فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والجمهور على أنه الخضر وخالف من لا يعتد بخلافه فزعم أنه عالم آخر.
وقيل: اليسع.
وقيل: الياس.
وقيل: خضرون ابن قابيل بن آدم عليه السلام.
قيل: واسم الخضر بليا بن ملكان، والجمهور على أن الخضر نبي وكان علمه معرفة بواطن قد أوحيت إليه، وعلم موسى الأحكام والفتيا بالظاهر.
وروي أنه وجد قاعدًا على ثبج البحر.
وفي الحديث سمي خضرًا لأنه جلس على فروة بالية فاهتزت تحته خضراء.
وقيل: كان إذا صلى اخضّر ما حوله.
وقيل: جلس على فروة بيضاء وهي الأرض المرتفعة.
وقيل: الصلبة واهتزت تحته خضراء.
وقيل: كانت أمه رومية وأبوه فارسي.
وقيل: كان ابن ملك من الملوك أراد أبوه أن يستخلفه من بعده فلم يقبل منه ولحق بجزائر البحر فطلبه أبوه فلم يقدر عليه.
والجمهور على أنه مات.
وقال شرف الدين أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل المرسي: أما خضر موسى بن عمران فليس بحي لأنه لو كان حيًا للزمه المجيء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم والإيمان به واتبّاعه.
وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لو كان موسى وعيسى حيين لم يسعهما إلاّ اتباعي» انتهى هكذا ورد لحديث ومذهب المسلمين أن عيسى حي وأنه ينزل من السماء، ولعل الحديث: «لو كان موسى حيًا لم يسعه إلاّ اتباعي».
والرحمة التي آتاه الله إياها هي الوحي والنبوة.
وقيل: الرزق.
{وعلمناه من لدنّا علمًا} أي من عندنا أي مما يختص بنا من العلم وهو الإخبار عن الغيوب.
وقرأ أبو زيد عن أبي عمرو {من لدنّا} بتخفيف النون وهي لغة في لدن وهي الأصل.
قيل: وقد أولع كثير ممن ينتمي إلى الصلاح بادعاء هذا العلم ويسمونه العلم اللدني، وأنه يلقى في روع الصالح منهم شيء من ذلك حتى يخبر بأن من كان من أصحابه هو من أهل الجنة على سبيل القطع، وأن بعضهم يرى الخضر.
وكان قاضي القضاة أبو الفتح محمد بن عليّ بن مطيع القشيري المعروف بابن دقيق العيد يخبر عن شيخ له أنه رأى الخضر وحدثه، فقيل له: من أعلمه أنه الخضر؟ ومن أين عرف ذلك؟ فسكت.
وبعضهم يزعم أن الخضرية رتبة يتولاها بعض الصالحين على قدم الخضر، وسمعنا الحديث عن شيخ يقال له عبد الواحد العباسي الحنبلي وكان أصحابه الحنابلة يعتقدون فيه أنه يجتمع بالخضر.
{قال له موسى} في الكلام محذوف تقديره فلما التقيا وتراجعا الكلام وهو الذي ورد في الحديث الصحيح {قال له موسى هل أتبعك} وفي هذا دليل على التواضع للعالم، وفي هذه القصة دليل على الحث على الرحلة في طلب العلم وعلى حسن التلطف والاستنزال والأدب في طلب العلم.
بقوله: {هل أتبعك} وفيه المسافرة مع العالم لاقتباس فوائده، والمعنى هل يخف عليك ويتفق لك وانتصب {رشدًا} على أنه مفعول ثانٍ لقوله: {تعلمني} أو على أنه مصدر في موضع الحال، وذو الحال الضمير في {أتبعك}.
وقال الزمخشري: {علمًا} ذا رشد أرشد به في ديني، قال: فإن قلت: أما دلت حاجته إلى التعلم من آخر في عهده أنه كما قيل موسى بن ميشا لا موسى بن عمران لأن النبيّ يجب أن يكون أعلم أهل زمانه وإمامهم المرجوع إليه في أبواب الدين؟ قلت: لا غضاضة بالنبيّ في أخذ العلم من نبيّ قبله، وإنما يغض منه أن يأخذ ممن دونه.
