فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومصداق هذا قول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [النساء: 113]، فعلم الأنبياء أشرف مرتبة من جميع علوم الخلائق. لأن محصوله عن الله تعالى بلا واسطة ووسيلة. وبيان هذه الكلمة يوجد في قصة آدم والملائكة عليهم الصلاة والسلام. فإنهم طول عمرهم حصلوا بفنون الطرق كثير العلوم. حتى صاروا أعلم المخلوقين وأعرف الموجودات. آدم لما جاء، ما كان عالمًا. لأنه ما تعلم ولا رأى معلمًا. فتفاخرت الملائكة عليه وتجبروا وتكبروا وقالوا: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة: 30]، ونعلم حقائق الأشياء. فرجع آدم إلى باب خالقه وأخرج قلبه عن جملة المكونات، وأقبل بالاستعانة على الرب تعالى، فعلمه الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ} [البقرة: 31]، أو صغر حالهم عند آدم وقلَّ علمهم وانكسرت سفينة جبروتهم، فغرقوا في بحر العجز: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: 32]، فقال تعالى: {يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} [البقرة: 33]، فأنبأهم آدم عن مكنونات العلم ومستترات الأمر. فتقرر الأمر عند العقلاء؛ أن العلم الغيبي المتولد عن الوحي، أقوى وأكمل من العلوم المكتسبة. صار علم الوحي إرث الأنبياء وحق الرسل، حتى أغلق الله باب الوحي في عهد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. فكان رسول الله خاتم النبيين، وكان أعلم الناس وأفصح العرب والعجم، وكان يقول: «أدبني ربي فأحسن تأديبي» وقال لقومه: «أنا أعلمكم بالله وأخشاكم لله» وإنما كان علمه أكمل وأشرف وأقوى، لأنه حصل عن التعليم الربانيّ، وما اشتغل قط بالتعلم والتعليم الإنسانيّ فقال تعالى: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم: 5].
والوجه الثاني:
هو الإلهام. والإلهام تنبيه النفس الكليّ للنفس الجزئيّ على قدر صفاته وقبوله وقوته واستعداده. والإلهام أثر الوحي فإن الوحي هو تصريح الأمر الغيبيّ. والإلهام هو تعريضه. والعلم الحاصل عن الوحي يسمى علمًا نبويًّا. والذي عن الإلهام يسمى علمًا لدنّيًّا. والعلم اللدنيّ هو الذي لا واسطة في حصوله بين النفس وبين الباري. وإنما هو كالضوء من سراج الغيب يقع على قلب صاف فارغ لطيف. وذلك أن العلوم كلها محصولة في جوهر النفس الكليّ الأوّليّ الذي هو من الجواهر المفارقة الأولية المحضة، بالنسبة إلى العقل الأول كنسبة حواء إلى آدم عليهما السلام. وقد تبين أن العقل الكليّ أشرف وأكمل وأقوى وأقرب إلى البارئ تعالى من النفس الكليّ. والنفس الكليّ أعز وأشرف من سائر المخلوقات. فمن إفاضة العقل الكليّ يتولد الإلهام. فالوحي حلية الأنبياء، والإلهام زينة الأولياء. فكما أن النفس دون العقل، فالوحي دون النبيّ. وكذلك الإلهام دون الوحي. فهو ضعيف بنسبة الوحي، قوى بإضافة الرؤيا. والإلهامُ علم الأنبياء والأولياء. فإنّ علم الوحي خاص بالرسل موقوف عليهم. كما كان لآدم وموسى وإبراهيم ومحمد وغيرهم من الرسل صلوات الله عليهم. وفرق بين الرسالة والنبوة. فالنبوة هي قبول النفس القدسيّ حقائق المعلومات والمعقولات عن جوهر العقل الأول. والرسالة تبليغ تلك المعلومات والمعقولات إلى المستفيدين والمتابعين. وربما يتفق القبول لنفس من النفوس، ولا يتأتى لها التبليغ لعذر من الأعذار وسبب من الأسباب. والعلم اللدني يكون لأهل النبوة والولاية، كما حصل للخضر عليه السلام حيث أخبر الله تعالى فقال: {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} [الكهف: 65].
ثم قال عليه الرحمة: فإذا أراد الله بعبد خيرًا رفع الحجاب بين نفسه وبين النفس الكليّ الذي هو اللوح. فيظهر فيها أسرار بعض المكونات. وينتقش فيها معاني تلك المكونات. فيعبر النفس عنها كما يشاء إلى من يشاء من عباده.
