فصل: من فوائد الشعراوي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)}.
وضحت لنا الآية التي سبقت أن اليهود قد انتفت صلتهم بإبراهيم عليه السلام.. بعد أن تركوا القيم والدين واتجهوا إلي ماديات الحياة.. أنتم تدعون أنكم أفضل شعوب الأرض لأنكم من ذرية إسحاق بن إبراهيم والعرب لهم هذه الأفضلية والشرف لأنهم من ذرية إسماعيل بن إبراهيم.. إذن فأنتم غير مفضلين عليهم.. فإذا انتقلنا إلي قصة بيت المقدس وتحول القبلة إلي الكعبة.. نقول إن ذلك مكتوب منذ بداية الخلق أن تكون الكعبة قبلة كل من يعبد الله.
الحق سبحانه وتعالى يقول: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا}.. تأمل كلمة البيت وكلمة مثابة.. بيت مأخوذ من البيتوته وهو المأوى الذي تأوى إليه وتسكن فيه وتستريح وتكون فيه زوجتك وأولادك.. ولذلك سميت الكعبة بيتا لأنها هي المكان الذي يستريح إليه كل خلق الله.. ومثابة يعني مرجعا تذهب إليه وتعود.. ولذلك فإن الذي يذهب إلي بيت الله الحرام مرة يحب أن يرجع مرات ومرات.. إذن فهو مثابة له لأنه ذاق حلاوة وجودة في بيت ربه.. وأتحدى أن يوجد شخص في بيت الله الحرام يشغل ذهنه غير ذكر الله وكلامه وقرآنه وصلاته.. تنظر إلي الكعبة فيذهب كل ما في صدرك من ضيق وهم وحزن ولا تتذكر أولاد ولا شئون دنياك ولو ظلت جاذبية بيت الله في قلوب الناس مستمرة لتركوا كل شيء دنياهم ليبقوا بجوار البيت.. ولذلك كان عمر بن الخطاب حريصا على أن يعود الناس إلي أوطانهم وأولادهم بعد انتهاء مناسك الحج مباشرة.
ومن رحمة الحق سبحانه أن الدنيا تختفي من عقل الحاج وقلبه.. لأن الحجيج في بيت ربهم وهم في بيته فيذهب عنهم الهم والكرب.. ولذلك فإن الحق سبحانه وتعالى يقول: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} من الآية 37 سورة إبراهيم.
أفئدة وليست أجساما وتهوى أي يلقون أنفسهم إلي البيت.. والحج هو الركن الوحيد الذي يحتال الناس ليؤدوه.. حتى غير المستطيع يشق على نفسه ليؤدي الفريضة.. والذي يؤديه مرة ويسقط عنه التكليف يريد أن يؤديه مرة أخرى ومرات. إن من الخير أن تترك الناس يثوبون إلي بيت الله.. ليمحو الله سبحانه ما في صدورهم من ضيق وهموم مشكلات الحياة.
وقوله تعالى: {مثابة للناس وأمنا}.. أمنا يعني يؤمن الناس فيه.. العرب حتى بعد أن تحللوا من دين إسماعيل وعبدوا الأصنام كانوا يؤمنون حجاج بيت الله الحرام.. يلقي أحدهم قاتل أبيه في بيت الله فلا يتعرض له إلا عندما يخرج.
والله سبحنه وتعالى يضع من التشريعات ما يريح الناس من تقاتلهم ويحفظ لهم كبرياءهم فيأتي إلي مكان ويجعله آمنا.. ويأتي إلي شهر ويجعله آمنا لا قتال فيه لعلهم حين يذوقون السلام والصفا يمتنعون عن القتال. والكلام عن هذه الآية يسوقنا إلي توضيح الفرق بين أن يخبرنا الله أن البيت آمن وأن يطلب منا جعله آمنا.. إنه سبحانه لا يخبرنا بأن البيت آمن ولكن يطلب منا أن نؤمن من فيه.. الذي يطيع ربه يؤمن من في البيت والذي لا يطيعه لا يؤمنه.. عندما يحدث هياج من جماعة في الحرم اتخذته ستارًا لتحقيق أهدافها.. هل يتعارض هذا مع قوله تعالى: {مثابة للناس وأمنا}.. نقول لا.. إن الله لم يعط لنا هذا كخبر ولكن كتشريع.. إن أطعنا الله نفذنا هذا التشريع وإن لم نطعه لا ننفذه.
