فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83)}.
اعلم أن هذا هو القصة الرابعة من القصص المذكورة في هذه السورة وفيها مسائل:
المسألة الأولى:
قد ذكرنا في أول هذه السورة أن اليهود أمروا المشركين أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة أصحاب الكهف وعن قصة ذي القرنين وعن الروح فالمراد من قوله: {وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِى القرنين} [الكهف: 83] هو ذلك السؤال.
المسألة الثانية:
اختلف الناس في أن ذا القرنين من هو وذكروا فيه أقوالًا: الأول: أنه هو الاسكندر بن فيلبوس اليوناني قالوا والدليل عليه أن القرآن دل على أن الرجل المسمى بذي القرنين بلغ ملكه إلى أقصى المغرب بدليل قوله: {حتى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشمس وَجَدَهَا تَغْرُبُ في عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف: 86] وأيضًا بلغ ملكه أقصى المشرق بدليل قوله: {حتى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشمس} [الكهف: 90] وأيضًا بلغ ملكه أقصى الشمال بدليل أن يأجوج ومأجوج قوم من الترك يسكنون في أقصى الشمال، وبدليل أن السد المذكور في القرآن يقال في كتب التواريخ إنه مبني في أقصى الشمال فهذا الإنسان المسمى بذي القرنين في القرآن قد دل القرآن على أن ملكه بلغ أقصى المغرب والمشرق وهذا هو تمام القدر المعمور من الأرض، ومثل هذا الملك البسيط لا شك أنه على خلاف العادات وما كان كذلك وجب أن يبقى ذكره مخلدًا على وجه الدهر وأن لا يبقى مخفيًا مستترًا، والملك الذي اشتهر في كتب التواريخ أنه بلغ ملكه إلى هذا الحد ليس إلا الإسكندر وذلك لأنه لما مات أبوه جمع ملوك الروم بعد أن كانوا طوائف ثم جمع ملوك المغرب وقهرهم وأمعن حتى انتهى إلى البحر الأخضر ثم عاد إلى مصر فبنى الإسكندرية وسماها باسم نفسه ثم دخل الشام وقصد بني إسرائيل وورد بيت المقدس وذبح في مذبحه ثم انعطف إلى أرمينية وباب الأبواب ودانت له العراقيون والقبط والبربر.
ثم توجه نحو دارا بن دارا وهزمه مرات إلى أن قتله صاحب حرسه فاستولى الإسكندر على ممالك الفرس ثم قصد الهند والصين وغزا الأمم البعيدة ورجع إلى خراسان وبنى المدن الكثيرة ورجع إلى العراق ومرض بشهرزور ومات بها.
فلما ثبت بالقرآن أن ذا القرنين كان رجلًا ملك الأرض بالكلية، أو ما يقرب منها، وثبت بعلم التواريخ أن الذي هذا شأنه ما كان إلا الإسكندر وجب القطع بأن المراد بذي القرنين هو الإسكندر بن فيلبوس اليوناني ثم ذكروا في سبب تسميته بهذا الاسم وجوهًا: الأول: أنه لقب بهذا اللقب لأجل بلوغه قرني الشمس أي مطلعها ومغربها كما لقب أردشير بن بهمن بطويل اليدين لنفوذ أمره حيث أراد.
والثاني: أن الفرس قالوا: إن دارا الأكبر كان قد تزوج بابنة فيلبوس فلما قرب منها وجد منها رائحة منكرة فردها على أبيها فيلبوس وكانت قد حملت منه بالإسكندر فولدت الإسكندر بعد عودها إلى أبيها فبقي الإسكندر عند فيلبوس وأظهر فيلبوس أنه ابنه وهو في الحقيقة ابن دارا الأكبر قالوا والدليل عليه أن الإسكندر لما أدرك دارا بن دارا وبه رمق وضع رأسه في حجره وقال لدارا: يا أبي أخبرني عمن فعل هذا لأنتقم لك منه! فهذا ما قاله الفرس قالوا وعلى هذا التقدير فالإسكندر أبوه دارا الأكبر وأمه بنت فيلبوس فهو إنما تولد من أصلين مختلفين الفرس والروم وهذا الذي قاله الفرس إنما ذكروه لأنهم أرادوا أن يجعلوه من نسل ملوك العجم حتى لا يكون ملك مثله من نسب غير نسب ملوك العجم وهو في الحقيقة كذب، وإنما قال الإسكندر لدارا يا أبي على سبيل التواضع وأكرم دارا بذلك الخطاب.
