فصل: قال ابن قتيبة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن قتيبة:

سورة مريم مكية كلها.
4- {لَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا}، يريد: لم أكن أخيب إذا دعوتك.
5- {خِفْتُ الْمَوالِيَ} وهم العصبة.
{مِنْ وَرائِي} أي من بعد موتي. خاف أن يرثه غير الولد.
{فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي} يعني الولد يرثه الحبورة. وكان حبرا.
6- {وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} الملك. كذلك قيل في التفسير.
7- {لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} أي لم يسمّ أحد قبله: يحي. فأما قوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} فإنه أراد- فيما ذكر المفسرون- شبيها. ولو أراد أنه لا يسمّي اللّه غيره، كان وجها.
8- {مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا} أي يبسا. يقال: عتا وعسا، بمعنى واحد. ومنه يقال: ملك عات، إذا كان قاسي القلب غير لّين.
10- {ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا} أي سليما غير اخرس.
11- {فَأَوْحى إِلَيْهِمْ} أي أومأ. {أَنْ سَبِّحُوا} أي صلّوا {بُكْرَةً وَعَشِيًّا} والسّبحة: الصلاة.
13- {وَحَنانًا} أي رحمة. ومنه يقال: تحنّن عليّ. وأصله من حنين الناقة على ولدها. {وَزَكاةً} أي صدقة.
16- {انْتَبَذَتْ}: اعتزلت. يقال: جلست نبذه ونبذه، أي ناحيته.
{مَكانًا شَرْقِيًّا} يريد مشرّقة.
والْبَغْيَ: الفاجرة. والبغاء: الزنا.
23- {فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ} أي جاء بها وألجأها. وهو من حيث يقال: جاءت بي الحجة إليك، وأجاءتني الحاجة إليك. والمخاض:
الحمل.
{وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا} والنّسي: الشيء الحقير الذي ألقي نسي. ويكون كلّ ما نسي. قال الشاعر:
كأن لها في الأرض نسيا تقصّه ** على أمّها وإن تحدثك تبلت

تبلت: تقطع. مثل تبتل. والسري النهر.
26- {نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْمًا} أي صمتا. والصّوم هو الإمساك. ومنه قيل للواقف من الخيل: صائم.
27- {لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا} أي عظيما عجيبا.
28- {يا أُخْتَ هارُونَ} كان في بني إسرائيل رجل صالح يسمى: هارون، فشبّهوها به. كأنهم قالوا: يا أخت هارون، يا شبه هارون في الصلاح.
46- {لَأَرْجُمَنَّكَ} أي لأشتمنّك.
{وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} أي حينا طويلا. ومنه يقال: تملّيت حبيبك. والملوان: الليل والنهار.
47- {إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا} أي بارّا عوّدني منه الإجابة إذا دعوته.
50- {وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} أي ذكرا حسنا عاليا.
61- {إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} أي آتيا. مفعول في معنى فاعل.
62- {لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوًا} أي باطلا من الكلام.
64- {وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ}: قول الملائكة، أو قول جبريل صلى اللّه عليه.
68- {جِثِيًّا} جمع جاث. وفي التفسير جماعات.
73- {خَيْرٌ مَقامًا} أي منزلا. {وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} أي مجلسا. يقال للمجلس: نديّ ونادى. ومنه قيل: دار النّدوة، للدار التي كان المشركون يجلسون فيها ويتشاورون في رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
والأثاث: المتاع.
والرئي: المنظر، والشّارة، والهيئة.
75- {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا} أي يمد له في ضلالته.
80- {وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ} أي المال والولد الذي قال: لأوتينّه.
{وَيَأْتِينا فَرْدًا} لا شيء معه.
82- {وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} أي أعداء يوم القيامة. وكانوا في الدنيا أولياءهم.
83- {تَؤُزُّهُمْ}: تزعجهم وتحرّكهم إلى المعاصي.
84- {إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} أي أيام الحياة. ويقال: الأنفاس.
85- {وَفْدًا}: جمع وافد. مثل ركب جمع راكب، وصحب جمع صاحب.
والْوِرْدُ: جماعة يريدون الماء.
87- {لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْدًا}: أي وعدا منه له بالعمل الصالح والإيمان.
89- {جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا} أي عظيما.
90- {يَتَفَطَّرْنَ}: يتشقّقن. {هَدًّا} أي سقوطا.
96- {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا} أي محبة في قلوب الناس.
97- {فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ} أي سهلنا وأنزلنا بلغتك.
واللد جمع ألد. وهو: الخصم الجدل.
والركز: الصوت الذي لا يفهم. اهـ.

