فصل: قال عبد الكريم الخطيب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال المهايمي: أي: اذكر للذين إن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذًا أبدًا، لتكبرهم عليك، إنكم لستم بأعلم من موسى ولا أرشد منه. ولست أقل من الخضر في الهداية بل أعظم. لأنها هداية في الظاهر والباطن. وهداية الخضر إنما هي في الباطن. ولا تحتاجون في تحصيله إلى تحمل المشاق، واحتاج إليه موسى. والفتى الشاب. قال الشهاب: العرب تسمي الخادم فتى، لأن الغالب استخدام من هو في سن الفتوة، وكان يوشع خادم موسى عليه السلام ومحبًا له، وذا غيرة على كرامته. ولذلك اختصه موسى رفيقًا له وخادمًا. وصار خليفة من بعده على بني إسرائيل. وفتح عليه تعالى بيت المقدس ونصره على الجبارين.
وقوله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا} أي: البحرين: {نَسِيَا حُوتَهُمَا} أي: خبر حوتهما، وتفقد أمره، وكانا تزوداه.
{فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ} أي: طريقه: {فِي الْبَحْرِ سَرَبًا} أي: مثل السرب في الأرض، واضح المسلك، معجزة جعلت علامة للمطلوب.
{فَلَمَّا جَاوَزَا} أي: مجمع بينهما، وهو المكان الذي نسيا فيه الحوت: {قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا} أي: ما نتغدى به: {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} أي: تعبًا ومشقة.
{قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ} أي: خبر الحوت. وإسناد النسيان إليهما، أولًا، إما بمعنى نسيان طلبه، والذهول عن تفقده، لعدم الحاجة إليه. وإما للتغليب، بناءً على أن الناسي إنما كان يوشع وحده. فإنه نسي أن يخبر موسى بشأنه العجيب، فيكون كقوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22]، وإنما يخرج من المالح: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} أي: لك. وأن أذكره بدل من الهاء في أنسانيه أي: وما أنساني ذكره إلا الشيطان. وقد قرأ حفص بضم الهاء من غير صلة وصلًا، والباقون بكسرها: {وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا} أي: أمرًا عجيبًا، إذ صار الماء عليه سربًا.
{قَالَ} أي: موسى: {ذَلِكَ} أي: المكان الذي اتخذ فيه سبيله هربًا: {مَا كُنَّا نَبْغِ} أي: نطلب فيه الخضر. لأنه أمارة المطلوب. وقرئ في السبع بإثبات الياء بعد الغين، وصلًا لا وقفًا. وبإثباتها في الحالين. وبحذفها كذلك: {فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا} أي: رجعا ماشيين على آثار أقدامهما يتبعانها: {قَصَصًا} أي: اتباعًا لئلا يفوتهما الموضع ثانيًا. اهـ.

.قال عبد الكريم الخطيب:

{وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60)}.

.التفسير:

فى هذه الآيات، وما بعدها، قصة عجيبة، وحدث عجب، بين موسى، والعبد الصالح.. حيث تجرى الأحداث في متّجه على غير مألوف الحياة، وما اعتاد الناس أن يجروا أمورهم عليها..
وقبل أن نلتقى بآيات اللّه، وما تحدث به عن تلك القصة، نودّ أن نشير إلى أمور:
أولها: أن هذه القصة لم تذكرها التوراة.. ومن ثمّ فقد أنكرها اليهود وأنكروا أن يكون «موسى» المذكور فيها هو موسى بن عمران رسول اللّه..!! وهذا ما جعل كثيرا من المفسّرين يقيمون لهذا الإنكار من اليهود وزنا، ويجعلون من مقولاتهم عن «موسى» هذا، أنه رجل آخر غير موسى ابن عمران، ثم يحاولون أن يجعلوا له نسبا لا يتفقون عليه.. فهو عند بعضهم موسى بن مشيا بن يوسف بن يعقوب، وعند آخرين، هو موسى بن أفرائيم بن يوسف.. إلى كثير من تلك المقولات التي لا حدود لها..
وهذا كله مردود على أهله، سواء اليهود، أو من جعل لمقولاتهم حسابا في هذا المقام..
فليس في القرآن الكريم أي ذكر في غير هذا الموضع لموسى، غير موسى رسول اللّه، فإذا ذكر «موسى» في أي موضع من القرآن، فهو «موسى» رسول اللّه، ما دام ذكره مجردا من كل وصف خاص، يفرّق بينه وبين موسى رسول اللّه.
وليس إنكار اليهود حجة على القرآن، وليس عدم ذكر هذه القصة في التوراة حجة على القرآن كذلك.. وذلك:
1- أن القرآن مصدّق للكتب السابقة- ومنها التوراة- ومهيمن عليها.. فهى جميعها تبع له، وليس هو تابعا لها..
2- أن التوراة قد دخلها كثير من التحريف، والتبديل، والحذف، والإضافة.. وقد ذهب بهذا مالها من حجة على أنها هي كتاب اللّه، الذي يلتزم المؤمنون بكل ما جاء فيه..
3- ليس كل ما جاء في القرآن عن موسى وقومه قد ذكرته التوراة، وما ذكرته التوراة لا يتفق أكثره مع ما جاء في القرآن.. ومن ثمّ فلا وجه لاختصاص هذه الحادثة بالإنكار.. من جهة اليهود.. فقد أنكروا كثيرا مما جاء في القرآن من أحداث، بل لقد أنكروا ما هو موجود فعلا في التوراة مما تحدّث به القرآن من رجم الزاني، وقد أشرنا إلى هذا عند تفسير قوله تعالى: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ} (43: المائدة). وأكثر من هذا، فإنهم أنكروا ما في التوراة من وصف لرسول اللّه، كما يقول تعالى: {الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ} [157: الأعراف].
4- هذه الحادثة أمر خاص بموسى، ودرس من دروس العلم العالي، الواقع على مستوى فوق مستوى الحياة الإنسانية.. وهو حدث يمكن أن يقع لموسى، أو لغيره من الناس، نبيا كان أو وليّا من أولياء اللّه، أو عبدا من عباده الصالحين.. ومع هذا، فإن ذكر «موسى» مجردا من كل صفة، لا يعني إلا موسى الذي له ذكر في القرآن..
وثانيها: هذه المقدّمة التي تمهد بها الآيات القرآنية لهذا اللقاء، الذي وقع بين موسى والعبد الصالح، يثير بعض التساؤلات، كأن يقال:
ما داعية هذا الحوار الذي بين موسى وفتاه؟ وما شأن هذا الحوت؟
وما متعلّق القصة به؟ وما هذه الصخرة التي جاوزها موسى وفتاه ثم عادا إليها؟.
وأخيرا: ما ذا لو خلت القصة من كل هذا، ووقع اللقاء بين موسى والعبد الصالح من غير هذه المقدّمات؟ أفي ذلك ما يذهب بشيء من مواقع العبرة والعظة التي جاءت القصة من أجلهما؟
والجواب على هذا:
أولا: أن القصة- كما قلنا، وكما سنرى- تجرى أحداثها في اتجاه على غير الاتجاه المألوف للناس، حسب تقديرهم وتفكيرهم.. وإذ كان موسى سيدخل في هذه التجربة، وسيجرى مع هذا الأحداث على صورة يرى فيها أنه يسير في وضع مقلوب، حيث أنه يمشى القهقرى، على حين أنه يريد أن يتجه إلى الأمام لغاية يقصدها- إذ كان ذلك كذلك، فقد كان من الطبيعي أن يعانى شيئا من هذه التجربة بنفسه، ومع إنسان يفكر على مستوى تفكيره، ويجرى في الحياة على ما اعتاد الناس منها، وهو فتاه الذي كان رفيق رحلته..
فموسى مع فتاه.. يسيران سيرا مجهدا إلى غاية يقصدانها، وهى الصخرة، التي سيلتقى عندها موسى مع العبد الصالح.. ومع هذا يمرّان بتلك الصخرة، ويأويان إليها، ثم يجاوزانها، حتى يجهدهما السفر.. ثم ينكشف لهما فيما بعد، أن هذه الصخرة، هي الصخرة المطلوبة، فيعودان إليها مرة أخرى.. ولو كان لموسى شيء من هذا العلم الذي سيكشفه له العبد الصالح لما دار هذه الدورة الطويلة ولما بذل كل هذا الجهد الضائع! إن موسى هنا يبحث عن حقيقة مادّية وهى {الصخرة} ومع أن الصخرة كانت تحت قدميه، فإنه لم يرها، ولم يتعرف عليها.. ولو رفع عنه حجاب الغيب للزم مكانه، ولما سعى هذا السّعى المجهد.
وفى هذا درس بليغ للإيمان بالقدر المتحكّم في مصائر الناس.. وأنه لو انكشف للناس ما قدّر لهم لما سعوا، ولما تحركوا، ولجمدت الحياة بالناس حيث هم.. لا يعملون، ولا يتحركون! وخذ مثلا {الغلام} الذي قتله العبد الصالح.. أترى لو انكشف لأبويه منه ما انكشف للعبد الصالح.. أكانا يبغيان الولد؟ بل أكانا يتزوجان؟..
وقل مثل هذا في كل شأن من شئون الحياة، خيرها وشرها.. أكان أحد يتحرك إلى غاية أبدا؟ وكيف والغايات- بحكم القدر- تطلب الناس، ولا يطلبونها؟ أما ونحن محجوبون عن أقدارنا، فإننا- بحكم الرغبة فينا- نسعى إلى أقدارنا، ونسلك إليها مسالك مستقيمة أو معوجة.. حتى نبلغها..
وتلك هي سنة الحياة فينا، والقوة الدافعة لنا إلى السعى والكفاح.. يتحرك الناس ويتحركون.. ثم ينتهى بهم المطاف إلى ما يحمدون أو مالا يحمدون.. ولو انكشفت لهم عواقب الأمور لوقفوا حيث هم، ولما ركبوا المخاطر والأهوال.. ولكنهم- مع هذا- مدفوعون إلى أقدارهم، يركبون إليها كل هول وخطر.. يقول ابن الرومي:
أقدّم رجلا رغبة في رغيبة ** وأمسك أخرى رهبة للمعاطب

