فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{المال والبنون زِينَةُ الحياة الدنيا} لا زاد القبر وعدة العقبى {والباقيات الصالحات} أعمال الخير التي تبقى ثمرتها للإنسان، أو الصلوات الخمس، أو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر {خَيْرٌ عِندَ رَبّكَ ثَوَابًا} جزاء {وَخَيْرٌ أَمَلًا} لأنه وعد صادق وأكثر الآمال كاذبه يعني أن صاحبها يأمل في الدنيا ثواب الله ويصيبه في الآخرة {وَيَوْمَ} واذكر يوم {نُسَيّرُ الجبال} {تُسيَّر الجبال} مكي وشامي وأبو عمرو أي تسير في الجو، أو يذهب بها بأن تجعل هباء منثورًا منبثًا {وَتَرَى الأرض بَارِزَةً} ليس عليها ما يسترها مما كان عليها من الجبال والأشجار {وحشرناهم} أي الموتى {فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} أي فلم نترك.
غادره أي تركه ومنه الغدر ترك الوفاء والغدير ما غادره السيل {وَعُرِضُواْ على رَبّكَ صَفَّا} مصطفين ظاهرين ترى جماعتهم كما يرى كل واحد لا يحجب أحد أحدًا، شبهت حالهم بحال الجند المعروضين على السلطان {لَّقَدْ جِئْتُمُونَا} أي قلنا لهم لقد جئتمونا، وهذا المضمر يجوز أن يكون عامل النصب في {يوم نسير} {كَمَا خلقناكم أَوَّلَ مَرَّةٍ} أي لقد بعثناكم كما أنشأناكم أول مرة، أو جئتمونا عراة لا شيء معكم كما خلقناكم أولًا.
وإنما قال: {وحشرناهم} ماضيًا بعد {نسير} و{ترى} للدلالة على حشرهم قبل التسيير وقبل البروز ليعاينوا تلك الأهوال.
كأنه قيل: وحشرناهم قبل ذلك {بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِدًا} وقتًا لإنجاز ما وعدتم على ألسنة الأنبياء من البعث والنشور أو مكان وعد للمحاسبة.
{وَوُضِعَ الكتاب} أي صحف الأعمال {فَتَرَى المجرمين مُشْفِقِينَ} خائفين {مِمَّا فِيهِ} من الذنوب {وَيَقُولُونَ ياويلتنا مَّالِ هذا الكتاب لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً} أي لا يترك شيئًا من المعاصي {إِلاَّ أَحْصَاهَا} حصرها وضبطها {وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا} في الصحف عتيدًا أو جزاء ما عملوا {وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} فيكتب عليه ما لم يعمل أو يزيد في عقابه أو يعذبه بغير جرم.
{وَإِذْ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لآِدَمَ} فسجود تحية أو سجود انقياد {فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجن} وهو مستأنف كأن قائلًا قال: ما له لم يسجد؟ فقيل: كان من الجن {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبّهِ} خرج عما أمره ربه به من السجود وهو دليل على أنه كان مأمورًا بالسجود مع الملائكة {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرّيَّتَهُ} الهمزة للإنكار والتعجب كأنه قيل: أعقيب ما وجد منه تتخذونه وذريته {أَوْلِيَاء مِن دُونِى} وتستبدلونهم بي؟ ومن ذريته لا قيس موسوس الصلاة والأعور صاحب الزنا وبتر صاحب المصائب ومطوس صاحب الأراجيف وداسم يدخل ويأكل مع من لم يسم الله تعالى {وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} أعداء {بِئْسَ للظالمين بَدَلًا} بئس البدل من الله إبليس لمن استبدله فأطاعه بدل طاعة الله. اهـ.

.قال البيضاوي:

{واضرب لَهُمْ مَّثَلًا}.
للكافر والمؤمن. {رَّجُلَيْنِ} حال رجلين مقدرين أو موجودين هما أخوان من بني إسرائيل كافر اسمه قطروس ومؤمن اسمه يهوذا، ورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينار فتشاطرا، فاشترى الكافر بها ضياعًا وعقارًا وصرفها المؤمن في وجوه الخير، وآل أمرهما إلى ما حكاه الله تعالى. وقيل الممثل بهما أخوان من بني مخزوم كافر وهو الأسود بن عبد الأشد ومؤمن وهو أبو سلمة عبد الله زوج أم سلمة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم {جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ} بستانين. {مّنْ أعناب} من كروم والجملة بتمامها بيان للتمثيل أو صفة للرجلين. {وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ} وجعلنا النخل محيطة بهما مؤزرًا بها كرومهما، يقال حفه القوم إذا أطافوا به وحففته بهم إذا جعلتهم حافين حوله فتزيده الباء مفعولًا ثانيًا كقولك: غشيته به. {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا} وسطهما. {زَرْعًا} ليكون كل منهما جامعًا للأقوات والفواكه متواصل العمارة على الشكل الحسن والترتيب الأنيق.