وحقيقة الحكمة تنال من العلم اللدنيّ. وما لم تبلغ النفس هذه الرتبة لا يكون حكيمًا. لأن الحكمة من مواهب الله تعالى: و: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ}، من عباده: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [البقرة: 269]، وهم الواصلون مرتبة العلم اللدنيّ، المستغنون عن كثيرة التحصيل وتعب التعلم. فيتعلمون قليلًا ويعلمون كثيرًا، ويتعبون يسيرًا ويستريحون طويلًا.
ثم قال عليه الرحمة: اعلم أن العلم اللدنيّ هو سريان نور الإلهام. والإلهام يكون بعد التسوية. كما قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [الشمس: 7]، والتسوية تصحيح النفس والرجوع إلى فطرتها. وهذا الرجوع يكون على ثلاثة أوجه:
أحدها: تحصيل جميع العلوم وأخذ الحظ الأوفر من أكثرها.
والثاني: الرياضة الصادقة والمراقبة الصحيحة. فإن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى هذه الحقيقة فقال: «من عمل بما علم، أورثه الله علم ما لم يعلم».
والثالث: التفكر. فإن النفس، إذا تعلمت وارتاضت بالعلم والعمل، ثم أخذت تتفكر بمعلوماتها، بشرط التفكر، ينفتح عليه باب الغيب. كالتاجر الذي يتصرف في ماله بشرط التجارة، ينفتح عليه أبواب الربح. وإذا سلك طريق الخطأ يقع في مهالك الخسران. فالمتفكر إذا سلك سبيل الصواب يصير من ذوي الألباب، وتنفتح روزنة من عالم الغيب في قلبه فيصير عالمًا كاملًا عاقلًا ملهمًا مؤيدًا. كما قال صلى الله عليه وسلم: «تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة» انتهى ملخصًا.
وفي خلال كلامه عليه الرحمة، جمل من إشارات الصوفية وعباراتهم. ولا يأباها العقل السليم ولا قواعد العلم الظاهر. لأنها في هذه المثابة بدرجة الاعتدال والتوسط. كذلك كان مشربه قدس الله سره. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ}.
والمساكين: هنا بمعنى ضعَفاء المال الذين يرتزقون من جهدهم ويُرَق لهم لأنهم يكدحون دهرهم لتحصيل عيشهم.
فليس المراد أنهم فقراء أشدّ الفقر كما في قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} [التوبة: 60] بل المراد بتسميتهم بالفقراء أنهم يُرق لهم كما قال الحريري في المقامة الحادية والأربعين:.... مسكين ابن آدم وأيّ مسكين.
وكان أصحاب السفينة هؤلاء عملة يأجرون سفينتهم للحمل أو للصيد.
ومعنى: {وكَانَ وَراءَهُم ملِكٌ}: هو ملك بلادهم بالمرصاد منهم ومن أمثالهم يسخّر كل سفينة يجدها غصبًا، أي بدون عوض.
وكان ذلك لنقل أمور بناء أو نحوه مما يستعمله الملِك في مصالح نفسه وشهواته، كما كان الفراعنة يسخرون الناس للعمل في بناء الأهرام.
ولو كان ذلك لمصلحة عامة للأمة لجاز التسخير من كلّ بحسب حاله من الاحتياج لأنّ ذلك فرض كفاية بقدر الحاجة وبعد تحققها.
ووراءَ اسم الجهة التي خلفَ ظهر من أضيف إليه ذلك الاسم، وهو ضد أمام وقدّام.
ويستعار الوراء لحال تعقب شيء شيئًا وحال ملازمة طلب شيء شيئًا بحق وحال الشيء الذي سيأتي قريبًا، كلّ ذلك تشبيه بالكائن خلف شيء لا يلبث أن يتصل به كقوله تعالى: {مِن وَرَائِهِم جَهَنَّمُ} في [الجاثية: 10].
وقال لبيد:
أليس ورائي أن تراختْ منيتي ** لزُوم العصا تُحنى عليها الأصابع

وبعض المفسرين فسروا {وَرَاءَهُم مَّلِكٌ} بمعنى أمامهم ملك، فتوهم بعض مدوني اللغة أن وراء من أسماء الأضداد، وأنكره الفراء وقال: لا يجوز أن تقول للذي بين يديك هو وراءك، وإنما يجوز ذلك في المواقيت من الليالي تقول: وراءك بَرد شديد، وبين يديك بَرد شديد.
يعني أنّ ذلك على المجاز.
قال الزجاج: وليس من الأضداد كما زعم بعض أهل اللّغة.
ومعنى {كلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} أي صالحة، بقرينة قوله: {فأردت أن أعيبها}، وقد ذكروا في تعيين هذا الملك وسبب أخذه للسفن قصصًا وأقوالًا لم يثبت شيء منها بعينه، ولا يتعلّق به غرض في مقام العبرة.
