فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال السبكي: قبل أحد ثم نسخ، والجار والمحرور قال أبو البقاء متعلق بقتلت كأنه قيل أي قتلت نفسًا بلا حق، وجوز أن يتعلق بمحذوف أي قتلًا بغير نفس، وأن يكون في موضع الحال أي قتلتها ظالمًا لها أو مظلومة.
وقرأ ابن عباس والأعرج وأبو جعفر وشيبة وابن محيصن وحميد والزهري ونافع واليزيد وابن مسلم وزيد وابن بكير عن يعقوب ورويس عنه أيضًا وأبو عبيد وابن جبير الأنطاكي وابن كثير وأبو عمرو {زاكية} بتخفيف الياء وألف بعد الزاي، و{نَفْسًا زَكِيَّةً} بالتشديد من غير ألف كما قرأ زيد بن علي والحسن والجحدري وابن عامر والكوفيون أبلغ من ذلك لأنه صفة مشبهة دالة على الثبوت مع كون فعيل المحول من فاعل كما قال أبو حيان يدل على المبالغة، وفرق أبو عمرو بين زاكية وزكية بأن زاكية بالألف هي التي لم تذنب قط وزكية بدون الألف هي التي أذنبت ثم غفرت.
وتعقب بأنه فرق غير ظاهر لأن أصل معنى الزكاة النمو والزيادة فلذا وردت للزيادة المعنوية وأطلقت على الطهارة من الآثام ولو بحسب الخلقة والابتداء كما في قوله تعالى: {لاِهَبَ لَكِ غلاما زَكِيًّا} فمن أين جاءت هذه الدلالة ثم وجه ذلك بأنه يحتمل أن تكون لكون زاكية بالألف من زكى اللازم وهو يقتضي أنه ليس بفعل آخر وأنه ثابت له في نفسه وزكية بمعنى مزكاة فإن فعيلًا قد يكون من غير الثلاثي كرضيع بمعنى مراضع، وتطهير غيره له من الذنوب إنما يكون بالمغفرة وقد فهمه من كلام العرب فإنه أمام العربية واللغة فتكون بهذا الاعتبار زاكية بالألف أبلغ وأنسب بالمقام بناءً على أنه يرى أن الغلام لم يبلغ الحلم ولذا اختار القراءة بذلك وإن كان كل من القراءتين متواترًا عنه صلى الله عليه وسلم، وهذا على ما قيل لا ينافي كون زكية بلا ألف أبلغ باعتبار أنها تدل على الرفع وهو أقوى من الدفع فافهم، وأيًا ما كان فوصف النفس بذلك لزيادة تفظيع ما فعل.
وقد أخرج ابن مردويه عن أبي بن كعب أن الخضر عليه السلام لما قتل الغلام ذعر موسى عليه السلام ذعرة منكرة وقال: أقتلت نفسًا زكية بغير نفس {لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا} منكرًا جدًا، قال الإمام: المنكر ما أنكرته العقول ونفرت عنه النفوس وهو أبلغ في تقبيح الشيء من الأمر، وقيل بالعكس، وقال الراغب: المنكر الدهاء والأمر الصعب الذي لا يعرف، ولهذه الأبلغية قال بعضهم.
