فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعلبي:

قراءة شاذة:
قرأ أبو الشعثا جابر بن زيد: {إِبْرَاهِيمَ} ربه إبراهيم رفعًا وربه نصبًا على معنى سأل ودعا فقيل له ومن أين لك هذا؟
فقال: أقرأنيه ابن عباس. وهذا غير قوي لأجل الباء في قوله: {بِكَلِمَاتٍ} وقرأ الباقون بالنصّب. اهـ.
سؤال: ما المراد بالكلمات في قوله تعالى: {بكلمات فأتمهن}؟
الجواب كما ذكره الماوردى:
وفي الكلمات التي ابتلاه الله عز وجل بها، ثمانية أقاويل:
أحدها: هي شرائع الإِسلام، قال ابن عباس: ما ابتلى الله أحدًا بهن، فقام بها كلها، غير إبراهيم، ابتلي بالإِسلام فأتمه، فكتب الله له البراءة فقال: {وإبراهيم الذي وَفَّى} [النجم: 37] قال: وهي ثلاثون سهمًا:
عشرة منها في سورة براءة: {التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون} [التوبة: 112].
وعشرة في الأحزاب: {إنَّ المُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَادِقينَ والصَادِقَاتِ وَالصَابِرِينَ وَالصَابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ واَلْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فروجَهُم وَالْحافِظَاتِ وَالذَاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالْذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغَفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35].
وعشرة في سورة المؤمنين: {قَدْ أفْلَحَ الْمُؤمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِم خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُم عَنِ اللَّغُوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذيِنَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلاَّ عَلَى أزْوَاجِهِم أوْ مَا مَلَكَتْ أيمَانُهُم فَإِنَّهُم غَيرُ مَلُومِينَ فَمن ابتغى وَرَاءَ ذلِكَ فَأولئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمُ لأَمَانَاتِهِم وَعَهْدِهِم رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونِ الْفِرْدَوسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: 1- 11] وفي سورة سأل سائل من {إلا المُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج: 23]، إلى {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِم يُحَافظُون} [المعارج: 34].
والقول الثاني: إنها خصال من سُنَنِ الإسلام، خمس في الرأس، وخمس في الجسد، فروى ابن عباس في الرأس: قص الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفرق الرأس. وفي الجسد تقليم الأظفار، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وغسل أثر البول والغائط بالماء. وهذا قول قتادة.
والقول الثالث: إنها عشر خصال، ست في الإنسان وأربع في المشاعر، فالتي في الإنسان: حَلْقُ العانة، والختان، ونَتْفُ الإبط، وتقليم الأظفار، وقص الشارب، والغُسل يوم الجمعة. والتي في المشاعر: الطواف، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار، والإفاضة. روى ذلك الحسن عن ابن عباس.
والقول الرابع: إن الله تعالى قال لإبراهيم: إني مبتليك يا إبراهيم، قال: تجعلني للناس إمامًا؟ قال نعم، قال: ومن ذريتي؟ قال: لا ينال عهدي الظالمين، قال: تجعل البيت مثابة للناس؟ قال: نعم، قال: وأمنًا؟ قال: نعم، قال: وتجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك؟ قال: نعم، قال: وأرنا مناسكنا وتب علينا؟ قال: نعم، قال: وتجعل هذا البلد آمنًا؟ قال: نعم، قال: وترزق أهله من الثمرات من آمن؟ قال: نعم، فهذه الكلمات التي ابتلى الله بها إبراهيم، وهذا قول مجاهد.
والخامس: أنها مناسك الحج خاصة، وهذا قول قتادة.
والقول السادس: أنها الخلال الست: الكواكب، والقمر، والشمس، والنار، والهجرة، والختان، التي ابتلي بهن فصبر عليهن، وهذا قول الحسن.
والقول السابع: ما رواه سهل بن معاذ بن أنس عن أمه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا أخبركم لم سمى الله إبراهيم خليله الذي وفّى؟ لأنه كان يقول كلما أصبح وكلما أمسى: سبحان الله حين تُمْسُونَ وحينَ تُصْبِحُونَ، وله الحمْدُ في السّموَاتِ والأرْضِ وعَشِيًّا وحين تُظْهِرُونَ». والقول الثامن، ما رواه القاسم بن محمد، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «{وَإبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} قَالَ: أتَدْرُونَ مَا وَفَّى؟»، قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، قَالَ: «وَفّى عَمَلَ يَوْمٍ بِأرْبَعِ رَكْعَاتٍ فِي النَّهَارِ». اهـ.