وقوله تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}.. وهنا نقف قليلا فهناك مقام بفتح الميم ومقام بضم الميم.
قوله تعالى: {يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ} من الآية 13 سورة الأحزاب.
مقام بفتح الميم اسم لمكان من قام.. ومقام بضم الميم اسم لمكان من أقام فإذا نظرت إلي الإقامة فقل مقام بضم الميم.. وإذا نظرت إلي مكان القيام فقل مقام بفتح الميم.. إذن فقوله تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} بفتح الميم اسم المكان الذي قام إبراهيم فيه ليرفع القواعد من البيت ويوجد فيه الحجر الذي وقف إبراهيم عليه وهو يرفع القواعد. ولكن لماذا أمرنا الله بأن نتخذ من مقام إبراهيم مصلى؟ لأنهم كانوا يتحرجون عن الصلاة فيه.. فالذي يصلي خلف المقام يكون الحجر بينه وبين الكعبة.. وكان المسلمون يتحرجون أن يكون بينهم وبين الكعبة شيء فيخلون من الصلاة ذلك المكان الذي فيه مقام إبراهيم.. ولذلك قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا نتخذ من مقام إبراهيم مصلى؟ وسؤال عمر ينبع من الحرص على عدم الصلاة وبينه وبين الكعبة عائق وهم لا يريدون ذلك ولما رأى عمر مكانا في البيت ليس فيه صلاة يصنع فجوة بين المصلين أراد أن تعم الصلاة على البيت.. فنزلت الآية الكريمة: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}.
وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد أمرنا أن نتخذ من مقام إبراهيم مصلى.. فكأنه جل جلاله أقر وجود مكان إبراهيم في مكانه فاصلا بين المصلين خلفه وبين الكعبة.. وذلك لأن مقام إبراهيم له قصة تتصل بالعبادة وإتمامها على الوجه الأكمل، والمقام سيعطينا حيثية الإتمام لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ} من الآية 97 سورة آل عمران.
إذن هناك آيات واضحة يريدنا الله سبحانه أن نراها ونتفهمها.. فمقام إبراهيم هو مكان قيامه عندما أمره الله برفع القواعد من البيت.. والترتيب الزمني للأحداث هو أن البيت وجد أولا.. ثم بعد ذلك رفعت القواعد ووضع الحجر الأسود في موقعه وقد وضعه إبراهيم عليه السلام. إن الله سبحانه وتعالى لا يريد أن يعطينا التاريخ بقدر ما يريد أن يعطينا العبرة، فقصة بناء البيت وقع فيها خلاف بين العلماء.. متى بني البيت؟ بعض العلماء جعلوا بداية البناء أيام إبراهيم وبعضهم يرى أنه من عهد آدم وفريق ثالث يقول إنه من قبل آدم.. وإذا حكمنا المنطق والعقل وقرأنا قول الحق تبارك وتعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)} سورة البقرة.
نسأل ما الرفع أولا؟ هو الصعود والإعلاء، فكل بناء له طول وله عرض وله ارتفاع.. ومادامت مهمة إبراهيم هي رفع القواعد فكأن هناك طولا وعرضا للبيت وإن إبراهيم سيحدد البعد الثالث وهو الارتفاع.. إن البيت كان موجودا قبل إبراهيم.. ثم جاء الطوفان الذي غمر الأرض في عهد نوح فأخفى معالمه.. فأراد الله سبحانه وتعالى أن يظهره ويبين مكانه للناس. والكعبة ليست هي البيت ولكنها هي المكين الذي يدلنا على مكان البيت.. إذن فالذين فهموا من قوله تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت}.. بمعنى أن إبراهيم هو الذي بنى البيت.. نقول لهم أن البيت كان موجودا قبل إبراهيم وأن مهمة إبراهيم اقتصرت على رفع القواعد لإظهار مكان البيت للناس.. ودليلنا على ذلك أنه الآن وقد ارتفع البناء حول الكعبة.. من يصلي على السطح لا يسجد للكعبة ولكنه يسجد لجو الكعبة.. ومن يصلي في الدور السفلي يصلي أيضا للكعبة لأن المكان غير المكين.
