فصل: قال أبو حيان في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان في الآيات السابقة:

{ورأى المجرمون النار}.
هي رؤية عين أي عاينوها، والظن هنا قيل: على موضوعه من كونه ترجيح أحد الجانبين.
وكونهم لم يجزموا بدخولها رجاء وطمعًا في رحمة الله.
وقيل: معنى {فظنوا} أيقنوا قاله أكثر الناس، ومعنى {مواقعوها} مخالطوها واقعون فيها كقوله: {وظنوا أن لا ملجأ من الله إلاّ إليه} {الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم} وقال ابن عطية: أطلق الناس أن الظن هنا بمعنى التيقن، ولو قال بدل ظنوا أيقنوا لكان الكلام متسقًا على مبالغة فيه، ولكن العبارة بالظن لا تجيء أبدًا في موضع يقين تام قد ناله الحسن بل أعظم درجاته أن يجيء في موضع علم متحقق، لكنه لم يقع ذلك المظنون وإلاّ فمن يقع ويحس لا يكاد يوجد في كلام العرب العبارة عنه بالظن.
وتأمل هذه الآية وتأمل قول دريد:
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج

انتهى.
وفي مصحف عبد الله ملاقوها مكان {مواقعوها} وقرأه كذلك الأعمش وابن غزوان عن طلحة، والأولى جعله تفسيرًا لمخالفة سواد المصحف.
وعن علقمة أنه قرأ ملافوها بالفاء مشددة من لففت.
وفي الحديث: «إن الكافر ليرى جهنم ويظن أنها مواقعته من مسيرة أربعين سنة» ومعنى {مصرفًا} معدلًا ومراعًا.
ومنه قول أبي كبير الهذلي:
أزهير هل عن شيبة من مصرف ** أم لا خلود لباذل متكلف

وأجاز أبو معاذ {مصرفًا} بفتح الراء وهي قراءة زيد بن عليّ جعله مصدرًا كالمضرب لأن مضارعه يصرف على يفعل كيصرف.
{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54)}.
أدحض الحق أرهقه قاله ثعلب، وأصله من إدحاض القدم وهو إزلاقها قال الشاعر:
وردت ويجىّ اليشكري حذاره ** وحاد كما حاد البعير عن الدّحض

وقال آخر:
أبا منذر رمت الوفاء وهبته ** وحدت كما حاد البعير المدحض

والدحض الطين الذي يزهق فيه.
الموئل قال الفراء: المنجي يقال والت نفس فلان نجت.
وقال الأعشى:
وقد أخالس رب البيت غفلته ** وقد يحاذر مني ثم ما يئل

