فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومن باب الإشارة في الآيات: على ما ذكره بعض أهل الإشارة {فَوَجَدَا عَبْدًا مّنْ عِبَادِنَا} فيه إشارة إلى أن الله تعالى خواص أضافهم سبحانه إليه وقطعهم عن غيره وأخص خواصه عز وجل من أضافه إلى الإسم الجليل وهو اسم الذات الجامع لجميع الصفات أو إلى ضمير الغيبة الراجع إليه تعالى وليس ذاك إلا حبيبه الأكرم صلى الله عليه وسلم {رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ} وهي مرتبة القرب منه عز وجل {وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} [الكهف: 65] وهو العلم الخاص الذي لا يعلم إلا من جهته تعالى، وقال ذو النون: العلم اللدني هو الذي يحكم على الخلق بمواقع التفويق والخذلان.
وقال الجنيد قدس سره: هو الاطلاع على الأسرار من غير ظن فيه ولا خلاف واقع لكنه مكاشفات الأنوار عن مكنون المغيبات ويحصل للعبد إذا حفظ جوارحه عن جميع المخالفات وأفني حركاته عن كل الإرادات وكان سبحًا بين يدي الحق بلا تمني ولا مراد، وقيل: هو علم يعرف به الحق سبحانه أولياءه ما فيه صلاح عباده.
وقال بعضهم: هو علم غيبي يتعلق بعالم الأفعال وأخص منه الوقوف على بعض سر القدر قبل وقوع واقعته وأخص من ذلك علم الأسماء والنعوت الخاصة وأخص منه علم الذات.
وذكر بعض العارفين أن من العلوم ما لا يعلمه إلا النبي، واستدل له بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث المعراج كما ذكره القسطلاني في مواهبه وغيره «وسألني ربي فلم أستطع أن أجيبه فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها فأورثني علم الأولين والآخرين وعلمني علومًا شتى فعلم أخذ على كتمانه إذ علم أنه لا يقدر على حمله أحد غيري وعلم خيرني فيه وعلمني القرآن فكان جبريل عليه السلام يذكرني به وعلم أمرني بتبليغه إلى العام والخاص من أمتي» انتهى، والله تعالى علم استأثر به عز وجل لم يطلع عليه أحدًا من خلقه {قَالَ لَهُ موسى هَلْ أَتَّبِعُكَ على أَن تُعَلّمَنِ مِمَّا عُلّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: 66] قاله عن ابتلاء إلهي كما قدمنا، وقال فارس كما في أسرار القرآن: إن موسى عليه السلام كان أعلم من الخضر فيما أخذ عن الله تعالى والخضر كان أعلم من موسى فيما وقع إلى موسى عليه السلام، وقال أيضًا: إن موسى كان باقيًا بالحق والخضر كان فانيًا بالحق {قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا وَكَيْفَ تَصْبِرُ على مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} [الكهف: 67، 68] قيل: علم الخضر أن موسى عليه السلام أكرم الخلق على الله تعالى في زمانه وأنه ذو وحدة عظيمة ففزع من صحبته لئلا يقع منه معه ما لا يليق بشأنه.
وقال بعضهم: آيسة من نفسه لئلا يشغله صحبته عن صحبة الحق قال: {سَتَجِدُنِى إِن شَاء الله صَابِرًا وَلاَ أَعْصِى لَكَ أمْرًا} [الكهف: 69] قال بعضهم: لو قال كما قال الذبيح عليه السلام: {سَتَجِدُنِى إِن شَاء الله مِنَ الصابرين} [الصافات: 102] لوفق للصبر كما وفق الذبيح، والفرق أن كلام الذبيح أظهر في الالتجاء وكسر النفس حيث علق بمشيئة الله تعالى وجد أنه واحدًا من جماعة متصفين بالصبر ولا كذلك كلام موسى عليه السلام {فانطلقا حتى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ استطعما أَهْلَهَا} سلكًا طريق السؤال الذي يتعلق بذل النفس في الطريقة وهو لا ينافي التوكل وكذا الكسب {قَالَ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الكهف: 77] كأنه عليه السلام أراد دفع ما أحوجهما إلى السؤال من أولئك اللئام وفيه نظر إلى الأسباب وهو من أحوال الكاملين كما مر في حكاية الحسن البصري وحبيب، ففي هذا إشارة إلى أنه أكمل من الخضر عليهما السلام {قَالَ هذا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ} [الكهف: 78] أي حسبما أردت، وقال النصرابادي: لما علم الخضر بلوغ موسى إلى منتهى التأديب وقصور علمه عن علمه قال ذلك لئلا يسأله موسى بعد عن علم أو حال فيفتضح.
