فصل: (سورة الكهف: آية 66).

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والحقب ثمانون سنة. وروى أنه لما ظهر موسى على مصر مع بنى إسرائيل واستقرّوا بها بعد هلاك القبط، أمره اللّه أن يذكر قومه النعمة، فقام فيهم خطيبا فذكر نعمة اللّه وقال: إنه اصطفى نبيكم وكلمه. فقالوا له: قد علمنا هذا، فأى الناس أعلم؟ قال: أنا. فعتب اللّه عليه حين لم يردّ العلم إلى اللّه، فأوحى إليه: بل أعلم منك عبد لي عند مجمع البحرين وهو الخضر، وكان الخضر في أيام أفريدون قبل موسى عليه السلام، وكان على مقدمة ذى القرنين الأكبر، وبقي إلى أيام موسى. وقيل: إنّ موسى سأل ربه: أي عبادك أحب إليك؟ قال الذي يذكرني ولا ينساني. قال: فأىّ عبادك أقضى؟ قال: الذي يقضى بالحق ولا يتبع الهوى. قال: فأىّ عبادك أعلم؟ قال: الذي يبتغى علم الناس إلى علمه، عسى أن يصيب كلمة تدله على هدى، أو تردّه عن ردى. فقال: إن كان في عبادك من هو أعلم منى فادللني عليه. قال: أعلم منك الخضر. قال: أين أطلبه؟ قال: على الساحل عند الصخرة. قال: يا رب، كيف لي به؟ قال: تأخذ حوتا في مكتل، فحيث فقدته فهو هناك. فقال لفتاه: إذا فقدت الحوت فأخبرنى، فذهبا يمشيان، فرقد موسى، فاضطرب الحوت ووقع في البحر، فلما جاء وقت الغداء طلب موسى الحوت، فأخبره فتاه بوقوعه في البحر، فأتيا الصخرة، فإذا رجل مسجى بثوبه، فسلم عليه موسى، فقال: وأنى بأرضنا السلام، فعرّفه نفسه، فقال: يا موسى، أنا على علم علمنّيه اللّه لا تعلمه أنت، وأنت على علم علمكه اللّه لا أعلمه أنا. فلما ركبا السفينة جاء عصفور فوقع على حرفها فنقر في الماء فقال الخضر: ما ينقص علمى وعلمك من علم اللّه مقدار ما أخذ هذا العصفور من البحر نَسِيا حُوتَهُما أي نسيا تفقد أمره وما يكون منه مما جعل أمارة على الظفر بالطلبة.
وقيل: نسى يوشع أن يقدّمه، ونسى موسى أن يأمره فيه بشيء.
وقيل: كان الحوت سمكة مملوحة.
وقيل: إن يوشع حمل الحوت والخبز في المكتل، فنزلا ليلة على شاطئ عين تسمى عين الحياة، ونام موسى، فلما أصاب السمكة برد الماء وروحه عاشت. وروى: أنهما أكلا منها.
وقيل: توضأ يوشع من تلك العين فانتضح الماء على الحوت فعاش ووقع في الماء سَرَبًا أمسك اللّه جرية الماء على الحوت فصار عليه مثل الطاق، وحصل منه في مثل السرب معجزة لموسى أو للخضر {فَلَمَّا جاوَزا} الموعد وهو الصخرة لنسيان موسى تفقد أمر الحوت وما كان منه.
ونسيان يوشع أن يذكر لموسى ما رأى من حياته ووقوعه في البحر.
وقيل: سارا بعد مجاوزة الصخرة الليلة والغد إلى الظهر، وألقى على موسى النصب والجوع حين جاوز الموعد، ولم ينصب ولا جاع قبل ذلك، فتذكر الحوت وطلبه. وقوله: {مِنْ سَفَرِنا هذا} إشارة إلى مسيرهما وراء الصخرة. فإن قلت: كيف نسى يوشع ذلك، ومثله لا ينسى لكونه أمارة لهما على الطلبة التي تناهضا من أجلها ولكونه معجزتين ثنتين: وهما حياة السمكة المملوحة المأكول منها- وقيل: ما كانت إلا شق سمكة- وقياء الماء وانتصابه مثل الطاق ونفوذها في مثل السرب منه؟ ثم كيف استمرّ به النسيان حتى خلفا الموعد وسارا مسيرة ليلة إلى ظهر الغد، وحتى طلب موسى عليه السلام الحوت؟ قلت: قد شغله الشيطان بوساوسه فذهب بفكره كل مذهب، حتى اعتراه النسيان وانضم إلى ذلك أنه ضرى بمشاهدة أمثاله عند موسى عليه السلام من العجائب، واستأنسا بإخوانه فأعان الإلف على قلة الاهتمام {أَرَأَيْتَ} بمعنى أخبرنى. فإن قلت:
ما وجه التئام هذا الكلام؟ فإن كل واحد من {أَرَأَيْتَ} و{إِذْ أَوَيْنا} و{فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ} لا متعلق له؟ قلت: لما طلب موسى عليه السلام الحوت، ذكر يوشع ما رأى منه وما اعتراه من نسيانه إلى تلك الغاية، فدهش وطفق يسأل موسى عليه السلام عن سبب ذلك، كأنه قال: أرأيت ما دهاني إذ أوينا إلى الصخرة؟ فإنى نسيت الحوت، فحذف ذلك.
وقيل: هي الصخرة التي دون نهر الزيت. و{أَنْ أَذْكُرَهُ} بدل من الهاء في {أَنْسانِيهُ} أى: وما أنسانى ذكره إلا الشيطان. وفي قراءة عبد اللّه: أن أذكركه. و{عَجَبًا} ثانى مفعولي اتخذ، مثل {سَرَبًا} يعنى: واتخذ سبيله سبيلا عجبا، وهو كونه شبيه السرب. أو قال: عجبا في آخر كلامه، تعجبا من حاله في رؤية تلك العجيبة ونسيانه لها أو مما رأى من المعجزتين، وقوله: {وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه. وقيل: إن {عَجَبًا} حكاية لتعجب موسى عليه السلام، وليس بذاك {ذلِكَ} إشارة إلى اتخاذه سبيلا، أى: ذلك الذي كنا نطلب، لأنه أمارة الظفر بالطلبة من لقاء الخضر عليه السلام. وقرئ: {نَبْغِ} بغير ياء في الوصل، وإثباتها أحسن، وهي قراءة أبى عمرو، وأمّا الوقف، فالأكثر فيه طرح الياء اتباعا لخط المصحف {فَارْتَدَّا} فرجعا في أدراجهما {قَصَصًا} يقصان قصصا، أى: يتبعان آثارهما اتباعا. أو فارتدّا مقتصين {رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا} هي الوحى والنبوة {مِنْ لَدُنَّا} مما يختص بنا من العلم، وهو الإخبار عن الغيوب.