وجملة {فَأَرَدتُّ أنْ أعِيبَهَا} متفرعة على كل من جملتي {فَكَانت لمساكين}، و{وكَانَ وَراءَهُم ملِكٌ}، فكان حقها التأخير عن كلتا الجملتين بحسب الظاهر، ولكنها قدمت خلافًا لمقتضى الظاهر لقصد الاهتمام والعناية بإرادة إعابة السفينة حيث كان عملًا ظاهره الإنكار وحقيقته الصلاح زيادة في تشويق موسى إلى علم تأويله، لأن كون السفينة لمساكين مما يزيد السامع تعجبًا في الإقدام على خرقها.
والمعنى: فأردت أن أعيبها وقد فعلت.
وإنما لم يقل: فعبتها، ليدل على أن فعله وقع عن قصد وتأمل.
وقد تطلق الإرادة على القصد أيضًا.
وفي اللسان عزو ذلك إلى سيبويه.
وتصرفُ الخضر في أمر السفينة تصرف برَعي المصلحة الخاصة عن إذن من الله بالتصرف في مصالح الضعفاء إذ كان الخضر عالمًا بحال الملك، أو كان الله أعلمه بوجوده حينئذ، فتصرف الخضر قائم مقام تصرف المرء في ماله بإتلاف بعضه لسلامة الباقي، فتصرفه الظاهر إفساد وفي الواقع إصلاح لأنه من ارتكاب أخف الضرين.
وهذا أمر خفي لم يطلع عليه إلاّ الخضر، فلذلك أنكره موسى.
وأما تصرفه في قتل الغلام فتصرف بوحي من الله جارٍ على قطع فساد خاص علمه الله وأعلم به الخضر بالوحي، فليس من مقام التشريع، وذلك أنّ الله علم من تركيب عقل الغلام وتفكيره أنه عقل شاذ وفكر منحرف طبع عليه بأسباب معتادة من انحراف طبع وقصور إدراك، وذلك من آثار مفضية إلى تلك النفسية وصاحبها في أنه ينشأ طاغيًا كافرًا.
وأراد الله اللّطف بأبويه بحفظ إيمانهما وسلامة العالَم من هذا الطاغي لطفًا أرادهُ الله خارقًا للعادة جاريًا على مقتضى سبق علمه، ففي هذا مصلحة للدّين بحفظ أتباعه من الكفر، وهو مصلحة خاصة فيها حفظ الدين، ومصلحة عامة لأنه حقّ لله تعالى فهو كحكم قتل المرتد.
والزّكاة: الطهارة، مراعاة لقول موسى {أقتلت نفسًا زاكية} والرُحْم: بضم الراء وسكون الحاء نظير الكُثْر للكثرة والخشية: توقع ذلك لو لم يتدارك بقتله.
وضميرا الجماعة في قوله: {فَخَشِيَنَا} وقوله: {فَأَرَدْنَا} عائدان إلى المتكلم الواحد بإظهار أنه مشارك لغيره في الفعل.
وهذا الاستعمال يكون من التواضع لا من التعاظم لأن المقام مقام الإعلام بأنّ الله أطلعه على ذلك وأمره فناسبه التواضع فقال: {فَخَشِينَا فَأَرَدْنَا}، ولم يقل مثله عندما قال: {فَأَرَدتُ أنْ أعِيبَها} لأنّ سبب الإعابة إدراكه لمن له علم بحال تلك الأصقاع.
وقد تقدم عند قوله تعالى: {قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذًا لظالمون} في سورة يوسف (79).
وقرأ الجمهور {أنْ يُبَدِّلَهُمَا} بفتح الموحدة وتشديد الدال من التبديل.
وقرأه ابن كثير، وابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف بسكون الموحدة وتخفيف الدال من الإبدال.
وأما قضية الجدار فالخضر تصرف في شأنها عن إرادة الله اللطف باليتيمين جزاء لأبيهما على صلاحه، إذ علم الله أن أباهما كان يَهمّه أمر عيشهما بعده، وكان قد أودع تحت الجدار مالًا، ولعله سأل الله أن يلهم ولديه عند بلوغ أشدهما أن يبحثا عن مدفن الكنز تحت الجدار بقصد أو بمصادفة، فلو سقط الجدار قبل بلوغهما لتناولت الأيدي مكانه بالحفر ونحوه فعثر عليه عاثر، فذلك أيضًا لطف خارق للعادة.
وقد أسند الإرادة في قصة الجدار إلى الله تعالى دون القصتين السابقتين لأن العمل فيهما كان من شأنه أن يسعى إليه كل من يقف على سرّه لأن فيهما دفع فساد عن الناس بخلاف قصة الجدار فتلك كرامة من الله لأبي الغلامين.