{كِلْتَا الجنتين اتَتْ أُكُلَهَا} ثمرها، وإفراد الضمير لإِفراد {كِلْتَا} وقرئ: {كل الجنتين آتى أكله}. {وَلَمْ تَظْلِمِ مّنْهُ} ولم تنقص من أكلها. {شَيْئًا} يعهد في سائر البساتين فإن الثمار تتم في عام وتنقص في عام غالبًا. {وَفَجَّرْنَا خلالهما نَهَرًا} ليدوم شربهما فإنه الأصل ويزيد بهاؤهما، وعن يعقوب {وَفَجرنَا} بالتخفيف.
{وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} أنواع من المال سوى الجنتين من ثمر ماله إذا كثره. وقرأ عاصم بفتح الثاء والميم، وأبو عمرو بضم الثاء وإسكان الميم والباقون بضمهما وكذلك في قوله: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} {فَقَالَ لصاحبه وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} يراجعه في الكلام من حار إذا رجع.
{أَنَاْ أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} حَشَمًا وأعوانًا. وقيل أولادًا ذكورًا لأنهم الذين ينفرون معه.
{وَدَخَلَ جَنَّتَهُ} بصاحبه يطوف به فيها ويفاخره بها، وإفراد الجنة لأن المراد ما هو جنته وما متع به من الدنيا تنبيهًا على أن لا جنة له غيرها ولا حظ له في الجنة التي وعد المتقون، أو لاتصال كل واحد من جنتيه بالأخرى، أو لأن الدخول يكون في واحدة واحدة. {وَهُوَ ظَالِمٌ لّنَفْسِهِ} ضار لها بعجبه وكفره {قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ} أن تفنى. {هذه} الجنة. {أَبَدًا} لطول أمله وتمادي غفلته واغتراره بمهلته.
{وَمَا أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً} كائنة. {وَلَئِن رُّدِدتُّ إلى رَبّى} بالبعث كما زعمت. {لأَجِدَنَّ خَيْرًا مّنْهَا} من جنته، وقرأ الحجازيان والشامي {منهما} أي من الجنتين. {مُنْقَلَبًا} مرجعًا وعاقبة لأنها فانية وتلك باقية، وإنما أقسم على ذلك لاعتقاده أنه تعالى إنما أولاه لاستئهاله واستحقاقه إياه لذاته وهو معه أينما تلقاه.
{قَالَ لَهُ صاحبه وَهُوَ يحاوره أَكَفَرْتَ بالذى خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ} لأنه أصل مادتك أو مادة أصلك. {ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} فإنها مادتك القريبة. {ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} ثم عدلك وكملك إنسانًا ذكرًا بالغًا مبلغ الرجال. جعل كفره بالبعث كفرًا بالله تعالى لأن منشأه الشك في كمال قدرة الله تعالى، ولذلك رتب الإِنكار على خلقه إياه من التراب فإن من قدر على بدء خلقه منه قدر أن يعيده منه.
{لََكِنَّا هُوَ الله رَبّى وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبّى أَحَدًا} أصله لكن أنا فحذفت الهمزة بنقل الحركة أو دونه فتلاقت النونان فكان الإِدغام، وقرأ ابن عامر ويعقوب في رواية بالألف في الوصل لتعويضها من الهمزة أو لإِجراء الوصل مجرى الوقف، وقد قرئ: {لكن أنا} على الأصل وهو ضمير الشأن وهو بالجملة الواقعة خبرًا له خبر {أنا} أو ضمير {الله} و{الله} بدله وربي خبره والجملة خبر {أنا} والاستدراك من أكفرت كأنه قال: أنت كافر بالله لكني مؤمن به، وقد قرئ: {لكن هو الله ربي ولكن أنا لا إله إلا هو ربي}.
{وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ} وهلا قلت عند دخولها. {مَا شَاء الله} الأمر ما شاء أو ما شاء كائن على أن ما موصولة، أو أي شيء شاء الله كان على أنها شرطية والجواب محذوف إقرارًا بأنها وما فيها بمشيئة الله إن شاء أبقاها وإن شاء أبادها. {لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله} وقلت لا قوة إلا بالله اعترافًا بالعجز على نفسك والقدرة لله، وإن ما تيسر لك من عمارتها وتدبير أمرها بمعونته وإقداره.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى شيئًا فأعجبه فقال ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضره» {إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا} يحتمل أن يكون فصلًا وأن يكون تأكيدًا للمفعول الأول، وقرئ: {أَقُلْ} بالرفع على أنه خبر {أَنَاْ} والجملة مفعول ثاني لـ: {تَرَنِ}، وفي قوله: {وَوَلَدًا} دليل لمن فسر النفر بالأولاد.
