فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{قَالَ} ذو القرنين {أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ} بالقتل {ثُمَّ يُرَدُّ إلى رَبّهِ فَيُعَذّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا} في القيامة يعني أما من دعوته إلى الإسلام فأبى إلا البقاء على الظلم العظيم وهو الشرك فذاك هو المعذب في الدارين.
{وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالحا} أي عمل ما يقتضيه الإيمان {فَلَهُ جَزَاء الحسنى} فله جزاء الفعلة الحسنى التي هي كلمة الشهادة.
{جزاءً الحسنى} كوفي غير أبي بكر أي فله الفعلة الحسنى جزاء {وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا} أي ذا يسر أي لا نأمره بالصعب الشاق ولكن بالسهل المتيسر من الزكاة والخراج وغير ذلك {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا حتى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشمس وَجَدَهَا تَطْلُعُ على قَوْمٍ} هم الزنج {لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مّن دُونِهَا} من دون الشمس {سِتْرًا} أي أبنية عن كعب أرضهم لا تمسك الأبنية وبها أسراب فإذا طلعت الشمس دخلوها فإذا ارتفع النهار خرجوا إلى معايشهم، أو الستر اللباس.
عن مجاهد: من لا يلبس الثياب من السودان عند مطلع الشمس أكثر من جميع أهل الأرض.
{كذلك} أي أمر ذي القرنين كذلك أي كما وصفناه تعظيمًا لأمره {وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ} من الجنود والآلات وأسباب الملك {خُبْرًا} نصب على المصدر لأن في {أحطنا} معنى خبرنا، أو بلغ مطلع الشمس مثل ذلك أي كما بلغ مغربها، أو تطلع على قوم مثل ذلك القبيل الذي تغرب عليهم يعني أنهم كفرة مثلهم وحكمهم مثل حكمهم في تعذيبه لمن بقي منهم على الكفر وإحسانه إلى من آمن منهم {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا حتى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} بين الجبلين وهما جبلان سد ذو القرنين ما بينهما.
{السَّدين} و{سًدًا} مكي وأبو عمرو وحفص {السُّدين} و{سدا} حمزة وعلي، وبضمهما: غيرهم.
قيل: ما كان مسدودًا خلقة فهو مضموم، وما كان من عمل العباد فهو مفتوح.
وانتصب {بين} على أنه مفعول به لـ: {بلغ} كما انجر بالإضافة في {هذا فراق بيني وبينك} وكما ارتفع في {لقد تقطع بينكم} [الأنعام: 94] لأنه من الظروف التي تستعمل أسماء وظروفًا وهذا المكان في منقطع أرض الترك مما يلي المشرق {وَجَدَ مِن دُونِهِمَا} من ورائهما {قَوْمًا} هم الترك {لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا} أي لا يكادون يفهمونه إلا بجهد ومشقة من إشارة ونحوها.
{يُفقهون} حمزة وعلى أن لا يفهمون السامع كلامهم ولا يبينونه لأن لغتهم غريبة مجهولة.
{قَالُواْ ياذا القرنين إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ} هما اسمان أعجميان بدليل منع الصرف، وهمزهما عاصم فقط.
وهما من ولد يافث أو يأجوج من الترك ومأجوج من الجيل والديلم {مُفْسِدُونَ في الأرض} قيل كانوا يأكلون الناس.
وقيل: كانوا يخرجوا أيام الربيع فلا يتركون شيئًا أخضر إلا أكلوه، ولا يابسًا إلا احتملوه، ولا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه كلهم قد حمل السلاح.
وقيل: هم على صنفين طوال مفرطو الطول وقصار مفرطو القصر {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا} {خراجا} حمزة وعلي أي جعلًا نخرجه من أموالنا ونظيرهما النول والنوال {على أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّا}.
{قال ما مكَّني} بالإدغام وبفكه مكي {فِيهِ رَبّى خَيْرٌ} أي ما جعلني فيه مكينًا من كثرة المال واليسار خير مما تبذلون لي من الخرج فلا حاجة لي إليه {فَأَعِينُونِى بِقُوَّةٍ} بفعلة وصناع يحسنون البناء والعمل وبالآلات {أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} جدارًا وحاجزًا حصينًا موثقًا والردم أكبر من السد {ءَاتُونِي زُبَرَ الحديد} قطع الحديد والزبرة القطعة الكبيرة.
