فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

{وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99)}.
اعلم أن الضمير في قوله بعضهم عائد إلى: {يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ} [الأنبياء: 96] وقوله: {يَوْمَئِذٍ} فيه وجوه: الأول: أن يوم السد ماج بعضهم في بعض خلفه لما منعوا من الخروج.
الثاني: أن عند الخروج يموج بعضهم في بعض قيل إنهم حين يخرجون من وراء السد يموجون مزدحمين في البلاد يأتون البحر فيشربون ماءه ويأكلون دوابه ثم يأكلون الشجر ويأكلون لحوم الناس ولا يقدرون أن يأتوا مكة والمدينة وبيت المقدس ثم يبعث الله عليهم حيوانات فتدخل آذانهم فيموتون.
والقول الثالث: أن المراد من قوله: {يَوْمَئِذٍ} يوم القيامة وكل ذلك محتمل إلا أن الأقرب أن المراد الوقت الذي جعل الله ذلك السد دكًا فعنده ماج بعضهم في بعض وبعده نفخ في الصور وصار ذلك من آيات القيامة، والكلام في الصور قد تقدم وسيجيء من بعد، وأما عرض جهنم وإبرازه حتى يصير مكشوفًا بأهواله فذلك يجري مجرى عقاب الكفار لما يتداخلهم من الغم العظيم، وبين تعالى أنه يكشفه للكافرين الذين عموا وصموا، أما العمى فهو المراد من قوله: {كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ في غِطَاء عَن ذِكْرِى} والمراد منه شدة انصرافهم عن قبول الحق، وأما الصمم فهو المراد من قوله: {وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} يعني أن حالتهم أعظم من الصمم لأن الأصم قد يستطيع السمع إذا صيح به وهؤلاء زالت عنهم تلك الاستطاعة واحتج الأصحاب بقوله: {وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} على أن الاستطاعة مع الفعل وذلك لأنهم لما لم يسمعوا لم يستطيعوا، قال القاضي: المراد منه نفرتهم عن سماع ذلك الكلام واستثقالهم إياه كقول الرجل: لا أستطيع النظر إلى فلان.
{أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
اعلم أنه تعالى لما بين من حال الكافرين أنهم أعرضوا عن الذكر وعن استماع ما جاء به الرسول أتبعه بقوله: {أَفَحَسِبَ الذين كَفَرُواْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِى مِن دُونِى أَوْلِيَاء} والمراد أفظنوا أنهم ينتفعون بما عبدوه مع إعراضهم عن تدبر الآيات وتمردهم عن قبول أمره وأمر رسوله وهو استفهام على سبيل التوبيخ.
المسألة الثانية:
قرأ أبو بكر ولم يرفعه إلى عاصم: {أَفَحَسِبَ الذين كَفَرُواْ} بسكون السين ورفع الباء.
وهي من الأحرف التي خالف فيها عاصمًا، وذكر أنه قراءة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وعلى هذا التقدير فقوله: حسب مبتدأ، أن يتخذوا خبر، والمعنى أفكافيهم وحسبهم أن يتخذوا كذا وكذا، وأما الباقون فقرأوا فحسب على لفظ الماضي، وعلى هذا التقدير ففيه حذف والمعنى: أفحسب الذين كفروا اتخاذ عبادي أولياء نافعًا.
المسألة الثالثة:
في العباد أقوال قيل: أراد عيسى والملائكة، وقيل: هم الشياطين يوالونهم ويطيعونهم، وقيل: هي الأصنام سماهم عبادًا كقوله: {عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ}، ثم قال تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ للكافرين نُزُلًا} وفي النزل قولان: الأول: قال الزجاج إنه المأوى والمنزل.
والثاني: أنه الذي يقام للنزيل وهو الضيف، ونظيره قوله: {فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهم القوم الذين ذكرهم ذو القرنين يوم فتح السد يموج بعضهم في بعض.
الثاني: الكفار في يوم القيامة يموج بعضهم في بعض.
الثالث: أنهم الإِنس والجن عند فتح السد.
وفيه وجهان:
أحدهما: يختلط بعضهم ببعض.
الثاني: يدفع بعضهم بعضًا، مأخوذ من موج البحر.
قوله عز وجل: {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي}.
يحتمل وجهين:
أحدهما: أن الضلال كالمغطي لأعينهم عن تَذَكُّر الانتقام.
الثاني: أنهم غفلوا عن الاعتبار بقدرته الموجبة لذكره.