.قال الغزنوي:

ومن سورة مريم:
2 {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ}: هذا ذكر. أو فيما أنزل عليك ذكر رحمت ربّك عبده بالرحمة، لأنّ ذكر الرحمة إياه لا يكون إلّا باللّه.
5 {خِفْتُ الْمَوالِيَ}: الذين يلونه في النّسب.
6 {يَرِثُنِي}: على صفة الولي، وبمعنى النكرة، أي: وليا وارثا، وإنّما دعا أن يرثه الدين لئلّا يغيّر بنو عمّه كتبه إذ كانوا أشرارا.
7 {سَمِيًّا}: نظيرا.
8 {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ}: على الاستخبار أبتلك الحال أم بقلبه شابا؟.
{عِتِيًّا}: سنا عاليا.
13 {وَحَنانًا مِنْ لَدُنَّا}: رحمة من عندنا. وقيل: تعطفا وتحنّنا على عبادنا، أو على دعاء الناس إلينا.
{وَزَكاةً}: تطهيرا لمن يدعوه إلى اللّه، أو زكيناه بالثناء عليه.
16 {انْتَبَذَتْ}: تباعدت واحتجبت لتعبد اللّه.
19 {زَكِيًّا}: ناميا على الخير والبركة.
البغيّ الفاجرة، مصروفة عن الباغية، أو بمعنى المفعولة، كقولك: نفس قتيل، وكفّ خضيب.
23 {فَأَجاءَهَا}: ألجأها أو جاء بها.
{نَسْيًا مَنْسِيًّا}: مصدر موصوف من لفظه، كقوله: {حِجْرًا مَحْجُورًا}. وقيل: النّسي ما يرمى به لوقاحته.
24 {تَحْتَكِ سَرِيًّا}: شريفا وجيها. وقيل: السّريّ: النهر الصغير ليكون الرطب طعامها والنهر شرابها.
25 {تُساقِطْ}: تتساقط، أدغمت التاء في السين.
{رُطَبًا}: نصب على التمييز، أو على وقوع الفعل لأنّ التساقط متعد كالتقاضي والتناسي، قال اللّه تعالى: {فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ}، أو التقدير: هزي رطبا جنيا بجذع النخل تساقط عليك.
27 {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ}: يجوز تَحْمِلُهُ حالا منها ومنه ومنهما، ولو كان تحمله إليهم لجاز حالا منهم أيضا لحصول الضمائر في الجملة التي هي حال.
{فَرِيًّا}: عجيبا، أو مفترى من الفرية.
29 {مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}: أي: من يكن في المهد صبيا كيف نكلمه؟.
34 {ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ}: أي: ذلك الذي قال: إني عبد اللّه عيسى بن مريم لا ما تقول النصارى أنه ابن اللّه. {قَوْلَ الْحَقِّ}: أي: هو قول الحق وكلمته، أو الذي تلوناه من صفته وقصّته قَوْلَ الْحَقِّ.
37 {فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ}: تحزبوا إلى يعقوبيّة، وملكائيّة، ونسطورية وغيرها.
38 {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا}: أي: لئن عموا وصمّوا عن الحقّ في الدّنيا فما أسمعهم يوم لا ينفعهم!.
44 {لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ}: لا تطعه فيما سول.
45 {فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا}: موكولا إليه وهو لا يغني عنك شيئا.
46 {لَأَرْجُمَنَّكَ}: لأرمينّك بالشّتم، {وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا}: حينا طويلا.
47 {حَفِيًّا}: لطيفا رحيما، والحفاوة: الرأفة والكرامة.
52 {وَقَرَّبْناهُ}: قرّب من أعلى الحجب حتى سمع صرير القلم.
57 {وَرَفَعْناهُ مَكانًا عَلِيًّا}: رفع إلى السّماء الرابعة، وروي: السّادسة، وروي: السّابعة.
58 {بُكِيًّا}: جمع باك، ك شاهد، وشهود، ويجوز مصدرا بمعنى البكاء.
59 {أَضاعُوا الصَّلاةَ}: صلّوها في غير وقتها.
{يَلْقَوْنَ غَيًّا}: خيبة وشرا، أو جزاء الغيّ على حذف المضاف.
61 {مَأْتِيًّا}: مفعولا من الإتيان.
62 {إِلَّا سَلامًا}: اسم جامع للخير.
{بُكْرَةً وَعَشِيًّا}: مقدار ما بين الغداة والعشي على التمثيل بعادة الدنيا.
64 {وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ}: استبطأ جبريل- عليه السلام- فقال: «ما يمنعك أن تزورنا أكثر».
{ما بَيْنَ أَيْدِينا}: من أمر الآخرة وَما خَلْفَنا: ما مضى من أمر الدنيا.
{وَما بَيْنَ ذلِكَ}: من الحال إلى يوم القيامة.
68 {جِثِيًّا}: باركين على الركب، وأصلها: جثووا فوقعت الواو طرفا قبلها ضمّة.
69 {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا}: أي: ننزع الأعتى فالأعتى.
و{أَيُّهُمْ} رفع على الحكاية، أي: الذي يقال أيّهم أشد. وعند سيبويه هو مبنيّ بتقدير: الذي هو أشدّ، فلما حذف هو واطّرد الحذف صار كبعض الاسم فبني.
71 {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها}: ورود حضور ومرور. وقال رجل من الصّحابة- لآخر: أيقنت بالورود؟ قال: نعم، قال: وأيقنت بالصّدر؟ قال: لا، قال: ففيم الضحك؟ ففيم التثاقل؟!.
73 {نَدِيًّا}: مجلسا، ندوت القوم أندوهم: جمعتهم فندوا: اجتمعوا.
74 {وَرِءْيًا}: مهموزا على وزن رعي اسم المرئيّ، رأيته رؤية ورأيا، والمصدر رئي كالرّعي والرّعي، أي: أحسن متاعا ومنظرا. وأمّا الرّيّ- مشدّدا- فمن ريّ الشّباب وأنواع النعمة.
75 {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا}: فليدعه في ضلالته وليمله في غيّه، واللّفظ أمر والمعنى خبر.
76 {وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ}: الطاعات التي تسلم من الإحباط وتبقى لصاحبها.
{وَخَيْرٌ مَرَدًّا}: مرجعا يردّ إليه.
77 {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا}: العاص بن وائل السّهمي.
78 {عَهْدًا}: أي: عهد بعمل صالح قدّمه.
{لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَدًا}: أي: إذا بعثت.
79 {سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ}: نحفظه عليه.
80 {وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ}: نجعل المال والولد لغيره ونسلبه ذلك.
والولد: جمع كأسد ووثن.
83 {أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ}: خلّيناهم وإيّاهم.
{تَؤُزُّهُمْ أَزًّا}: تزعجهم إزعاجا.
84 {نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا}: أي: أعمالهم للجزاء وأنفاسهم للفناء.
85 {وَفْدًا}: ركبانا مكرّمين.
86 {وِرْدًا}: عطاشا. من ورود الإبل.
89 {إِدًّا}: منكرا عظيما.
90 {هَدًّا}: هدما بشدة صوت.
96 {وُدًّا}: محبة في قلوب النّاس.
97 {لُدًّا}: ذوي جدل بالباطل.
98 {رِكْزًا}: صوتا خفيا.
95 {فَرْدًا}: لا أنصار له ولا أعوان كلّ امرئ مشغول بنفسه. اهـ.