قيل: حفر الأساس حتى بلغ الماء وجعل الأساس من الصخر والنحاس المذاب والبنيان من زبر الحديد بينها الحطب والفحم حتى سد ما بين الجبلين إلى أعلاهما، ثم وضع المنافيخ حتى إذا صارت كالنار صب النحاس المذاب على الحديد المحمى، فاختلط والتصق بعضه وصار جلدًا وصلدا، وقيل: بعدما بين السدين فإنه فرسخ {حتى إِذَا ساوى بَيْنَ الصدفين} بفتحتين جانبي الجبلين لأنها يتصادفان أي يتقابلان.
{الصُّدَفين} مكى وبصرى وشامي.
{الصُّدْفين} أبو بكر {قَالَ انفخوا} أي قال ذو القرنين للعملة: انفخوا في الحديد {حتى إِذَا جَعَلَهُ} أي المنفوخ فيه وهو الحديد {نَارًا} كالنار {قَالَ آتُونِى} أعطوني {أَفْرِغْ} أصب {عَلَيْهِ قِطْرًا} نحاسًا مذابًا لأنه يقطر وهو منصوب بـ: {أفرغ} وتقديره آتوني قطرًا أفرغ عليه قطرًا فحذف الأول لدلالة الثاني عليه {قال ائتوني} بوصل الألف: حمزة وإذا ابتدأ كسر الألف أي جيئوني.
{فَمَا اسطاعوا} بحذف التاء للخفة لأن التاء قريبة المخرج من الطاء {أَن يَظْهَرُوهُ} أن يعلوا السد {وَمَا استطاعوا لَهُ نَقْبًا} أي لا حيلة لهم فيه من صعود لارتفاعه ولا نقب لصلابته {قَالَ هذا رَحْمَةٌ مّن رَّبّى} أي هذا السد نعمة من الله ورحمة على عباده، أو هذا الإقدار والتمكين من تسويته {فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبّى} فإذا دنا مجيء يوم القيامة وشارف أن يأتي {جَعَلَهُ} أي السد {دَكَّاء} أي مدكوكا مبسوطًا مسوى بالأرض وكل ما انبسط بعد ارتفاع فقد اندك.
{دكاء} كوفي أي أرضًا مستوية {وَكَانَ وَعْدُ رَبّى حَقًّا} آخر قول ذي القرنين {وَتَرَكْنَا} وجعلنا {بَعْضُهُمْ} بعض الخلق {يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ} يختلط {فِى بَعْضِ} أي يطربون ويختلطون إنسهم وجنهم حيارى، ويجوز أن يكون الضمير ليأجوج ومأجوج وأنهم يموجون حين يخرجون مما وراء السد مزدحمين في البلاد.
ورُوي أنهم يأتون البحر فيشربون ماءه ويأكلون دوابه، ثم يأكلون الشجر ومن ظفروا به من الناس ولا يقدرون أن يأتوا مكة والمدينة بيت المقدس، ثم يبعث الله نغفا في أقفائهم فيدخل في آذانهم فيموتون {وَنُفِخَ في الصور} لقيام الساعة {فجمعناهم} أي جمع الخلائق للثواب والعقاب {جَمْعًا} تأكيد {وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ للكافرين عَرْضًا} وأظهرناها لهم فرأوها وشاهدوها {الذين كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ في غِطَاء عَن ذِكْرِي} عن آياتي التي ينظر إليها أو عن القرآن فأذكره بالتعظيم أو عن القرآن وتأمل معانيه {وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} أي وكانوا صما عنه إلا أنه أبلغ إذ الأصم قد يستطيع السمع إذا صيح به وهؤلاء كأنهم أصميت أسماعهم فلا استطاعة بهم للسمع.
{أَفَحَسِبَ الذين كَفَرُواْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِى مِن دُونِى أَوْلِيَاء} أي أفظن الكفار اتخاذهم عبادي يعني الملائكة وعيسى عليهم السلام أولياء نافعهم بئس ما ظنوا.
وقيل: {أن} بصلتها سد مسد مفعولي {أفحسب} و{عبادي أولياء} مفعولًا {أن يتخذوا} وهذا أوجه يعني أنهم لا يكونون لهم أولياء {إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ للكافرين نُزُلًا} هو ما يقام للنزيل وهو الضيف ونحوه فبشرهم بعذاب أليم {قُلْ هَلْ نُنَبّئُكُم بالأخسرين أعمالا} {أعمالًا} تمييز.
