فصل: تفسير الآيات (99- 102):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أنا أسير قدامك والهضاب أمهد أكسر مصراعي النحاس ومغاليق الحديد أقصف.
وأعطيك ذخائر الظلمة وكنوز المخابي.
لكي تعرف أني أنا الرب الذي يدعوك باسمك.
لقبتك وأنت لست تعرفني.
ولو قطع النظر عن كونه وحيا فاليهود على ما بهم من العصبية المذهبية لا يعدون رجلا مشركا مجوسيا أو وثنيا- لو كان كورش كذلك- مسيحا إلهيا مهديا مؤيدا وراعيا للرب.
على أن النقوش والكتابات المخطوطة بالخط المسماري المأثور عن داريوش الكبير وبينهما من الفصل الزماني ثماني سنين ناطقة بكونه موحدا غير مشرك، وليس من المعقول أن يتغير ما كان عليه كورش في هذا الزمن القصير.
وأما فضائله النفسانية فيكفي في ذلك الرجوع إلى المحفوظ من أخباره وسيرته وما قابل به الطغاة والجبابرة الذين خرجوا عليه أو حاربهم كملوك ماد و ليديا و بابل و مصر وطغاة البدو في أطراف بكتريا وهو البلخ وغيرهم، وكان كلما ظهر على قوم عفا عن مجرميهم، وأكرم كريمهم ورحم ضعيفهم وساس مفسدهم وخائنهم.
وقد أثنى عليه كتب العهد القديم، واليهود يحترمه أعظم الاحترام لما نجاهم من أساره بابل وأرجعهم إلى بلادهم وبذل لهم الاموال لتجديد بناء الهيكل ورد إليهم نفائس الهيكل المنهوبة المخزونة في خزائن ملوك بابل، وهذا في نفسه مؤيد آخر لكون ذي القرنين هو كورش فإن السؤال عن ذي القرنين إنما كان بتلقين من اليهود على ما في الروايات.
وقد ذكره مؤرخو يونان القدماء كهرودت وغيره فلم يسعهم إلا أن يصفوه بالمروة والفتوة والسماحة والكرم والصفح وقلة الحرص والرحمة والرأفة ويثنوا عليه بأحسن الثناء.
وأما تسميته بذي القرنين فالتواريخ وإن كانت خاليه عما يدل على شئ في ذلك لكن اكتشاف تمثاله الحجري اخيرا في مشهد مرغاب في جنوب إيران يزيل الريب في اتصافه بذي القرنين فإنه مثل فيه ذا قرنين نابتين من أم رأسه من منبت واحد أحد القرنين مائل إلى قدام والاخر آخذ جهة الخلف.
وهذا قريب من قول من قال من القدماء في وجه تسمية ذي القرنين أنه كان له تاج أو خوذة فيه قرنان.
وقد ورد في كتاب دانيال ذكر رؤيا رأى كورش فيه في صورة كبش ذي قرنين قال فيه.
في السنة الثالثة من ملك بيلشاصر الملك ظهرت لي انا دانيال رؤيا بعد التي ظهرت لي في الابتداء.
فرأيت في الرؤيا وكأن في رؤياي وانا في شوشن القصر الذي في ولاية عيلام.
ورأيت في الرؤيا وأنا عند نهر اولاي فرفعت عيني وإذا بكبش واقف عند النهر وله قرنان والقرنان عاليان والواحد اعلى من الاخر والاعلى طالع اخيرا.
رأيت الكبش ينطح غربا وشمالا وجنوبا فلم يقف حيوان قدامه ولا منفذ من يده وفعل كمرضاته وعظم.
وبينما كنت متأملا إذا بتيس من المعزجاء من المغرب على وجه كل الأرض ولم يمس الأرض وللتيس قرن معتبر بين عينيه.
وجاء إلى الكبش صاحب القرنين الذي رأيته واقفا عند النهر وركض إليه بشدة قوته ورايته قد وصل إلى جانب الكبش فاستشاط عليه وضرب الكبش وكسر قرنيه فلم تكن للكبش قوة على الوقوف امامه وطرحه على الأرض وداسه ولم يكن للكبش منفذ من يده.
فتعظم تيس المعز جدا.
ثم ذكر بعد تمام الرؤيا أن جبرئيل تراءى له وعبر رؤياه بما ينطبق فيه الكبش ذو القرنين على كورش، وقرناه مملكتا الفارس وماد، والتيس ذو القرن الواحد على الإسكندر المقدونى.
