فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

{واضرب لهُمْ مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ} أي صف لأَهل مكة صفة رجلين أخوين من بني مخزوم، أحدهما مؤمن واسمه أبو مسلمة بن عبد الأسد، والآخر كافر ويقال له أسود بن عبد الأسد؛ وهما من هذه الأمة.
وآخرين أيضًا من بني إسرائيل مؤمن وكافر، فالمؤمن اسمه تمليخا، ويقال يهوذا، والكافر اسمه أبو قطروس.
هكذا روي عن ابن عباس؛ ويقال: هذا المثل لجميع من آمن بالله وجميع من كفر به؛ وروي عن ابن مسعود أنه قال: كانا مشركين من بني إسرائيل: أَحدهما مؤمن والآخر كافر، فاقتسما فأصاب كل واحد منهما أربعين ألف درهم؛ وروي عن ابن عباس أنه قال: كانا أَخوين ورث كل واحد منهما من أبيه أربعة آلاف دينار، فالكافر أنفق ماله في زينة الدنيا، نحو شراء المنازل والخدم والحيوان؛ وأنفق المؤمن ماله في طاعة الله تعالى، وتصدق على الفقراء والمساكين.
وذلك قوله تعالى: {جَعَلْنَا لاِحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أعناب}، أي بساتين.
قال السدي: كان بستانًا واحدًا عليه جرار واحد، وكان في وسطه نهر؛ فلذلك قال: جنتين لمكان النهر الذي بينهما، وسماه جنة للمكان الدائر الذي عليه.
{وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ}، يعني: الجنتين.
ثم قال: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا}، أي مزرعًا يقال: كان حول البستان نخيل وأشجار، وداخل الأشجار كروم، وداخل الكروم موضع الزرع والرطاب ونحو ذلك.
{كِلْتَا الجنتين اتَتْ أُكُلَهَا}، أي أعطت وأَخرجت حملها وثمارها.
{وَلَمْ تَظْلِمِ مّنْهُ شَيْئًا}، أي لم تنقص من ثمر الجنتين شيئًا.
وقال الزجاج: {كِلْتَا الجنتين اتَتْ أُكُلَهَا}، لأن لفظ كلتا واحد، والمعنى أن كل واحدة منهما آتت أكلها، يعني: أعطت وَأَخْرَجَتْ حَمْلَهَا وَثَمَرَتَهَا {وَلَمْ تَظْلِمِ مّنْهُ شَيْئًا}، يعني: لم ينقص من ثمر الجنتين شيئًا، ولو قال: أتت، لكان جائزًا.
{وَفَجَّرْنَا خلالهما}، أي أجرينا وسطها {نَهَرًا}، والنهر بنصب الهاء والجزم بمعنى واحد في اللغة إلا أن قراءة النصب أصح.
{وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ}؛ قرأ أبو عمرو {ثَمَرٌ} بضم الثاء وجزم الميم، وقرأ الباقون غير عاصم بضم الثاء والميم، ومعناهما واحد، وقرأ عاصم بنصب الثاء والميم.
فمن قرأ بالنصب، فهو ما يخرج من الشجر؛ ومن قرأ بالضم، فهو المال.
يقال: قد أثمر فلان مالًا، ويقال: الثمر جمع ثمار؛ ويقال: ثمرة وثمار، وجمع الثمار ثمر.
{فَقَالَ لصاحبه}، يعني: قال الكافر للمؤمن {وَهُوَ يحاوره}، أي يفاخره ويراجعه، وذلك أن أخاه احتاج فأتاه يسأله منه شيئًا، فلم يعطه شيئًا، وعاتبه بدفع ماله؛ وذلك قوله تعالى: {فَقَالَ لصاحبه وَهُوَ يُحَاوِرُهُ}: {أَنَاْ أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا}، يعني: وأكثر خدمًا.
{وَدَخَلَ جَنَّتَهُ} وهو آخذ بيد أخيه المسلم.
{وَهُوَ ظَالِمٌ لّنَفْسِهِ} بالشرك، فمن كفر بالله فهو ظالم لنفسه، لأنه أوجب لها العذاب الدائم.
{قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هذه أَبَدًا}، لأن أخاه المؤمن عرض عليه الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر، فأجابه الكافر: فـ: {قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هذه أَبَدًا}، يعني: لن تفنى هذه أبدًا.
{وَمَا أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً}، أي كائنة.