المراد شيئًا أنكر من الأول، واختار الطيبي أنه دون الأمر وقال: إن الذي يقتضيه النظم أنه ذكر الأغلظ ثم تنزل إلى الأهون فقتل النفس أهون من الخرق لما فيه من إهلاك جماعة وأغلظ من إقامة الجدار بلا أجرة، وقال في الكشف: الظاهر أبلغية النكر أما بحسب اللفظ فظاهر ألا ترى كيف فسر الشاعر أي في قوله:
لقد لقى الأقران مني نكرا ** داهية دهياء إدا إمرا

النكر بداهية من صفتها كيت وكيت وجعل الإمر بعض أوصافها، وأما بحسب الحقيقة فلأن خرق السفينة تسبب إلى الهلاك وهذا مباشرة على أن ذلك لم يكن سببًا مفضيًا، وقول من قال: إنه تنزل استدلالًا بأن إقامة الجدار أهون من القتل ليس بشيء لأنه حكى على ترتيب الوجود لا تنزل فيه ولا ترقى وإنما يلاحظ ذلك بالنسبة إلى ما ذيل انتهى، وروي القول بالأبلغية عن قتادة، ومما يؤيد ذلك ما حكاه القرطبي عن صاحب العرس والعرائس أن موسى عليه السلام حين قال للخضر عليه السلام ما قال غضب الخضر واقتلع كتف الصبي الأيسر وقشر اللحم عنه وإذا مكتوب فيه كافر لا يؤمن بالله تعالى أبدًا، وبنى وجه تغيير النظم الجليل على أقبحية القتل فقيل: إنما غير النظم إلى ما ترى لأن القتل أقبح والاعتراض عليه ادخل وأحق فكان الاعتراض جديرًا بأن يجعل عمدة الكلام، وهو مبني على أن الحكم في الكلام الشرطي هو الجزاء والشرط قيد له بمنزلة الحال عند أهل العربية، وتحقيق ذلك في المطول وحواشيه.
وكان العطف بالفاء التعقيبية ليفيد أن القتل وقع عقيب اللقاء من غير ريث كما يشعر به الاعتراض إذ لو مضى زمان بين اللقاء والقتل أمكن نظرًا للأمور العادية إطلاع الخضر فيه من حاله على ما لم يطلع عليه موسى عليه السلام فلا يعترض عليه هذا الاعتراض، ولا يضر في هذا ادعاء أن الخرق أيضًا كذلك لأن المقصود توجيه اختيار الفاء دون الواو أو ثم بعد توجيه اختيار أصل العطف بأن ذلك يتأتى جعل الاعتراض عمدة، والحاصل أنه لما كان الاعتراض في القصة الثانية معتنى بشأنه وأهم جعل جزاء لإذا الشرطية وبعد أن تعين للجزائية لذلك لم يكن بد من جعل القتل من جملة الشرط بالعطف، واختيرت الفاء من بين حروفه ليفاد التعقيب، ولما لم يكن الاعتراض في القصة الأولى مثله في الثانية جعل مستأنفًا وجعل الخرق جزاء.
وزعم التاشكندي جواز كون الاعتراضين في القصتين مستأنفين والجزاء فيهما فعل الخضر عليه السلام إلا أنه لابد من تقدير قد في الجزاء الثاني لأن الماضي المثبت الغير المقترن بها لفظًا أو تقديرًا لا يصل للجزائية.
واعتبر هذا في الثانية ولم يعتبر مثله في الأول لأن القتل أقبح فهو جدير بأن يؤكد ولا كذلك الخرق.
وتعقبه بعض الفضلاء بأن الفاء الجزائية لا يجوز أن تدخل على الماضي المثبت إلا بتقدير قد لتحقق تأثير حرف الشرط فيه بأن يقلب معناه إلى الاستقبال فلا حاجة إلى الرابطة في كونه جوابًا، وأما بتقدير قد فتدخل الفاء لعدم تأثير حرف الشرط فيه فهو محتاج إلى الرابطة فقوله تعالى: {خَرَقَهَا} وكذلك قوله سبحانه: {فقلته} لكونهما مستقبلين بالنسبة إلى ما قبلهما يقعان جزاءً بلا حاجة إلى ربط الفاء الجزائية فلا مجال في الثاني لجعل الفاء جزائية وكذا لا مجال في الأول لفرض تقدير قد لاصطلاح إدخال الفاء عليه فتدبر فإنه لا يخلو عن شيء.
