فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} في الآية مسائل:
المسألة الأولى:
اعلم أن هذه المسائل الثلاثة مشتركة في شيء واحد وهو أن أحكام الأنبياء صلوات الله عليهم مبنية على الظواهر كما قال عليه السلام: «نحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر» وهذا العالم ما كانت أحكامه مبنية على ظواهر الأمور بل كانت مبنية على الأسباب الحقيقية الواقعة في نفس الأمر وذلك لأن الظاهر أنه يحرم التصرف في أموال الناس وفي أرواحهم في المسألة الأولى وفي الثانية من غير سبب ظاهر يبيح ذلك التصرف لأن تخريق السفينة تنقيص لملك الإنسان من غير سبب ظاهر، وقتل الغلام تفويت لنفس معصومة من غير سبب ظاهر، والإقدام على إقامة ذلك الجدار المائل في المسألة الثالثة تحمل التعب والمشقة من غير سبب ظاهر، وفي هذه المسائل الثلاثة ليس حكم ذلك العالم فيها مبنيًا عن الأسباب الظاهرة المعلومة، بل كان ذلك الحكم مبنيًا على أسباب معتبرة في نفس الأمر، وهذا يدل على أن ذلك العالم كان قد آتاه الله قوة عقلية قدر بها أن يشرف على بواطن الأمور ويطلع بها على حقائق الأشياء فكانت مرتبة موسى عليه السلام في معرفة الشرائع والأحكام بناء الأمر على الظواهر وهذا العالم كانت مرتبته الوقوف على بواطن الأشياء وحقائق الأمور والاطلاع على أسرارها الكامنة، فبهذا الطريق ظهر أن مرتبته في العلم كانت فوق مرتبة موسى عليه السلام.
إذا عرفت هذا فنقول: المسائل الثلاثة مبنية على حرف واحد وهو أن عند تعارض الضررين يجب تحمل الأدنى لدفع الأعلى؛ فهذا هو الأصل المعتبر في المسائل الثلاثة.
أما المسألة الأولى:
فلأن ذلك العالم علم أنه لو لم يعب تلك السفينة بالتخريق لغصبها ذلك الملك، وفاتت منافعها عن ملاكها بالكلية فوقع التعارض بين أن يخرقها ويعيبها فتبقى مع ذلك على ملاكها، وبين أن لا يخرقها فيغصبها الملك فتفوت منافعها بالكلية على ملاكها، ولا شك أن الضرر الأول أقل فوجب تحمله لدفع الضرر الثاني الذي هو أعظمهما.
وأما المسألة الثانية:
فكذلك لأن بقاء ذلك الغلام حيًا كان مفسدة للوالدين في دينهم وفي دنياهم، ولعله علم بالوحي أن المضار الناشئة من قتل ذلك الغلام أقل من المضار الناشئة بسبب حصول تلك المفاسد للأبوين، فهلذا السبب أقدم على قتله.
وأما المسألة الثالثة:
أيضًا كذلك لأن المشقة الحاصلة بسبب الإقدام على إقامة ذلك الجدار ضررها أقل من سقوطه لأنه لو سقط لضاع مال تلك الأيتام.
وفيه ضرر شديد، فالحاصل أن ذلك العالم كان مخصوصًا بالوقوف على بواطن الأشياء وبالاطلاع على حقائقها كما هي عليها في أنفسها، وكان مخصوصًا ببناء الأحكام الحقيقية على تلك الأحوال الباطنة، وأما موسى عليه السلام فما كان كذلك بل كانت أحكامه مبنية على ظواهر الأمور فلا جرم ظهر التفاوت بينهما في العلم، فإن قال قائل فحاصل الكلام أنه تعالى أطلعه على بواطن الأشياء وحقائقها في نفسها، وهذا النوع من العلم لا يمكن تعلمه، وموسى عليه السلام إنما ذهب إليه ليتعلم منه العلم فكان من الواجب على ذلك العالم أن يظهر له علمًا يمكن له تعلمه، وهذه المسائل الثلاثة علوم لا يمكن تعلمها فما الفائدة في ذكرها وإظهارها.