أي ما ينجو.
وقال ابن قتيبة: الملجأ يقال: وأل فلان إلى كذا ألجأ، يئل وألًا وؤولًا.
{ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلًا وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلاّ أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا وما نرسل المرسلين إلاّ مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدّمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرًا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجَّل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلًا وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدًا}.
تقدّم تفسير نظير صدر هذه الآية: و{شيء} هنا مفرد معناه الجمع أي أكثر الأشياء التي يتأتى منها الجدال إن فصلتها واحدًا بعد واحد.
{جدلًا} خصومة ومماراة يعني إن جدل الإنسان أكثر من جدل كل شيء ونحوه، فإذا هو خصيم مبين.
وانتصب {جدلًا} على التمييز.
قيل: {الإنسان} هنا النضر بن الحارث.
وقيل: ابن الزبعري.
وقيل: أبيّ بن خلف، وكان جداله في البعث حين أتى بعظم فذره، فقال: أيقدر الله على إعادة هذا؟ قاله ابن السائب.
قيل: كل من يعقل من ملك وجنّ يجادل و{الإنسان أكثر} هذه الأشياء {جدلًا} انتهى.
وكثيرًا ما يُذكر الإنسان في معرض الذمّ وقد تلا الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: {وكان الإنسان أكثر شيء جدلًا} حين عاتب عليًا كرم الله وجهه على النوم عن صلاة الليل، فقال له عليّ: إنما نفسي بيد الله، فاستعمل {الإنسان} على العموم.
وفي قوله: {وما منع الناس} الآية تأسف عليهم وتنبيه على فساد حالهم لأن هذا المنع لم يكن بقصد منهم أن يمتنعوا ليجيئهم العذاب، وإنما امتنعوا هم مع اعتقاد أنهم مصيبون لكن الأمر في نفسه يسوقهم إلى هذا فكان حالهم يقتضي التأسف عليهم.
و{الناس} يراد به كفار عصر الرسول صلى الله عليه وسلم الذين تولوا دفع الشريعة وتكذبيها قاله ابن عطية.
وقال الزمخشري: إن الأولى نصب والثانية رفع وقبلهما مضاف محذوف تقديره {وما منع الناس} الإيمان {إلا} انتظار {أن تأتيهم سنّة الأولين} وهي الإهلاك {أو} انتظار {أن يأتيهم العذاب} يعني عذاب الآخرة انتهى.
وهو مسترق من قول الزجاج.
قال الزجاج: تقديره ما منعهم من الإيمان {إلاّ} طلب {أن تأتيهم سنّة الأولين}.
وقال الواحدي: المعنى ما منعهم إلاّ أني قد قدّرت عليهم العذاب، وهذه الآية فيمن قتل ببدر وأُحد من المشركين، وهذا القول نحو من قول من قال التقدير {وما منع الناس أن يؤمنوا} إلاّ ما سبق في علمنا وقضائنا أن يجري عليهم {سنّة الأولين} من عذاب الاستئصال من المسخ والصيحة والخسف والغرق وعذاب الظلة ونحو ذلك، وأراد بالأولين من أهلك من الأمم السالفة.
وقال صاحب الغنيان: إلاّ إرادة أو انتظار أن تأتيهم سنتنا في الأولين، ومن قدر المضاف هذا أو الطلب فإنما ذلك لاعتقادهم عدم صدق الأنبياء فيما وعدوا به من العذاب كما قال حكاية عن بعضهم {إن كان هذا هو الحق من عندك} وقيل: {ما} هنا استفهامية لا نافية، والتقدير وأي شيء {منع الناس} أن {يؤمنوا} و{الهدى} الرسول أو القرآن قولان.
وقرأ الحسن والأعرج والأعمش وابن أبي ليلى وخلف وأيوب وابن سعدان وابن عيسى الأصبهاني وابن جرير والكوفيون بضم القاف والباء، فاحتمل أن يكون بمعنى {قبلًا} لأن أبا عبيدة حكاهما بمعنى واحد في المقابلة، وأن يكون جمع قبيل أي يجيئهم العذاب أنواعًا وألوانًا.
وقرأ باقي السبعة ومجاهد وعيسى بن عمر {قبلًا} بكسر القاف وفتح الباء ومعناه عيانًا.
وقرأ أبو رجاء والحسن أيضًا بضم القاف وسكون الباء وهو تخفيف قبل على لغة تميم.
وذكر ابن قتيبة أنه قرئ بفتحتين وحكاه الزمخشري وقال مستقبلًا.