أخاف على نفسى وأرجو مفازها ** وأستار غيب اللّه دون العواقب

ألا من يرينى غايتى قبل مذهبى! ** ومن أين؟ والغايات بعد المذاهب؟

وثانيا: أن موسى يريد أن يحصّل علما.. والعلم هو أعظم وأكرم ما يطلبه الإنسان في الحياة.. وشأن العلم وتحصيله، شأن كل ثمرة طيبة، يريد الإنسان الحصول عليها.. لابد من مجهود يبذل، وإنه على قدر الجهد المبذول، تكون الثمرة التي تقع ليد الطالب.
ومن هنا كان على موسى إذن أن يبذل من جهده هذا الذي بذله، حتّى يصل إلى النبع الذي يريد أن يروى منه ظمأه، ويشفى عنده غليله، وينال طلبته..!
أما الحوت، فهو حدث عارض من أحداث هذا الموقف، ولون من ألوانه، حتى تكتمل الصورة، شأنه في هذا شأن الفتى الذي صحب موسى، وشأن الصخرة، وشأن البحر.. ولو لم يكن الحوت لكان هناك شيء آخر يقوم مقامه. ونعود إلى الآيات، وسينكشف لنا عند النظر فيها، ما يزداد به هذا القول. بيانا ووضوحا.
قوله تعالى: {وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا}..

.مناسبة هذه الآية لما قبلها:

أن الآيات السابقة قد نعت على المشركين عنادهم وضلالهم، وتأبيهم عن الهدى، وقد جاءهم عفوا صفوا من غير أن يسعوا إليه، ويبذلوا الجهد في طلبه، وقد كان جديرا بهم، أن يطلبوا الهدى لأنفسهم، وأن يبذلوا في ذلك الجهد والمال.. ولكنهم لم يفعلوا.. سفها، وغفلة! فإذا جاءهم الهدى، وطلبهم قبل أن يطلبوه، ثم زهدوا فيه، وردوه ردا منكرا، كان ذلك سفها فوق سفه، وغفلة فوق غفلة..
وهذا بنى كريم من أنبياء اللّه، هو موسى عليه السلام، قد كلمه ربه، وأنزل عليه آياته وكلماته، ومع هذا، فهو لا يزال يطلب العلم، ويجدّ في تحصيله ويبتغى المعرفة، ويسعى للاستزادة منها..
وفى هذا ما يكشف عن مدى ما ركب سفهاء قريش وحمقاها، من جهل فاضح، وكبر صبيانى غشوم! إذ كانوا يرون أنهم لا يحتاجون إلى علم، حتى ولو كان هذا العلم يطرق أبوابهم، ويدخل عليهم بيوتهم!.
وقول موسى لفتاه: {لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ}.. يريد به أنه على نية صادقة، وعزم وثيق، من أمره هذا الذي هو متجه إليه، وأنه لا ينقطع عن السير إليه حتى يبلغه.. فمعنى لا أبرح أي لا أزال، وهو فعل من أفعال الاستمرار، وخبره محذوف، تقديره لا أبرح سائرا.. ومجمع البحرين ملتقاهما.. وقد اختلف في البحرين.. ما هما؟ وأين ملتقاهما، أو مجمعهما؟
والذي أميل إليه، أنهما خليج السويس، وخليج العقبة، وأن ملتقاهما هو رأس شبه جزيرة سيناء عند طرفها الجنوبي، حيث يتفرع عندها البحر الأحمر إلى فرعين يذهبان شمالا ويحصران بينهما شبه جزيرة سيناء.. فحيث كان افتراقهما يكون اجتماعهما.. أي هو مجمعهما، وهو مجمع البحرين..
ويقوّى هذا الرأى عندنا، أنّ تحرّك موسى بعد خروجه ببني إسرائيل من مصر لم يجاوز شبه جزيرة سيناء، حيث ضرب فيها التيه على بنى إسرائيل أربعين سنة.
ومن جهة أخرى، فإن رأس شبه الجزيرة الجنوبىّ صخرى، تكثر فيه الصخور، والآكام، وتتشابه فيه معالم تلك الصخور، الأمر الذي اختلط به على موسى وجه الصخرة التي كانت موعدا له مع هذا العبد الصالح، الذي جدّ في طلبه.. أما ما يذهب إليه بعض المفسرين من أنه طنجة حيث يلتقى البحر الأبيض بالبحر المحيط، فهو بعيد إلى حد الاستحالة!
وأيا ما كان الأمر، فإنه ليس للبحرين، أو لمجمعهما شأن في كبير مضمون القصة ومحتواها..
وقوله تعالى: {أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} هو حكاية لقول موسى لفتاه، وتتمة لما قاله له.. من أنه لا يزال هكذا سائرا حتى يبلغ مجمع البحرين وأنه إذا لم يبلغ مجمع البحرين، ولم يهتد السبيل إليه، فسيظل ماضيا في سيره، لا يتوقف أبدا.. وفى هذا ما يشير إلى أن موسى- عليه السلام- وهو يطلب مجمع البحرين، لم يكن يعلم على سبيل القطع واليقين أين يجتمع هذان البحران، وإنما هو يتظنّى ذلك ظنا.. وهذا ما يكشف عنه قوله: {لا أَبْرَحُ} التي تفيد أنه لا يكفّ عن الطلب والبحث.. وأما قوله: {أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} فهو يكشف عن حرصه الشديد على تحقيق هذه الرغبة، حتى أنه إذا لم يبلغها في المدى الذي قدره، فإنه لن يكف عن السعى، بل يظل هكذا طول حياته، راصدا لهذه الغاية، ساعيا إليها.. شأن من تتسلط عليه رغبة، ويستولى عليه أمل، فيعيش حياته كلها ساعيا لهذه الرغبة، جاريا وراء هذا الأمل، إلى أن يتحقق أو يموت دونه.
والحقب: الأزمان المتقطعة، تجىء زمنا بعد زمن، والحقبة: القطعة من الزمن، وجمعها القياسي: حقب لا حقب.. ولكن النظم القرآنى أصل يقاس عليه، ولا يقاس هو على ما ضبط من مقاييس اللغة.
وقوله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا}. هذه حادثة وقعت في طريقهما إلى مجمع البحرين.. لقد بلغاه فعلا، ولكنهما لم يكونا يدريان أن هنا هو مجمع البحرين..!
ويظهر أن موسى وفتاه لم يكونا قد سارا سيرا طويلا، حسبما كان ذلك في تقديرهما، شأن من يطلب أمرا عظيما، ويسعى وراء أمل ضخم، فيرصد له من كيانه عزما وثيقا، ويهيىء نفسه- سلفا- لملاقاة الشدائد والأهوال في سبيله.. فإذا عرض له المطلوب من قريب، أو لاحت له بعض أماراته، لم يلتفت إليه، ولم يقع في ظنه أنه هو الذي يجدّ في طلبه!! إنه أبعد من هذا، وإن الثمن المطلوب له لأغلى مما بذل له!! وهنا يستكثر المفسرون من الأقوال في الحوت الذي كان معهما، والذي نسياه عند مجمع البحرين! والذي نؤثر أن نقول به، هو أن هذا الحوت ليس إلا سمكة من أسماك البحر، وحوتا من حيتانه، وأنهما قد اصطاداه، أو صيد لهما، وحملاه حيا معهما، ليمكث أطول مدة، دون أن يتعفن، حتى يعدّاه طعاما لهما.. والحوت أكثر أنواع السمك احتمالا للحياة خارج الماء.. ولعلّ هذا هو السرّ في اختيارهما لهذا النوع من السمك، ليكون زادا لهما يتزودان به في رحلتهما.