.[سورة الكهف: آية 66].

{قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)}.
{رُشْدًا} قرئ بفتحتين، وبضمة وسكون، أى: علما ذا رشد، أرشد به في دينى.
فإن قلت: أما دلت حاجته إلى التعلم من آخر في عهده أنه- كما قيل- موسى بن ميشا، لا موسى بن عمران لأنّ النبىّ يجب أن يكون أعلم أهل زمانه وإمامهم المرجوع إليه في أبواب الدين؟
قلت: لا غضاضة بالنبي في أخذ العلم من نبىّ مثله: وإنما بغض منه أن يأخذه ممن دونه.
وعن سعيد ابن جبير أنه قال لابن عباس: إنّ نوفا ابن امرأة كعب يزعم أنّ الخضر ليس بصاحب موسى، وأنّ موسى هو موسى بن ميشا، فقال: كذب عدوّ اللّه.

.[سورة الكهف: الآيات 67- 68].

{قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68)}.
نفى استطاعة الصبر معه على وجه التأكيد، كأنها مما لا يصح ولا يستقيم، وعلل ذلك بأنه يتولى أمورا هي في ظاهرها مناكير. والرجل الصالح- فكيف إذا كان نبيا- لا يتمالك أن يشمئز ويمتعض ويجزع إذا رأى ذلك ويأخذ في الإنكار. و{خُبْرًا} تمييز، أى: لم يحط به خبرك بمعنى لم تخبره، فنصبه نصب المصدر.

.[سورة الكهف: آية 69].

{قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)}.
{وَلا أَعْصِي} في محل النصب، عطف على صابِرًا أى: ستجدني صابرا وغير عاص.
أولا في محل، عطفا على ستجدني. رجا موسى عليه السلام لحرصه على العلم وازدياده، أن يستطيع معه صبرا بعد إفصاح الخضر عن حقيقة الأمر، فوعده بالصبر معلقا بمشيئة اللّه، علما منه بشدّة الأمر وصعوبته، وأن الحمية التي تأخذ المصلح عند مشاهدة الفساد شيء لا يطاق، هذا مع علمه أن النبي المعصوم الذي أمره اللّه بالمسافرة إليه واتباعه واقتباسه العلم منه، برىّ من أن يباشر ما فيه غميزة في الدين، وأنه لابد لما يستسمج ظاهره من باطن حسن جميل، فكيف إذا لم يعلم.