{وَلَئِن رُّدِدتُّ إلى رَبّى}، أي إن كان الأمر كما يقول، ورجعت إلى ربي في الآخرة، {لاجِدَنَّ خَيْرًا مّنْهَا مُنْقَلَبًا} في الآخرة، أي مرجعًا.
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر {خَيْرًا مِنْهُمَا} لأنها كناية عن الجنتين، وقرأ الباقون: {مِنْهَا}، لأنه كناية عن قوله: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ}.
{قَالَ لَهُ صاحبه}، أي أخاه المسلم، {وَهُوَ يحاوره}، أي يكلمه ويعظه في الله تعالى: {أَكَفَرْتَ بالذى خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ}، يعني: آدم.
عليه السلام {ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا}، يعني: خلقك معتدل.
قوله: {لَكُنَّا هُوَ الله رَبّى}؛ قرأ ابن عامر ونافع في إحدى الروايتين {لَكُنَّا} بالألف وتشديد النون، لأن أصله لكن أنا، فأدغم فيه؛ وقرأ الباقون: {لَكِنِ}، وفي مصحف الإمام {لَكِنِ أَنَاْ هُوَ الله رَبّى}، فهذا هو الأصل في اللغة، ومعناه لكن أنا أقول: هو الله ربي.
{وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبّى أَحَدًا وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ}، يقول: فهلا إذ دخلت بستانك، {قُلْتَ مَا شَاء الله لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله}، يعني: بقوة الله أعطانيها لا بقوتي.
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ أُعْطِيَ خَيْرًا مِنْ أَهْلٍ أَوْ مَالٍ، فَيَقُولُ عِنْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَ الله لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِالله، لَمْ ير فِيهِ مَا يَكْرَهُ».
{إِن تَرَنِ}، يعني: إن رأيتني {أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا} في الدنيا، {فعسى رَبّى أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مّن جَنَّتِكَ} هذه في الآخرة، {وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا}؛ أي على جنتك {حُسْبَانًا مِّنَ السماء}، أي نارًا من السماء.
وهذا قول الكلبي أيضًا ومقاتل، وقال القتبي: {حُسْبَانًا}، أي مرامي واحدها حسبانة؛ وقال الزجاج: الحسبان أصله الحساب كقوله: {الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ} [الرحمن: 5]، أي بحساب، وهكذا قال هنا حسبانًا أي حسابًا بما كسبت يداك؛ وقال بعض أهل اللغة: الحسبان في اللغة سهم فارق وهو ما يرقى به.
ثم قال: {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا}، أي فتصير ترابًا أملس لا نبات فيها.
{أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا}، أي غائرًا، يقال: غار ماؤها فلم يقدر عليه {فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا}، أي حِيلَةً.
{وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ}، أي فأهلك جميع ماله، والاختلاف في الثمر كما ذكرنا.
{فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ} أي يصفق يده على الأخرى ندامة {عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا} من المال، {وَهِىَ خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا}؛ أي ساقطة على سقوفها، {وَيَقُولُ} في الآخرة: {وَيَقُولُ ياليتنى لَمْ أُشْرِكْ بِرَبّى أَحَدًا} في الدنيا.
{وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ الله}، أي جندًا وقومًا وأعوانًا يمنعونه من عذاب الله.
، أي جندًا وقومًا وأعوانًا يمنعونه من عذاب الله.
{وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا}، أي ممتنعًا هو بنفسه؛ قرأ حمزة والكسائي: {وَلَمْ يَكُن} بالياء بلفظ التذكير، وقرأ الباقون بالتاء بلفظ التأنيث وقال الزجاج: لو قال نصره، لجاز وإنما ينصره على المعنى أي أقوامًا ينصرونه.
{هُنَالِكَ الولاية لِلَّهِ الحق}، أي عند ذلك وهو يوم القيامة، يعني: السلطان والحكم لله لا ينازعه أحد في ملكه يومئذٍ؛ وهذا كقوله: {يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا والأمر يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار: 19].
فمن قرأ: {الحق} بكسر القاف جعله نعتًا {لله}؛ ومن قرأ بالضم جعله نعتًا للولاية.
قرأ حمزة {هُنَالِكَ الولاية} بكسر الواو وضم القاف، وقرأ الباقون: {الولاية لِلَّهِ الحق}، وقال بعضهم: الولاية بالكسر والنصب لغتان، وقيل بالكسر مصدر الوالي، يقال: والي بين الولاية وبالنصب مصدر الولي بين الولاية.
{هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا}، أي خير من أثاب العبد؛ {وَخَيْرٌ عُقْبًا}، أي خير من أعقب.
قرأ حمزة وعاصم {عُقْبًا} بجزم القاف، وقرأ الباقون بضم القاف، ومعناهما واحد وهو العاقبة، فبيّن الله تعالى حال الأخوين في الدنيا وبيّن حالهما في الآخرة، في سورة الصافات في قوله تعالى: {قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّى كَانَ لِى قَرِينٌ} [الصافات: 51] إلى قوله: {فاطلع فَرَءَاهُ في سَوَاءِ الجحيم} [الصافات: 55].
ثم قال: {واضرب لَهُم مَّثَلَ الحياة الدنيا}، أي للمشركين شبه ما في الدنيا من الزينة والزهرة.
{كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السماء}، وهو المطر.
{فاختلط بِهِ نَبَاتُ الأرض}، أي اختلط الماء بالنبات، لأن الماء إذا دخل في الأرض ينبت به النبات، فكأنه اختلط به، {فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرياح}.
وفي الآية مضمر، ومعناه فاختلط الماء بنبات الأرض فنبت وحسن، حتى إذا بلغ أرسل الله آفة فأيبسته فصار هشيمًا، أي صار يابسًا متكسرًا بعد حسنه.
قال القتبي: وأَصْلُهُ من هشمت الشيء إذا كسرته؛ ومنه سمي الرجل هاشمًا {تَذْرُوهُ الرياح}، أَي ذرته الرياح كالرماد ولم يبق منه شيء، فكذلك الدنيا في فنائها وزوالها تهلك إذا جاءت الآخرة وما فيها من الزهرة.
{وَكَانَ الله على كُلّ شيء مُّقْتَدِرًا}، أي قادرًا من البعث وغيره.
قرأ حمزة والكسائي: الريح بلفظ الوحدان، وقرأ الباقون الرياح بلفظ الجماعة.
{الْمَالُ والبنون زِينَةُ الحياة الدنيا}، أي غرورًا لا يبقى كما لا يبقى الهشيم حين ذرته الريح، وإنما يبقى في الآخرة.
{والباقيات الصالحات}، أي الصلوات الخمس.
هكذا روي عن أبي الهيثم ومسروق؛ وقال مسروق: {يَعْمَلُونَ الصالحات} هي الخمس صلوات، وهي الحسنات يذهبن السيئات، وكذلك قال ابن أبي مليكة: وروى سفيان الثوري، عن منصور، عن مجاهد في قوله: {والباقيات الصالحات} قال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ وَقَالَ خُذُوا جُنَّتكُمْ، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله أَمِنْ عَدُوٍّ حَضَرَ، قَالَ: لاَ بَلْ مِنَ النَّارِ.
قَالُوا: وَمَا جُنَّتُنَا مِنَ النَّارِ؟ قَال: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْدُ لله وَلاَ إله إِلاَّ الله والله أَكْبَرُ.
ويقال: كل طاعة يبقى ثوابها، فهي الباقيات الصالحات: الصلاة والصدقة والتسبيح وجميع الطاعات.
{خَيْرٌ عِندَ رَبّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}، أي خير من هذه الزينة والغرور عند الله تعالى، وخير ما يثبت الله العبد، وخير أملًا أي خير ما يوصل العبد الصلاة والتسبيح، أي أفضل رجاء مما يرجو الكافر، لأن ثواب الكافر النار ومرجعه إلى النار.
{وَيَوْمَ نُسَيّرُ الجبال}، أي نزيلها عن وجه الأرض ونسيرها كما نسير السحاب كقوله: {وَتَرَى الجبال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ السحاب صُنْعَ الله الذي أَتْقَنَ كُلَّ شيء إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} [النمل: 88].
{وَتَرَى الأرض بَارِزَةً}، أي ظاهرة من تحت الجبال، ويقال: بارزة أي خالية مما فيها من الكنوز والأموات، كما قال: {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ}.
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر {وَيَوْمَ مِنْهُ الجبال} بالتاء مع الضمة ونصب الياء وضم اللام على معنى فعل ما لم يسم فاعله، وقرأ الباقون: {نُسَيّرُ} بالنون ونصب اللام، كما قال: {وحشرناهم فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا}، أي لم نترك منهم أحدًا ولا نخلف منهم أحدًا.
