فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



كما قال في آية أخرى: {وَلَوْ أَنَّمَا في الأرض مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ والبحر يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كلمات الله إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [لقمان: 27].
{وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا}، أي بمثل البحر، وقرأ بعضهم {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مِدَادًا}.
وقراءة العامة {مَدَدًا} ومعناهما واحد {يُؤْتِى الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألباب} [البقرة: 269] وهو قليل عند علم الله تعالى.
{قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يوحى إِلَىَّ أَنَّمَا إلهكم إله وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ}، أي من يخاف البعث بعد الموت.
{فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالحا}، أي خالصًا فيما بينه وبين الله تعالى، {وَلاَ يُشْرِكْ}؛ أي لا يخلط ولا يرائي {بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا}.
وقال سعيد بن جبير {فَمَن كَانَ يَرْجُو}، أي من كان يوجو ثواب ربه؛ وروي عن مجاهد أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إني أتصدق بالصدقة وألتمس بها وجه الله، وأحب أن يقال لي خيرًا.
فنزل: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالحا}.
قرأ حمزة والكسائي وابن عامر في إحدى الروايتين {أن يَنفَدُ} بالياء بلفظ التذكير، وقرأ الباقون بالتاء بلفظ التأنيث؛ لأن الفعل إذا كان مقدمًا على الاسم يجوز التأنيث والتذكير.
قال الفقيه: حدّثنا أبو الحسن أحمد بن عمران قال: حدّثنا أبو عبد الله المديني، عن مخلد بن عبد الواحد، عن الخليل، عن علي بن زيد بن جدعان، عن زر بن حبيش، عن أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الكَهْفِ فَهُوَ مَعْصُومٌ ثَمَانِيَةَ أيَّامٍ مِنْ كُلِّ فِتْنَةٍ تَكُونُ، فَإنْ خَرَجَ الدَّجَّالُ فِي تِلْكَ الثَّمَانِيَةِ أيَّامٍ، عَصَمَهُ الله مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَمَنْ قَرَأ الآيةَ الَّتِي فِي آخِرِهَا {قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ} إلى الخاتِمَةِ حِينَ يَأْخُذُ مَضْجَعَهُ، كَانَ لَهُ نُورٌ يَتَلألأ فِي مَضْجعِهِ إلى مَكَّةَ، حَشْوُ ذلك النُّورِ مَلائِكَةٌ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى يَقُومَ مِنْ مَضْجَعِهِ وَإنْ كَانَ مَضْجعُهُ بِمَكَّةَ فَتَلاَهَا، كَانَ نُورٌ يَتلأْلأ مِنْ مَضْجَعِهِ إلى البَيْتِ المَعْمُورِ، حَشْوُ ذلكَ النُّورِ مَلائِكَةٌ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ مِنْ نَوْمِهِ».
إلى غير ذلك مما ورد في فضلها من الأخبار والآثار؛ وصلى الله على سيدنا محمد النبي المختار وعلى آله وصحابته الأطهار، صلاة وسلامًا دائمين ما تعاقب الليل والنهار، آمين آمين آمين؛ والحمد لله رب العالمين. اهـ.

.قال الثعلبي:

{أَمَّا السفينة فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي البحر}.
قال كعب: كانت لعشرة إخوة: خمسة منهم زمنى، وخمسة منهم يعملون في البحر. وفي قوله: {مَسَاكِينَ} دليل على أن المسكين وإن كان مَلَكَ شيئًا فلا يزول عنه اسم المسكنة إذا كانت به حاجة إلى ما هو زيادة على ملكه، ويجوز له أخذ الزكاة. وأخبرنا أبو بكر عبد الرحمن بن علي الحمشادي، عن أحمد بن الحسين بن علي الرازي قال: أبو الحسن أحمد بن زكريا المقدسي عن إبراهيم بن عبد الله الصنعاني عن إبراهيم بن الحكم عن أبيه عن عكرمة قال: قلت لابن عباس: قوله: {أَمَّا السفينة فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي البحر}، كانوا مساكين والسفينة تساوي ألف دينار؟ قال: إن المسافر مسكين ولو كان معه ألف دينار. {فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم} أي أمامهم وقدّامهم كقوله تعالى: {مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ} [إبراهيم: 16] {وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ} [المؤمنون: 100] أي أمامهم. قال الشاعر:
أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي ** وقومي تميم والفلاة ورائيا

وقيل: {وَرَاءَهُم}: خلفهم، وكان رجوعهم في طريقهم عليه، ولم يكونوا يعلمون بخبره فأعلم الله الخضر عليه السلام بخبره. {مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا}، أي كل سفينة صالحة، فاكتفى بدلالة الكلام عليه، يدل عليه ما روى سفيان عن عمر بن دينار عن ابن عباس أنه يقرأ: {وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبًا}. فخرقها وعيّبها، لئلاّ يتعرض لها ذلك الملك، واسمه جلندى وكان كافرًا. قال محمد بن إسحاق: وكان اسمه منواه بن جلندى الأردني. وقال شعيب الجبائي اسمه هدد بن بدد.
