فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِى القرنين}.
كان السؤال على وجه الامتحان والسائلون في المشهور قريش بتلقين اليهود، وقيل: اليهود أنفسهم وروى ذلك عن السدي، وأكثر الآثار تدل على أن الآية نزلت بعد سؤالهم فالتغبير بصيغة الاستقبال لاستحضار الصورة الماضية لما أن في سؤالهم على ذلك الوجه مع مشاهدتهم من أمره صلى الله عليه وسلم ما شاهدوا نوع غرابة، وقيل: للدلالة على استمرارهم على السؤال إلى ورود الجواب، وبعض الآثار يدل على أن الآية نزلت قبل، فعن عقبة بن عامر قال: إن نفرًا من أهل الكتاب جاؤوا بالصحف أو الكتب فقالوا لي: استأذن لنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لندخل عليه فانصرفت إليه عليه الصلاة والسلام فاختبرته بمكانهم فقال صلى الله عليه وسلم: ما لي ولهم يسألونني عما لا أعلم إنما أنا عبد لا علم لي إلا ما علمني ربي ثم قال: ائتني بوضوء أتوضأ به فاتيته فتوضأ ثم قام إلى مسجد في بيته فركع ركعتين فانصرف حتى بدا السرور في وجهه ثم قال: اذهب فادخلهم ومن وجدت بالباب من أصحابي فادخلتهم فلما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن شئتم اخبرتكم بما سألتموني عنه وإن شئتم غير ذلك فافعلوا، والجمهور على الأول ولم تثبت صحة هذا الخبر.
واختلف في ذي القرنين فقيل: هو ملك أهبطه الله تعالى إلى الأرض وآتاه من كل شيء سببًا وروي ذلك عن جبير بن نفير، واستدل على ذلك بما أخرجه ابن عبد الحكم وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في كتاب الأضداد وأبو الشيخ عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه سمع رجلًا ينادي بمنى ياذا القرنين فقال له همر: ها أنتم قد سميتم بأسماء الأنبياء فما لكم وأسماء الملائكة، وهذا قول غريب بل لا يكاد يصح، والخبر على فرض صحته ليس نصًا في ذلك إذ يحتمل ولو على بعد أن يكون المراد أن هذا الاسم من أسماء الملائكة عليهم السلام فلا تسموا به أنتم وأن تسمى به بعض من قبلكم من الناس.
وقيل: هو عبد صالح ملكه الله تعالى الأرض وأعطاه العلم والحكمة وألبسه الهيبة ولا نعرف من هو وذكر في تسميته بذي القرنين وجوه، الأول أنه دعا إلى طاعة الله تعالى فضرب على قرنه الأيمن فمات ثم بعثه الله تعالى فدعا فضرب على قرنه الأيسر فمات ثم بعثه الله تعالى فسمي ذا القرنين وملك ما ملك وروي هذا عن علي كرم الله تعالى وجهه، والثاني أنه انقرض في وقته قرنان من الناس، الثالث أنه كانت صفحتا رأسه من نحاس وروي ذلك عن وهب بن منبه، الرابع أنه كان في رأسه قرنان كالظلفين وهو أول من لبس العمامة ليسترهما وروي ذلك عن عبيد بن يعلى، الخامس أنه كان لتاجه قرنان، السادس أنه طاف قرنى الدنيا أي شرقها وغربها وروي ذلك مرفوعًا، السابع أنه كان له غديرتان وروي ذلك عن قتادة ويونس بن عبيد، الثامن أنه سخر له النور والظلمة فإذا سرى يهديه النرو من أمامه وتمتد الظلمة من ورائه، التاسع أنه دخل النور والظلمة، العاشر أنه رأى في منامه كأنه صعد إلى الشمس وأخذ بقرنيها.
الحادي عشر أنه يجوز أن يكون قد لقب بذلك لشجاعته كأنه ينطح أقرانه كما لقب أزدشير بعمن بطويل اليدين لنفوذ أمره حيث أراد، ولا يخفي أنه يبعد عدم معرفة رجل مكن له ما مكن في الأرض وبلغ من الشهرة ما بلغ في طولها والعرض، وأما الوجوع المذكورة في وجه تسميته ففيها ما لا يكاد يصح ولعله غير خفي عليك وقيل: هو فريدون بن اثفيان بن جمشيد خامس ملوك الفرس الفيشدادية وكان ملكًا عادلًا مطيعًا لله تعالى.
وفي كتاب صور الأقاليم لأبي زيد البلخي أنه كان مؤيدًا بالوحي.