{وَكَانُوا لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} فيه وجهان:
أحدهما: أن المراد بالسمع ها هنا العقل، ومعناه لا يعقلون الثاني: أنه معمول على ظاهره في سمع الآذان. وفيه وجهان:
أحدهما: لا يستطيعونه استثقالًا.
الثاني: مقتًا.
قوله عز وجل: {إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا} فيه تأويلان:
أحدهما: أن النزل الطعام، فجعل جهنم طعامًا لهم، قاله قتادة.
الثاني: أنه المنزل، قاله الزجاج. اهـ.

.قال ابن عطية:

والضمير في {تركنا} لله عز وجل، وقوله: {يومئذ} يحتمل أن يريد به يوم القيامة لأنه قد تقدم ذكره، فالضمير في قوله: {بعضهم} على ذلك لجميع الناس، ويحتمل أن يريد بقوله: {يومئذ} يوم كمال السد، فالضمير في قوله: {بعضهم} على ذلك {يأجوج ومأجوج} [الكهف: 94]، واستعارة الموج لهم عبارة عن الحيرة وتردد بعضهم في بعض كالمولهين من هم وخوف ونحوه، فشبههم بموج البحر الذي يضطرب بعضه في بعض، وقوله: {ونفخ في الصور} إلى آخر الآية معني به يوم القيامة بلا احتمال لغيره، فمن تأول الآية كلها في يوم القيامة، اتسق تأويله، ومن تأول الآية إلى قوله: {يموج في بعض} في أمر يأجوج ومأجوج، تأول القول وتركناهم يموجون دأبًا على مر الدهر وتناسل القرون منهم فنائهم، ثم {نفخ في الصور} فيجتمعون، و{الصور}: في قول الجمهور وظاهر الأحاديث الصحاح، هو القرن الذي ينفخ فيه للقيامة، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنا الجبهة وأصغى بالأذن متى يؤمر»، فشق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «قولوا حسبنا الله وعلى الله توكلنا، ولو اجتمع أهل منى ما أقلوا ذلك القرن»، وأما النفخات، فأسند الطبري إلى أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الصور قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات الأولى نفخة الفزع، والثانية نفخة الصعق، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين»، وقال بعض الناس النفخات اثنتان: نفخة الفزع، وهي نفخة الصعق، ثم الأخرى التي هي للقيام، وملك الصور هو إسرافيل، وقالت فرقة {الصور} جمع صورة، فكأنه أراد صور البشر والحيوان نفخ فيها الروح، والأول أبين وأكثر في الشريعة، وقوله: {وعرضنا جهنم} معناه: أبرزناها لهم لتجمعهم وتحطمهم، ثم أكد بالمصدر عبارة عن شدة الحال، وروى الطبري في هذا حديثًا مضمنه أن النار ترفع لليهود والنصارى كأنها السراب، فيقال هل لكم في الماء حاجة؟ فيقولون نعم، وهذا مما لا صحة له.
{الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي}.
قوله: {أعينهم} كناية عن البصائر، لأن عين الجارحة لا نسبة بينها وبين الذكر، والمعنى: الذين فكرهم بينها وبين {ذكري} والنظر في شرعي حجاب، وعليها {غطاء} ثم قال إنهم {كانوا لا يستطيعون سمعًا} يريد لإعراضهم ونفارهم عن دعوة الحق، وقرأ جمهور الناس: {أفحسِب الذين} بكسر السين بمعنى: أظنوا، وقرأ علي بن أبي طالب والحسن وابن يعمر ومجاهد وابن كثير بخلاف عنه: {أفحسْبُ} بسكون السين وضم الباء بمعنى أكافيهم ومنتهى غرضهم، وفي مصحف ابن مسعود {أفظن الذين كفروا}، وهذه حجة لقراءة الجمهور، وقال جمهور المفسرين يريد كل من عبد من دون الله كالملائكة وعزير وعيسى، فيدخل في {الذين كفروا} بعض العرب واليهود والنصارى، والمعنى أن ذلك ليس كظنهم، بل ليس من ولاية هؤلاء المذكورين شيء، ولا يجدون عندهم منتفعًا و{أعتدنا} معناه: يسرنا، والنزل موضع النزول، والنزل أيضًا ما يقدم للضيف أو القادم من الطعام عند نزوله، ويحتمل أن يراد بالآية هذا المعنى أن المعد لهم بدل النزول جهنم، كما قال الشاعر: الوافر:
تحية بينهم ضرب وجيع

اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض}.
في المشار إِليهم ثلاثة أقوال.
أحدها: أنهم يأجوج ومأجوج.
ثم في المراد بـ: {يومئذ} قولان.