وأما سيره نحو المغرب والمشرق فسيره نحو المغرب كان لدفع طاغية ليديا وقد سار بجيوشه نحو كورش ظلما وطغيانا من غير أي عذر يجوز له ذلك فسار إليه وحاربه وهزمه ثم عقبه حتى حاصره في عاصمة ملكه ثم فتحها وأسره ثم عفا عنه وعن سائر أعضاده وأكرمه وإياهم وأحسن إليهم وكان له أن يسوسهم ويبيدهم وانطباق القصة على قوله تعالى: {حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة}- ولعلها الساحل الغربي من آسيا الصغرى – {ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا} وذلك لاستحقاقهم العذاب بطغيانهم وظلمهم وفسادهم.
ثم إنه سار نحو الصحراء الكبير بالمشرق حوالي بكتريا لاخماد غائلة قبائل بدوية همجية انتهضوا هناك للمهاجمة والفساد وانطباق قوله تعالى: {حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا} عليه ظاهر.
وأما بناؤه السد: فالسد الموجود في مضيق جبال قفقاز الممتدة من بحر الخزر إلى البحر الاسود، ويسمى المضيق داريال وهو واقع بلدة تفليس وبين ولادي كيوكز.
وهذا السد واقع في مضيق بين جبلين شاهقين يمتدان من جانبيه وهو وحده الفتحة الرابطة بين جانبي الجبال الجنوبي والشمالي والجبال مع ما ينضم إليها من بحر الخزر والبحر الاسود حاجز طبيعي في طول الوف من الكيلو مترات يحجز جنوب آسيا من شمالها.
وكان يهجم في تلك الاعصار أقوام شريرة من قاطني الشمال الشرقي من آسيا من مضيق جبال قفقاز إلى ما يواليها من الجنوب فيغيرون على ما دونها من أرمينستان ثم إيران حتى الاشور وكلده، وهجموا في حوالي المائة السابعة قبل الميلاد فعمموا البلاد قتلا وسبيا ونهبأ حتى بلغوا نينوى عاصمة الاشور وكان ذلك في القرن السابق على عهد كورش تقريبا.
وقد ذكر المؤرخون من القدماء كهرودوت اليونانى سير كورش إلى شمال إيران لاخماد نوائر فتن اشتعلت هناك، والظاهر أنه بنى السد في مضيق داريال في مسيره هذا لاستدعاء من أهل الشمال وتظلم منهم، وقد بناه بالحجارة والحديد وهو الردم الوحيد الذي استعمل فيه الحديد، وهو بين سدين جبلين، وانطباق قوله تعالى: {فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما آتوني زبر الحديد} الآيات عليه ظاهر.
ومما أيد به هذا المدعى وجود نهر بالقرب منه يسمى سايروس وهو اسم كورش عند الغربيين، ونهر آخر يمر بتفليس يسمى كر وقد ذكر هذا السد يوسف اليهودي المؤرخ عند ذكر رحلته إلى شمال قفقاز وليس هو الحائط الموجود في باب الابواب على ساحل بحر الخزر فإن التاريخ ينسب بناءه إلى كسرى أنو شيروان وكان يوسف قبله.
على أن سد باب الابواب غير سد ذي القرنين المذكور في القرآن قطعا إذ لم يستعمل فيه حديد قط. وأما يأجوج ومأجوج فالبحث عن التطورات الحاكمة على اللغات يهدينا إلى أنهم المغول فإن الكلمة بالتكلم الصيني منكوك أو منجوك ولفظتا يأجوج ومأجوج كأنهما نقل عبرانى وهما في التراجم اليونانية وغيرها للعهد العتيق كوك و مأكوك والشبه الكامل بين ماكوك و منكوك يقضي بأن الكلمة متطورة من التلفظ الصيني منكوك كما اشتق منه منغول و مغول ولذلك في باب تطورات الالفاظ نظائر لا تحصى.
فيأجوج ومأجوج هما المغول وكانت هذه الأمة القاطنة بالشمال الشرقي من آسيا من أقدم الاعصار أمة كبيرة مهاجمة تهجم برهة إلى الصين وبرهة من طريق داريال قفقاز إلى أرمينستان وشمال إيران وغيرها وبرهة وهى بعد بناء السد إلى شمال اوربة وتسمى عندهم بسيت ومنهم الأمة الهاجمة على الروم وقد سقطت في هذه الكرة دولة رومان، وقد تقدم أيضا أن المستفاد من كتب العهد العتيق أن هذه الأمة المفسدة من سكنة أقاصى الشمال.
هذه جملة ما لخصناه من كلامه، وهو وإن لم يخل عن اعتراض ما في بعض أطرافه لكنه أوضح انطباقا على الآيات وأقرب إلى القبول من غيره.