والجواب: أن العلم بظواهر الأشياء يمكن تحصيله بناء على معرفة الشرائع الظاهرة، وأما العلم ببواطن الأشياء فإنما يمكن تحصيله بناء على تصفية الباطن وتجريد النفس وتطهير القلب عن العلائق الجسدانية، ولهذا قال تعالى في صفة علم ذلك العالم: {وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} [الكهف: 65]، ثم إن موسى عليه السلام لما كملت مرتبته في علم الشريعة بعثه الله إلى هذا العالم ليعلم موسى عليه السلام أن كمال الدرجة في أن ينتقل الإنسان من علوم الشريعة المبنية على الظواهر إلى علوم الباطن المبنية على الإشراف على البواطن والتطلع على حقائق الأمور.
المسألة الثانية:
اعلم أن ذلك العالم أجاب عن المسألة الأولى بقوله: {أَمَّا السفينة فَكَانَتْ لمساكين يَعْمَلُونَ في البحر فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} وفيه فوائد.
الفائدة الأولى:
أن تلك السفينة كانت لأقوام محتاجين متعيشين بها في البحر والله تعالى سماهم مساكين، واعلم أن الشافعي رحمه الله احتج بهذه الآية على أن حال الفقير في الضر والحاجة أشد من حال المسكين لأنه تعالى سماهم مساكين مع أنهم كانوا يملكون تلك السفينة.
الفائدة الثانية:
أن مراد ذلك العالم من هذا الكلام أنه ما كان مقصودي من تخريق تلك السفينة تغريق أهلها بل مقصودي أن ذلك الملك الظالم كان يغصب السفن الخالية عن العيوب فجعلت هذه السفينة معيبة لئلا يغصبها ذلك الظالم فإن ضرر هذا التخريق أسهل من الضرر الحاصل من ذلك الغصب، فإن قيل وهل يجوز للأجنبي أن يتصرف في ملك الغير لمثل هذا الغرض، قلنا هذا مما يختلف أحواله بحسب اختلاف الشرائع فلعل هذا المعنى كان جائزًا في تلك الشريعة، وأما في شريعتنا فمثل هذا الحكم غير بعيد، فإنا إذا علمنا أن الذين يقطعون الطريق ويأخذون جميع ملك الإنسان، فإن دفعنا إلى قاطع الطريق بعض ذلك المال سلم الباقي فحينئذ يحسن منا أن ندفع بعض مال ذلك الإنسان إلى قاطع الطريق ليسلم الباقي وكان هذا منا يعد إحسانًا إلى ذلك المالك.
الفائدة الثالثة:
أن ذلك التخريق وجب أن يكون واقعًا على وجه لا تبطل به تلك السفينة بالكلية إذ لو كان كذلك لم يكن الضرر الحاصل من غصبها أبلغ من الضرر الحاصل من تخريقها، وحينئذ لم يكن تخريقها جائزًا.
الفائدة الرابعة:
لفظ الوراء على قوله: {وَكَانَ وَرَاءهُم} فيه قولان: الأول: أن المراد منه وكان أمامهم ملك يأخذ، هكذا قاله الفراء وتفسيره قوله تعالى: {مّن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ} [الجاثية: 10] أي أمامهم، وكذلك قوله تعالى: {وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا} [الإنسان: 27] وتحقيقه أن كل ما غاب عنك فقد توارى عنك وأنت متوار عنه، فكل ما غاب عنك فهو وراءك وأمام الشيء وقدامه إذا كان غائبًا عنه متواريًا عنه فلم يبعد إطلاق لفظ وراء عليه.
والقول الثاني: يحتمل أن يكون الملك كان من وراء الموضع الذي يركب منه صاحبه وكان مرجع السفينة عليه.
وأما المسألة الثانية:
وهي قتل الغلام فقد أجاب العالم عنها بقوله: {وَأَمَّا الغلام فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ} قيل: إن ذلك الغلام كان بالغًا وكان يقطع الطريق ويقدم على الأفعال المنكرة، وكان أبواه يحتاجان إلى دفع شر الناس عنه والتعصب له وتكذيب من يرميه بشيء من المنكرات وكان يصير ذلك سببًا لوقوعهما في الفسق.
وربما أدى ذلك الفسق إلى الكفر، وقيل: إنه كان صبيًا إلا أن الله تعالى علم منه أنه لو صار بالغًا لحصلت منه هذه المفاسد، وقوله: {فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طغيانا وَكُفْرًا} الخشية بمعنى الخوف وغلبة الظن والله تعالى قد أباح له قتل من غلب على ظنه تولد مثل هذا الفساد منه، وقوله: {أَن يُرْهِقَهُمَا طغيانا} فيه قولان: الأول: أن يكون المراد أن ذلك الغلام يحمل أبويه على الطغيان والكفر كقوله: {وَلاَ تُرْهِقْنِى مِنْ أَمْرِى عُسْرًا} [الكهف: 73] أي لا تحملني على عسر وضيق وذلك لأن أبويه لأجل حب ذلك الولد يحتاجان إلى الذب عنه، وربما احتاجا إلى موافقته في تلك الأفعال المنكرة.