وقيل: خاف أن يسأله عن أسرار العلوم الربانية الصفاتية الذاتية فيعجز عن جوابه فقال ما قال: {وَأَمَّا الغلام فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طغيانا وَكُفْرًا} [الكهف: 80] قيل: كان حسن الوجه جدًا وكان محبوبًا في الغاية لوالديه فخشى فتنتهما به، والآية من المشكل ظاهرًا لأنه إن كان قد قدر الله تعالى علهما الكفر فلا ينفعهما قتل الولد وإن لم يكن قدر سبحانه ذلك فلا يضرهما بقاؤه، وأجيب بأن المقدر بقاؤهما على الإيمان إن قتل وقتله ليبقيا على ذلك.
وقيل: إن المقدر قد يغير ولا يلزم من ذلك سوى التغير في تعلق صفتاه تعالى لا في الصفة نفسها ليلزم التغير فيه عز وجل، وقد تقدم الكلام في ذلك عند قوله تعالى: {يَمْحُو الله مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكتاب} [الرعد: 39].
واستشكل أيضًا بأن المحذور يزول بتوفيقه للإيمان فما الحاجة إلى القتل، وأجيب بأن الظاهر أنه غير مستعد لذلك فهو مناف للحكمة وكأن الخضر عليه السلام رأى فيما قال نوع مناقشة فتخلص من ذلك بقوله: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِى} [الكهف: 82] أي بل فعلته بأمر الله عز وجل ولا يسأل سبحانه عما أمر وفعل ولعل قوله لموسى عليه السلام ما قال حين نقر العصفور في البحر سد لباب المناقشة فيما أمر الله تعالى شأنه، ولعل علم مثل هذه المسائل من العلم الذي استأثر الله سبحانه به {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْء مّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء} [البقرة: 255] وأول بعضهم مجمع البحرين بمجمع ولاية الشيخ وولاية المريد والصخرة بالنفس والحوت بالقلب المملح بملح حب الدنيا وزينتها والسفينة بالشريعة وخرقها بهدم الناموس في الظاهر مع الصلاح في الباطن وإغراق أهلها بإيقاعهم في بحار الضلال والغلام بالنفس الأمارة وقتله بذبحه بسيف الرياضة والقرية بالجسد وأهلها بالقوى الإنسانية من الحواس واستطعامهم بطلب أفاعيلها التي تختص بها وإباء الضيافة بمنعها إعطاء خواصها كما ينبغي لكلالها وضعفها والجدار بالتعلق الحائل بين النفس الناطقة وعالم المجردات وإرادة الانقضاض بمشارفة قطع العلائق وإقامته بتقوية البدن والرفق بالقوى والحواس ومشيئة اتخاذ الأجر بمشيئة الصبر على شدة الرياضة لنيل الكشوف وإفاضة الأنوار والمساكين بالعوام والبحر الذي يعملون فيه ببحر الدنيا والملك بالشيطان والسفن التي يعضبها العبادات الخالية عن الإنكسار والذل والخشوع والأبوين المؤمنين بالقلب والروح والبدل الخير بالنفس المطمئنة والملهمة والكنز بالكمالات النظرية والعلمية والأب الصالح بالعقل المفارق الذي كمالاته بالفعل وبلوع الأشد بوصولهما بتربية الشيخ وإرشاده إلى المرتبة الكاملة وهذا ما اختاره النيسابوري، واختار غيره تأويلًا آخر هو ادهى منه.
هذا والله تعالى الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب. اهـ.

.قال القاسمي:

{أَمَّا السَّفِينَةُ} أي: التي خرقتها: {فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} أي: لفقراء يحترفون العمل في البحر، لنقل الناس من ساحل إلى آخر: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} أي: إنما خرقتها لأعيبها. لأنهم كانوا يمرون بها على ملك من الظلَمة، يأخذ كل سفينة سليمة جيدة، غصبًا. فأردت أن أعيبها لأرده عنها، لعيبها.
{وَأَمَّا الْغُلامُ} أي: الذي قتلته: {فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا} أي: لو تركناه: {أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا} أي: ينزل بهما طغيانه وكفره ويلحقه بهما. لكونه طبع على ذلك. فيخشى أن يعديهما بدائه.