{وَأَمَّا الغلام فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَآ}، أي فعلمنا. وفي مصحف أُبيّ: {فخاف ربك} أي علم، ونظائره كثيرة. وقال قطرب: معناه فكرهنا، كما تقول: فرّقت بين الرجّلين خشية أن يقتتلا، وليست فيك خشية ولكن كراهة أن يقتتلا. {أَن يُرْهِقَهُمَا}، أي يهلكهما. وقيل: يغشاهما. وقال الكلبي: يكلّفهما {طُغْيَانًا وَكُفْرًا}، قال سعيد بن جبير: خشينا أن يحملهما حبّه على أن يدخلهما معه في دينه.
{فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً}: صلاحًا وإسلامًا {وَأَقْرَبَ رُحْمًا} هو من الرحم والقرابة. وقيل: هو من الرحمة، يقال: رحَم ورحُم للرحمة، مثل هلك وهلك، وعمر وعمر، قال العجّاج:
ولم تعوَّج رحمُ من تعوّجا

قال ابن عباس: {وَأَقْرَبَ رُحْمًا} يعني: وأوصل للرحم وأبرّ بوالديه. قال قتادة: أقرب خيرًا، وقال ابن جريج: يعني أرحم به منهما بالمقتول. وقال الفراء: وأقرب أن يرحما له. قال الكلبي: أبدلهما الله جارية، فتزوّجها نبّي من الأنبياء، فولدت له نبيًا فهدى الله عزّ وجلّ على يديه أُمّة من الأُمم. وأخبرنا عبد الله بن حامد عن حامد بن أحمد قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يحيى بن الحرث القاضي عن عبد الوّهاب بن فليح عن ميمون بن عبد الله القدّاح عن جعفر بن محمد عن أبيه في هذه الآية قال: «أبدلهما جارية فولدت سبعين نبيًا».
وقال ابن جريج: أبدلهما بغلام مسلم وكان المقتول كافرًا وكذلك هو في حرف اُبي: {فأما الغلام فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين}. وقال قتادة: قد فرح به أبواه حين ولد وحزنا عليه حين قتل، ولو بقي كان فيه هلاكهما، فليرضَ امرؤ بقضاء الله؛ فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحب.
{وَأَمَّا الجدار فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي المدينة} واسمهما أصرم وصريم {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا} اختلفوا في ذلك الكنز ما هو، فقال بعضهم: صحف فيها علم مدفونة تحته، وهو قول سعيد ابن جبير. وقال ابن عباس: ما كان الكنز إلاّ علمًا، وقال الحسن وجعفر بن محمد: «كان لوحًا من ذهب مكتوبًا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن، وعجبت لمن يوقن بالرزق كيف يتعب، وعجبت لمن يوقن بالموت كيف يفرح، وعجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل، وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلّبها بأهلها كيف يطمئن إليها. لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله».
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا القول مرفوعًا في بعض الروايات أنه كان مكتوبًا في ذلك اللوح تحت ما ذكر هذه الآيات: «يا أيُّها المهتم همًا لا تهمّه، إنك إن تدركك الحمّى تحمّ... علوت شاهقًا من العلم كيف توقيك وقد جفّ القلم؟».