وفي عامة التواريخ أنه ملك الأرض وقسمها بين بنيه الثلاثة ايرج وسلم وتور فأعطى ايرج العراق والهند والحجاز وجعله صاحب التاج، وأعطى سلم الروم وديار مصر والمغرب، وأعطى تور الصين والترك والمشرق، ووضع لكل قانونًا تحكم به وسميت القوانين الثلاثة سياسة فهي معربة سي ايسا أي ثلاثة قوانين، ووجه تسميته ذا القرنين أنه ملك طرفي الدنيا أو طول أيام سلطنته فإنها كانت على ما في روضة الصفا خمسمائة سنة أو عظم شجاعته وقهره الملوك.
ورد بأنه قد أجمع أهل التاريخ على أنه لم يسافر لا شرقًا ولا غربًا وإنما دوخ له البلاد كاوه الأصفهاني الحداد الذي مزق الله تعالى على يده ملك الضحاك وبقي رئيس العساكر إلى أن مات، ويلزم على هذا القول أيضًا أن يكون الخضر عليه السلام على مقدمته بناءً على ما اشتهر أنه عليه السلام كان على مقدمة ذي القرنين ولم يذكر ذلك أحد من المؤرخين.
وأجيب بأن من يقول: إنه الإسكندر يثبت جميع ما ثبت للإسكندر في الآيات والأخبار ولا يبالي بعدم ذكر المؤرخين لذلك وهو كما ترى، وقيل: هو اسكندر اليوناني ابن فيلقوس، وقيل: قلفيص، وقيل: قليص وقال ابن كثير: هو ابن فيليس بن مصريم بن هرمس بن مطيون بن رومي بن ليطي بن يونان بن يافث بن نونه بن شرخون بن تونط بن يوفيل بن رومي بن الأصغر ابن العزير بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليه السلام وكان سرير ملكه مقدونيًا وهي بلدة من بلاد الروم غربي دار السلطنة السنية قسطنطينية المحمية بينهما من المسافة قدر خمسة عشر يومًا أو نحو ذلك عند مدينة شيروز، وقول ابن زيدون: إنها مصروهم، وهو الذي غلب دارًا الأصغر واستولى على ملك الفرس وكان مولده في السنة الثالثة عشر من ملك دارًا الأكبر.
وزعم بعضهم أنه أبوه وذلك أنه تزوج بنت فيلقوس فلما قربها وجد منها رائحة منكرة فأرسلها إلى أبيها وقد حملت بالإسكندر فلما وضعته بقي في كفالة أبيها فنسب إليه، وقيل: إن دارًا الأكبر تزوج بنت ملك الزنج هلابي فاستخبث ريحها فأمر أن يحتال لذلك فكانت تغتسل بماء السند روس فأذهب كثيرًا من ذفرها ثم عافها وردها إلى أهلها فولدت الإسكندر وكان يسمى الإسكندروس.
ويدل على أنه ولده أنه لما أدرك دارًا الأصغر بن دارا الأكبر وبه رمق وضع رأسه في حجره وقال له: يا أخي أخبرني عمن فعل هذا بك لأنتقم منه وهو زعم باطل.
وقوله: يا أخي من باب الإكرام ومخاطبة الأمثال.
وإنما سمي ذا القرنين لملكه طرفي الأرض أو لشجاعته.
واستدل لهذا القول بأن القرآن دل على أن الرجل بلغ ملكه إلى أقصى المغرب وأقصى المشرق وجهة الشمال وذلك تمام المعمول من الأرض ومثل هذا الملك يجب أن يبقى ذكره مخلدًا والملك الذي اشتهر في كتب التواريخ أنه بلغ ملكه إلى هذا الحد ليس إلا هذا الإسكندر وذلك لأنه لما مات أبوه جمع ملوك الروم والمغرب وقهرهم وانتهى إلى البحر الأخضر ثم عاد إلى مصر وبنى الإسكندرية ثم دخل الشام وقصد بني إسرائيل وورد بيت المقدس وذبح في مذبحه ثم انعطف إلى أرمينية وباب الأبواب ودانت له العراقيون والقبط والبربر واستولى على دارا وقصد الهند والصين وغزا الأمم البعيدة ورجع إلى خراسان وبنى المدن الكثيرة ورجع إلى العراق ومرض بشهر زور ومات بها، وقيل: مات برومية المدائن ووضعوه في تابوت من ذهب وحملوه إلى الإسكندرية وعاش اثنين وثلاثين سنة ومدة ملكه اثنتا عشرة سنة وقيل: عاش ستًا وثلاثين ومدة ملكه ست عشرة سنة، وقيل: غير ذلك، فلما ثبت بالقرآن أن ذا القرنين ملك أكثر المعمورة وثبت بالتواريخ أن الذي هذا شأنه هو الإسكندر وجب القطع بأن المراد بذي القرنين هو الإسكندر كذا ذكره الإمام ثم قال: وهذا القول هو الأظهر للدليل المذكور إلا أن فيه إشكالًا قويًا وهو أنه كان تلميذ أرسطو الحكيم المقيم بمدينة أنينة أسلمه إليه أبوه فأقام عنده خمس سنين وتعلم منه الفلسفة وبرع فيها وكان على مذهبه فتعظيم الله تعالى إياه يوجب الحكم بأن مذهب أرسطو حق وذلك مما لا سبيل إليه.