{فَأَرَدْنَا} أي: بقتله: {أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً} أي: طهارة عن الكفر والطغيان: {وَأَقْرَبَ رُحْمًا} أي: رحمة بأبويه، وبرًّا.
{وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} أي: قوتهما بالعقل وكمال الرأي: {وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا} ليتصرفا فيه: {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} أي: تفضل بها عليهما.
ورحمة مفعول له. أو مصدر مؤكد لأراد فإن إرادة الخير رحمة: {وَمَا فَعَلْتُهُ} أي ما رأيت مني: {عَنْ أَمْرِي} أي: عن اجتهادي ورأيي، وإنما فعلته بأمر الله تعالى: {ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} أي: من الأمور التي رأيتها. أي: مآله وعاقبته. قال أبو السعود: ذَلِكَ إشارة إلى العواقب المنظومة في سلك البيان. وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد درجتها في الفخامة. و: {تَسْطِع} مخفف تستطع بحذف التاء.
تنبيهات:
في بضع ما اشتمل عليه هذا النبأ من الأحكام واللطائف والفوائد الساميات:
الأول: قال السيوطيّ في الإكليل: في هذه الآيات أنه لا بأس بالاستخدام واتخاذ الرفيق والخادم في السفر. واستحباب الرحلة في طلب العلم. واستزادة العالم من العلم واتخاذ الزاد للسفر، وأنه لا ينافي التوكل. ونسبة النسيان، ونحوه من الأمور المكروهة، إلى الشيطان، مجازًا وتأدبًا عن نسبتهما إلى الله تعالى. وتواضع المتعلم لمن يتعلم منه ولو كان دونه في المرتبة. واعتذار العالم إلى من يريد الأخذ عنه في عدم تعليمه مما لا يحتمله طبعه. وتقديم المشيئة في الأمر، واشتراط المتبوع على التابع. وأنه يلزم الوفاء بالشروط. وأن النسيان غير مؤاخذ به. وأن للثلاث اعتبارًا في التكرار ونحوه. وأنه لا بأس بطلب الغريب الطعام والضيافة. وأن صنع الجميل لا يترك ولو مع اللئام. وجواز أخذ الأجر على الأعمال. وأن المسكين لا يخرج عن المسكنة بكونه له سفينة أو آلة يكتسب بها، أو شيء لا يكفيه. وأن الغصب حرام. وأنه يجوز إتلاف بعض مال الغير، أو تعييبه، لوقاية باقيه، كمال المودع واليتيم. وإذا تعارض مفسدتان ارتكب الأخف. وأن الولد يحفظ بصلاح أبيه. وأنه تجب عُمارة ما يخاف منه، ويحرم إهمالها إلى أن تخرب. وأنه يجوز دفن المال في الأرض. انتهى.
وقال البيضاويّ: ومن فوائد هذه القصة أن لا يعجب المرء بعلمه. ولا يبادر إنكار ما لم يستحسنه، فلعل فيه سرًّا لا يعرفه. وأن يداوم على التعلم، ويتذلل للمعلم، ويراعي الأدب في المقال. وأن ينبه المجرم على جرمه، ويعفو عنه حتى يتحقق إصراره، ثم يهاجر عنه. انتهى.
ومن فوائد الآية- كما في فتح الباري- استحباب الحرص على لقاء العلماء وتجشم المشاق في ذلك. وإطلاق الفتى على التابع واستخدام الحرّ. وطواعية الخادم لمخدومه. وعذر الناسي. وجواز الإخبار بالتعب، ويلحق به الألم من مرض ونحوه. ومحل ذلك إذا كان على غير سخط من المقدور. ومنها أن المتوجه إلى ربه يعان فلا يسرع إليه النصب. وفيها جواز طلب القوت. وطلب الضيافة. وقيام العذر بالمرة الواحدة، وقيام الحجة بالثانية.
وفيها حسن الأدب مع الله وأن لا يضاف إليه ما يستهجن لفظه، وإن كان الكل بتقديره وخلقه، لقول الخضر عن السفينة: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} وعن الجدار: {فَأَرَادَ رَبُّكَ} ومثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم: «والخير بيديك والشر ليس إليك». انتهى.
ومن فوائدها إطلاق القرية على المدينة لقوله: {أَهْلَ قَرْيَةٍ} ثم قوله: {لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ}.
الثاني: ذكر الناصر في الانتصاف: شذرات من لطائف بعض الآي المذكورة فنأثرها عنه.
