فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وظاهر أن متعلق الصبر هنا هو الصبر على ما من شأنه أن يثير الجزع أو الضجر من تعب في المتابعة، ومن مشاهدة ما لا يتحمله إدراكه، ومن ترقب بيان الأسباب والعلل والمقاصد.
ولما كان هذا الصبر الكامل يقتضي طاعة الآمِر فيما يأمره به عطف عليه ما يفيد الطاعة إبلاغًا في الاتسام بأكمل أحوال طالب العلم.
فجملة {ولا أعصي لك أمرًا} معطوفة على جملة {ستجدني}، أو هو من عطف الفعل على الاسم المشتق عطفًا على {صابرًا} فيؤوَّل بمصدر، أي وغير عاص.
وفي هذا دليل على أن أهم ما يتسم به طالب العلم هو الصبر والطاعة للمعلم.
وفي تأكيده ذلك بالتعليق على مشيئة الله استعانةً به وحرصًا على تقدم التيْسير تأدبًا مع الله إيذانٌ بأن الصبر والطاعة من المتعلم الذي له شيء من العلم أعسر من صبر وطاعة المتعلم الساذج، لأن خلو ذهنه من العلم لا يحرجه من مشاهدة الغرائب، إذ ليس في ذهنه من المعارف ما يعارض قبولها، فالمتعلم الذي له نصيب من العلم وجاء طالبًا الكمال في علومه إذا بدا له من علوم أستاذه ما يخالف ما تقرر في علمه يبادر إلى الاعتراض والمنازعة.
وذلك قد يثير النفرة بينه وبين أستاذ، فلتجنب ذلك خشي الخضر أن يلقَى من موسى هذه المعاملة فقال له: {إنك لن تستطيع معي صبرًا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا}، فأكد له موسى أنه يصبر ويطيع أمره إذا أمره.
والتزام موسى ذلك مبني على ثقته بعصمة متبوعه لأن الله أخبره بأنه آتاه علمًا.
والتاء في قوله: {فإن اتبعتني} تفريع على وعد موسى إياه بأنه يجده صابرًا، ففرع على ذلك نهيه عن السؤال عن شيء مما يشاهده من تصرفاته حتى يبينه له من تلقاء نفسه.
وأكد النهي بحرف التوكيد تحقيقًا لحصول أكمل أحوال المتعلم مع المعلم، لأن السؤال قد يصادف وقت اشتغال المسؤول بإكمال عمله فتضيق له نفسه، فربما كان الجواب عنه بدون شَرَهِ نفس، وربما خالطه بعض القلق فيكون الجواب غير شاففٍ، فأراد الخضر أن يتولى هو بيان أعماله في الإبان الذي يراه مناسبًا ليكون البيان أبسط والإقبال أبهج فيزيد الاتصال بين القرينين.
والذكر، هنا: ذكر اللسان.
وتقدم عند قوله تعالى: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي} في سورة البقرة (40).
أعني بيان العلل والتوجيهات وكشف الغوامض.
وإحداث الذكر: إنشاؤه وإبرازه، كقول ذي الرمة:
أحْدَتْنا لخالقهَا شُكرًا

وقرأ نافع {فَلَا تَسْأَلَنِّي} بالهمز وبفتح اللام وتشديد النون على أنه مضارع سأل المهموز مقترنًا بنون التوكيد الخفيفة المدغمة في نون الوقاية وبإثبات ياء المتكلم.
وقرأ ابن عامر مثله، لكن بحذف ياء المتكلم.
وقرأ البقية {تسألني} بالهمز وسكون اللام وتخفيف النون.
وأثبتوا ياء المتكلم. اهـ.

.قال الشنقيطي:

{فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65)}.
هذا العبد المذكور في هذه الآية الكريمة هو الخضر عليه السلام بإجماع العلماء، ودلالة النصوص الصحيحة على ذلك من كلم النَّبي صلى الله عليه وسلم. وهذه الرحمة والعلم اللدني اللذان ذكر الله امتنانه عليه بهما لم يبين هنا هل هما رحمة النبوة وعلمها، أو رحمة الولاية وعلمها. والعلماء مختلفون في الخضر: هل هو نبي، أو رسول أو ولي. كما قال الراجز:
واختلفت في خضر العقول ** قيل نبي أو ولي أو رسول

وقيل ملك. ولكنه يفهم من بعض الآيات أن هذه الرحمة المذكورة هنا رحمة نبوة. وأن هذا العلم اللدي علم ودي، مع العلم بأن في الاستدلال بها على ذلك مناقشات معروفة عند العلماء.