والقول الثاني: قال أبو الريحان الهروي المنجم في كتابه الذي سماه بالآثار الباقية عن القرون الخالية، قيل: إن ذا القرنين هو أبو كرب شمر بن عبير بن أفريقش الحميري فإنه بلغ ملكه مشارق الأرض ومغاربها وهو الذي افتخر به أحد الشعراء من حمير حيث قال:
قد كان ذو القرنين قبلي مسلما ** ملكًا علا في الأرض غير مفندي

بلغ المشارق والمغارب يبتغي ** أسباب ملك من كريم سيد

ثم قال أبو الريحان ويشبه أن يكون هذا القول أقرب لأن الأذواء كانوا من اليمن وهم الذين لا تخلو أساميهم من ذي كذا كذي النادي وذي نواس وذي النون وغير ذلك.
والقول الثالث: أنه كان عبدًا صالحًا ملكه الله الأرض وأعطاه العلم والحكمة وألبسه الهيبة، وإن كنا لا نعرف أنه من هو ثم ذكروا في تسميته بذي القرنين وجوهًا: الأول: سأل ابن الكوا عليًا رضي الله عنه عن ذي القرنين وقال أملك هو أم نبي فقال: لا ملك ولا نبي كان عبدًا صالحًا ضرب على قرنه الأيمن في طاعة الله فمات ثم بعثه الله فضرب على قرنه الأيسر فمات فبعثه الله فسمي بذي القرنين وملك ملكه.
الثاني: سمي بذي القرنين لأنه انقرض في وقته قرنان من الناس.
الثالث: قيل كان صفحتا رأسه من نحاس.
الرابع: كان على رأسه ما يشبه القرنين.
الخامس: كان لتاجه قرنان.
السادس: عن النبي صلى الله عليه وسلم سمي ذا القرنين لأنه طاف قرني الدنيا يعني شرقها وغربها.
السابع: كان له قرنان أي ضفيرتان.
الثامن: أن الله تعالى سخر له النور والظلمة فإذا سرى يهديه النور من أمامه وتمده الظلمة من ورائه.
التاسع: يجوز أن يلقب بذلك لشجاعته كما يسمى الشجاع كبشًا كأنه ينطح أقرانه.
العاشر: رأى في المنام كأنه صعد الفلك فتعلق بطرفي الشمس وقرنيها وجانبيها فسمي لهذا السبب بذي القرنين.
الحادي عشر: سمي بذلك لأنه دخل النور والظلمة.
والقول الرابع: أن ذا القرنين ملك من الملائكة عن عمر أنه سمع رجلًا يقول: يا ذا القرنين فقال: اللهم اغفر.
أما رضيتم أن تسموا بأسماء الأنبياء حتى تسموا بأسماء الملائكة! فهذا جملة ما قيل في هذا الباب، والقول الأول أظهر لأجل الدليل الذي ذكرناه وهو أن مثل هذا الملك العظيم يجب أن يكون معلوم الحال عند أهل الدنيا والذي هو معلوم الحال بهذا الملك العظيم هو الإسكندر فوجب أن يكون المراد بذي القرنين هو هو إلا أن فيه إشكالًا قويًا وهو أنه كان تلميذ أرسططاليس الحكيم وكان على مذهبه فتعظيم الله إياه يوجب الحكم بأن مذهب أرسططاليس حق وصدق وذلك مما لا سبيل إليه، والله أعلم.
المسألة الثالثة:
اختلفوا في ذي القرنين هل كان من الأنبياء أم لا؟ منهم من قال: إنه كان نبيًا واحتجوا عليه بوجوه.