.كلام نفيس للقفال في هذا الموضع:

قال القفال رحمه الله: وجملة القول أن الابتلاء يتناول إلزام كل ما في فعله كلفة شدة ومشقة، فاللفظ يتناول مجموع هذه الأشياء ويتناول كل واحد منها، فلو ثبتت الرواية في الكل وجب القول بالكل، ولو ثبتت الرواية في البعض دون البعض فحينئذ يقع التعارض بين هذه الروايات، فوجب التوقف والله أعلم. اهـ.
وقريب من هذا الرأى قول الإم أبى جعفر الطبرى رحمه الله فبعد أن ذكر جميع الأقوال في المراد من الكلمات قال ما نصه:
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله عز وجل أخبر عباده أنه اختبر إبراهيم خليله بكلمات أوحاهن إليه، وأمره أن يعمل بهن فأتمهن، كما أخبر الله جل ثناؤه عنه أنه فعل. وجائز أن تكون تلك الكلمات جميع ما ذكره من ذكرنا قوله في تأويل الكلمات، وجائز أن تكون بعضه. لأن إبراهيم صلوات الله عليه قد كان امتحن فيما بلغنا بكل ذلك، فعمل به، وقام فيه بطاعة الله وأمره الواجب عليه فيه. وإذ كان ذلك كذلك، فغير جائز لأحد أن يقول: عنى الله بالكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم شيئا من ذلك بعينه دون شيء، ولا عنى به كل ذلك، إلا بحجة يجب التسليم لها: من خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أو إجماع من الحجة. ولم يصح في شيء من ذلك خبر عن الرسول بنقل الواحد، ولا بنقل الجماعة التي يجب التسليم لما نقلته. غير أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في نظير معنى ذلك خبران، لو ثبتا، أو أحدهما، كان القول به في تأويل ذلك هو الصواب. اهـ.
وقال صاحب الأمثل: المقصود من الكلمات من دراسة آيات القرآن الكريم بشأن إبراهيم عليه السلام، وما أدّاه هذا النّبي العظيم من أعمال جسيمة استحق ثناء الله، نفهم أن المقصود من الكلمات هو مجموعة المسئوليات والمهام الثقيلة الصعبة التي وضعها الله على عاتق إبراهيم عليه السلام، فحملها وأحسن حملها، وأدّى ما عليه خير أداء، وهي عبارة عن: أخذ ولده إلى المذبح والإِستعداد التام لذبحه، إطاعة لأمر الله سبحانه.
إسكان الزوج والولد في واد غير ذي زرع بمكة، حيث لم يسكن فيه إنسان.
النهوض بوجه عَبَدة الأصنام وتحطيم الأصنام، والوقوف ببطولة في تلك المحاكمة التاريخية، ثم إلقاؤه في وسط النيران. وثباته ورباطة جأشه في كل هذه المراحل.
الهجرة من أرض عبدة الأصنام والإِبتعاد عن الوطن، والإِتجاه نحو أصقاع نائية لأداء رسالته... وأمثالها.
يكان كل واحد من هذه الإِختبارات ثقي وصعبًا حقًّا، لكنه بقوة إيمانه نجح فيها جميعًا، وأثبت لياقته لمقام الإِمامة. اهـ.
سؤال: لم سميت تلك الخصال كلمات؟
الجواب: وإِنما سمِّيت هذه الخصالُ كلماتٍ؛ لأنها اقترنتْ بها أوامر هي كلمات، وروي أن إبراهيم، لما أتمَّ هذه الكلماتِ أو أتمَّها اللَّه عليه، كتب اللَّه له البراءة من النَّار، فذلك قوله تعالى: {وإبراهيم الذي وفى} [النجم: 37]. اهـ.
سؤال: لم أوثر النيل على الجعل في قوله تعالى: {قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}؟
الجواب: إنما أوثِرَ النيلُ على الجعلِ إيماءً إلى أن إمامة الأنبياءِ عليهم السلام من ذريته عليه السلام كإسماعيلَ وإسحاقَ ويعقوبَ ويوسفَ وموسى وهارونَ وداودَ وسليمانَ وأيوبَ ويونسَ وزكريا ويحيى وعيسى وسيدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا ليست بجعل مستقل بل هي حاصلة في ضمن إمامة إبراهيمَ عليه السلام تنال كلا منهم في وقت قدّره الله عز وجل. اهـ.