.قال ملا حويش:

تفسير سورة مريم:
عدد 44- 19.
نزلت بمكة بعد سورة فاطر عدا الآيتين 58 و71، وتسمى سورة كهيعص، ولا يوجد في القرآن سورة مبدوءة بما بدئت به، وهي ثمان وتسعون آية، وسبعمائة وثمانون كلمة، وثلاثة آلاف وسبعمائة حرف.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
قال تعالى: {كهيعص} 1 كلمة مؤلفة من مبادئ أسماء اللّه تعالى الحسنى كريم وكبير، وهاد، ورحيم، وعليم، وصادق، وصبور، ولا يعلم معناها الحقيقي إلا اللّه والمنزل عليه هذا القرآن، راجع تفسير المص تجد ما يتعلق بها، وهذا الذي نتلوه عليك يا أكرم الرسل {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} 2 حينما دعا ربه بطلب الولد وأنعم عليه به بعد كبر سنه وعقر زوجته وكبرها على عقمها، فاذكر لقومك معجزة ربهم لرسوله زكريا كيف رحمه وأجاب دعاءه {إِذْ نادى رَبَّهُ} سأله واستغاث به {نِداءً خَفِيًّا} 3 سرا بينه وبين ربه، لأنه أبعد عن الرياء وأدخل في الإخلاص، ولئلا يلومه قومه إذا سمعوا منه طلب الولد من ربه مع شيخوخته وعقم زوجته، لأنهم يرون ذلك طلبا تافها عقيما محالا، ولا ينبغي لمثله وهو على ما هو عليه من المركز بينهم أن يفعل ذلك، لعدم معرفتهم بقدرة اللّه الذي له خرق العادات لضعف إيمانهم، ثم ذكر صفة دعائه بقوله عز قوله: {قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ} دق وضعف من الكبر {الْعَظْمُ مِنِّي} وإذا كان العظم صار كذلك، فما بالك باللحم وغيره من قوام وجوده؟ وزاد لفظة مني مع أنه لو قال عظمي لكفى بالمقصود، لأنه أحوج في الدلالة على الجنسية المقصودة هنا وهي أفصح ما يمكن أن يقال في هذا المقام وقد أخذ ابن دريد قوله:
واشتعل المبيّض في مسودّه ** مثل اشتعال النار في جمر الغضا