.[سورة الكهف: آية 70].

{قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70)}.
قرئ: {فَلا تَسْئَلْنِي} بالنون الثقيلة، يعنى: فمن شرط اتباعك لي أنك إذا رأيت منى شيئا- وقد علمت أنه صحيح إلا أنه غبي عليك وجه صحته فحميت وأنكرت في نفسك- أن لا تفاتحنى بالسؤال ولا تراجعني فيه، حتى أكون أنا الفاتح عليك. وهذا من آداب المتعلم مع العالم، والمتبوع مع التابع.

.[سورة الكهف: الآيات 71- 72].

{فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72)}.
{فَانْطَلَقا} على ساحل البحر يطلبان السفينة، فلما ركبا قال أهلها: هما من اللصوص، وأمروهما بالخروج، فقال صاحب السفينة: أرى وجوه الأنبياء. وقيل: عرفوا الخضر فحملوهما بغير نول، فلما لججوا أخذ الخضر الفأس فخرق السفينة بأن قلع لوحين من ألواحها مما يلي الماء فجعل موسى يسدّ الخرق بثيابه ويقول: {أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها} وقرئ: {لتغرّق}، بالتشديد. وليغرق أهلها.
من غرق وأهلها مرفوع {جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} أتيت شيئا عظيما، من أمر الأمر: إذا عظم، قال: داهية دهياء إدّا إمرا.

.[سورة الكهف: آية 73].

{قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73)}.
{بِما نَسِيتُ} بالذي نسيته، أو بشيء نسيته، أو بنسياني: أراد أنه نسى وصيته ولا مؤاخذة على الناسي. أو أخرج الكلام في معرض النهى عن المؤاخذة بالنسيان، يوهمه أنه قد نسى ليبسط عذره في الإنكار، وهو من معاريض الكلام التي يتقى بها الكذب، مع التوصل إلى الغرض، كقول إبراهيم: هذه أختى، وإنى سقيم. أو أراد بالنسيان: الترك، أى: لا تؤاخذني بما تركت من وصيتك أول مرّة. يقال: رهقه إذا غشيه، وأرهقه إياه. أى: ولا تغشني {عُسْرًا} من أمرى، وهو اتباعه إياه، يعنى: ولا تعسر علىّ متابعتك، ويسرها علىّ بالإغضاء وترك المناقشة. وقرئ: {عسرا}، بضمتين. ويجوز أن الكلام من قبيل التجريد.

.[سورة الكهف: الآيات 74- 75].

{فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلامًا فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74) قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75)}.
{فَقَتَلَهُ} قيل: كان قتله قتل عنقه. قيل: ضرب برأسه الحائط، وعن سعيد بن جبير: أضجعه ثم ذبحه بالسكين. فإن قلت: لم قيل: {حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها} بغير فاء؟ و{حَتَّى إِذا لَقِيا غُلامًا فَقَتَلَهُ} بالفاء؟ قلت: جعل خرقها جزاء للشرط، وجعل قتله من جملة الشرط معطوفا عليه، والجزاء {قالَ أَقَتَلْتَ}. فإن قلت: فلم خولف بينهما؟ قلت: لأن خرق السفينة لم يتعقب الركوب، وقد تعقب القتل لقاء الغلام. وقرئ: {زاكية}، و{زكية}، وهي الطاهرة من الذنوب، إما لأنها طاهرة عنده لأنه لم يرها قد أذنبت، وإما لأنها صغيرة لم تبلغ الحنث {بِغَيْرِ نَفْسٍ} يعني لم تقتل نفسا فيقتص منها.
وعن ابن عباس أن نجدة الحروري كتب إليه: كيف جاز قتله، وقد نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن قتل الولدان؟ فكتب إليه: إن علمت من حال الولدان ما علمه عالم موسى فلك أن تقتل {نُكْرًا} وقرئ بضمتين وهو المنكر وقيل النكر أقل من الإمر، لأن قتل نفس واحدة أهون من إغراق أهل السفينة.
وقيل: معناه جئت شيئا أنكر من الأوّل، لأن ذلك كان خرقا يمكن تداركه بالسدّ، وهذا لا سبيل إلى تداركه. فإن قلت: ما معنى زيادة {لَكَ}؟ قلت: زيادة المكافحة بالعتاب على رفض الوصية، والوسم بقلة الصبر عند الكرة الثانية.