ولعل أكبر دليل على ذلك من القرآن الكريم.. أن إبراهيم حين أخذ هاجر وابنها إسماعيل وتركهما في بيت الله الحرام ولم يكن قد بنى الكعبة في ذلك الوقت.. ذكر البيت واقرأ قول الحق تبارك وتعالى في دعاء إبراهيم وهو يترك هاجر وطفلها الرضيع: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ} من الآية 37 سورة إبراهيم.
يعني أن البيت كان موجود وإسماعيل طفل رضيع.. ولكن القواعد من البيت قد أقيمت بعد أن أصبح إسماعيل شابا يافعا يستطيع أن يعاون أباه في بناء الكعبة.. إذن فمكان بيت الله الحرام كان موجودا قبل أن يبني إبراهيم عليه السلام الكعبة.. ولكن مكان البيت لم يكن ظاهرا للناس، ولذلك بين الله سبحانه وتعالى لإبراهيم مكان البيت حتى يضع له العلامة التي تدل الناس عليه.. واقرأ قوله تبارك وتعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا} من الآية 36 سورة الحج.
إن كثيرا من المفسرين يخفى عليهم حقيقة ما جاء في القرآن. والمفروض أننا حين نتعرض لقضية بناء البيت لابد أن نستعرض جميع الآيات التي وردت في القرآن الكريم حول هذه القصة.. ومنها قوله تبارك وتعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96)} سورة آل عمران.
والكلام هنا عن البيت والقول إنه وضع للناس والناس هم آدم وذريته حتى تقوم الساعة.. وعلى ذلك لابد أن نفهم أن البيت مادام وضع للناس فالناس لم يضعوه.. ولكن الله سبحانه وتعالى هو الذي وضعه وحدده، وعدل الله يأبى إلا أن يوجد البيت قبل أن يخلق آدم. ولذلك فإن الملائكة هم الذين وضعوه بأمر الله وحيث أراد الله لبيته أن يوضع.. والله مع نزول آدم إلي الأرض شرع التوبة وأعد هذا البيت ليتوب الناس فيه إلي ربهم وليقيموا الصلاة ويتعبدوا فيه. وعندما أراد إبراهيم أن يقيم القواعد من البيت كان يكفي أن يقيمها على قدر طول قامته ولكنه أتى بالحجر ليزيد القواعد بمقدار ارتفاع الحجر.. ويريد الله سبحانه وتعالى بمقام إبراهيم واتخاذه مصلى أن يلفتنا إلي أن الإنسان المؤمن لابد أن يعشق التكليف.. فلا يؤديه شكلا ولكن يؤديه بحب ويتحايل ليزيد تطوعا من جنس ما فرض الله عليه.
إن الحجر الموجود في مقام إبراهيم إنما هو دليل على عشقه عليه السلام لتكاليف ربه ومحاولته أن يزيد عليها. وإن الحجر الذي كان يقف عليه إبراهيم به حفر على شكر قدميه.. وهما بين قائل أن الحجر لان تحت قدمي إبراهيم من خشية الله.. وبين قائل إن إبراهيم هو الذي قام بحفر مكان في الحجر على هيئة قدميه.. حتى إذا وقف عليه ورفع يده إلي أعلى ما يمكن ليعلى القواعد من البيت كان توازنه محفوظا.
وقوله تعالى: {طهرا بيتي} دليل على البيت زالت معالمه تماما وأصبح مثل سائر الأرض فذبحت فيه الذبائح وألقيت المخلفات، فأمر الله سبحانه وتعالى أن يطهر هو وإسماعيل البيت من كل هذا الدنس ويجعله مكانا لثلاث طوائف: الطائفين وهذه مأخوذة من الطواف وهو الدوران حول الشيء.. ولذلك يسمون شرطة الحراسة بالليل طوافة لأنهم يطوفون في الشوارع في أثناء الليل. والله جل جلاله يقول: {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20)} سورة القلم.