في قوله: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا 3} تمييز محول عن الفاعل، أي اشتعل شيب الرأس، شبه عليه السلام كثرة الشيب في رأسه في البياض والإنارة بشواظ النار وانتشاره في الشعر، وفشوّه فيه وأخذه منه كل مأخذ باشتعالها، ثم أخرجه مخرج الاستعارة، ففي الكلام استعارتان: تصريحية تبعية في اشتعل ومكنية في الشيب، وأسند الاشتعال إلى محل الشعر ومنبته وأخرج مخرج التمييز للمبالغة وإفادة الشمول، وإن إسناد معنى إلى ظرف ما اتصف به زمانيا أو مكانيا يفيد عموم معناه لكل ما فيه في عرف المخاطب، فقولك اشتعل نارا يفيد احتراق جميع ما فيه، دون اشتعل نار بيته، تأمل.
وما قيل إن شيبا مصدر لاشتعل لأنه بمعنى شاب، أو حال بمعنى شائب، غير سديد كما لا يخفى.
ثم قال عليه السلام فيما يحكيه ربه عنه: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} 4 بعدم الإجابة لدعوتي هذه، بل كنت سعيدا لأني كنت مستجاب الدعوة عندك مقبولا، فلا تخيبني الآن بما دعوتك به حسبما عودتني قبلا فأشقى، وحاشاك إلا إدامة كرمك على عبدك.
ثم بين سبب طلبه بقوله: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ} يريد أخواته وبني عمه إذ كانوا أشرارا لا يصلحون للخلافة بعده على إقامة دين اللّه، وخاف عليه السلام إن استولوا بعده على الخلافة أن يغيروا معالم الدين ويبدلوا ما كان عليه.
واعلم أن كل من يلي أمر الرجل من قرابته وذويه يطلق عليه لفظ مولى، ويطلق على السيد والعبد أيضا، ويعرف بالقرينة والخطاب قال:
ولن يتساوى سادة وعبيدهم على أن أسماء الجميع موالي وحيث أن زكريا عليه السلام كان أمينا على إقامة الدين حال وجوده بما أعطاه اللّه من ملكة قال: {مِنْ وَرائِي} أي بعد موتي {وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِرًا} فضلا عن أنها عجوز {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} 5 يلي أمر الناس من بعدي لإقامة دينك ممن يرضون بحكمه لأنه {يَرِثُنِي} النبوة التي شرفتني بها {وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} النبوة والعلم والحكمة لأنه عليه السلام بن آزر وقيل بن برخيا من أولاد هارون أخي موسى عليهما السلام وهما من سبط يهوذا أولاد يعقوب والنبوة في عقبه لأنه إسرائيل اللّه صفوته من عباده وزوجته ايساع أخت مريم بنت عمران من ذرية داود عليهم السلام، وبما أن النبوة والملك محصوران في أولاد يعقوب، أراد أن يكون ابنه الذي سيمنّ عليه به ربه وارثا للجهتين النبوة والملك لأن زكريا كان نبيا ورسولا لا ملكا، ومن قال إنه أراد وراثة المال فقد أخطأ وعن الحقيقة مال، لأن الأنبياء لا يورثون، قال عليه الصلاة والسلام نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة.
ومن البعد بمكان أن يشفق نبي من أنبياء اللّه على مال الدنيا، وكذلك القول بأن المراد أن يلي الخلافة بعده أي شخص كان فقد زل لأنه عليه السلام أراد ولدا ذكرا من صلبه، يؤيد هذا قوله تعالى: {قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} الآية 38 من آل عمران في: {وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} 6 برا تقيا أرضاه وترضاه ويرضاه خاصة خلقك، وهذا أيضا يؤيد أن المراد بالولي ولدا صلبيا، ومما يؤكد هذا استجابة دعوته ومناداته له على الفور من قبل ربه.