وإنما جمع والقياس أن يكون مفردًا لتنوع الأهواء وهم أهل الكتاب أو الرهبان {الذين ضَلَّ سَعْيُهُمْ} ضاع وبطل وهو في محل الرفع أي هم الذين {فِى الحياة الدنيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا أُوْلَئِكَ الذين كَفَرُواْ بئايات رَبّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القيامة وَزْنًا} فلا يكون لهم عندنا وزن ومقدار {ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ} هي عطف بيان لجزاؤهم {بِمَا كَفَرُواْ واتخذوا ءاياتى وَرُسُلِى هُزُوًا} أي جزاؤهم جهنم بكفرهم واستهزائهم بآيات الله ورسوله.
{إِنَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات كَانَتْ لَهُمْ جنات الفردوس نُزُلًا خالدين فِيهَا} حال {لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} تحولًا إلى غيرها رضا بما أعطوا.
يقال: حال من مكانه حولًا أي لا مزيد عليها حتى تنازعهم أنفسهم إلى أجمع لأغراضهم وأمانيهم، وهذه غاية الوصف لأن الإنسان في الدنيا في أي نعيم كان فهو طامح مائل الطرف إلى أرفع منه، أو المراد نفي التحول وتأكيد الخلود.
{قُل لَّوْ كَانَ البحر} أي ماء البحر {مِدَادًا لكلمات رَبّى} قال أبو عبيدة: المداد: ما يكتب به أي لو كتبت كلمات علم الله وحكمته وكان البحر مدادًا لها والمراد بالبحر الجنس {لَنَفِدَ البحر قَبْلَ أَن تَنفَدَ كلمات رَبّى وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ} بمثل البحر {مَدَدًا} لنفد أيضًا والكلمات غير نافدة.
و{مددًا} تمييز نحو لي مثله رجلًا والمدد مثل المداد وهو ما يمد به.
{ينفد} حمزة وعلي، وقيل: قال حيي بن أخطب: في كتابكم {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا} [البقرة: 269] ثم تقرؤون {وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا} [الإسراء: 85] فنزلت يعني أن ذلك خير كثير ولكنه قطرة من بحر كلمات الله {قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يوحى إِلَيَّ أَنَّمَا إلهكم إله وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ} فمن كان يأمل حسن لقاء ربه وأن يلقاه لقاء رضًا وقبول، أو فمن كان يخاف سوء لقاء ربه والمراد باللقاء القدوم عليه.
وقيل: رؤيته كما هو حقيقة اللفظ والرجاء على هذا مجرى على حقيقته {فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالحا} خالصًا لا يريد به إلا وجه ربه ولا يخلط به غيره.
وعن يحيى بن معاذ: هو ما لا يستحي منه {وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا} هو نهي عن الشرك أو عن الرياء قال صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الشرك الأصغر» قالوا: وما الشرك الأصغر قال: «الرياء» قال صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الكهف فهو معصوم ثمانية أيام من كل فتنة تكون فإن يخرج الدجال في تلك الثمانية عصمه الله من فتنة الدجال، ومن قرأ: {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليَّ} إلى آخرها عند مضجعه كان له نور يتلألأ من مضجعه إلى مكة حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يقوم من مضجعه، وإن كان مضجعه بمكة فتلاها كان له نور يتلألأ من مضجعه إلى البيت المعمور حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه ويستغفرون له حتى يستيقظ». اهـ.

.قال البيضاوي:

{أَمَّا السفينة فَكَانَتْ لمساكين يَعْمَلُونَ في البحر}.
لمحاويج، وهو دليل على أن المسكين يطلق على من يملك شيئًا إذا لم يكفه. وقيل سموا مساكين لعجزهم عن دفع الملك أو لزمانتهم فإنها كانت لعشرة إخوة خمسة زمني وخمسة يعملون في البحر. {فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا} أن أجعلها ذات عيب. {وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ} قدامهم أو خلفهم وكان رجوعهم عليه، واسمه جلندى بن كركر، وقيل منوار بن جلندي الأزدي. {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} من أصحابها. وكان حق النظم أن يتأخر قوله: {فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا} عن قوله: {وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ} لأن إرادة التعيب مسببة عن خوف الغصب وإنما قدم للعناية أو لأن السبب لما كان مجموع الأمرين خوف الغصب ومسكنة الملاك رتبه على أقوى الجزأين وأدعاهما وعقبه بالآخر على سبيل التقييد والتتميم، وقرئ: {كل سفينة صالحة} والمعنى عليها. {وَأَمَّا الغلام فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا} أن يغشيهما. {طغيانا وَكُفْرًا} لنعمتهما بعقوقه فيلحقهما شرًا، أو يقرن بإيمانهما طغيانه وكفره يجتمع في بيت واحد مؤمنان وطاغ كافر، أو يعديهما بعليه فيرتدا بإضلاله، أو بممالأته على طغيانه وكفره حياله وإنما خشي ذلك لأن الله تعالى أعلمه.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن نجدة الحروري كتب إليه كيف قتله وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل الولدان، فكتب إليه إن كنت علمت من حال الولدان ما علمه عالم موسى فلك أن تقتل. وقرئ: {فخاف ربك} أي فكره كراهة من خاف سوء عاقبته، ويجوز أن يكون قوله: {فَخَشِينَا} حكاية قول الله عز وجل.
{فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مّنْهُ} أن يرزقهما ولدًا خيرًا منه. {زكواة} طهارة من الذنوب والأخلاق الرديئة. {وَأَقْرَبَ رُحْمًا} رحمة وعطفًا على والديه. قيل ولدت لهما جارية فتزوجها نبي فولدت له نبيًا هدى الله به أمة من الأمم، وقرأ نافع وأبو عمرو {يُبْدِّلَهُمَا} بالتشديد وابن عامر ويعقوب وعاصم {رحمًا} بالتخفيف، وانتصابه على التمييز والعامل اسم التفضيل وكذلك {زكواة}.
{وَأَمَّا الجدار فَكَانَ لغلامين يَتِيمَيْنِ في المدينة} قيل اسمهما أصرم وصريم، واسم المقتول جيسور. {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا} من ذهب وفضة، روي ذلك مرفوعًا والذم على كنزهما في قوله تعالى: {والذين يَكْنِزُونَ الذهب والفضة} لمن لا يؤدي زكاتهما وما تعلق بهما من الحقوق. وقيل من كتب العلم. وقيل كان لوح من ذهب مكتوب فيه: عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن، وعجبت لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب، وعجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل، وعجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح، وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها، لا إله إلا الله محمد رسول الله. {وَكَانَ أَبُوهُمَا صالحا} تنبيه على أن سعيه ذلك كان لصلاحه. قيل كان بينهما وبين الأب الذي حفظا فيه سبعة آباء وكان سياحًا واسمه كاشح. {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} أي الحلم وكمال الرأي. {وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مّن رَّبّكَ} مرحومين من ربك، ويجوز أن يكون علة أو مصدرًا لأراد فإن إرادة الخير رحمة. وقيل متعلق بمحذوف تقديره فعلت ما فعلت رحمة من ربك، ولعل إسناد الإِرادة أولًا إلى نفسه لأنه المباشر للتعييب وثانيًا إلى الله وإلى نفسه لأن التبديل بإهلاك الغلام وإيجاد الله بدله، وثالثًا إلى الله وحده لأنه لا مدخل له في بلوغ الغلامين. أو لأن الأول في نفسه شر، والثالث خير، والثاني ممتزج. أو لاختلاف حال العارف في الالتفات إلى الوسائط. {وَمَا فَعَلْتُهُ} وما فعلت ما رأيته. {عَنْ أَمْرِي} عن رأيي وإنما فعلته بأمر الله عز وجل، ومبني ذلك على أنه إذا تعارض ضرران يجب تحمل أهونهما لدفع أعظمهما، وهو أصل ممهد غير أن الشرائع في تفاصيله مختلفة. {ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا} أي ما لم تستطع فحذف التاء تخفيفًا.
ومن فوائد هذة القصة أن لا يعجب المرء بعلمه ولا يبادر إلى إنكار ما لم يستحسنه، فلعل فيه سرًا لا يعرفه، وأن يداوم على التعلم ويتذلل للمعلم، ويراعي الأدب في المقابل وأن ينبه المجرم على جرمه ويعفو عنه حتى يتحقق إصراره ثم يهاجر عنه.
{وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ ذِى القرنين} يعني إسكندر الرومي ملك فارس والروم. وقيل المشرق والمغرب ولذلك سمي ذا القرنين، أو لأنه طاف قرني الدنيا شرقها وغربها، وقيل لأنه انقرض في أيامه قرنان من الناس، وقيل كان له قرنان أي ضفيرتان، وقيل كان لتاجه قرنان. ويحتمل أنه لقب بذلك لشجاعته كما يقال الكبش للشجاع كأنه ينطح أقرانه. واختلف في نبوته مع الاتفاق على إيمانه وصلاحه، والسائلون هم اليهود سألوه امتحانًا أو مشركو مكة. {قُلْ سَأَتْلُوعَلَيْكُم مّنْهُ ذِكْرًا} خطاب للسائلين والهاء لذي القرنين. وقيل لله.