{فعسى رَبّى أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مّن جَنَّتِكَ} في الدنيا أو في الآخرة لإِيماني وهو جواب الشرط. {وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا} على جنتك لكفرك. {حُسْبَانًا مِّنَ السماء} مرامي جمع حسبانة وهي الصواعق. وقيل هو مصدر بمعنى الحساب والمراد به التقدير بتخريبها أو عذاب حساب الأعمال السيئة. {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} أرضًا ملساء يزلق عليها باستئصال نباتها وأشجارها.
{أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا} أي غائرًا. في الأرض مصدر وصف به كالزلق. {فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا} للماء الغائر ترددًا في رده.
{وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} وأهلك أمواله حسبما توقعه صاحبه وأنذره منه، وهو مأخوذ من أحاط به العدو فإنه إذا أحاط به غلبه وإذا غلبه أهلكه، ونظيره أتى عليه إذا أهلكه من أتى عليهم العدو إذا جاءهم مستعليًا عليهم. {فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ} ظهرًا لبطن تلهفًا وتحسرًا. {عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا} في عمارتها وهو متعلق ب {يُقَلّبُ} لأن تقليب الكفين كناية عن الندم فكأنه قيل: فأصبح يندم، أو حال أي متحسرًا على ما أنفق فيها. {وَهِىَ خَاوِيَةٌ} ساقطة. {على عُرُوشِهَا} بأن سقطت عروشها على الأرض وسقطت الكروم فوقها عليها. {وَيَقُولُ} عطف على {يُقَلّبُ} أو حال من ضميره. {ياليتنى لَمْ أُشْرِكْ بِرَبّى أَحَدًا} كأنه تذكر موعظة أخيه وعلم أنه أتى من قبل شركه فتمنى لو لم يكن مشركًا فلم يهلك الله بستانَه، ويحتمل أن يكون توبة من الشرك وندمًا على ما سبق منه.
{وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ} وقرأ حمزة والكسائي بالياء لتقدمه. {يَنصُرُونَهُ} يقدرون على نصره بدفع الإِهلاك أو رد المهلك أو الإِتيان بمثله. {مِن دُونِ الله} فإِنه القادر على ذلك وحده. {وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا} وما كان ممتنعًا بقوته عن انتقام الله منه.
{هُنَالِكَ} في ذلك المقام وتلك الحال. {الولاية لِلَّهِ الحق} النصرة له وحدة لا يقدر عليها غيره تقديرًا لقوله: {وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ} أو ينصر فيها أولياءه المؤمنين على الكفرة كما نصر فيما فعل بالكافر أخاه المؤمن ويعضده قوله: {هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا} أي لأوليائه. وقرأ حمزة والكسائي بالكسر ومعناه السلطان والملك أي هنالك السلطان له لا يغلب ولا يمنع منه، أو لا يعبد غيره كقوله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُواْ الفلك دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} فيكون تنبيهًا على أن قوله: {ياليتنى لَمْ أُشْرِكْ} كان عن اضطرار وجزع مما دهاه. وقيل {هُنَالِكَ} إشارة إلى الآخرة وقرأ أبو عمرو والكسائي: {الحق} بالرفع صفة للولاية، وقرئ بالنصب على المصدر المؤكد، وقرأ عاصم وحمزة {عُقْبًا} بالسكون، وقرئ: {عقبى} وكلها بمعنى العاقبة.
{واضرب لَهُم مَّثَلَ الحياة الدنيا} واذكر لهم ما يشبه الحياة الدنيا في زهرتها وسرعة زوالها أو صفتها الغريبة. {كَمَاء} هي كماء ويجوز أن يكون مفعولًا ثانيًا لـ: {اضرب} على أنه بمعنى صير. {أَنزَلْنَاهُ مِنَ السماء فاختلط بِهِ نَبَاتُ الأرض} فالتفت بسببه وخالط بعضه بعضًا من كثرته وتكاثفه، أو نجع في النبات حتى روى ورف وعلى هذا كان حقه فاختلط بنبات الأرض لكنه لما كان كل من المختلطين موصوفًا بصفة صاحبه عكس للمبالغة في كثرته. {فَأَصْبَحَ هَشِيمًا} مهشومًا مكسورًا. {تَذْرُوهُ الرياح} تفرقه، وقرئ: {تذريه} من أذرى والمشبه به ليس الماء ولا حاله بل الكيفية المنتزعة من الجملة، وهي حال النبات المنبت بالماء يكون أخضر وارفًا ثم هشيمًا تطيره الرياح فيصير كأن لم يكن. {وَكَانَ الله على كُلّ شَىْء} من الإِنشاء والإِفناء. {مُّقْتَدِرًا} قادرًا.