اعلم أولًا- أن رحمة تكرر إطلاقها على النبوة في القرآن. وكذلك العلم المؤتى من الله تكرر إطلاقه فيه على علم الوحي. فمن إطلاق الرحمة على النبوة قوله تعالى في الزخرف: {وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ} [الزخرف: 31-32] الآية. أي نبوته حتى يتحكموا في إنزال القرآن على رجل عظيم من القريتين. وقوله تعالى في سورة الدخان: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4] {أَمْرًا مِّنْ عِنْدِنَآ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} [الدخان: 5-6] الآية، وقوله تعالى في آخر القصص {وَمَا كُنتَ ترجوا أَن يلقى إِلَيْكَ الكتاب إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} [القصص: 86] الآية. ومن إطلاق إيتاء العلم على النبوة قوله تعالى: {وَأَنزَلَ الله عَلَيْكَ الكتاب والحكمة وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113]، وقوله: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ} [يوسف: 68] الآية، إلى غير ذلك من الآيات. ومعلوم أن الرحمة وإيتاء العلم اللدني أعم من كون أعم من كون ذلك عن طريق النبوة وغيرها. والاستدلال بالأعم على الأخص فيه أن وجود الأعم لا يستلزم وجود الأخص كما هو معروف. ومن أظهر الأدلة في أن الرحمة والعلم اللدني اللذين امتن الله بهما على عبده الخضر عن طريق النبوة والوحي قوله تعالى عنه: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف: 82] أي وإنما فعلته عن أمر الله جل وعلا. وأمر الله إنما يتحقق عم طريق الوحي، إذ لا طريق تعرف لها أوامر الله ونواهيه إلا الوحي من الله جل وعلا. ولاسيما قتل الأنفس البريئة في ظاهر الأمر، وتعييب سفن الناس بخرقها. لأن العدوان على أنفس الناس وأموالهم لا يصح إلا عن طريق الوحي من الله تعالى. وقد حصر تعالى طرق الإنذار في الوحي في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بالوحي} [الأنبياء: 45] و{إنما} صيغة حصر. فإن قيل: قد يكون ذل عن طريق الإلهام- فلاجواب- أن المقرر في الأصول أن الإلهام من الأولياء لا يجوز الاستدلال به، وما يزعمه بعض المتصوفة من جواز العمل بالإلهام في حق المهم دون غبره، وما يزعمه بعض الجبرية أيضًا من الاحتجاج بالإلهام في حق الملهم وغيره جاعلين الإلهام كاوحي المسموع مستدلين بظاهر قوله تعالى: {فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ} [الأنعام: 125]، وبخبر «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله» كله باطل لا يعول عليه، لعدم اعتضاده بدليل. وغير معصوم لا ثقة بخواطره، لأنه لا يأمن دسيسة الشيطان. وقد ضمنت الهداية في اتباع الشرع، ولم تضمن في اتباع الخواطر والإلهامات. والإلهام في الاصطلاح: إيقاع شيء في القلب يثلج له الصدر من غير استدلال بوحي ولا نظر في حجة عقلية، يختص الله به من يشاء من خلقه. إما مما يلهمه الأنبياء مما يلقيه الله في قلوبهم فليس كالإلهام غيرهم، لأنهم معصومون بخلاف غيرهم. قال في مراقي السعود في كتاب الاستدلال:
وينبذ الإلهام بالعراء ** أعني به إلهام الأولياء

وقد رآه بعض من تصوفا ** وعصمة النَّبي توجب اقتفا

وبالجمله، فلا يخفى على من له إلمام بمعرفة دين الآسلام أنه لا طريق تعرف بها أوامر الله ونواهيه، وما يتقرب إليه به من فعل وترك-إلا عن طريق الوحي. فمن ادعى أنه غني في الوصول إلى ما يرضي ربه عن الرسل، ما جاؤوا به ولو في مسألة واحدة- فلا شك في زندقته. والآيات والأحاديث الدالة على هذا لا تحصى، قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15] وبم يقل حتى نلقي في القلوب إلهامًا. وقال تعالى: {رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرسل} [النساء: 165]. قال: {وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لولا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ} [طه: 134] الآية. والآيات والأحاديث بمثل هذا كثيرة جدًا. وقد بينا طرفا من ذلك في سورة: بني إسرائيل في الكلام على قوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]. وبذلك تعلم أن ما يدعيه كثير من الجهلة المدعين التصوف من أن لهم ولأشياخهم طريقًا باطنة توافق الحق عند الله ولو كانت مخالفة لظاهر الشرع، كمخالفة ما فعله الخضر لظاهر العلم الذي عند موسى- زندقة، وذريعة إلى الانحلال بالكلية من دين الإسلام، بدعوى أن الحق في أمور باطنة تخالف ظاهره.