.لطائف وفوائد ذكرها الفخر في الآية الكريمة:

.المسألة السادسة: عصمة الأنبياء:

الآية تدل على عصمة الأنبياء من وجهين:
الأول: أنه قد ثبت أن المراد من هذا العهد: الإمامة.
ولا شك أن كل نبي إمام، فإن الإمام هو الذي يؤتم به، والنبي أولى الناس، وإذا دلت الآية على أن الإمام لا يكون فاسقًا، فبأن تدل على أن الرسول لا يجوز أن يكون فاسقًا فاعلًا للذنب والمعصية أولى.
الثاني: قال: {لاَ يَنَال عَهْدِي الظالمين} فهذا العهد إن كان هو النبوة؛ وجب أن تكون لا ينالها أحد من الظالمين وإن كان هو الإمامة، فكذلك لأن كل نبي لابد وأن يكون إمامًا يؤتم به، وكل فاسق ظالم لنفسه فوجب أن لا تحصل النبوة لأحد من الفاسقين والله أعلم.

.المسألة السابعة: معنى العهد:

اعلم أنه سبحانه بين أن له معك عهدًا، ولك معه عهدًا، وبين أنك متى تفي بعهدك، فإنه سبحانه يفي أيضًا بعهده فقال: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِى أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة: 40] ثم في سائر الآيات فإنه أفرد عهدك بالذكر، وأفرد عهد نفسه أيضًا بالذكر، أما عهدك فقال فيه: {والموفون بِعَهْدِهِمْ إِذَا عاهدوا} [البقرة: 177] وقال: {والذين هُمْ لأماناتهم وَعَهْدِهِمْ راعون} [المؤمنون: 8] وقال: {يَا أَيُّهَا الذين ءَامَنُواْ أَوْفُواْ بالعقود} [المائدة: 1] وقال: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ الله أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} [الصف: 32] وأما عهده سبحانه وتعالى فقال فيه: {وَمَنْ أوفى بِعَهْدِهِ مِنَ الله} [التوبة: 111] ثم بين كيفية عهده إلى أبينا آدم فقال: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلى آدم من قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115] ثم بين كيفية عهده إلينا فقال: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يبَنِى آدم وَإِذْ أَخَذ} [يس: 60] ثم بين كيفية عهده مع بني إسرائيل فقال: {إِنَّ الله عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ} [آل عمران: 183] ثم بين كيفية عهده مع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فقال: {وَعَهِدْنَا إلى إبراهيم وإسماعيل} [البقرة: 125] ثم بين في هذه الآية أن عهده لا يصل إلى الظالمين فقال: {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين} فهذه المبالغة الشديدة في هذه المعاهدة تقتضي البحث عن حقيقة هذه المعاهدة فنقول: العهد المأخوذ عليك ليس إلا عهد الخدمة والعبودية، والعهد الذي التزمه الله تعالى من جهته ليس إلا عهد الرحمة والربوبية، ثم إن العاقل إذا تأمل في حال هذه المعاهدة لم يجد من نفسه إلا نقض هذا العهد، ومن ربه إلا الوفاء بالعهد، فلنشرع في معاقد هذا الباب فنقول:
أول إنعامه عليك إنعام الخلق والإيجاد والإحياء وإعطاء العقل والآلة والمقصود من كل ذلك اشتغالك بالطاعة والخدمة والعبودية على ما قال: {وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] ونزه نفسه عن أن يكون هذا الخلق والإيجاد منه على سبيل العبث فقال: {وَمَا خَلَقْنَا السماء والأرض وَمَا بَيْنَهَا لاَعِبِينَ} [الأنبياء: 16] {مَا خلقناهما إِلاَّ بالحق} [الدخان: 39] وقال أيضًا: {وَمَا خَلَقْنَا السماء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا باطلا ذلك ظَنُّ الذين كَفَرُواْ} [ص: 27] وقال: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خلقناكم عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115] ثم بين على سبيل التفصيل ما هو الحكمة في الخلق والإيجاد فقال: {وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} فهو سبحانه وفى بعهد الربوبية حيث خلقك وأحياك وأنعم عليك بوجوه النعم وجعلك عاقلًا مميزًا فإذا لم تشتغل بخدمته وطاعته وعبوديته فقد نقضت عهد عبوديتك مع أن الله تعالى وفى بعهد ربوبيته.