وعن سعيد بن جبير أنه قال لابن عباس: إن نوفًا ابن امرأة كعب يزعم أن الخضر ليس بصاحب موسى، وأن موسى هو موسى بن ميشا فقال: كذب عدو الله انتهى.
وقرأ الحسن والزهري وأبو بحرية وابن محيصن وابن مناذر ويعقوب وأبو عبيد واليزيدي {رشدًا} بفتحتين وهي قراءة أبي عمرو من السبعة.
وقرأ باقي السبعة بضم الراء وإسكان الشين، ونفى الخضر استطاعة الصبر معه على سبيل التأكيد كأنها مما لا يصح ولا يستقيم، وعلل ذلك بأنه يتولى أمورًا هي في ظاهرها ينكرها الرجل الصالح فكيف النبيّ فلا يتمالك أن يشمئز لذلك، ويبادر بالإنكار {وكيف تصبر} أي إن صبرك على ما لا خبرة لك به مستبعد، وفيه إبداء عذر له حيث لا يمكنه الصبر لما يرى من منافاة ما هو عليه من شريعته.
وانتصب {خبرًا} على التمييز أي مما لم يحط به خبرك فهو منقول من الفاعل أو على أنه مصدر على غير الصدر لأن معنى {على ما لم تحط به} لم تخبره. وقرأ الحسن وابن هرمز {خبرًا} بضم الباء.
{قال ستجدني إن شاء الله صابرًا} وعده بوجدانه {صابرًا} وقرن ذلك بمشيئة الله علمًا منه بشدة الأمر وصعوبته، إذ لا يصبر إلاّ على ما ينافي ما هو عليه إذ رآه {ولا أعصي} يحتمل أن يكون معطوفًا على {صابرًا} أي {صابرًا} وغير عاص فيكون في موضع نصب عطف الفعل على الاسم إذا كان في معناه كقوله: {صافات ويقبضن} أي وقابضات، ويجوز أن يكون معطوفًا على {ستجدني} فلا محل له من الإعراب ولا يكون مقيدًا بالمشيئة لفظًا.
وقال القشيري: وعد موسى من نفسه بشيئين: بالصبر وقرنه بالاستثناء بالمشيئة فصبر حين وجد على يدي الخضر فيما كان منه من الفعل، وبأن لا يعصيه فأطلق ولم يقرنه بالاستثناء فعصاه حيث قال له {فلا تسألني} فكان يسأله فما قرن بالاستثناء لم يخالف فيه وما أطلقه وقع فيه الخلف انتهى.
وهذا منه على تقدير أن يكون {ولا أعصي} معطوفًا على {ستجدني} فلم يندرج تحت المشيئة.
{قال فإن اتبعتني} أي إذا رأيت مني شيئًا خفي عليك وجه صحته فأنكرت في نفسك فلا تفاتحني بالسؤال حتى أكون أنا الفاتح عليك، وهذا من أدب المتعلم مع العالم المتبوع.
وقرأنا نافع وابن عامر {فلا تسألني} وعن أبي جعفر بفتح السين واللام من غير همز مشددة النون وباقي السبعة بالهمز وسكون اللام وتخفيف النون.
قال أبو علي.
كلهم بياء في الحالين انتهى.
وعن ابن عامر في حذف الياء خلاف غريب. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60)}.
الظرف في قوله: {وَإِذْ قَالَ} متعلق بفعل محذوف هو أذكر.
قيل: ووجه ذكر هذه القصة في هذه السورة: أن اليهود لما سألوا النبيّ عن قصة أصحاب الكهف وقالوا: إن أخبركم فهو نبيّ وإلا فلا.
ذكر الله قصة موسى والخضر تنبيهًا على أن النبيّ لا يلزمه أن يكون عالمًا بجميع القصص والأخبار.
وقد اتفق أهل العلم على أن موسى المذكور هو موسى بن عمران النبيّ المرسل إلى فرعون، وقالت فرقة لا التفات إلى ما تقوله منهم نوف البكالي: إنه ليس ابن عمران، وإنما هو موسى بن ميشى بن يوسف بن يعقوب، وكان نبيًا قبل موسى بن عمران، وهذا باطل قد ردّه السلف الصالح من الصحابة ومن بعدهم كما في صحيح البخاري وغيره، والمراد بفتاه هنا هو: يوشع بن نون.