ز- ومما قيل في ذي القرنين ما سمعته عن بعض مشايخي أنه من أهل بعض الأدوار السابقة على هذه الدورة الإنسانية وهو غريب ولعله لتصحيح ما ورد في الأخبار من عجائب حالات ذي القرنين وغرائب ما وقع منه من الوقائع كموته وحياته مرة بعد مرة ورفعه إلى السماء ونزوله إلى الأرض وقد سخر له السحاب يسير به إلى المغرب والمشرق، وتسخير النور والظلمة والرعد والبرق له، ومن المعلوم أن تاريخ هذه الدورة لا يحفظ شيئا من ذلك فلابد أن يكون ذلك في بعض الادوار السابقة هذا، وقد بالغ في حسن الظن بتلك الاخبار.
4- أمعن أهل التفسير والمؤرخون في البحث حول القصة، وأشبعوا الكلام في أطرافها، وأكثرهم على أن يأجوج ومأجوج أمة كبيرة في شمال آسيا، وقد طبق جمع منهم ما أخبر به القرآن من خروجهم في آخر الزمان وإفسادهم في الأرض على هجوم التتر في النصف الأول من القرن السابع الهجري على غربي آسيا، وإفراطهم في إهلاك الحرث والنسل بهدم البلاد وإبادة النفوس ونهب الاموال وفجائع لم يسبقهم إليها سابق. وقد أخضعوا أولا الصين ثم زحفوا إلى تركستان وإيران والعراق والشام وقفقاز إلى آسيا الصغرى، وأفنوا كل ما قاومهم من المدن والبلاد والحصون كسمرقند وبخارا وخوارزم ومرو ونيسابور والري وغيرها، فكانت المدينة من المدن تصبح وفيها مئات الألوف من النفوس وتمسي ولم يبق من عامة أهلها نافخ نار، ولا من هامة أبنيتها حجر على حجر. ثم رجعوا إلى بلادهم ثم عادوا وحملوا على الروس ودمروا أهل بولونيا وبلاد المجر وحملوا على الروم وألجؤوهم على الجزية كل ذلك في فجائع يطول شرحها. لكنهم أهملوا البحث عن أمر السد من جهة خروجهم منه وحل مشكلته فإن قوله تعالى: {فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض} الآيات.
ظاهره على ما فسروه أن هذه الأمة المفسدة محبوسون فيما وراءه لا مخرج لهم إلى سائر الأرض مادام معمورا قائما على ساقه حتى إذا جاء وعد الله سبحانه جعله دكاء مثلما أو منهدما فخرجوا منه إلى الناس وساروا بالفساد والشر.
فكان عليهم- على هذا- أن يقرروا للسد وصفه هذا فإن كانت هذه الأمة المذكورة هي التتر وقد ساروا من شمال الصين إلى إيران والعراق والشام وقفقاز إلى آسيا الصغرى فأين كان هذا السد الموصوف في القرآن الذي وطؤوه ثم طلعوا منه إلى هذه البلاد وجعلوا عاليها سافلها؟ وإن لم تكن هي التتر أو غيرها من الأمم المهاجمة في طول التاريخ فأين هذا السد المشيد بالحديد ومن صفته أنه يحبس أمة كبيرة منذ ألوف من السنين من أن تهجم على سائر أقطار الأرض ولا مخرج لهم إلى سائر الدنيا دون السد المضروب دونهم وقد ارتبطت اليوم بقاع الأرض بعضها ببعض بالخطوط البرية والبحرية والهوائية وليس يحجز حاجز طبيعي كجبل أو بحر أو صناعي كسد أو سور أو خندق أمة من أمة فأي معنى لانصداد قوم عن الدنيا بسد بين جبلين بأي وصف وصف وعلى أي نحو فرض؟.
بيان والذي أرى في دفع هذا الإشكال- والله أعلم- أن قوله: {دكاء} من الدك بمعنى الذلة قال في لسان العرب: وجبل دك: ذليل.
انتهى.
والمراد بجعل السد دكاء جعله ذليلا لا يعبأ بأمره ولا ينتفع به من جهة اتساع طرق الارتباط وتنوع وسائل الحركة والانتقال برا وبحرا وجوا.
فحقيقة هذا الوعد هو الوعد برقي المجتمع البشري في مدنيته، واقتراب شتى أممه إلى حيث لا يسده سد ولا يحوطه حائط عن الانتقال من أي صقع من أصقاع الأرض إلى غيره ولا يمنعه من الهجوم والزحف إلى أي قوم شاؤا.
ويؤيد هذا المعنى سياق قوله تعالى في موضع آخر يذكر فيه هجوم يأجوج ومأجوج {حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون} حيث عبر بفتح يأجوج ومأجوج ولم يذكر السد.