والثاني: أن يكون المعنى أن ذلك الولد كان يعاشرهما معاشرة الطغاة الكفار، فإن قيل: هل يجوز الإقدام على قتل الإنسان لمثل هذا الظن؟ قلنا: إذا تأكد ذلك الظن بوحي الله جاز ثم قال تعالى: {فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مّنْهُ زكواة} أي أردنا أن يرزقهما الله تعالى ولدًا خيرًا من هذا الغلام زكاة أي دينًا وصلاحًا، وقيل: إن ذكره الزكاة هاهنا على مقابلة قول موسى عليه السلام: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زكية بِغَيْرِ نَفْسٍ} [الكهف: 74] فقال العالم: أردنا أن يرزق الله هذين الأبوين خيرًا بدلًا عن ابنهما هذا ولدًا يكون خيرًا منه كما ذكرته من الزكاة، ويكون المراد من الزكاة الطهارة فكأن موسى عليه السلام قال: أقتلت نفسًا طاهرة لأنها ما وصلت إلى حد البلوغ فكانت زاكية طاهرة من المعاصي فقال العالم: إن تلك النفس وإن كانت زاكية طاهرة في الحال إلا أنه تعالى علم منها أنها إذا بلغت أقدمت على الطغيان والكفر فأردنا أن يجعل لهما ولدًا أعظم زكاة وطهارة منه وهو الذي يعلم الله منه أنه عند البلوغ لا يقدم على شيء من هذه المحظورات ومن قال إن ذلك الغلام كان بالغًا قال: المراد من صفة نفسه بكونها زاكية أنه لم يظهر عليه ما يوجب قتله ثم قال: {وَأَقْرَبَ رُحْمًا} أي يكون هذا البدل أقرب عطفًا ورحمة بأبويه بأن يكون أبر بهما وأشفق عليهما والرحم الرحمة والعطف.
روي أنه ولدت لهما جارية تزوجها نبي فولدت نبيًا هدى الله على يديه أمة عظيمة.
بقي من مباحث هذه الآية موضعان في القراءة.
الأول: قرأ نافع وأبو عمرو يبدلهما بفتح الباء وتشديد الدال وكذلك في التحريم: {أَن يُبْدِلَهُ أزواجا} وفي القلم: {عسى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا} والباقون ساكنة الباء خفيفة الدال وهما لغتان أبدل يبدل وبدل يبدل.
الثاني: قراءة ابن عامر في إحدى الروايتين عن أبي عمرو رحمًا بضم الحاء والباقون بسكونها وهما لغتان مثل نكر ونكر وشغل وشغل.
وأما المسألة الثالثة:
وهي إقامة الجدار فقد أجاب العالم عنها بأن الداعي له إليها أنه كان تحت ذلك الجدار كنز وكان ذلك ليتيمين في تلك المدينة وكان أبوهما صالحًا ولما كان ذلك الجدار مشرفًا على السقوط ولو سقط لضاع ذلك الكنز فأراد الله إبقاء ذلك الكنز على ذينك اليتيمين رعاية لحقهما ورعاية لحق صلاح أبيهما فأمرني بإقامة ذلك الجدار رعاية لهذه المصالح، وفي الآية فوائد.
الفائدة الأولى:
أنه تعالى سمى ذلك الموضع قرية حيث قال: {إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ} وسماه أيضًا مدينة حيث قال: {وَأَمَّا الجدار فَكَانَ لغلامين يَتِيمَيْنِ في المدينة}.
الفائدة الثانية:
اختلفوا في هذا الكنز فقيل: إنه كان مالًا وهذا هو الصحيح لوجهين.
الأول: أن المفهوم من لفظ الكنز هو المال.
والثاني: أن قوله: {وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا} يدل على أن ذلك الكنز هو المال وقيل إنه كان علمًا بدليل أنه قال: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صالحا} والرجل الصالح يكون كنزه العلم لا المال إذ كنز المال لا يليق بالصلاح بدليل قوله تعالى: {والذين يَكْنِزُونَ الذهب والفضة وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34] وقيل: كان لوحًا من ذهب مكتوب فيه: عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن، وعجبت لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب، وعجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح، وعجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل، وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها، لا إله إلا الله محمد رسول الله.