وقال عكرمة كان ذلك الكنز مالًا. أخبرنا أبو بكر الحمشادي: حدثنا أبو الحسن أحمد ابن محمد بن قيدوس الطرائقي عن عثمان بن سعيد عن صفوان بن صالح الثقفي عن الوليد بن مسلم عن يزيد بن يوسف الصنعاني عن يزيد بن أبي يزيد عن مكحول عن أبي الدرداء قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا}، قال: كان ذهبًا وفضّة».
{وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا}، واسمه كاشح، وكان من الأتقياء. ذكر أنهما حفظا بصلاح أبيهما ولم يذكر منهما صلاح، وكان بينهما وبين الأب الذي حُفظا به سبعة آباء، وكان سيّاحًا. وأخبرنا عبد الله بن حامد بن محمد عن بشر بن موسى عن الحميدي عن سفيان عن محمد ابن سوقة عن محمد بن المنكدر قال: إنّ الله عزّ وجلّ ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده، وعشيرته التي هو فيها، والدويرات حوله، فما يزالون في حفظ الله وستره.
وعن سعيد بن المسيّب أنه كان إذا رأى ابنه قال: أي بني لأزيدن صلاتي من أجلك، رجاء أن أحفظ فيك. ويتلو هذه الآية. وأخبرنا عبد الله بن حامد عن الحسين بن محمد بن الحسين البلخي عن أحمد بن الليث بن الخليل عن عمر بن محمد قال: حدّثني محمد بن الهيثم ابن عبد الله الضبيعي عن العباس بن محمد بن عبد الرحمن: حدّثني أبي عن يحيى بن إسماعيل بن مسلمة ابن كهيل قال: كانت لي أخت أسن منّي فاختلطت وذهب عقلها، وتوحّشت، وكانت في غرفة في أقصى سطوحها، فمكثت بذلك بضع عشرة سنة، وكانت مع ذهاب عقلها تحرص على الصلاة والطهور. فبينا أنا نائم ذات ليلة إذ باب بيتي يُدق في نصف الليل، فقلت: من هذا؟ قالت: بحّة. قلت: أُختي قالت: أُختك. فقلت: لبيك. وقمت ففتحت الباب، فدخلت ولا عهد لها بالبيت منذ أكثر من عشر سنين، فقلت لها: يا أخته خيرًا؟ قالت: خير، أُتيت الليلة في منامي، فقيل: السلام عليك يا بحّة، فقلت: وعليك السلام، فقيل: إنّ الله قد حفظ أباك إسماعيل بن سلمة بن كهيل بسلمة جدك، وحفظك بأبيك إسماعيل، فإن شئت دعوت الله لك فأذهب ما بك، وإن شئت صبرت ولك الجنّة، فإن أبا بكر وعمر قد تشفعا لك إلى الله عزّ وجلّ بحب أبيك وجدك إيّاهما.
فقلت: إن كان لابد من اختيار أحدهما، فالصبر على ما أنا فيه والجنّة، فإن الله عزّ وجلّ لواسع لخلقه لا يتعاظمه شيء، إن يشأ يجمعهما لي فعل. قالت: فقيل لي: قد جمعهما الله عزّ وجلّ لك ورضي عن أبيك وجدك بحبهما أبا بكر وعمر، قومي فانزلي. قال: فأذهب الله ما بها.
{فَأَرَادَ رَبُّكَ} يا موسى {أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا}، أي يدركا شدّتهما وقوّتهما. وقيل: ثماني عشرة سنة، {وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا} المكنوز تحت الجدار، {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} برأيي ومن تلقاء نفسي، بل فعلت عن أمر الله عزّ وجلّ. {ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْر} و اسطاع و استطاع بمعنى واحد.
{وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي القرنين قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا}، اختلفوا في نبوّته فقال بعضهم: كان نبيًا. وقال الآخرون: كان ملكًا عادلًا صالحًا.
أخبرنا أبو منصور الحمشادي: أبو عبد الله محمد بن يوسف عن وكيع عن العلاء بن عبد الكريم قال: سمعت مجاهدًا يقول: ملك الأرض أربعة: مؤمنان، وكافران. فأما المؤنان فسليمان وذو القرنين، وأما الكافران فنمرود وبخت نصّر.