قال الواحدي: أجمعوا على أنه يوشع بن نون، وقد مضى ذكره في المائدة، وفي آخر سورة يوسف، ومن قال: إن موسى هو ابن ميشى قال: إن هذا الفتى لم يكن هو يوشع بن نون.
قال الفراء: وإنما سمي فتى موسى لأنه كان ملازمًا له يأخذ عنه العلم ويخدمه، ومعنى {لا أَبْرَحُ} لا أزال، ومنه قوله: {لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عاكفين} [طه: 91].
ومنه قول الشاعر:
وأبرح ما أدام الله قومي ** بحمد الله منتطقًا مجيدًا

وبرح إذا كان بمعنى زال فهو من الأفعال الناقصة، وخبره هنا محذوف اعتمادًا على دلالة ما بعده وهو {حتى أَبْلُغَ مَجْمَعَ البحرين} قال الزجاج: لا أبرح بمعنى لا أزال، وقد حذف الخبر لدلالة حال السفر عليه، ولأن قوله: {حتى أَبْلُغَ} غاية مضروبة، فلابد لها من ذي غاية، فالمعنى: لا أزال أسير إلى أن أبلغ، ويجوز أن يراد: لا يبرح مسيري حتى أبلغ، وقيل: معنى {لا أبرح}: لا أفارقك حتى أبلغ مجمع البحرين، وقيل: يجوز أن يكون من برح التام، بمعنى: زال يزال، ومجمع البحرين: ملتقاهما.
قيل: المراد بالبحرين: بحر فارس والروم؛ وقيل: بحر الأردن وبحر القلزم، وقيل: مجمع البحرين عند طنجة، وقيل: بإفريقية.
وقالت طائفة: المراد بالبحرين موسى والخضر، وهو من الضعف بمكان.
وقد حكي عن ابن عباس ولا يصح.
{أَوْ أَمْضِىَ حُقُبًا} أي: أسير زمانًا طويلًا.
قال الجوهري: الحقب بالضم: ثمانون سنة.
وقال النحاس: الذي يعرفه أهل اللغة أن الحقب والحقبة: زمان من الدهر مبهم غير محدود، كما أن رهطًا وقومًا منهم غير محدود، وجمعه أحقاب.
وسبب هذه العزيمة على السير من موسى عليه السلام ما روي أنه سئل موسى من أعلم الناس؟ فقال: أنا، فأوحى الله إليه: إنّ أعلم منك عبد لي عند مجمع البحرين.
{فَلَمَّا بَلَغَا} أي: موسى وفتاه {مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا} أي: بين البحرين، وأضيف مجمع إلى الظرف توسعًا وقيل: البين: بمعنى الافتراق أي: البحران المفترقان يجتمعان هناك، وقيل: الضمير لموسى والخضر، أي: وصلا الموضع الذي فيه اجتماع شملهما، ويكون البين على هذا بمعنى الوصل، لأنه من الأضداد، والأوّل أولى {نَسِيَا حُوتَهُمَا} قال المفسرون: إنهما تزوّدا حوتًا مملحًا في زنبيل، وكانا يصيبان منه عند حاجتهما إلى الطعام، وكان قد جعل الله فقدانه أمارة لهما على وجدان المطلوب.
والمعنى أنهما نسيا بفقد أمره، وقيل: الذي نسي إنما هو فتى موسى، لأنه وكل أمر الحوت إليه، وأمره أن يخبره إذا فقده، فلما انتهيا إلى ساحل البحر وضع فتاه المكتل الذي فيه الحوت فأحياه الله، فتحرّك واضطرب في المكتل، ثم انسرب في البحر، ولهذا قال: {فاتخذ سَبِيلَهُ في البحر سَرَبًا} انتصاب {سربًا} على أنه المفعول الثاني لاتخذ، أي اتخذ سبيلًا سربًا، والسرب: النفق الذي يكون في الأرض للضبّ ونحوه من الحيوانات، وذلك أن الله سبحانه أمسك جرية الماء على الموضع الذي انسرب فيه الحوت فصار كالطاق، فشبه مسلك الحوت في البحر مع بقائه وانجياب الماء عنه بالسرب الذي هو الكوّة المحفورة في الأرض.