وقال مير بادشاه في الرد على ذلك: إن الذوق السليم يأبي عن تقدير قد لو جعل القتل جزاء لعدم اقتضاء المقام إياه كيف وقد سبق الخرق جزاء بدونها وقد علم أنه يصدر عن الخضر عليه السلام ما لا يستطيع المتشرع أن يصبر عليه وما المحتاج إلى التحقيق إلا اعتراض موسى عليه السلام ثانيًا بعدما سلف منه من الكلام وكونه عليه السلام مرسلًا منه تعالى للتعلم، وفيه إعراض عن بيان النكتة في التحقيق وعدم التفات إليها وغفلة على ما قال بعض الفضلاء عن موضع الفاء الجزائية وتقدير قد، ولعل الحق أن يقال: إن التقدير وإن جاز خلاف الظاهر جدًا، وزعم أيضًا أنه يمكن أن يقال في بيان إخراج القصتين على ما أخرجنا عليه أن لقاء الغلام سبب للشفقة والرفق لا القتل فلذا لم يحسن جعله جزاءً وجعل جزاء الشرط وركوب السفينة قد يكون سببًا لخرقها فلذا جعل جزاء، وفيه أن للخصم أن يمنع الفرق ويقول: كما أن لقاء الغلام سبب للرفق لا القتل كذلك ركوب السفينة سبب لحفظها وصيانتها لا الخرق كيف وسلامتها سبب لسلامة الخضر عليه السلام ظاهرًا، ومن الأمثال العامية لا ترم في البئر التي تشرب منها حجرًا، وإذا سلم له أن يقول: إن لقاء الغلام سبب للرفق لا للقتل فالقتل أغرب والاعتراض عليه أدخل فالاعتراض جدير بأن يجعل جزاء فيؤول الأمر في بيان النكتة إلى نحو ما تقدم والأمر في هذا سهل كما لا يخفى.
وقال شيخ الإسلام في وجه التغيير: إن صدور الخوارق عن الخضر عليه السلام خرج بوقوعه مرة مخرج العادة واستأنست النفس به كاستئناسها بالأمور العادية فانصرفت عن ترقب سماعه إلى ترقب سماع حال موسى عليه السلام هل يحافظ على مراعاة شرطه بموجب وعده عند مشاهدة خارق آخر أو يسارع إلى المناقشة كما في المرة الأولى فكان المقصود إفادة ما صدر عنه عليه السلام فجعل الجزاء اعتراضه دون ما صدر عن الخضر عليهما السلام ولله تعالى در شأن التنزيل.
وأما ما قيل من أن القتل أقبح والاعتراض عليه أدخل فكان جديرًا بأن يجعل عمدة الكلام فليس من رفع الشبهة في شيء بل هو مؤيد لها فإن كون القتل أقبح من مبادىء قلة صدوره عن المؤمن العاقل وندرة وصول خبره إلى الأسماع وذلك مما يستدعي جعله مقصودًا وكون الاعتراض عليه أدخل من موجبات كثرة صدوره عن كل عاقل فضلًا عن النبي وذلك لا يقتضي جعله كذلك انتهى، وتعقب بأن ما ذكره من النكتة على تقدير تسليمه لا يضر من بينها بما تقدم إذ لا تزاحم في النكات، وأما اعتراضه فقوله مما يستدعي جعله مقصودًا إن أراد أنه مقصود في نفسه فليس بصحيح وإن أراد أنه مقصود بأن يعترض عليه ويمنع منه فهذا يقتضي جعل الاعتراض جزاء كما مر، وأما كونه من موجبات كثرة صدوره عن كل عاقل فمقتض للاهتمام بالاعتراض عليه.