وهذه هي قصة الحديقة التي منع أولاد الرجل الصالح بعد وفاته حق الفقراء والمساكين فيها فأرسل الله سبحانه من طاف بها.. أي مشى في كل جزء منها فأحرق أشجارها.. فالطائف هو الذي يطوف.
{والعاكفين} هم المقيمون {والركع السجود} هم المصلون فتطهير البيت للطواف به والإقامة والصلاة فيه.. وهو مطهر أيضا لأنه سيكون قبلة للمسلمين لكل راكع أو ساجد في الأرض حتى قيام الساعة. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)}.
أخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله: {وإذ جعلنا البيت} قال: الكعبة.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {مثابة للناس} قال: يثوبون إليه ثم يرجعون.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {مثابة للناس} قال لا يقضون منه وطرًا يأتونه، ثم يرجعون إلى أهليهم، ثم يعودون إليه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عطاء في قوله: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس} قال: يأتون إليه من كل مكان.
وأخرج سفيان بن عيينة وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في شعب الإِيمان عن مجاهد في قوله: {مثابة للناس} قال: يأتون إليه لا يقضون منه وطرًا أبدًا، يحجون ثم يعودون {وأمنا} قال: تحريمه لا يخاف من دخله.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وأمنا} قال: أمنًا للناس.
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله: {وأمنًا} قال: أمنًا من العدوان يحمل فيه السلاح، وقد كانوا في الجاهلية يتخطف الناس من حولهم وهم آمنون.
أما قوله تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}.
أخرج عبد بن حميد عن أبي إسحاق أن أصحاب عبد الله كانوا يقرأون {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} قال: أمرهم أن يتخذوا.
وأخرج عبد بن حميد عن عبد الملك بن أبي سليمان قال: سمعت سعيد بن جبير قرأها {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} بخفض الخاء.
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والعدني والدارمي والبخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن أبي داود في المصاحف وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والطحاوي وابن حبان والدارقطني في الإِفراد والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك قال: قال عمر بن الخطاب: وافقت ربي في ثلاث. قلت: يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى؟ فنزلت {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} وقلت: يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهم البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب. واجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه في الغيرة فقلت لهن {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن} [التحريم: 5] فنزلت كذلك.
وأخرج مسلم وابن أبي داود وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في سننه عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم رمل ثلاثة أشواط ومشى أربعًا، حتى إذا فرغ عمد إلى مقام إبراهيم فصلى خلفه ركعتين، ثم قرأ {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}.
وأخرج ابن ماجه وابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر قال: «لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة عند مقام إبراهيم قال له عمر: يا رسول الله هذا مقام إبراهيم الذي قال الله: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}؟ قال: نعم».
وأخرج الطبراني والخطيب في تاريخه عن ابن عمر «أن عمر قال: يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى؟ فنزلت {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}».
وأخرج عبد بن حميد والترمذي عن أنس «أن عمر قال: يا رسول الله لوصلينا خلف المقام؟ فنزلت {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}».
وأخرج ابن أبي داود عن مجاهد قال: كان المقام إلى لزق البيت فقال عمر بن الخطاب «يا رسول الله لو نحيته إلى البيت ليصلي إليه الناس، ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}».
وأخرج ابن أبي داود وابن مردويه عن مجاهد قال: قال عمر يا رسول الله لو صلينا خلف المقام، فأنزل الله: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} فكان المقام عند البيت فحوّله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضعه هذا. قال مجاهد: وقد كان عمر يرى الرأي فينزل به القرآن.
وأخرج ابن مردويه من طريق عمر بن ميمون عن عمر أنه مر بمقام إبراهيم فقال: يا رسول الله أليس نقوم مقام إبراهيم خليل ربنا؟ قال: بلى. قال: أفلا نتخذه مصلى؟ فلم يلبث إلا يسيرًا حتى نزلت {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}.
وأخرج ابن أبي شيبة في مسنده والدارقطني في الإِفراد عن أبي ميسرة قال: قال عمر يا رسول الله هذا مقام خليل ربنا أفلا نتخذه مصلى؟ فنزلت {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: أما مقام إبراهيم الذي ذكر هاهنا فمقام إبراهيم هذا الذي في المسجد، ومقام إبراهيم بعد كثير مقام إبراهيم الحج كله.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: مقام إبراهيم الحرم كله.
