم نقلعها من أماكنها ونسيّرها في الجو. كما ينبئ عنه قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل: 88]، أو نسير أجزاءها بعد أن نجعلها هباءًا منبثًا: {وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً} لبروز ما تحت الجبال، أي: ظهوره، بنسفها وبروز ما عداه بزوال الجبال والكثب. حتى تبدو للعيان سطحًا مستويًا، لا بناء ولا شجر ولا معلم ولا ما سوى ذلك: {وَحَشَرْنَاهُمْ} أي: جمعناهم إلى موقف الحساب: {فَلَمْ نُغَادِرْ} أي: نترك: {مِنْهُمْ أَحَدًا} أي: لا صغيرًا ولا كبيرًا. كما قال: {قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الواقعة: 49- 50]، وقال: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ} [هود: 103].
{وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا} أي: مصطفين مترتبين في المواقف، لا يحجب بعضهم بعضًا كل في رتبته، قاله القاشاني.
وقال أبو السعود: صَفًّا أي: غير متفرقين ولا مختلطين. فلا تعرّض فيه لوحدة الصف وتعدّده.
قال الزمخشري: شبهت حالهم بحال الجند المعروضين على السلطان، مصطفين ظاهرين. يرى جماعتهم كما يرى كل واحد. لا يحجب أحدٌ أحدًا: {لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} أي: بلا مال ولا بنين. أو لقد بعثناكم كما أنشأناكم. والكلام على إضمار القول. أي: وقلنا. تقريعًا للمنكرين للمعاد، وتوبيخًا لهم على رؤوس الأشهاد: {بَلْ زَعَمْتُمْ} أي: بإنكاركم البعث: {أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا} أي: وقتًا لإنجاز ما وعدناكم من البعث والنشور والحساب والجزاء. فلم يعملوا لذلك أصلًا، بل عملوا ما يزدادون به افتضاحًا. وبل للخروج من قصة إلى أخرى. فالإضراب انتقالي، لا إبطالي.
{وَوُضِعَ الْكِتَابُ} أي: صحائف الأعمال بين يدي الله بحضرة الخلائق: {فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ} أي: خائفين أن يفتضحوا: {مِمَّا فِيهِ} أي: من أعمالهم السيئة المسطرة: {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا} أي: هلكتنا وحسرتنا على ما فرطنا في أعمارنا. قال القاشاني: يدعون الهلكة التي هلكوا بها، من أثر العقيدة الفاسدة والأعمال السيئة: {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} أي: أي: شأن حصل له، فلا يترك ذنبًا صغيرًا ولا كبيرًا إلا ضبطه وحفظه. والاستفهام مجاز عن التعجب في إحصائه كل المعاصي، وعدّه مقاديرها وأوصافها، وعدم تسامحه في شيء منها.
قال البقاعي عليه الرحمة إن لام الجر رسمت مفصولة يعني: في الرسم العثمانيّ، إشارة إلى أنهم لشدة الكرب يقفون على بعض الكلمة. وهذا من لطائفه رحمه الله {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا} أي: مكتوبًا في الصحف تفصيلًا، من خير وشر. كما قال تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا} [آل عِمْرَان: 13] الآية. وقال: {يُنَبَّأُ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} [القيامة: 13]. {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} أي: فيكتب عليه ما لم يعمله، أو يزيد في عقابه. اهـ.