وقرأ أُبيّ بن كعب وابن غزوان عن طلحة قبيلًا بفتح القاف وباء مكسورة بعدها ياء على وزن فعيل. {وما نرسل المرسلين إلاّ مبشرين} أي بالنعيم المقيم لمن آمن {ومنذرين} أي بالعذاب الأليم لمن كفر لا ليجادلوا ولا ليتمنى عليهم الاقتراحات {ليدحضوا} ليزيلوا {واتخذوا آياتي} يجمع آيات القرآن وعلامات الرسول قولًا وفعلًا {وما أنذروا} من عذاب الآخرة، واحتملت {ما} أن تكون بمعنى الذي، والعائد محذوف أي {وما} أنذروه وأن تكون مصدرية أي وإنذارهم فلا تحتاج إلى عائد على الأصح {هزوًا} أي سخرية واستخفافًا لقولهم أساطير الأولين.
لو شئنا لقلنا مثل هذا وجدًا لهم للرسل صلى الله عليه وسلم قولهم و{ما أنتم إلاّ بشر مثلنا} ولو شاء الله لأنزل ملائكة وما أشبه ذلك، والآيات المضاف إلى الرب هو القرآن ولذلك عاد الضمير مفردًا في قوله: {أن يفقهوه} وإعراضه عنها كونه لا يتذكر حين ذكر ولم يتدبر ونسي عاقبة ما قدّمت يداه من الكفر والمعاصي غير مفكر فيها ولا ناظر في أن المحسن والمسيء يجزيان بما عملا.
وتقدم تفسير نظير قوله: {إنّا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرًا} ثم أخبر تعالى أن هؤلاء لا يهتدون أبدًا وهذا من العام والمراد به الخصوص، وهو من طبع الله على قلبه وقضى عليه بالموافاة على الكفر إذ قد اهتدى كثير من الكفرة وآمنوا، ويحتمل أن يكون ذلك حكمًا على الجميع أي {وإن تدعهم} أي {إلى الهدى} جميعًا {فلن يهتدوا} جميعًا {أبدًا} وحمل أولًا على لفظ من فأفرد ثم على المعنى في قوله: {إنّا جعلنا على قلوبهم} فجمع وجعلوا دعوة الرسول إلى الهدى وهي التي تكون سببًا لوجود الاهتداء، سببًا لانتفاء هدايتهم، وهذا الشرط كأنه جواب للرسول عن تقدير قوله مالي لا أدعوهم إلى الهدى حرصًا منه عليه الصلاة والسلام على حصول إيمانهم، فقيل: {وإن تدعهم} وتقييده بالأبدية مبالغة في انتفاء هدايتهم.
و{الغفور} صفة مبالغة و{ذو الرحمة} أي الموصوف بالرحمة، ثم ذكر دليل رحمته وهو كونه تعالى {لا يؤاخذهم} عاجلًا بل يمهلهم مع إفراطهم في الكفر وعداوة الرسول صلى الله عليه وسلم، والموعد أجل الموت، أو عذاب الآخرة، أو يوم بدر، أو يوم أحد، وأيام النصر أو العذاب إما في الدنيا وإما في الآخرة أقوال.
والموئل قال مجاهد: المحرز.
وقال الضحاك: المخلص والضمير في {من دونه} عائد على الموعد.
وقرأ الزهري موّلًا بتشديد الواو من غير همز ولا ياء.
وقرأ أبو جعفر عن الحلواني عنه مولًا بكسر الواو خفيفة من غير همز ولا ياء.
وقرأ الجمهور بسكون الواو وهمزة بعدها مكسورة، وأشارة تعالى بقوله: {وتلك القرى} إلى القرى المجاورة أهل مكة والعرب كقرى ثمود وقوم لوط وغيرهم، ليعتبروا بما جرى عليهم وليحذروا ما يحل بهم كما حل بتلك القرى.
{وتلك} مبتدأ و{القرى} صفة أو عطف بيان والخبر {أهلكناهم} ويجوز أن تكون {القرى} الخبر و{أهلكناهم} جملة حالية كقوله: {فتلك بيوتهم خاوية} ويجوز أن تكون {تلك} منصوبًا بإضمار فعل يفسره ما بعده أي وأهلكنا {تلك القرى أهلكناهم} و{تلك القرى} على إضمار مضاف أي وأصحاب تلك القرى، ولذلك عاد الضمير على ذلك المضمر في قوله: {أهلكناهم}.
وقوله: {لما ظلموا} إشعار بعلَّة الإهلاك وهي الظلم، وبهذا استدل الأستاذ أبو الحسن بن عصفور على حرفية {لما} وأنها ليست بمعنى حين لأن الظرف لا دلالة فيه على العلية.
وفي قوله: {لما ظلموا} تحذير من الظلم إذ نتيجته الإهلاك وضربنا لإهلاكهم وقتًا معلومًا، وهو الموعد واحتمل أن تكون مصدرًا أو زمانًا.
وقرأ الجمهور بضم الميم وفتح اللام، واحتمل أن يكون مصدرًا مضافًا إلى المفعول وأن يكون زمانًا.
وقرأ حفص وهارون عن أبي بكر بفتحتين وهو زمان الهلاك.
وقرأ حفص بفتح الميم وكسر اللام مصدر هلك يهلك وهو مضاف للفاعل.
وقيل: هلك يكون لازمًا ومتعديًا فعلى تعديته يكون مضافًا للمفعول، وأنشد أبو عليّ في ذلك:
ومهمه هالك من تعرجًا