وأخرج ابن سعد وابن المنذر عن عائشة قالت: ألقي المقام من السماء.
وأخرج ابن أبي حاتم والأزرقي عن ابن عمر قال: إن المقام ياقوتة من ياقوت الجنة محي نوره، ولولا ذلك لأضاء ما بين السماء والأرض، والركن مثل ذلك.
وأخرج الترمذي وابن حبان والحاكم والبيهقي في الدلائل عن ابن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة طمس الله نورهما، ولولا ذلك لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب».
وأخرج الحاكم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة».
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: الحجر مقام إبراهيم لينه الله فجعله رحمة وكان يقوم عليه ويناوله إسمعيل الحجارة.
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الركن والمقام من ياقوت الجنة، ولولا ما مسهما من خطايا بني آدم لأضاءا ما بين المشرق والمغرب، وما مسهما من ذي عاهة ولا سقيم إلا شفي».
وأخرج البيهقي عن ابن عمر رفعه، ولولا ما مسه من انجاس الجاهلية ما مسه ذو عاهة إلا شفي، وما على وجه الأرض شيء من الجنة غيره.
وأخرج الجندي في فضائل مكة عن سعيد بن المسيب قال: الركن والمقام حجران من حجارة الجنة.
وأخرج الأزرقي في تاريخ مكة والجندي عن مجاهد قال: يأتي الحجر والمقام يوم القيامة كل واحد منهما مثل أحد، لهما عينان وشفتان يناديان بأعلى أصواتهما، يشهدان لمن وافاهما بالوفاء.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن الزبير، أنه رأى قومًا يمسحون المقام فقال: لم تؤمروا بهذا، إنما أمرتم بالصلاة عنده.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والأزرقي عن قتادة {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} قال: إنما أمروا أن يصلوا عنده ولم يؤمروا بمسحه، ولقد تكلفت هذه الأمة شيئًا ما تكلفته الأمم قبلها، وقد ذكر لنا بعض من رأى أثر عقبه وأصابعه، فما زالت هذه الأمة تمسحه حتى اخلولق وانماح.
وأخرج الأزرقي عن نوفل بن معاوية الديلمي قال: «رأيت في المنام في عهد عبد المطلب مثل المهاة» قال أبو محمد الخزاعي: المهاة خرزة بيضاء.
وأخرج الأزرقي عن أبي سعيد الخدري قال: سألت عبد الله بن سلام عن الأثر الذي في المقام فقال: كانت الحجارة على ما هي عليه اليوم إلا أن الله أراد أن يجعل المقام آية من آياته، فلما أمر إبراهيم عليه السلام أن يؤذن في الناس بالحج قام على المقام، أو ارتفع المقام حتى صار أطول الجبال وأشرف على ما تحته، فقال: يا أيها الناس اجيبوا ربكم فأجابه الناس فقالوا: لبيك اللهم لبيك، فكان أثره فيه لما أراد الله، فكان ينظر عن يمينه وعن شماله اجيبوا ربكم فلما فرغ أمر بالمقام فوضعه قبله، فكان يصلي إليه مستقبل الباب فهو قبلته إلى ما شاء الله، ثم كان إسماعيل بعد يصلي إليه إلى باب الكعبة، ثم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر أن يصلي إلى بيت المقدس، فصلى إليه قبل أن يهاجر وبعدما هاجر، ثم أحب الله أن يصرفه إلى قبلته التي رضي لنفسه ولأنبيائه فصلى إلى الميزاب وهو بالمدينة، ثم قدم مكة فكان يصلي إلى المقام ما كان بمكة.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير عن مجاهد في قوله: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} قال: مدعى.