الأول: قوله: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ في الأرض} والأولى حمله على التمكين في الدين والتمكين الكامل في الدين هو النبوة.
والثاني: قوله: {وآتيناه مِن كُلّ شيء سَبَبًا} ومن جملة الأشياء النبوة فمقتضى العموم في قوله: {وآتيناه مِن كُلّ شيء سَبَبًا} هو أنه تعالى آتاه في النبوة سببًا.
الثالث: قوله تعالى: {قُلْنَا ياذا القرنين إِمَّا أَن تُعَذّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} والذي يتكلم الله معه لابد وأن يكون نبيًا ومنهم من قال إنه كان عبدًا صالحًا وما كان نبيًا.
المسألة الرابعة:
في دخول السين في قوله: {سَأَتْلُواْ} معناه إني سأفعل هذا إن وفقني الله تعالى عليه وأنزل فيه وحيًا وأخبرني عن كيفية تلك الحال، وأما قوله تعالى: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ في الأرض} فهذا التمكين يحتمل أن يكون المراد منه التمكين بسبب النبوة ويحتمل أن يكون المراد منه التمكين بسبب الملك من حيث إنه ملك مشارق الأرض ومغاربها والأول أولى لأن التمكين بسبب النبوة أعلى من التمكين بسبب الملك وحمل كلام الله على الوجه الأكمل الأفضل أولى ثم قال: {وآتيناه مِن كُلّ شيء سَبَبًا} قالوا: السبب في أصل اللغة عبارة عن الحبل ثم استعير لكل ما يتوصل به إلى المقصود وهو يتناول العلم والقدرة والآلة فقوله: {وآتيناه مِن كُلّ شيء سَبَبًا} معناه: أعطيناه من كل شيء من الأمور التي يتوصل بها إلى تحصيل ذلك الشيء ثم إن الذين قالوا: إنه كان نبيًا قالوا: من جملة الأشياء النبوة فهذه الآية تدل على أنه تعالى أعطاه الطريق الذي به يتوصل إلى تحصيل النبوة، والذين أنكروا كونه نبيًا قالوا: المراد به وآتيناه من كل شيء يحتاج إليه في إصلاح ملكه سببًا، إلا أن لقائل أن يقول: إن تخصيص العموم خلاف الظاهر فلا يصار إليه إلا بدليل، ثم قال: {فَأَتْبَعَ سَبَبًا} ومعناه أنه تعالى لما أعطاه من كل شيء سببه فإذا أراد شيئًا أتبع سببًا يوصله إليه ويقربه منه قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو {فاتبع} بتشديد التاء، وكذلك ثم اتبع أي سلك وسار والباقون فأتبع بقطع الألف وسكون التاء مخففة.
{حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا}.
اعلم أن المعنى أنه أراد بلوغ المغرب فأتبع سببًا يوصله إليه حتى بلغه، أما قوله: {وَجَدَهَا تَغْرُبُ في عَيْنٍ حَمِئَةٍ} ففيه مباحث:
الأول: قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم {في عين حامية} بالألف من غير همزة أي حارة، وعن أبي ذر، قال: «كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم على جمل فرأى الشمس حين غابت فقال: أتدري يا أبا ذر أين تغرب هذه؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تغرب في عين حامية»؛ وهي قراءة ابن مسعود وطلحة وابن عامر، والباقون {حمئة}، وهي قراءة ابن عباس واتفق أن ابن عباس كان عند معاوية فقرأ معاوية {حامية} بألف فقال ابن عباس {حمئة}، فقال معاوية لعبد الله بن عمر كيف تقرأ؟ قال: كما يقرأ أمير المؤمنين، ثم وجه إلى كعب الأحبار كيف تجد الشمس تغرب؟ قال: في ماء وطين كذلك نجده في التوراة، والحمئة ما فيه ماء، وحمأة سوداء، واعلم أنه لا تنافي بين الحمئة والحامية، فجائز أن تكون العين جامعة للوصفين جميعًا.