وأنت تعلم أن الشيء كلما ندر كان الإخبار به وإفادته السامع أوقع في النفس وأن الأخبار الغريبة يهتم بإفادتها ما لا يهتم بإفادة غير الغريبة إذ العالم بالغريب قليل بخلاف العالم بغيره وإنكار ذلك مكابرة فمراد الشيخ أن كون القتل أقبح من مبادىء قلة صدوره عن المؤمن العاقل وندرة وصول خبره إلى الأسماع وذلك مما يستدعي جعله مقصودًا بالإفادة كما هو شأن الأمور القليلة الصدور النادرة الوقوع وكون الاعتراض عليه أدخل من موجبات كثرة الصدور وذلك لا يقتضي أن يعامل كذلك، وعلى هذا لا غبار على ما ذكره عند المنصف، ثم إن ما ذكره من النكتة يتأتى على القول بأن القتل أقبح من الخرق وعلى القول بالعكس أيضًا وهذا بخلاف ما تقدم فإنه كان مبنيًا على أقبحية القتل فمن لا يقول بها يحتاج في بيان النكتة إلى غير ذلك، وقد رجح بذلك على ما تقدم، واستأنس له أيضًا بأن مسلق الكلام من أوله لشرح حال موسى عليه السلام فجعل اعتراضه عمدة الكلام أوفق بالمساق إلا أنه عدل عن ذلك في قصة الخرق وجعل ما صدر عن الخضر عليه السلام عمدة دون اعتراضه لأن النفس لما سمعت وصف الخضر ظمأت لسماع ما يصدر منه فبل غليلها وجعل ما صدر عنه مقصودًا بالإفادة لأنه مطلوب للنفس وهي منتظرة إياه ثم بعد أن سمعت ذلك وسكن أوامها سلك بالكلام مسلكه الأول وقصد بالإفادة حال من سيق الكلام من أوله لشرح حاله، ولا يخفى أن هذا قول بأن الأصل نظرًا إلى السوق أن تكون القصة الأولى على طرز القصة الثانية إلا أنه عدل عن ذلك لما ذكر، والخروج عن الأصل يتقدر بقدر الحاجة {الله فَمَنِ اضطر غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] وهو مخالف لما يفهم من كلام الشيخ في الجملة فافهم والله تعالى أعلم. وقرأ نافع وأبو بكر وابن ذكوان وأبو جعفر وشيبة وطلحة ويعقوب وأبو حاتم {نُّكْرًا} بضمتين حيث كان منصوبًا. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا} أي فعقِب تلك المحاورة أنهما انطلقا.
والانطلاق: الذهاب والمشي، مشتق من الإطلاق وهو ضد التقييد، لأن الدابة إذا حُلّ عقالها مشت. فأصله مطاوع أطلقه. و{حتى} غاية للانطلاق. أي إلى أن ركبا في السفينة. و{حتى} ابتدائية، وفي الكلام إيجاز دل عليه قوله: {إذا ركبا في السفينة}.
أصل الكلام: حتى استأجرا سفينة فركباها فلما ركبا في السفينة خرقها.
وتعريف {السفينة} تعريف العهد الذهني، مثل التعريف في قوله تعالى: {وأخاف أن يأكله الذئب} [يوسف: 13]. {وإذا} ظرف للزمان الماضي هنا، وليست متضمنة معنى الشرط. وهذا التوقيت يؤذن بأخذه في خرق السفينة حين ركوبهما. وفي ذلك ما يشير إلى أن الركوب فيها كان لأجل خرقها لأن الشيء المقصود يبادِر به قاصده لأنه يكون قد دبره وارتآه من قبل.
وبني نظم الكلام على تقديم الظرف على عامله للدلالة على أن الخرق وقع بمجرد الركوب في السفينة، لأن في تقديم الظرف اهتمامًا به، فيدل على أن وقت الركوب مقصود لإيقاع الفعل فيه وضمن الركوب معنى الدخول لأنه ركوب مجازي، فلذلك عدي بحرف في الظرفية نظير قوله تعالى: {وقال اركبوا فيها} [هود: 41] دون نحو قوله: {والخيل والبغال والحمير لتركبوها} [النحل: 8]. وقد تقدم ذلك في سورة هود والخرق: الثقب والشق، وهو ضد الالتئام والاستفهام في {أخرقتها} للإنكار ومحل الإنكار هو العلة بقوله: {لتغرق أهلها}، لأن العلة ملازمة للفعل المستفهم عنه. ولذلك توجه أن يغير موسى عليه السلام هذا المنكَر في ظاهر الأمر، وتأكيد إنكاره بقوله: {لقد جئت شيئًا إمرًا}. والإمر بكسر الهمزة: هو العظيم المفظع يقال: أَمِر كفرح إِمرًا، إذا كثر في نوعه ولذلك فسره الراغب بالمنكر، لأن المقام دال على شيء ضارّ ومقام الأنبياء في تغيير المنكر مقام شدة وصراحة ولم يجعله نكرًا كما في الآية بعدها لأن العلم الذي عمله الخضر ذريعة للغرق ولم يقع الغرق بالفعل وقرأ الجمهور: {لتغرق} بمثناة فوقية مضمومة على الخطاب وقرأه حمزة، والكسائي، وخلف {ليَغرق} بتحتية مفتوحة ورفع {أهلها} على إسناد فعل الغرق للأهل.