وأخرج الأزرقي عن كثير بن أبي كثير بن المطلب بن أبي وداعة السهمي عن أبيه عن جده قال: كانت السيول تدخل المسجد الحرام من باب بني شيبة الكبير قبل أن يردم عمر الردم الأعلى، فكانت السيول ربما رفعت المقام عن موضعه وربما نحته إلى وجه الكعبة حتى جاء سيل أم نهشل في خلافة عمر بن الخطاب، فاحتمل المقام من موضعه هذا فذهب به حتى وجد بأسفل مكة، فأتي به فربط إلى أستار الكعبة، وكتب في ذلك إلى عمر، فأقبل فزعًا في شهر رمضان وقد عفى موضعه وعفاه السيل، فدعا عمر بالناس فقال: أنشد الله عبدًا علم في هذا المقام. فقال المطلب بن أبي وداعة: أنا يا أمير المؤمنين عندي ذلك، قد كنت أخشى عليه هذا فأخذت قدره من موضعه إلى الركن، ومن موضعه إلى باب الحجر، ومن موضعه إلى زمزم بمقاط وهو عندي في البيت. فقال له عمر: فاجلس عندي وارسل إليه. فجلس عنده وأرسل فأتي بها، فمدها فوجدها مستوية إلى موضعه هذا، فسأل الناس وشاورهم فقالوا: نعم، هذا موضعه. فلما استثبت ذلك عمر وحق عنده أمر به، فاعلم ببناء ربضه تحت المقام ثم حوّله، فهو في مكانه هذا إلى اليوم.
وأخرج الأزرقي من طريق سفيان بن عيينة عن حبيب بن الأشرس قال: كان سيل أم نهشل قبل أن يعمل عمر الردم بأعلى مكة، فاحتمل المقام من مكانه فلم يدر أين موضعه، فلما قدم عمر بن الخطاب سأل من يعلم موضعه؟ فقال عبد المطلب بن أبي وداعة: أنا يا أمير المؤمنين قد كنت قدرته وذرعته بمقاط وتخوّفت عليه هذا من الحجر إليه، ومن الركن إليه، ومن وجه الكعبة. فقال: ائت به. فجاء به فوضعه في موضعه هذا وعمل عمر الردم، عند ذلك قال سفيان: فذلك الذي حدثنا هشام بن عروة عن أبيه، أن المقام كان عند سقع البيت، فاما موضعه الذي هو موضعه فموضعه الآن، وأما ما يقول الناس: إنه كان هنالك موضعه فلا.
وأخرج الأزرقي عن ابن أبي مليكة قال: موضع المقام هذا هو الذي به اليوم، هو موضعه في الجاهلية، وفي عهد النبي، وأبي بكر وعمر، إلا أن السيل ذهب به في خلافة عمر، فجعل في وجه الكعبة حتى قدم عمر فرده بمحضر الناس.
وأخرج البيهقي في سننه عن عائشة. أن المقام كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم زمان أبي بكر ملتصقًا بالبيت، ثم أخره عمر بن الخطاب.
وأخرج ابن سعد عن مجاهد. قال عمر بن الخطاب: من له علم بموضع المقام حيث كان؟ فقال أبو وداعة بن صبيرة السهمي: عندي يا أمير المؤمنين قدرته إلى الباب، وقدرته إلى ركن الحجر، وقدرته إلى الركن الأسود، وقدرته إلى زمزم.
فقال عمر: هاته. فأخذه عمر فرده إلى موضعه اليوم للمقدار الذي جاء به أبو وداعة.
وأخرج الحميدي وابن النجار عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من طاف بالبيت سبعًا، وصلى خلف المقام ركعتين، وشرب من ماء زمزم، غفرت له ذنوبه كلها بالغة ما بلغت».
وأخرج الأزرقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المرء يريد الطواف بالبيت أقبل يخوض الرحمة فإذا دخله غمرته، ثم لا يرفع قدمًا ولا يضع قدمًا إلا كتب الله له بكل قدم خمسمائة حسنة، وحط عنه خمسمائة سيئة، ورفعت له خمسمائة درجة، فإذا فرغ من طوافه فأتى مقام إبراهيم، فصلى ركعتين، دبر المقام خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وكتب له أجر عتق عشر رقاب من ولد إسماعيل، واستقبله ملك على الركن فقال له: استأنف العمل فيما بقي فقد كفيت ما مضى وشفع في سبعين من أهل بيته».
وأخرج أبو داود عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة طاف بالبيت وصلى ركعتين خلف المقام، يعني يوم الفتح.
وأخرج البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن عبد الله بن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر فطاف بالبيت وصلى خلف المقام ركعتين.