وللدك معنى آخر وهو الدفن بالتراب ففي الصحاح: دككت الركى- وهو البئر- دفنته بالتراب انتهى، ومعنى آخر وهو صيرورة الجبل رابية من طين، قال في الصحاح وتد كدكت الجبال أي صارت روابي من طين واحدتها دكاء انتهى.
فمن الممكن أن يحتمل أن السد من جملة أبنية العهود القديمة التي ذهبت مدفونة تحت التراب عن رياح عاصفة أو غريقة بانتقال البحار أو اتساع بعضها على ما تثبتها الأبحاث الجيولوجية، وبذلك يندفع الإشكال لكن الوجه السابق أوجه. والله أعلم. اهـ.

.تفسير الآيات (99- 102):

قوله تعالى: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99) وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102)}.

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

{وتركنا بعضهم} أي بعض من خلف السد ومن أمامه {يومئذ} أي إذ جعلنا السد دكاء وخرجوا مقدمتهم بالشام وساقطتهم بخراسان، وهم- كما قال الله تعالى- {من كل حدب ينسلون}.
{يموج} أي يضطرب {في بعض} كما يموج البحر، فأهلكوا ما مروا عليه من شيء إلا ما أراد الله، ثم أبادهم الذي خلقهم وبقرب ذلك أفنى الخلائق أجمعين {ونفخ في الصور} أي النفخة الثانية لقوله: {فجمعناهم} ويجوز أن تكون هذه الفاء الفصيحة فيكون المراد النفخة الأولى، أو ونفخ في الصور فمات الخلائق كلهم، فبليت أجسامهم، وتفتتت عظامهم، كما كان من تقدمهم، ثم نفخ فيه النفخة الثانية فجمعناهم من التراب بعد تمزقهم فيه، وتفرقهم في أقطار الأرض بالسيول والرياح وغير ذلك {جمعًا} فأقمناهم دفعة واحدة كلمح البصر، وحشرناهم إلى الموقف للحساب ثم العقاب أو الثواب {وعرضنا} أي أظهرنا {جهنم يومئذ} أي إذ جمعناهم لذلك {للكافرين عرضًا} ظاهرًا لهم كل ما فيها من الأهوال وهم لا يجدون عنها مصرفًا؛ ثم وصفهم بما أوجب سجنهم فيها وتجهمها لهم فقال: {الذين كانت} كونًا كأنه جبلة لهم {أعينهم} الوجهية والقلبية {في غطاء عن ذكري} بعدم النظر فيما جعلنا على الأرض من زينة دليلًا على الساعة بإفنائه إثر إحيائه وإعادته بعد إبدائه {وكانوا} بما جبلناهم عليه {لا يستطيعون} أي استطاعة عظيمة تسعدهم، لضعف عقولهم، وغرق استبصارهم في فضولهم {سمعًا} لآياتي التي تسمع الصم وتبصر الكمه، وهو أبلغ في التبكيت بالغباوة والتقريع بالبلادة من مجرد نفي البصر والسمع، لأن ذلك لا ينفي الاستطاعة؛ ثم عطف على ما أفهمه ذلك قوله موبخًا لهم ومبكتًا: {أفحسب} أي أغطوا أعينهم عن آياتي وأصموا أسماعهم عن كلماتي، وعبدوا عبادي فحسبوا لضعف عقولهم، وإنما قال: {الذين كفروا} دلالة على الوصف الذي أوجب لهم ذلك {أن يتخذوا} أي ولو بذلوا الجهد {عبادي} من الأحياء كالملائكة وعزير والمسيح، والأموات كالأصنام.
ولما كان كل شيء دونه سبحانه، وكان لا يستغرق شيء من الأشياء جميع ما دون رتبته من المراتب، أثبت الجار فقال: {من دوني أولياء} أي مبتدئين اتخاذهم من دون إذني، والمفعول الثاني لـ: {حسب} محذوف تقديره: ينصرونهم ويدفعون عنهم ويجعلون بعضهم ولدًا ولا أعذبهم.
ولما كانت غاية اتخاذ الولي أن يفعل ما يفعل القريب من النصر والحماية من كل مؤذ، جاز كون هذا سادًا مسد مفعولي {حسب} لأن معناه: أحسبوا اتخاذهم مانعهم مني؟ ولما كان معنى الاستفهام الإنكاري: ليس الأمر كذلك، بل أصلد زندهم، وخاب جدهم، وغاب سعدهم، حسن جدًا قوله مؤكدًا لأجل إنكارهم: {إنا اعتدنا جهنم} التي تقدم أنا عرضناها لهم {للكافرين نزلًا} نقدمها لهم أول قدومهم كما يعجل للضيف، فلا يقدر أحد على منعها عنهم، ولهم وراءها ما يحتقر بالنسبة إليه كما هو شأن ما بعد النزل بالنسبة إليه. اهـ.