{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72)}.
استفهام تقرير وتعريض باللوم على عدم الوفاء بما التزم، أي أَتُقِرّ أني قلتُ إنك لا تستطيع معي صبرًا. و{معي} ظرف متعلق ب {تستطيع}، فاستطاعة الصبر المنفية هي التي تكون في صحبته لأنه يرى أمورًا عجيبة لا يدرك تأويلها. وحُذف متعلق القول تنزيلًا له منزلة اللازم، أي ألم يقع مني قول فيه خطابك بعدم الاستطاعة.
{قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73)}.
اعتذر موسى بالنسيان وكان قد نسي التزامه بما غشي ذهنه من مشاهدة ما ينكره.
والنهي مستعمل في التعطف والتماس عدم المؤاخذة، لأنه قد يؤاخذه على النسيان مؤاخذةَ من لا يَصلح للمصاحبة لما ينشأ عن النسيان من خطر.
فالحَزامة الاحتراز من صحبة من يطرأ عليه النسيان، ولذلك بني كلام موسى على طلب عدم المؤاخذة بالنسيان ولم يبن على الاعتذار بالنسيان، كأنه رأى نفسه محقوقًا بالمؤاخذة، فكان كلامًا بديع النسيج في الاعتذار. والمؤاخذة: مفاعلة من الأخذ، وهي هنا للمبالغة لأنها من جانب واحد كقوله تعالى: {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم} [النحل: 61]. و{ما} مصدرية، أي لا تؤاخذني بنسياني.
والإرهاق: تعدية رهق، إذا غشِي ولحق، أي لا تُغشِّني عسرًا.
وهو هنا مجاز في المعاملة بالشدة.
والإرهاق: مستعار للمعاملة والمقابلة.
والعسر: الشدة وضد اليسر.
والمراد هنا: عسر المعاملة، أي عدم التسامح معه فيما فعله فهو يسأله الإغضاء والصفح.
والأمر: الشأن.
و{مِن} يجوز أن تكون ابتدائية، فكون المراد بأمره نسيانه، أي لا تجعل نسياني منشئًا لإرهاقي عُسرًا.
ويجوز أن تكون بيانية فيكون المراد بأمره شأنه معه، أي لا تجعل شأني إرهاقك إياي عسرًا.
{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ}.
يدل تفريع قوله: {فانطلقا حتى إذا لقيا غلامًا} عن اعتذار موسى، على أن الخضر قبل عذره وانطلقا مصطحبين.
والقول في نظم قوله: {حتى إذا لقيا غلامًا} كالقول في قوله: {حتى إذا ركبا في السفينة} [الكهف: 71].
وقوله: {فقتله} تعقيب لفعل {لقيا} تأكيدًا للمبادرة المفهومة من تقديم الظرف، فكانت المبادرة بقتل الغلام عند لقائه أسرع من المبادرة بخرق السفينة حين ركوبها.
وكلام موسى في إنكار ذلك جرى على نسق كلامه في إنكار خرق السفينة سوى أنه وصف هذا الفعل بأنه نكُر، وهو بضمتين: الذي تنكره العقول وتستقبحه، فهو أشد من الشيء الإمْر، لأن هذا فساد حاصل والآخر ذريعة فساد كما تقدم.
ووصف النفس بالزاكية لأنها نفس غلام لم يبلغ الحلم فلم يقترف ذنبًا فكان زكيًا طَاهرًا.
والزكاء: الزيادة في الخير.
وقرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وأبو جعفر، ورويس عن يعقوب {زَاكية} بألف بعد الزاي اسم فاعل من زكا.
وقرأ الباقون: {زكية}، وهما بمعنى واحد.
قال ابن عطية: النون من قوله: {نكرًا} هي نصف القرآن، أي نصف حروفه.
وقد تقدم أن ذلك مخالف لقول الجمهور: إن نصف القرآن هو حرف التاء من قوله تعالى: {وليتلطف} في هذه السورة (19). اهـ.