ولا يتعين ما قاله أبو عليّ في هذا البيت، بل قد ذهب بعض النحويين إلى أن هالكًا فيه لازم وأنه من باب الصفة المشبهة أصله هالك من تعرجًا.
فمن فاعل ثم أضمر في هالك ضمير مهمه، وانتصب {من} على التشبيه بالمفعول ثم أضاف من نصب، وقد اختلف في الموصول هل يكون من باب الصفة المشبهة؟ والصحيح جواز ذلك وقد ثبت في أشعار العرب.
قال الشاعر وهو عمر بن أبي ربيعة:
أسيلات أبدان دقاق خصورها ** وثيرات ما التفت عليها الملاحف

وقال آخر:
فعجتها قبل الأخيار منزلة ** والطيبي كل ما التاثت به الأُزُر

اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47)}.
وقوله: {وَيَوْمَ نُسَيّرُ الجبال} قرأ الحسن وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: {تسير} بمثناة فوقية مضمومة وفتح الياء التحتية على البناء للمفعول، ورفع الجبال على النيابة عن الفاعل.
وقرأ ابن محيصن ومجاهد {تسير} بفتح التاء الفوقية والتخفيف على أن الجبال فاعل.
وقرأ الباقون {نسير} بالنون على أن الفاعل هو الله سبحانه والجبال منصوبة على المفعولية، ويناسب القراءة الأولى قوله تعالى: {وَإِذَا الجبال سُيّرَتْ} [التكوير: 3]، ويناسب القراءة الثانية قوله تعالى: {وَتَسِيرُ الجبال سَيْرًا} [الطور: 10]، واختار القراءة الثالثة أبو عبيدة لأنها المناسبة لقوله: {وحشرناهم} قال بعض النحويين: التقدير: والباقيات الصالحات خير عند ربك يوم نسيّر الجبال، وقيل: العامل في الظرف فعل محذوف، والتقدير: واذكر يوم نسيّر الجبال، ومعنى تسيير الجبال: إزالتها من أماكنها وتسييرها كما تسير السحاب، ومنه قوله تعالى: {وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ السحاب} [النمل: 88]، ثم تعود إلى الأرض بعد أن جعلها الله كما قال: {وَبُسَّتِ الجبال بَسًّا فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثًّا} [الواقعة: 5 6].
والخطاب في قوله: {وَتَرَى الأرض بَارِزَةً} [الكهف: 47] لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لكل من يصلح للرؤية، ومعنى بروزها ظهورها وزوال ما يسترها من الجبال والشجر والبنيان.
وقيل: المعنى ببروزها: بروز ما فيها من الكنوز والأموات كما قال سبحانه: {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} [الانشقاق: 4]، وقال: {وَأَخْرَجَتِ الأرض أَثْقَالَهَا} [الزلزلة: 2].
فيكون المعنى: وترى الأرض بارزًا ما في جوفها {وحشرناهم} أي: الخلائق، ومعنى الحشر الجمع أي: جمعناهم إلى الموقف من كل مكان {فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} فلم نترك منهم أحدًا، يقال: غادره وأغدره إذا تركه، قال عنترة:
غادرته متعفرًا أوصاله ** والقوم بين مجرّح ومجندل

أي: تركته، ومنه الغدر، لأن الغادر ترك الوفاء للمغدور، قالوا: وإنما سمي الغدير غديرًا، لأن الماء ذهب وتركه، ومنه غدائر المرأة لأنها تجعلها خلفها {وَعُرِضُواْ على رَبّكَ صَفَّا} انتصاب {صفًا} على الحال أي: مصفوفين كل أمة وزمرة صف، وقيل: عرضوا صفًا واحدًا كما في قوله: {ثُمَّ ائتوا صَفًّا} [طه: 64] أي جميعًا، وقيل: قيامًا.
وفي الآية تشبيه حالهم بحال الجيش الذي يعرض على السلطان {لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خلقناكم أَوَّلَ مَرَّةٍ} هو على إضمار القول، أي: قلنا لهم لقد جئتمونا، والكاف في {كما خلقناكم} نعت مصدر محذوف، أي: مجيئًا كائنًا كمجيئكم عند أن خلقناكم أوّل مرّة، أو كائنين كما خلقناكم أوّل مرّة، أي: حفاة عراة غرلًا، كما ورد ذلك في الحديث.
قال الزجاج أي: بعثناكم وأعدناكم كما خلقناكم، لأن قوله: {لقد جئتمونا} معناه: بعثناكم {بَلْ زَعَمْتُمْ أن لَنْ نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِدًا} هذا إضراب وانتقال من كلام إلى كلام للتقريع والتوبيخ، وهو خطاب لمنكري البعث، أي: زعمتم في الدنيا أن لن تبعثوا، وأن لن نجعل لكم موعدًا نجازيكم بأعمالكم وننجز ما وعدناكم به من البعث والعذاب.
وجملة: {وَوُضِعَ الكتاب} معطوفة على {عرضوا}، والمراد بالكتاب: صحائف الأعمال، وأفرده لكون التعريف فيه للجنس، والوضع إما حسي بأن يوضع صحيفة كل واحد في يده: السعيد في يمينه، والشقيّ في شماله، أو في الميزان.
وإما عقلي، أي: أظهر عمل كل واحد من خير وشرّ بالحساب الكائن في ذلك اليوم {فَتَرَى المجرمين مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ} أي: خائفين وجلين مما في الكتاب الموضوع لما يتعقب ذلك من الافتضاح في ذلك الجمع، والمجازاة بالعذاب الأليم {وَيَقُولُونَ ياويلتنا} يدعون على أنفسهم بالويل لوقوعهم في الهلاك، ومعنى هذا النداء قد تقدّم تحقيقه في المائدة {مَّالِ هذا الكتاب لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا} أي: أي شيء له لا يترك معصية صغيرة ولا معصية كبيرة إلا حواها وضبطها وأثبتها {وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ} في الدنيا من المعاصي الموجبة للعقوبة، أو وجدوا جزاء ما عملوا {حَاضِرًا} مكتوبًا مثبتًا {وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} أي: لا يعاقب أحدًا من عباده بغير ذنب، ولا ينقص فاعل الطاعة من أجره الذي يستحقه.