الفائدة الثالثة:
قوله: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صالحا} يدل على أن صلاح الآباء يفيد العناية بأحوال الأبناء وعن جعفر بن محمد كان بين الغلامين وبين الأب الصالح سبعة آباء وعن الحسن بن علي أنه قال لبعض الخوارج في كلام جرى بينهما: بم حفظ الله مال الغلامين؟ قال: بصلاح أبيهما قال فأبي وجدي خير منه؟ قال: قد أنبأنا الله أنكم قوم خصمون.
وذكروا أيضًا أن ذلك الأب الصالح كان الناس يضعون الودائع إليه فيردها إليهم بالسلامة، فإن قيل: اليتيمان هل عرف أحد منهما حصول الكنز تحت ذلك الجدار أو ما عرف أحد منهما؟ فإن كان الأول امتنع أن يتركوا سقوط ذلك الجدار.
وإن كان الثاني فكيف يمكنهم بعد البلوغ استخراج ذلك الكنز والانتفاع به؟ الجواب: لعل اليتيمين كانا جاهلين به إلا أن وصيهما كان عالمًا به ثم إن ذلك الوصي غاب وأشرف ذلك الجدار في غيبته على السقوط ولما قرر العالم هذه الجوابات قال: {رَحْمَةً مّن رَّبّكَ} يعني إنما فعلت هذه الفعال لغرض أن تظهر رحمة الله تعالى لأنها بأسرها ترجع إلى حرف واحد وهو تحمل الضرر الأدنى لدفع الضرر الأعلى كما قررناه ثم قال: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِى} يعني ما فعلت ما رأيت من هذه الأحوال عن أمري واجتهادي ورأيي وإنما فعلته بأمر الله ووحيه لأن الإقدام على تنقيص أموال الناس وإراقة دمائهم لا يجوز إلا بالوحي والنص القاطع بقي في الآية سؤال، وهو أنه قال: {فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا} وقال: {فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مّنْهُ زكواة} وقال: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} كيف اختلفت الإضافة في هذه الإرادات الثلاث وهي كلها في قصة واحدة وفعل واحد؟ والجواب: أنه لما ذكر العيب أضافه إلى إرادة نفسه فقال: أردت أن أعيبها ولما ذكر القتل عبر عن نفسه بلفظ الجمع تنبيهًا على أنه من العظماء في علوم الحكمة فلم يقدم على هذا القتل إلا لحكمة عالية، ولما ذكر رعاية مصالح اليتيمين لأجل صلاح أبيهما أضافه إلى الله تعالى، لأن المتكفل بمصالح الأبناء لرعاية حق الآباء ليس إلا الله سبحانه وتعالى. اهـ.

.قال الجصاص:

الْكَنْزِ مَا هُوَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا} قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: عِلْمٌ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: مَالٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا كَانَ بِذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ وَإِنَّمَا كَانَ عِلْمًا صُحُفًا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: صُحُفٌ مِنْ عِلْمٍ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا} قال: «ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ» وَلَمَّا تَأَوَّلُوهُ عَلَى الصُّحُفِ وَعَلَى الْعِلْمِ وَعَلَى الذَّهَبِ وَعَلَى الْفِضَّةِ دَلَّ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْكَنْزِ يَقَعُ عَلَى الْجَمِيعِ، لَوْلَاهُ لَمْ يَتَأَوَّلُوهُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} فَخَصَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ سَائِرَ الْأَشْيَاءِ إذَا كَثُرَتْ لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَإِنَّمَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ إذَا كَانَتْ مُرْصَدَةً لِلنَّمَاءِ وَالذَّهَبُ.
وَالْفِضَّةُ تَجِبُ فِيهِمَا وَإِنْ كَانَا مَكْسُورَيْنِ غَيْرَ مُرْصَدَيْنِ لِلنَّمَاءِ.
قَوْله تَعَالَى: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} الْآيَةَ، فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يَحْفَظُ الْأَوْلَادَ لِصَلَاحِ الْآبَاءِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ لَيَحْفَظَ الْمُؤْمِنَ فِي أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَفِي الدُّوَيْرَاتِ حَوْلَهُ»، وَنَحْوُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} فأخبر بِدَفْعِ الْعَذَابِ عَنْ الْكُفَّارِ لِكَوْنِ الْمُؤْمِنِينَ فِيهِمْ، وَنَحْوُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ}. اهـ.