أحدهما: أنه يوم انقضى أمر السدِّ، تُركوا يموج بعضهم في بعض من ورائه مختلطين لكثرتهم؛ وقيل: ماجوا متعجبين من السدِّ.
والثاني: أنه يوم يخرجون من السدِّ تُركوا يموج بعضهم في بعض.
والثاني: أنهم الكفار.
والثالث: أنهم جميع الخلائق.
الجن والإِنس يموجون حيارى.
فعلى هذين القولين، المراد باليوم المذكور يوم القيامة.
قوله تعالى: {ونُفخ في الصُّور} هذه نفخة البعث.
وقد شرحنا معنى {الصُّور} في [الأنعام: 73].
قوله تعالى: {وعرضنا جهنم} أي: أظهرناها لهم حتى شاهدوها.
قوله تعالى: {الذين كانت أعينهم} يعني: أعين قلوبهم {في غِطاءٍ} أي: في غفلةٍ {عن ذِكْري} أي: عن توحيدي والإِيمان بي وبكتابي {وكانوا لا يستطيعون سمعًا} هذا لعداوتهم وعنادهم وكراهتهم ما يُنْذَرون به، كما تقول لمن يكره قولك: ما تقدر أن تسمع كلامي.
قوله تعالى: {أفحسب الذين كفروا} أي: أفَظَنَّ المشركون {أن يتخذوا عبادي} في هؤلاء العباد ثلاثة أقوال.
أحدها: أنهم الشياطين، قاله ابن عباس.
والثاني: الأصنام، قاله مقاتل.
والثالث: الملائكة والمسيح وعزير وسائر المعبودات من دونه، قاله أبو سليمان الدمشقي.
قوله تعالى: {من دوني} فتح هذه الياء نافع، وأبو عمرو.
وجواب الاستفهام في هذه الآية محذوف، وفي تقديره قولان.
أحدهما: أفحسبوا أن يتخذوهم أولياء، كلا بل هم أعداءٌ لهم يتبرؤون منهم.
والثاني: أن يتخذوهم أولياء ولا أغضبُ ولا أعاقُبهم.
وروى أبان عن عاصم، وزيد عن يعقوب: {أَفَحَسْبُ} بتسكين السين وضم الباء، وهي قراءة علي عليه السلام، وابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، وابن يعمر، وابن محيصن؛ ومعناها: أفيكفيهم أن يتخذوهم أولياء؟.
فأما النُّزُل ففيه قولان.
أحدهما: أنه ما يُهيَّأَ للضيف والعسكر، قاله ابن قتيبة.
والثاني: أنه المنزل، قاله الزجاج. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ}.
الضمير في {تركنا} لله تعالى؛ أي تركنا الجن والإنس يوم القيامة يموج بعضهم في بعض.
وقيل: تركنا يأجوج ومأجوج {يومئذٍ} أي وقت كمال السدّ يموج بعضهم في بعض.
واستعارة الموج لهم عبارة عن الحيرة وتردّد بعضهم في بعض، كالمولهين من هَمٍّ وخوف؛ فشبههم بموج البحر الذي يضطرب بعضه في بعض.
وقيل: تركنا يأجوج ومأجوج يوم انفتاح السدّ يموجون في الدنيا مختلطين لكثرتهم.
قلت: فهذه ثلاثة أقوال، أظهرها أوسطها، وأبعدها آخرها، وحسن الأول؛ لأنه تقدّم ذكر القيامة في تأويل قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي} [الكهف: 98].
والله أعلم.
قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصور} تقدّم في الأنعام.
{فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} يعني الجن والإنس في عرصات القيامة.
{وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ} أي أبرزناها لهم.
{يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا}.
{الذين كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ} في موضع خفض نعت للكافرين.
{فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي} أي هم بمنزلة من عينه مغطاة فلا ينظر إلى دلائل الله تعالى.
{وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} أي لا يطيقون أن يسمعوا كلام الله تعالى، فهم بمنزلة من صمَّ.
قوله تعالى: {أَفَحَسِبَ الذين كفروا} أي ظن.
وقرأ عليّ وعكرمة ومجاهد وابن محيصن {أَفَحَسْبُ} بإسكان السين وضم الباء؛ أي كَفَاهم. {أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي} يعني عيسى والملائكة وعزيرًا. {مِن دوني أَوْلِيَاءَ} ولا أعاقبهم؛ ففي الكلام حذف. وقال الزجاج: المعنى؛ أفحسبوا أن ينفعهم ذلك. {إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا}. اهـ.