البحث الثاني:
أنه ثبت بالدليل أن الأرض كرة وأن السماء محيطة بها، ولا شك أن الشمس في الفلك، وأيضًا قال: {وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا} ومعلوم أن جلوس قوم في قرب الشمس غير موجود، وأيضًا الشمس أكبر من الأرض بمرات كثيرة فكيف يعقل دخولها في عين من عيون الأرض، إذا ثبت هذا فنقول: تأويل قوله: {تَغْرُبُ في عَيْنٍ حَمِئَةٍ} من وجوه.
الأول: أن ذا القرنين لما بلغ موضعها في المغرب ولم يبق بعده شيء من العمارات وجد الشمس كأنها تغرب في عين وهدة مظلمة وإن لم تكن كذلك في الحقيقة كما أن راكب البحر يرى الشمس كأنها تغيب في البحر إذا لم ير الشط وهي في الحقيقة تغيب وراء البحر، هذا هو التأويل الذي ذكره أبو علي الجبائي في تفسيره.
الثاني: أن للجانب الغربي من الأرض مساكن يحيط البحر بها فالناظر إلى الشمس يتخيل كأنها تغيب في تلك البحار، ولا شك أن البحار الغربية قوية السخونة فهي حامية وهي أيضًا حمئة لكثرة ما فيها من الحمأة السوداء والماء فقوله: {تَغْرُبُ في عَيْنٍ حَمِئَةٍ} إشارة إلى أن الجانب الغربي من الأرض قد أحاط به البحر وهو موضع شديد السخونة.
الثالث: قال أهل الأخبار: إن الشمس تغيب في عين كثيرة الماء والحمأة وهذا في غاية البعد، وذلك لأنا إذا رصدنا كسوفًا قمريًا فإذا اعتبرناه ورأينا أن المغربيين قالوا: حصل هذا الكسوف في أول الليل ورأينا المشرقيين قالوا: حصل في أول النهار فعلمنا أن أول الليل عند أهل المغرب هو أول النهار الثاني عند أهل المشرق بل ذلك الوقت الذي هو أول الليل عندنا فهو وقت العصر في بلد ووقت الظهر في بلد آخر، ووقت الضحوة في بلد ثالث.
ووقت طلوع الشمس في بلد رابع، ونصف الليل في بلد خامس، وإذا كانت هذه الأحوال معلومة بعد الاستقراء والاعتبار.
وعلمنا أن الشمس طالعة ظاهرة في كل هذه الأوقات كان الذي يقال: إنها تغيب في الطين والحمأة كلامًا على خلاف اليقين وكلام الله تعالى مبرأ عن هذه التهمة، فلم يبق إلا أن يصار إلى التأويل الذي ذكرناه ثم قال تعالى: {وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا} الضمير في قوله عندها إلى ماذا يعود؟ فيه قولان: الأول: أنه عائد إلى الشمس ويكون التأنيث للشمس لأن الإنسان لما تخيل أن الشمس تغرب هناك كان سكان هذا الموضع كأنهم سكنوا بالقرب من الشمس.
والقول الثاني: أن يكون الضمير عائدًا إلى العين الحامية، وعلى هذا القول فالتأويل ما ذكرناه، ثم قال تعالى: {قُلْنَا ياذا القرنين إِمَّا أَن تُعَذّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} وفيه مباحث:
الأول: أن قوله تعالى: {قُلْنَا ياذا القرنين إِمَّا أَن تُعَذّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} يدل على أنه تعالى تكلم معه من غير واسطة، وذلك يدل على أنه كان نبيًا وحمل هذا اللفظ على أن المراد أنه خاطبه على ألسنة بعض الأنبياء فهو عدول عن الظاهر.
البحث الثاني:
قال أهل الأخبار في صفة ذلك الموضع أشياء عجيبة، قال ابن جريج: هناك مدينة لها اثنا عشر ألف باب لولا أصوات أهلها سمع الناس وجبة الشمس حين تغيب.