قال الفراء: لما وقع في الماء جمد مذهبه في البحر فكان كالسرب، فلما جاوزا ذلك المكان الذي كانت عنده الصخرة وذهب الحوت فيه انطلقا، فأصابهما ما يصيب المسافر من النصب والكلال، ولم يجدا النصب حتى جاوزا الموضع الذي فيه الخضر، ولهذا قال سبحانه: {فَلَمَّا جَاوَزَا} أي: مجمع البحرين الذي جعل موعدًا للملاقاة {قَالَ لفتاه ءاتِنَا غَدَاءنَا} وهو ما يؤكل بالغداة، وأراد موسى أن يأتيه بالحوت الذي حملاه معهما {لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هذا نَصَبًا} أي: تعبًا وإعياء، قال المفسرون: الإشارة بقوله: {سفرنا هذا} إلى السفر الكائن منهما بعد مجاوزة المكان المذكور، فإنهما لم يجدا النصب إلا في ذلك دون ما قبله {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصخرة} أي: قال فتى موسى لموسى، ومعنى الاستفهام: تعجيبه لموسى مما وقع له من النسيان هناك مع كون ذلك الأمر مما لا ينسى، لأنه قد شاهد أمرًا عظيمًا من قدرة الله الباهرة، ومفعول {أرأيت} محذوف لدلالة ما ذكره من النسيان عليه، والتقدير: أرأيت ما دهاني، أو نابني في ذلك الوقت والمكان.
وتلك الصخرة كانت عند مجمع البحرين الذي هو الموعد، وإنما ذكرها دون أن يذكر مجمع البحرين لكونها متضمنة لزيادة تعيين المكان، لاحتمال أن يكون المجمع مكانًا متسعًا يتناول مكان الصخرة وغيره، وأوقع النسيان على الحوت دون الغداء الذي تقدّم ذكره لبيان أن ذلك الغداء المطلوب هو ذلك الحوت الذي جعلاه زادًا لهما، وأمارة لوجدان مطلوبهما.
ثم ذكر ما يجري مجرى السبب في وقوع ذلك النسيان فقال: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشيطان} بما يقع منه من الوسوسة، و{أَنْ أَذْكُرَهُ} بدل اشتمال من الضمير في أنسانيه، وفي مصحف عبد الله: وما أنسانيه أن أذكره إلا الشيطان {واتخذ سَبِيلَهُ في البحر عَجَبًا} انتصاب {عجبًا} على أنه المفعول الثاني كما مرّ في {سربًا}، والظرف في محل نصب على الحال، يحتمل أن يكون هذا من كلام يوشع، أخبر موسى أن الحوت اتخذ سبيله عجبًا للناس، وموضع التعجب: أن يحيا حوت قد مات وأكل شقه، ثم يثب إلى البحر ويبقى أثر جريته في الماء لا يمحو أثرها جريان ماء البحر، ويحتمل أن يكون من كلام الله سبحانه لبيان طرف آخر من أمر الحوت، فيكون ما بين الكلامين اعتراضًا.
{قَالَ ذلك مَا كُنَّا نبغ} أي، قال موسى لفتاه: ذلك الذي ذكرت من فقد الحوت في ذلك الموضع هو الذي كنا نطلبه، فإن الرجل الذي نريده هو هنالك {فارتدا على ءاثَارِهِمَا قَصَصًا} أي: رجعا على الطريق التي جاءا منها يقصان أثرهما لئلا يخطئا طريقهما، وانتصاب {قصصًا} على أنه مصدر لفعل محذوف، أو على الحال، أي: قاصين أو مقتصين، والقصص في اللغة اتباع الأثر {فَوَجَدَا عَبْدًا مّنْ عِبَادِنَا} هو الخضر في قول جمهور المفسرين، وعلى ذلك دلت الأحاديث الصحيحة، وخالف في ذلك من لا يعتدّ بقوله، فقال: ليس هو الخضر بل عالم آخر؛ قيل: سمي الخضر لأنه كان إذا صلى اخضرّ ما حوله، قيل واسمه بليا بن ملكان.