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره ما نصه: قال شيخنا الإمام أبو العباس: ذهب قوم من زنادقة الباطنية إلى سلوك طريق لا تلزم منه هذه الأحكام الشرعية فقالوا: هذه الأحكام الشرعية العامة إنما يحكم بها على الأنبياء والعامة. وأما الأولياء وأهل الخصوص فلا يحتاجون إلى تلك النصوص. بل إنما يراد منهم ما يقع في قلوبهم. ويحكم عليها بما يغلب عليهم من خواطرهم.
وقالوا: وذلك لصفاء قلوبهم عن الأكدار، وخلوها عن الأغيار، فتتجلى لهم العلوم الإلهية، والحقائق الربانية، فيقفون على أسرار الكائنات، ويعلمون أحكام الجزيئات، فيستغنون بها عن أحكام الشرائع الكليات، كما اتفق للخضر فإنه استغنى بما تجلى له من العلوم عما كان عند موسى من تلك الفهوم. وقد جاء فيما ينقلون «استفت قلبك وإن افتاك المفتون». قال شيخنا رضي الله عنه: وهذا القول زندقة وكفر، ويقتل قائله ولا سيتتاب. لأنه إنكار ما علم من الشرائع، فإن الله تعالى قد أجرى سنته، وأنفذ حكمته بأن أحكامه لا تعلم إلا بواسطة رسله السفراء بينه وبين خلقه، وهم المبلغون عنه رسالتهم وكلامه، المبينون شرائعه وأحكامه، اختارهم لذلك وخصهم بما هنالك، كما قال تعالى: {الله يَصْطَفِي مِنَ الملائكة رُسُلًا وَمِنَ الناس إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [الحج: 75]، وقال تعالى: {كَانَ الناس أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ الله النبيين مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} [البقرة: 213]، إلى غير ذلك من الآيات. وعلى الجملة، فقد حصل العلم القطعي واليقين الضروري، واجتماع السلف والخلف على أن لا طريق لمعرفة أحكام الله تعالى التي هي راجعة إلى أمره ونهيه، ولا يعرف شيء منها إلا من جهة الرسل. فمن قال إن هناك طريقًا أخرى يعرف بها أمره ونهيه غير الرسل حيث يستغنى عن الرسل- فهو كافر يقتل ولا يستتاب، ولا يحتاج معه إلى سؤال وجواب. ثم هو قول بإثبات أنبياء بعد نبينا صلى الله عليه وسلم. الذي جعله الله خاتم أنبيائه ورسله، فلا نبي بعده ولا رسول.
وبيان ذلك- أن من قال: يأخذ عن قلبه. وأن ما يقع فيه حكم الله تعالى، وأنه يعمل بمقتضاه، وأنه لا يحتاج مع ذلك إلى كتاب ولا سنة- فقد أثبت لنفسه خاصة النبوة. فإن هذا نحو ما قاله صلى الله عليه وسلم: «إن روح القدس نفث في روعي..» الحديث. انتهى من تفسير القرطبي.