.[سورة الكهف: آية 76].

{قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76)}.
{بَعْدَها} بعد هذه الكرة أو المسألة {فَلا تُصاحِبْنِي} فلا تقاربنى، وإن طلبت صحبتك فلا تتابعني على ذلك. وقرئ: {فلا تصحبنى} فلا تكن صاحبي. وقرئ: {فلا تصحبنى} أي فلا تصحبنى إياك ولا تجعلني صاحبك {مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} قد أعذرت. وقرئ: {لدنى}، بتخفيف النون. ولدني، بسكون الدال وكسر النون، كقولهم في عضد: عضد.
وعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «رحم اللّه أخى موسى استحيا فقال ذلك، وقال: رحمة اللّه علينا وعلى أخى موسى، لو لبث مع صاحبه لأبصر أعجب الأعاجيب».

.[سورة الكهف: آية 77].

{فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِدارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77)}.
{أَهْلَ قَرْيَةٍ} هي أنطاكية. وقيل: الأبلة، وهي أبعد أرض اللّه من السماء {أَنْ يُضَيِّفُوهُما} وقرئ: {يضيفوهما}. يقال: ضافه إذا كان له ضيفا. وحقيقته: مال إليه، من ضاف السهم عن الغرض، ونظيره: زاره، من الازورار. وأضافه وضيفه: أنزله وجعله ضيفه.
وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم: كانوا أهل قرية لئاما. وقيل شر القرى التي لا يضاف الضيف فيها ولا يعرف لابن السبيل حقه {يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} استعيرت الإرادة للمداناة والمشارفة، كما استعير الهمّ والعزم لذلك. قال الراعي:
في مهمه قلقت به هاماتها ** قلق الفئوس إذا أردن نصولا

وقال:
يريد الرّمح صدر أبى براء ** ويعدل عن دماء بنى عقيل

وقال حسان:
إنّ دهرا يلفّ شملى بجمل ** لزمان يهمّ بالإحسان

وسمعت من يقول: عزم السراج أن يطفأ، وطلب أن يطفأ. وإذا كان القول والنطق والشكاية والصدق والكذب والسكوت والتمرد والإباء والعزة والطواعية وغير ذلك مستعارة للجماد ولما لا يعقل، فما بال الإرادة؟ قال:
إذا قالت الأنساع للبطن ** الحق تقول سنّى للنّواة طنّى

لا ينطق الّلهو حتّي ينطق العود

وشكا إلىّ بعبرة وتحمحم

فإن يك ظنّى صادقا وهو صادقي

{وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ}.
تمرّد مارد وعزّ الأبلق

ولبعضهم:
يأبى على أجفانه إغفاءه ** همّ إذا انقاد الهموم تمرّدا

أبت الرّوادف والثّدىّ لقمصها ** مسّ البطون وأن تمسّ ظهورا

{قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ} ولقد بلغني أن بعض المحرفين لكلام اللّه تعالى ممن لا يعلم، كان يجعل الضمير للخضر، لأنّ ما كان فيه من آفة الجهل وسقم الفهم، أراه أعلى الكلام طبقة أدناه منزلة، فتحمل ليردّه إلى ما هو عنده أصح وأفصح، وعنده أن ما كان أبعد من المجاز كان أدخل في الإعجاز.
وانقض: إذا أسرع سقوطه، من انقضاض الطائر وهو يفعلّ، مطاوع قضضته. وقيل: افعلّ من النقض، كاحمرّ من الحمرة. وقرئ: {أن ينقض} من النقض، وأن ينقاص، من انقاصت السن إذا انشقت طولا. قال ذو الرمة:
......... منقاص ومنكثب

بالصاد غير معجمة فَأَقامَهُ قيل: أقامه بيده. وقيل: مسحه بيده فقام واستوى.
وقيل: أقامه بعمود عمده به. وقيل: نقضه وبناه. وقيل كان طول الجدار في السماء مائة ذراع، كانت الحال حال اضطرار وافتقار إلى المطعم، وقد لزتهما الحاجة إلى آخر كسب المرء وهو المسألة، فلم يجدا مواسيا، فلما أقام الجدار لم يتمالك موسى لما رأى من الحرمان ومساس الحاجة أن {قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} وطلبت على عملك جعلا حتى ننتعش ونستدفع به الضرورة وقرئ: {لتخذت}، والتاء في تخذ، أصل كما في تبع، واتخذ افتعل منه، كاتبع من تبع، وليس من الأخذ في شيء.