{وَعُرِضُواْ على رَبّكَ صَفَّا}، يقول: جميعًا، كقوله: {فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائتوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ اليوم مَنِ استعلى} [طه: 64]، أي جميعًا.
يقول الله تعالى ذكره: {لَّقَدْ جِئْتُمُونَا} فرادى عراة حفاةً، {كَمَا خلقناكم أَوَّلَ مَرَّةٍ} بلا أهل ولا مال.
{بَلْ زَعَمْتُمْ}، أي قد قلتم في الدنيا: {أَن لَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِدًا}، أي لن نبعثكم في الآخرة.
{وَوُضِعَ الكتاب} أي وضع كتاب كل امرىء منهم بيمينه أو بشماله، {فَتَرَى المجرمين}؛ أي المشركين والمنافقين والعاصين.
{مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ}، أي خائفين مما في الكتاب من الإحصاء.
{وَيَقُولُونَ ياويلتنا}، يا ندامتنا {مَّالِ هذا الكتاب لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً}؟ يعني: الزلل والكبائر ويقال: تبسمًا وضحكًا، {إِلاَّ أَحْصَاهَا}؛ يقول: حفظها عليهم، {وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ} في الكتاب {حَاضِرًا} من خير أو شر مكتوبًا.
{وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}، أي لا ينقص من ثواب أعمالهم ولا يزيد في سيّئاتهم.
{وَإِذْ قُلْنَا للملائكة} الذين كانوا في الأرض مع إبليس: {اسجدوا لآِدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجن}، قال بعضهم: كان أصله من الجن فلحق بالملائكة وجعل يتعبد معهم، وقال مقاتل: كان من الجن وهو جنس من الملائكة يقال لهم الجن.
روي عن ابن عباس أنه كان من الملائكة الذين هم خزان الجنان، ويقال: كان من الجن أي صار من الجن، كقوله: {قَالَ سآوى إلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِى مِنَ الماء قَالَ لاَ عَاصِمَ اليوم مِنْ أَمْرِ الله إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الموج فَكَانَ مِنَ المغرقين} [هود: 43].
{فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبّهِ}، أي تعظم من طاعة ربه وخرج عن طريق ربه؛ يقال: فسقت الرطبة، إذا خرجت من قشرها.
{أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِى}؟ أفتطيعونه وتتركون أمر الله، {وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ}؟ أي أعداء، كقوله: {إِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أجسامهم وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ العدو فاحذرهم قَاتَلَهُمُ الله أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون: 4] {بِئْسَ للظالمين بَدَلًا}، أي بئس ما استبدلوا عبادة الشيطان بعبادة الله، ويقال: بئس ما استبدلوا بولاية الله تعالى ولاية الشيطان. اهـ.

.قال الثعلبي:

{واضرب لهُمْ مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ} الآية {رَّجُلَيْنِ} منصوب مفعول، على معنى: {واضرب لهُمْ مَّثَلًا} كمثل رجلين. نزلت في أخوين من أهل مكّة من بني مخزوم، أحدهما مؤمن وهو أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن عبد ياليل كان زوج أمّ سلمة قبل النبّي صلى الله عليه وسلم والآخر كافر، وهو الأسود بن عبد الأسد بن عبد ياليل. وقيل نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وفي مشركي مكّة. وهذا مثل لعيينة ابن حصين وأصحابه، وفي سلمان وأصحابه شبّههما برجلين من بني إسرائيل أخوين: أحدهما مؤمن واسمه يهوذا في قول ابن عباس، وقال مقاتل: تمليخا، والآخر كافر، واسمه فطروس، قال وهب قطفر. وهما اللّذان وصفهما الله في سورة الصافات، وكانت قصتهما ما أخبرنا أبو عمرو الفراتي: حدثنا محمد بن عمران: حدثنا الحسن بن سفيان: حدثنا حيّان بن موسى: حدثنا عبد الله بن البارك عن معمر عن عطاء الخراساني قال: كان رجلان شريكين، وكان لهما ثمانية آلاف دينار، وقيل: إنهما ورثاه عن أبيهما، وكانا أخوين فاقتسماها، فعمد أحدهما فاشترى أرضًا بألف دينار، فقال صاحبه: اللهم إن كان فلان قد اشترى أرضًا بألف دينار، فإني أشتري منك أرضًا في الجنة بألف دينار، فتصدّق بألف دينار.