وأخرج الأزرقي عن طلق بن حبيب قال: كنا جلوسًا مع عبد الله بن عمرو بن العاص في الحجر، إذ قلص الظل وقامت المجالس، إذا نحن ببريق ايم طلع من هذا الباب- يعني من باب بني شيبة، والأيم الحية الذكر- فاشرأبت له أعين الناس، فطاف بالبيت سبعًا وصلى ركعتين وراء المقام، فقمنا إليه فقلنا: أيها المعتمر قد قضى الله نسكك، وأن بأرضنا عبيدًا وسفهاء وإنما نخشى عليك منهم، فكوّم برأسه كومة بطحاء فوضع ذنبه عليها فسما بالسماء حتى ما نراه.
وأخرج الأزرقي عن أبي الطفيل قال: كانت امرأة من الجن في الجاهلية تسكن ذا طوى، وكان لها ابن ولم يكن لها ولد غيره، فكانت تحبه حبًا شديدًا، وكان شريفًا في قومه فتزوّج وأتى زوجته، فلما كان يوم سابعه قال لأمه: يا أماه إني أحب أن أطوف بالكعبة سبعًا نهارًا. قالت له أمه: أي بني إني أخاف عليك سفهاء قريش فقال: أرجو السلامة. فأذنت له فولى في صورة جان، فمضى نحو الطواف، فطاف بالبيت سبعًا وصلى خلف المقام ركعتين ثم أقبل منقلبًا، فعرض له شاب من بني سهم فقتله، فثارت بمكة غبرة حتى لم يبصر لها الجبال.
قال أبو الطفيل: بلغنا أنه إنما تثور تلك الغبرة عند موت عظيم من الجن. قال: فأصبح من بني سهم على فرشهم موتى كثير من قتل الجن، فكان فيهم سبعون شيخًا أصلع سوى الشاب.
وأخرج الأزرقي عن الحسن البصري قال: ما أعلم بلدًا يصلي فيه حيث أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم إلا بمكة. قال الله: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} قال: ويقال: يستجاب الدعاء بمكة في خمسة عشر. عند الملتزم، وتحت الميزاب، وعند الركن اليماني، وعلى الصفا، وعلى المروة، وبين الصفا والمروة، وبين الركن والمقام، وفي جوف الكعبة، وبمنى، وبجمع، وبعرفات، وعند الجمرات الثلاث.
وأما قوله تعالى: {وعهدنا إلى إبراهيم} الآية.
أخرج ابن جرير عن عطاء وعهدنا إلى إبراهيم قال: أمرناه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {أن طهرا بيتي} قال: من الأوثان.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد وسعيد بن جبير في قوله: {أن طهرا بيتي} قالا: من الأوثان والريب وقول الزور والرجس.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {أن طهرا بيتي} قال: من عبادة الأوثان والشرك وقول الزور. وفي قوله: {والركع السجود} قال: هم أهل الصلاة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: إذا كان قائمًا فهو من الطائفين، وإذا كان جالسًا فهو من العاكفين، وإذا كان مصليًا فهو من الركع السجود.
وأخرج عبد بن حميد عن سويد بن غفلة قال: من قعد في المسجد وهو طاهر فهو عاكف حتى يخرج منه.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ثابت قال: قلت لعبد الله بن عبيد بن عمير: ما أراني إلا مكلم الأمير أن أمنع الذين ينامون في المسجد الحرام فإنهم يجنبون ويحدثون. قال: لا تفعل فإن ابن عمر سئل عنهم فقال: هم العاكفون.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي بكر بن أبي موسى قال: سئل ابن عباس عن الطواف أفضل أم الصلاة؟ فقال: أما أهل مكة فالصلاة، وأما أهل الأمصار فالطواف.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال: الطواف للغرباء أحب إلي من الصلاة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: الصلاة لأهل مكة أفضل والطواف لأهل العراق.
وأخرج ابن أبي شيبة عن حجاج قال: سألت عطاء فقال: أما أنتم فالطواف، وأما أهل مكة فالصلاة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: الطواف أفضل من عمرة بعد الحجر.
وفي لفظ: طوافك بالبيت أحب إلي من الخروج إلى العمرة. اهـ.