وما ذكره في كلام شيخه المذكور من أن الزنديق لا يتستتاب هو مذهب مالك ومن وافقه، وقد بينا أقوال العلماء في ذلك وأدلتهم، وما يرجحه الدليل في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب في سورة: آل عمران. وما يستدل له بعض الجهلة ممن يدعي التصوف على اعتبار الإلهام من ظواهر بعض النصوص كحديث: «استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك»- لا دليل فيه البتة على اعتبار الإلهام: لأنه لم يقل أحد ممن يعتد به أن المفتي الذي تتلقى الأحكام الشرعية من قبله القلب، بل من الحديث: التحذير من الشبه، لأن الحرام والحلال بين، وبينهما أمور مشتبهة لا يعملها كل الناس. فقد يفتيك المفتي بحلية شيء وأنت تعلم من طريق أخرى أنه يحتمل أن يكون حرامًا، وذلك باستناد إلى الشرع، فإن قلب المؤمن لا يطمئن لما فيه الشبهة، والحديث، كقوله: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» وقوله صلى الله عليه وسلم: «البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس» رواه مسلم من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه، وحديث وابصة بن معبد رضي الله عنه المشار إليه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «جئت تسأل عن البر؟» قلت: نعم قال: «استفت قلبك. البر ما اطمأنت إليه نفسك واطمأنت إليه القلب. والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك» قال النووي في رياض الصالحين: حديث حسن، وراه أحمد والدارمي في مسنديهما. ولا شك أن المراد بهذا الحديث ونحوه- الحث على الورع وترك الشبهات، فلو التبست مثلًا ميتة بمذكاة، أو امرأة محرم بأجنبية، وافتاك بعض المفتين بحلية إحداهما لاحتمال أن تكون هي المذكاة في الأول، والأجنبية في الثاني. فإنك إذا استقتيت قلبك علمت أنه يجتمل أن تكون هي الميتة أو الأخت، وأن ترك الحرام والاستبراء للدين والعرض- لا يتحقق غلا بتجنيب الجميع، لأن ما لا يتم ترك الحرام إلا بتركه فتركه واجب. فهذا يحيك في النفس ولا تنشرح له، لاحتمال الوقوع في الحرام فيه كما ترى. وكل ذلك مستند لنصوص الشرح لا للالهام.
ومما يدل على ما ذكرنا من كلام أهل الصوفية المشهود لهم بالخير والدين والصلاح- قول الشيخ أبي القاسم الجنيد بن محمد بن الجنيد الخزاز القواريري رحمه الله: مذهبنا هذا مقيد بالكتاب والسنة، نقله عنه غير واحد ممن ترجمه رحمه الله، كابن كثير وابن خلكان وغيرهما. ولا شك أن كلامه المذكور هو الحق، فلا أمر ولا نهي إلى على ألسنة الرسل عليهم الصلاة والسلام وبهذا كله تعلم أن قتل الخضر للغلام وخرقه للسفينة وقوله: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف82] دليل ظاهر على نبوته. وعزا الفخر الرازي في تفسيره القول بنبوته للأكثرين، وما سيتأنس به للقول بنبوته تواضع موسى عليه الصلاة والسلام له في قوله: {قَالَ لَهُ موسى هَلْ أَتَّبِعُكَ على أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: 66]، وقوله: {ستجدني إِن شَاءَ الله صَابِرًا وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْرًا} [الكهف: 69] مع قوله الخضر له {وَكَيْفَ تَصْبِرُ على مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} [الكهف: 68].
مسألة:
اعلم أن العلماء اختلفوا في الخضر: هو هو حي إلى الآن، او هو غير حي، بل ممن مات فيما مضى من الزمان؟ فذهب كثير من أهل العلم إلى أنه حي، وأنه شرب من عين تسمى عين الحياة. وممن نصر القول بحياته القرطبي في تفسيره، والنووي في شرح مسلم وغيره، وابن الصلاح، والنقاش وغيرهم. قال ابن عطية: وأطنب النقاش له هذا المعنى، ويعني حياة الخضر وبقاءه إلى يوم القيامة.
وذكر في كتابه أشياء كثيرة عن علي بن أبي طالب وغيره، وكلها لا تقوم على ساق- انتهى بواسطة نقل القرطبي في تفسيره.
وحكايات الصالحين عن الخضر أكثر من أن تحصر. ودعواهم أنه يحج هو وإلياس كل سنة، ويروون عنهما بعض الأدعية. كل ذلك معروف. ومستند القائلين بذلك ضعيف جدًا. لأن غالبه حكايات عن بعض من يظن به الصلاح. ومنامات وأحاديث مرفوعة عن أنس وغيره، وكلها ضعيف لا تقوم به حجة.