وأجيب بأنا لا نسلم أنه كان على مذهبه في جميع ما ذهب إليه والتلمذة على شخص لا توجب الموافقة في جميع مقالات ذلك الشخص ألا ترى كثرة مخالفة الإمامين لشيخهما الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه فيحتمل أن يكون مخالفًا له فيما يوجب الكفر، وفي ذبحه في مذبح بيت المقدس دليل على أنه لم يكن يرى جميع ما يراه الحكماء، ولا يخفى أنه احتمال بعيد، والمشهور أنه كان قائلًا بما يقوله الحكماء والذبح المذكور غير متحقق والاستدلال به ضعيف، وقيل: إن قوله بذلك وتمذهبه بمذهب أرسطو لا يوجب كفره إذ ذاك فإنه كان مقرًا بالصانع تعالى شأنه معظمًا له غير عابد سواه من صنم أو غيره كما يدل عليه ما نقله الشهرستاني أن الحكماء تشاوروا في أن يسجدوا له إجلالًا وتعظيمًا فقال: لا يجوز السجود لغير بادىء الكل ولم يكن مبعوثًا إليه رسول فإنه كان قبل مبعث عيسى عليه السلام بنحو ثلثمائة سنة وكان الأنبياء عليهم السلام إذ ذاك من بني إسرائيل ومبعوثين إليهم ولم يكن هو منهم فكان حكمه حكم أهل الفترة.
وتعقب بأنه على تسليم ذلك لا يحسم مادة الإشكال لأن الله تعالى لا يكاد يعظم من حكمه حكم أهل الفترة مثل هذا التعظيم الذي دلت عليه الآيات والأخبار، وأيضًا الثالث في التواريخ أن الإسكندر المذكور كان أرسطو بمنزلة الوزير عنده وكان يستشيره في المهمات ويعمل برأيه ولم يذكر فيها أنه اجتمع مع الخضر عليه السلام فضلًا عن اتخاذه إياه وزيرًا كما هو المشهور في ذي القرنين.
واعترض أيضًا بأن اسكندر المذكور لم يتحقق له سفر نحو المغرب في كتب التواريخ المعتبرة وقد نبه على ذلك كاتب جلبي عليه الرحمة، وقيل: هو الإسكندر الرومي وهو متقدم على اليوناني بكثير ويقال له: ذو القرنين الأكبر، واسمه قيل: مرزبان بن مردبة من ولد يافث بن نوح عليه السلام وكان أسود، وقيل: اسمه عبد الله بن الضحاك، وقيل: مصعب بن عبد الله بن قينان بن منصور بن عبد الله بن الأزد بن عون بن زيد بن كهلان بن سبا بن يعرب بن قحطان، وجعل بعضهم هذا الخلاف في اسم ذي القرنين اليوناني بعد أن نقل القول بأن اسمه الإسكندر بن فيلقوس، وذكر في اسم الرومي ونسبه ما نقل اسبقًا عن ابن كثير.
وذهب بعض المحققين إلى أن الإسكندر اليوناني والإسكندر الرومي كلاهما يطلقان على غالب دارا الأصغر والتاريخ المشهور بالتاريخ الرومي ويسمى أيضًا السرياني والعجمي ينسب إليه في المشهور وأوله شروق يوم الاثنين من أول سنة من سني ولايته عند ابن البناء ومن أول السنة السابعة وهي سنة خروجه لتملك البلاد كما في زيج الصوفي أو من أول السنة التي مات فيها كما في المبادىء والغايات، وبعض المحققين ينسبه إلى سولونس بن الطبوخوس الذي أمر ببناء انطاكية وهو الذي صححه ابن أبي الشكر، وتوقف بعضهم كالغ بك عن نسبته إلى أحدهما لتعارض الأدلة، ونفى بعضهم أن يكون في الزمن المتقدم بين الملوك اسكندران.
وزعم أنه ليس هناك إلا الإسكندر الذي غلب دارا واستولى على ملك فارس وقال: إن ذا القرنين المذكور في القرآن العظيم يحتمل أن يكون هو ويحتمل أن يكون غيره، والذي عليه الكثير أن المسمى بالإسكندر بين الملوك السالفة اثنان بينهما نحو ألفي سنة وأن أولهما هو المراد بذي القرنين ويسميه بعضهم الرومي وبعضهم اليوناني وهو الذي عمر دهرًا طويلًا فقيل: عمر ألفًا وستمائة سنة، وقيل: ألفي سنة، وقيل: ثلاثة آلاف سنة ولا يصح في ذلك شيء، وذكر أبو الريحان البيروتي المنجم في كتابه المسمى بالآثار الباقية عن القرون الخالية أن ذا القرنين هو أبو كرب سمي بن عمير بن أفريقيس الحميري وهو الذي افتخر به تبع اليماني حيث قال:
كان ذو القرنين جدي مسلما ** ملكًا علا في الأرض غير مفند