واختلفوا في سبب تسميته بذي القرنين، فقال بعضهم: سُمي بذلك، لأنه ملك الروم وفارس. وقيل: لأنه كان في رأسه شبه القرنين. وقيل: لأنه رأى في منامه كأنه أخذ بقرني الشمس فكان تأويل رؤياه أنه طاف الشرق والغرب. وقيل: لأنه دعا قومه إلى التوحيد فضربوه على قرنه الأيمن ثمّ دعاهم إلى التوحيد فضربوه على قرنه الأيسر. وقيل: لأنه كان له ذؤابتان حسناوان، والذؤابة تسمى قرنًا. وقيل: لأنه كريم الطرفين من أهل بيت شرف من قبل أبيه وأمه. وقيل: لأنه انقرض في وقته قرنان من الناس، وهو حي. وقيل: لأنه إذا كان حارب قاتل بيده وركابه جميعًا. وقيل: لأنه أُعطي علم الظاهر الباطن. وقيل: لأنه دخل النور والظلمة.
{إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرض} أوطأنا له في الأرض فملكها وهديناه طرقها، {وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ} يحتاج إليه الخلق. وقيل: من كل شيء يستعين به الملوك على فتح المدن ومحاربة الأعداء {سَبَبًا} علمًا يتسبّب به إليه. وقال الحسن: بلاغًا إلى حيث أراد. وقيل: قربنا إليه أقطار الأرض، كما سخرنا الريح لسليمان عليه السلام.
{فَأَتْبَعَ}: سلك وسار. وقرأ أهل الكوفة: {فأتبع}، {ثمّ اتبع} بقطع الألف وجزم الثاني: لحق {سَبَبًا}، قال ابن عباس: منزلًا، وقال مجاهد: طريقًا بين المشرق والمغرب، نظير قوله تعالى: {لعلي أَبْلُغُ الأسباب أَسْبَابَ السماوات} [غافر: 36-37] يعني الطرق.
{حتى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشمس وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} قرأ العبادلة: عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن الزبير، والحسن، وأبو جعفر، وابن عامر وأيوب، وأهل الكوفة: {حامية} بالألف، أي حارة. ويدل عليه ما أخبرنا عبد الله بن حامد عن أحمد بن عبد الله بن سليمان عن عثمان بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون عن سفيان بن الحسين عن الحكم ابن عيينة عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذرّ قال: كنت ردف النبّي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أبا ذر أين تغرب هذه؟». قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنها تغرب في عين حامية».
وقال عبد الله بن عمرو: «نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشمس حين غابت فقال: في نار الله الحامية، في نار الله الحامية فلولا ما يزعمها من أمر الله عزّ وجلّ لأحرقت ما على الأرض».
وقرأ الباقون: {حَمِئَةٍ} مهموزة بغير ألف، يعني: ذات حمأة، وهي الطينة السوداء. يدل عليه ما روى سعد بن أوس عن مصرع بن يحيى عن ابن عباس قال: أقرأنيها أُبيّ بن كعب كما أقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم {تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} وقال كعب: أجدها في التوراة: في عين سّوداء، فوافق ابن عباس. أبو أسامة عن عمرو بن ميمون قال: سمعت أبا حاضر أو ابن حاضر رجل من الأزد يقول: سمعت ابن عباس يقول: إنّي لجالس عند معاوية إذ قرأ هذه الآية: {وجدها تغرب في عين حامية} فقلت: ما نقرؤها إلاّ {حَمِئَةٍ}. فقال معاوية لعبد الله بن عمر: وكيف تقرؤها؟ قال: كما قرأتها يا أمير المؤمنين. قال ابن عباس: فقلت: في بيتي نزل القرآن. فأرسل معاوية إلى كعب، فجاءه فقال: أين تجد الشمس تغرب في التوراة يا كعب؟ قال: أما العربية فأنتم أعلم بها، وأما الشمس فإنّي أجدها في التوراة تغرب في ماء وطين. قال: فقلت لابن عباس: لو كنت عندكما لأنشدت كلامًا تزداد به نصرة في قولك: {حَمِئَةٍ}. قال ابن عباس: فإذن ما هو؟ فقلت: قول تبع:
قد كان ذو القرنين قبلي مسلمًا ** ملِكًا تدين له الملوك وتسجد

بلغ المشارق والمغارب يبتغي ** أسباب أمر من حكيم مرشد