{المال والبنون زِينَةُ الحياة الدنيا} يتزين بها الإِنسان في دنياه وتفنى عنه عما قريب. {والباقيات الصالحات} وأعمال الخيرات التي تبقى له ثمرتها أبد الآباد، ويندرج فيها ما فسرت به من الصلوات الخمس وأعمال الحج وصيام رمضان وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر والكلام الطيب. {خَيْرٌ عِندَ رَبّكَ} من المال والبنين. {ثَوَابًا} عائدة. {وَخَيْرٌ أَمَلًا} لأن صاحبها ينال بها في الآخرة ما كان يؤمل بها في الدنيا.
{وَيَوْمَ نُسَيّرُ الجبال} واذكر يوم نقلعها ونسيرها في الجو، أو نذهب بها فنجعلها هباء منبثًا. ويجوز عطفه على {عِندَ رَبّكَ} أي الباقيات الصالحات خير عند الله ويوم القيامة. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر تسير بالتاء والبناء للمفعول وقرئ: {تسير} من سارت. {وَتَرَى الأرض بَارِزَةً} بادية برزت من تحت الجبال ليس عليها ما يسترها، وقرئ: {وترى} على بناء المفعول. {وحشرناهم} وجمعناهم إلى الموقف، ومجيئه ماضيًا بعد {نُسَيّرُ} {وَتَرَى} لتحقق الحشر أو للدلالة على أن حشرهم قبل التسيير ليعاينوا ويشاهدوا ما وعد لهم، وعلى هذا تكون الواو للحال بإضمار قد. {فَلَمْ نُغَادِرْ} فلم نترك. {مّنْهُمْ أَحَدًا} يقال غادره وأغدره إذا تركه ومنه الغدر لترك الوفاء والغدير لما غادره السيل، وقرئ بالياء.
{وَعُرِضُواْ على رَبّكَ} شبه حالهم بحال الجند المعروضين على السلطان لا ليعرفهم بل ليأمر فيهم. {صَفَّا} مصطفين لا يحجب أحد أحد. {لَّقَدْ جِئْتُمُونَا} على إضمار القول على وجه يكون حالًا أو عاملًا في يوم نسير. {كَمَا خلقناكم أَوَّلَ مَرَّةٍ} عراة لا شيء معكم من المال والولد كقوله: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى} أو أحياء كخلقتكم الأولى لقوله: {بَلْ زَعَمْتُمْ أَن لَن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِدًا} وقتًا لإنجاز الوعد بالبعث والنشور وأن الأنبياء كذبوكم به، وبل للخروج من قصة إلى أخرى.
{وَوُضِعَ الكتاب} صحائف الأعمال في الأيمان والشمائل أو في الميزان وقيل هو كناية عن وضع الحساب. {فَتَرَى المجرمين مُشْفِقِينَ} خائفين. {مِمَّا فِيهِ} من الذنوب. {وَيَقُولُونَ ياويلتنا} ينادون هلكتهم التي هلكوها من بين الهلكات. {مَّالِ هذا الكتاب} تعجبًا من شأنه. {لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً} هنة صغيرة. {وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا} إلا عددها وأحاط بها. {وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا} مكتوبًا في الصحف. {وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} فيكتب عليه ما لم يفعل أو يزيد في عقابه الملائم لعمله.
{وَإِذْ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ} كرره في مواضع لكونه مقدمة للأمور المقصود بيانها في تلك المحال، وها هنا لما شنع على المفتخرين واستقبح صنيعهم قرر ذلك بأنه من سنن إبليس، أو لما بين حال المغرور بالدنيا والمعرض عنها وكان سبب الاغترار بها حب الشهوات وتسويل الشيطان. زهدهم أولًا في زخارف الدنيا بأنها عرضة الزوال والأعمال الصالحة خير وأبقى من أنفسها وأعلاها، ثم نفرهم عن الشيطان بتذكير ما بينهم من العدواة القديمة وهكذا مذهب كل تكرير في القرآن. {كَانَ مِنَ الجن} حال بإضمار قد أو استئناف للتعليل كأنه قيل: ما له لم يسجد فقيل كان من الجن. {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبّهِ} فخرج عن أمره بترك السجود والفاء للسبب، وفيه دليل على أن الملك لا يعصى أَلبتة وإنما عصى إبليس لأنه كان جنيًا في أصله والكلام المستقصى فيه في سورة البقرة. {أَفَتَتَّخِذُونَهُ} أعقيب ما وجد منه تتخذونه والهمزة للإِنكار والتعجب. {وَذُرّيَّتَهُ} أولاده أو أتباعه، وسماهم ذرية مجازًا. {أَوْلِيَاء مِن دُونِى} فتستبدلونهم بي فتطيعونهم بدل طاعتي. {وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ للظالمين بَدَلًا} من الله تعالى إبليس وذريته. اهـ.