غ المغارب والمشارق يبتغي ** أسباب ملك من حكيم مرشد

أى مغيب الشمس عند غروبها ** في عين ذي خلب وثأط حرمد

ثم قال: ويشبه أن يكون هذا القول أقرب لأن الأدواء كانوا من اليمن كذي المنار وذي نواس وذي رعين وذي يزن وذي جدن، واختار هذا القول كاتب جلبي وذكر أنه كان في عصر إبراهيم عليه السلام وأنه اجتمع معه في مكة المكرمة وتعانقا وأن شهرة بلوغ ملك الإسكندر اليوناني تلميذ أرسطو الغاية القصوى في كتب التواريخ كما ذكر الإمام دون هذا إنما هي لقرب زمان اليوناني بالنسبة إليه فإن بينهما نحو ألفي سنة وتواريخ هاتيك الأعصار قد أصابها إعصار ولم يبق ما يعول عليه ويرجع في حل المشكلات إليه، وربما يقال: إن عدم شهرة من ذكر تقوى كونه المسؤول عنه إذ غرض اليهود من السؤال الامتحان وذلك إنما يحسن فيما خفي أمره ولم يشهر إذ الشهرة لاسيما إذا كانت تامة مظنة العلم وإلى كون ذي القرنين في زمان إبراهيم عليه السلام ذهب غير واحد، وقد ذكر الأزرقي أنه أسلم على يده عليه السلام وطاف معه بالكعبة وكان ثالثهما إسماعيل عليه السلام، وروي أنه حج ماشيًا فلما سمع إبراهيم عليه السلام بقدومه تلقاه ودعا له وأوصاه بوصايا، وقيل: أتى بفرس ليركب فقال: لا أركب في بلد فيه الخليل فعند ذلك سخر له السحاب ومد له في الأسباب وبشره إبراهيم عليه السلام بذلك فكانت السحابة تحمله وعساكره وجميع آلهتهم إذا أرادوا غزو قوم وهؤلاء لم يصرحوا بأن ذا القرنين هذا هو الحميري الذي ذكر لكن مقتضى كلام كاتب جلبي إنه هو.
وذكر أنه يمكن أن يكون اسكندر لقبًا لمن ذكر معربًا عن الكسندر ومعناه في اللغة اليونانية آدمي جيد، وربما يقال: إن من قال: اسم الإسكندر مصعب بن عبد الله بن قينان بن منصور إلى آخر النسب السابق المنتهى إلى قحطان عنى هذا الرجل الحميري لا الرومي ولا اليوناني لكن وهم الناقل لأنه لم يقل أحد بأن الروم من أبناء قحطان وكذا اليونان، نعم ذكر يعقوب بن إسحاق الكندي أن يونان أخو قحطان ورد عليه أبو العباس الناشىء في قصيدته حيث قال:
أبا يوسف إني نظرت فلم أجد ** على الفحص رأيًا صح منك ولا عقدا

وصرت حكيمًا عند قوم إذا امرؤ ** بلاهم جميعًا لم يجد عندهم عهدا

قرن الحادا بدين محمد ** لقد جئت شيئًا يا أخا كندة إذا

تخلط يونانا بقحطان ضلة ** لعمري لقد باعدت بينهما جدا

والمذكور في كتب التواريخ أن ملوك اليمن إلى أن غلبت الحبشة عليها من أبناء قحطان.