وقوله: {رحمةً من ربّك وما فعلتُهُ عن أمري} تصريح بما يزيل إنكار موسى عليه تصرفاته هذه بأنها رحمة ومصلحة فلا إنكار فيها بعد معرفة تأويلها.
ثم زاد بأنه فعلها عن وحي من الله لأنه لما قال: {وما فعلته عن أمري} علم موسى أنّ ذلك بأمر من الله تعالى لأنّ النبي إنما يتصرف عن اجتهاد أو عن وَحي، فلما نفى أن يكون فعله ذلك عن أمر نفسه تعيّن أنه عن أمر الله تعالى.
وإنما أوثر نفي كون فعله عن أمر نفسه على أن يقول: وفعلته عن أمر ربّي، تكملة لكشف حيرة موسى وإنكاره، لأنه لما أنكر عليه فعلاته الثلاث كان يؤيد إنكاره بما يقتضي أنه تصرفٌ عن خطأ.
وانتصب {رحْمَةً} على المفعول لأجله فينازعه كل من {أردتُ}، و{أردنَا}، و{أراد ربّك}.
وجملة {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرًا} فَذْلَكَةٌ للجمل التي قبلها ابتداء من قوله: {أمَّا السَّفِينةُ فَكَانَتْ لمساكين}، فالإشارة بذلك إلى المذكور في الكلام السابق وهو تلخيص للمقصود كحوصلة المدرس في آخر درسه.
و{تَسْطِعْ} مضارع اسطاع بمعنى استطاع.
حذف تاء الاستفعال تخفيفًا لقربها من مخرج الطاء، والمخالفةُ بينه وبين قوله: {سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا} للتفنن تجنبًا لإعادة لفظ بعينه مع وجود مرادفه.
وابتدىء بأشهرهما استعمالًا وجيء بالثانية بالفعل المخفف لأنّ التخفيف أولى به لأنه إذا كرر {تَسْتَطِع} يحصل من تكريره ثقل.
وأكد الموصول الأول الواقع في قوله: {سأُنَبِئُكَ بتأويل ما لم تستَطِعْ عليهِ صَبْرًا} تأكيدًا للتعريض باللوم على عدم الصبر.
واعلم أن قصة موسى والخضر قد اتخذتها طوائف من أهل النحل الإسلامية أصلًا بنوا عليه قواعد موهومة.
فأول ما أسسوه منها أنّ الخضر لم يكن نبيئًا وإنما كان عبدًا صالحًا، وأن العِلم الذي أوتيه ليس وحيًا ولكنه إلهام، وأن تصرفه الذي تصرفه في الموجودات أصل لإثبات العلوم الباطنية، وأن الخضر منحهُ الله البقاء إلى انتهاء مدة الدنيا ليكون مرجعًا لتلقي العلوم الباطنية، وأنه يظهر لأهل المراتب العليا من الأولياء فيفيدهم من علمه ما هم أهل لتلقّيه.
وبَنوا على ذلك أن الإلهام ضرب من ضروب الوحي، وسموه الوحي الإلهامي، وأنه يجيء على لسان ملك الإلهام، وقد فصله الشيخ محيي الدين ابن العربي في الباب الخامس والثمانين من كتابه الفتوحات المكية، وبيّن الفرق بينه وبين وحي الأنبياء بفروق وعلامات ذكرها منثورةً في الأبواب الثالث والسبعين، والثامن والستين بعد المائتين، والرابع والستين بعد ثلاثمائة، وجزم بأن هذا الوحي الإلهامي لا يكون مخالفًا للشريعة، وأطال في ذلك، ولا يخلو ما قاله من غموض ورموز، وقد انتصب علماء الكلام وأصول الفقه لإبطال أن يكون ما يسمى بالإلهام حجّة.
v وعرفوه بأنه إيقاع شيء في القلب يثلج له الصدر، وأبطلوا كونه حجّة لعدم الثقة بخواطر من ليس معصومًا ولتفاوت مراتب الكشف عندهم.
وقد تعرض لها النسفي في عقائده، وكل ما قاله النسفي في ذلك حق، ولا يقام التشريع على أصول موهومة لا تنضبط.
والأظهر أن الخضر نبيء عليه السلام وأنه كان موحىً إليه بما أوحي، لقوله: {وما فعلته عن أمري}، وأنه قد انقضى خبره بعد تلك الأحوال التي قصّت في هذه السورة، وأنه قد لحقه الموت الذي يلحق البشر في أقصى غاية من الأجل يمكن أن تفرض، وأن يحمل ما يعْزى إليه من بعض الصوفية الموسومين بالصدق أنه محوك على نسج الرمز المعتاد لديهم، أو على غشاوة الخيال التي قد تخيم عليهم.
فكونوا على حذر ممن يقول: أخبرني الخَضر. اهـ.