قال عليه الرحمة: ورد في الحديث أن موسى عليه السلام لم ينصب، ولم يقل: لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، إلا منذ جاوز الموضع الذي حدّه الله تعالى له. فلعل الحكمة في إنساء يوشع أن يتيقظ موسى عليه السلام، لمنة الله تعالى على المسافر في طاعةٍ وطلب علمٍ، بالتيسير عليه وحمل الأعباء عنه. وتلك سنة الله الجارية في حق من صحت له نية في عبادة من العبادات، أن ييسرها، ويحمل عنه مؤنتها، ويتكفل به ما دام على تلك الحالة. وموضع الإيقاظ أنه وجد بين حالة سفره للموعد وحالة مجاوزته، بونًا بيّنًا، والله أعلم وإن كان موسى عليه السلام متيقظًا لذلك، فالمطلوب إيقاظ غيره من أمته، بل من أمة محمد عليه الصلاة السلام، إذا قص عليهم القصة. فما أورد الله تعالى قصص أنبيائه ليسمُر بها الناس، ولكن ليشمّر الخلق لتدبرها واقتباس أنوارها ومنافعها، عاجلًا وآجلًا. والله أعلم.
ثم قال عليه الرحمة: ومما يدل على أن موسى عليه السلام إنما حمله على المبادرة بالإنكار، الالتهابُ والحميّة للحق، أنه قال حين خرق السفينةَ: {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا}، ولم يقل لتغرقنا فنسي نفسه واشتغل بغيره، في الحالة التي كل أحد فيها يقول: نفسي نفسي، لا يلوي على مال ولا ولد. وتلك حالة الغرق. فسبحان من جبل أنبياءه وأصفياءه على نصح الخلق والشفقة عليهم والرأفة بهم. صلوات الله عليهم أجمعين وسلامه.
ثم قال عليه الرحمة على قوله الزمخشري: فإن قلت قوله: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} مسبب عن خوف الغصب عليها، فكان حقه أن يتأخر عن السبب، فلم قدم عليه؟ قلت: النية به التأخير. وإنما قدم للعناية. ولأن خوف الغصب ليس هو السبب وحده، ولكن مع كونها للمساكين. فكان بمنزلة قولك: زيد ظني مقيم.
فقال عليه الرحمة: كأنه جعل السبب في إعابتها كونها لمساكين. ثم بين مناسبة هذا السبب للمسبب، بذكر عادة الملك في غصب السفن. وهذا هو حد الترتيب في التعليل أن يرتب الحكم على السبب، ثم يوضح المناسبة فيما بعد. فلا يحتاج إلى جعله مقدمًا، والنية تأخيره. والله أعلم.
ثم قال: ولقد تأملت من فصاحة هذه الآي، والمخالفة بينها في الأسلوب عجبًا. ألا تراه في الأولى أسند الفعل إلى ضميره خاصة بقوله: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} وأسنده في الثانية إلى ضمير الجماعة والمعظم نفسه في قوله: {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا} {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا} ولعل إسناد الأول إلى نفسه خاصة من باب الأدب مع الله تعالى، لأن المراد ثم عبت فتأدب بأن نسب الإعابة إلى نفسه. وأما إسناد الثاني إلى الضمير المذكور فالظاهر أنه من باب قول خواص الملك: أمرنا بكذا أو دبرنا كذا وإنما يعنون: أَمَرَ الملكُ ودَبَّرَ ويدل على ذلك قوله في الثالثة: {فَأَرَادَ رَبَُُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} فانظر كيف تغايرت هذه الأساليب، ولم تأت على نمط واحد مكرر، يمجها السمع وينبو عنها، ثم انطوت هذه المخالفة على رعاية الأسرار المذكورة. فسبحان اللطيف الخبير.
الثالث: قال الخفاجيّ: في إعادة لفظ الأهل هنا، يعني في قوله تعالى: {اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا} إثر قوله: {أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ} سؤال مشهور. وقد نظمه الصلاح الصفدي سائلًا عنه السبكيّ في قصيدة منها:
رأيت كتابَ الله أعظمَ معجزٍ ** لأفضل مَن يُهْدَى به الثّقَلاَنِ

ومن جملة الإعجاز كون اختصاره ** بإِيجاز ألفاظ وبسط معاني

ولكنني في الكهف أبصرت آية ** بها الفكر، في طول الزمان عناني