وثانيها: أن عهد الربوبية يقتضي إعطاء التوفيق والهداية وعهد العبودية منك يقتضي الجد والاجتهاد في العمل، ثم إنه وفى بعهد الربوبية فإنه ما ترك ذرة من الذرات إلا وجعلها هادية لك إلى سبيل الحق {وَإِن مِّن شَيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ} [الإسراء: 44] وأنت ما وفيت البتة بعهد الطاعة والعبودية.
وثالثها: أن نعمة الله بالإيمان أعظم النعم، والدليل عليه أن هذه النعمة لو فاتتك لكنت أشقى الأشقياء أبد الآبدين ودهر الداهرين، ثم هذه النعمة من الله تعالى لقوله: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ الله} [النحل: 53] ثم مع أن هذه النعمة منه فإنه يشكرك عليها وقال: {فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا} [الإسراء: 19] فإذا كان الله تعالى يشكرك على هذه النعمة فبأن تشكره على ما أعطى من التوفيق والهداية كان أولى، ثم إنك ما أتيت إلا بالكفران على ما قال: {قُتِلَ الإنسان مَا أَكْفَرَهُ} [عبس: 17] فهو تعالى وفى بعهده، وأنت نقضت عهدك.
ورابعها: أن تنفق نعمه في سيبل مرضاته، فعهده معك أن يعطيك أصناف النعم وقد فعل وعهدك معه أن تصرف نعمه في سبيل مرضاته وأنت ما فعلت ذلك: {كَلاَّ إِنَّ الإنسان ليطغى أَن رَّءاهُ استغنى} [العلق: 6، 7].
وخامسها: أنعم عليك بأنواع النعم لتكون محسنًا إلى الفقراء: {وَأَحْسِنُواْ إِنَّ الله يُحِبُّ المحسنين} ثم إنك توسلت به إلى إيذاء الناس وإيحاشهم: {الذين يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ الناس بالبخل} [الحديد: 24]، [النساء: 37].
وسادسها: أعطاك النعم العظيمة لتكون مقبلًا على حمده وأنت تحمد غيره فانظر إن السلطان العظيم لو أنعم عليك بخلعة نفيسة، ثم إنك في حضرته تعرض عنه وتبقى مشغولًا بخدمة بعض الأسقاط كيف تستوجب الأدب والمقت فكذا ههنا، واعلم أنا لو اشتغلنا بشرح كيفية وفائه سبحانه بعهد الإحسان والربوبية وكيفية نقضنا لعهد الإخلاص والعبودية لما قدرنا على ذلك فإنا من أول الحياة إلى آخرها ما صرنا منفكين لحظة واحدة من أنواع نعمه على ظاهرنا وباطننا وكل واحدة من تلك النعم تستدعي شكرًا على حدة وخدمة على حدة، ثم أنا ما أتينا بها بل ما تنبهنا لها وما عرفنا كيفيتها وكميتها، ثم إنه سبحانه على تزايد غفلتنا وتقصيرنا يزيد في أنواع النعم والرحمة والكرم، فكنا من أول عمرنا إلى آخره لا نزال نتزايد في درجات النقصان والتقصير واستحقاق الذم، وهو سبحانه لا يزال يزيد في الإحسان واللطف والكرم، واستحقاق الحمد والثناء فإنه كلما كان تقصيرنا أشد كان إنعامه علينا بعد ذلك أعظم وقعًا وكلما كان إنعامه علينا أكثر وقعًا، كان تقصيرنا في شكره أقبح وأسوأ، فلا تزال أفعالنا تزداد قبائح ومحاسن أفعاله على سبيل الدوام بحيث لا تفضي إلى الانقطاع ثم إنه قال في هذه الآية: {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين} وهذا تخويف شديد لكنا نقول: إلهنا صدر منك ما يليق بك من الكرم والعفو والرحمة والإحسان وصدر منا ما يليق بنا من الجهل والغدر والتقصير والكسل، فنسألك بك وبفضلك العميم أن تتجاوز عنا يا أرحم الراحمين. اهـ.