فصل: قال الشريف الرضي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْمًا (26)} يقال لكل ممسك عن شيء من طعام أو شراب أو كلام أو عن أعراض الناس وعيبهم صائم، قال النابغة الذبيانيّ:
خيل صيام وخيل غير صائمة ** تحت العجاج وخيل تعلك اللجما

[508].
(صوم).
{شَيْئًا فَرِيًّا (27)} أي عجبا فائقا، وكذلك كل شيء فائق من عجب أو عمل أو جرى فهو فرى.
{مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29)} ول {كان} مواضع، فمنها لما مضى، ومنها لما حدث ساعته وهو: كيف نكلم من حدث في المهد صبيا ومنها لما يجيء بعد في موضع (يكون) والعرب تفعل ذلك، قال الشاعر:
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا ** مني وما يسمعوا من صالح دفنوا

(210) أي يطيروا ويدفنوا. {وَكانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} فيما مضى والساعة، وفيما يكون ويجيء {كان} أيضا زائدة ولا تعمل في الاسم، كقوله:
فكيف إذا رأيت ديار قوم ** وجيران لهم كانوا كرام

[509] والمعنى وديار جيران كرام كانوا، و(كانوا) فضل لأنها لم تعمل فتنصب القافية، قال غيلان بن حريث الرّبعي:
إلى كناس كان مستعيده

[510] وكان فضل، يريد إلى كناس مستعيده. وسمعت قيس بن غالب البدرىّ يقول: ولدت فاطمة بنت الخرشب الكملة من بنى عبس لم يوجد كان مثلهم، أي لم يوجد مثلهم، (كان) فضل.
{كانَ بِي حَفِيًّا} [47] أي متحفيا، يقال: تحفيت بفلان.
{وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا} [52].
{وَاجْتَبَيْنا} [58] أي اخترنا.
{وَبُكِيًّا} [58] جمع باك.
{لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوًا} [62] أي هذرا وباطلا {إِلَّا سَلامًا} فالسلام ليس من الّلغو والعرب تستثنى الشيء بعد الشيء وليس منه وذلك أنها تضمر فيه، فكان مجازه: لا يسمعون فيها لغوا إلّا أنهم يسمعون سلاما، قال:
(408)
يا ابن رقيع هل لها من مغبق

ما شربت بعد طوىّ الكربق

من قطرة غير النجاء الأدفق

فاستثنى النجاء من قطرة الماء وليس منها، قال أبو جندب الهذلىّ:
نجا سالم والنفس منه بشدقه ** ولم ينج إلّا جفن سيف ومئزرا

[511] وليسا منه.
{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)} هل تعرف له نظيرا ومثلا، إذا كان بعد هل تاء ففيها لغتان فبعضهم يبين لام هل وبعضهم يخمدها فيقول: (هتّعلم)، كأنها أدغمت اللام في التاء فثقّلوا التاء.
{حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68)} جميع جاث، خرج مخرج فاعل والجميع فعول، غير أنهم لا يدخلون الواو في المعتلّ.
{عِتِيًّا (69)} مصدر عتوت تعتو.
{صِلِيًّا (70)} مصدر (صليت تصلى) خرج مخرج فعلت فعولا ولا يظهرون في هذا أيضا الواو.
{وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73)} أي مجلسا والنّدى والنادي واحد، قال حاتم طيى:
ودعيت في أولى النّدىّ ولم ** ينظر إلىّ بأعين خزر

[515] والجميع منها أندية، قال سلامة بن جندل:
يومان يوم مقامات وأندية ** ويوم سير إلى الأعداء تأويب

[516].
{أَثاثًا (74)} أي متاعا وهو جيد المتاع.
{وَرِءْيًا (74)} وهو ما ظهر عليه ورأيته عليه.
{أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا (77)} إذا استفهموا ب (رأيت).
فمنهم من يدعها على حالها كأنه لم يعدّه أحدث فيها شيئا كما أحدث في (يرى) فيبقى همزتها، ومنهم من يرى أنه أحدث فيها شيئا فيدع همزتها، قال أبو الأسود:
أريت امرأ كنت لم أبله ** أتانى فقال اتّخذنى خليلا

فخاللته ثم أكرمته ** فلم أستفد من لديه فتيلا

ألست حقيقا بتوديعه ** وإتباع ذلك صرما جميلا

وقال المتوكّل اللّيثىّ:
أرأيت إن أهلكت مالى كلّه ** وتركت مالك فيم أنت تلوم

[519].
{تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83)} أي تهيّجهم وتغوبهم، قال رؤبة:
لا يأخذ التأفيك والتّحزّى فينا ** ولا قذف العدى ذو الأزّ

[520] العدى بضم العين الأعداء، والعدى بكسر العين الغرباء.
{إِلَى الرَّحْمنِ وَفْدًا (85)} جمع وافد.
{إِلى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86)} مصدر (ورد يرد).
{جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89)} عظيما من أعظم الدّواهى، قال رؤبة:
نطح بنى أدّ رؤوس الأداد

[521] وقال:
كيلا على دجوة كيلا إدّا ** كيلا عليه أربعين مدّا

[522] وكذلك {إِمْرًا} (18/ 71) وكذلك {شَيْئًا نُكْرًا} (18/ 75) وكذلك {شَيْئًا فَرِيًّا} (19/ 27) عظيما من أعظم الدواهي.
{تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ (90)} أي يتشققن كما يتفطر الزجاجة والحجر ويقال: فطر نابه إذا شقّ نابه.
{وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (90)} مصدر (هددت)، أي سقطت فجاء مصدره صفة للجبال.
{أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَدًا (91)} وليس هو من دعاء الصوت، مجازه: أن جعلوا للّه ولدا، قال الشاعر:
ألا ربّ من تدعو نصيحا وإن تغب ** تجده بغيب غير منتصح الصدر

[523] وقال ابن أحمر:
أهوى لها مشقصا حشرا فشبرقها ** وكنت أدعو قذاها الإثمد القردا

[525] القرد المنقطع من الإثمد يلزم بعضه بعضا أدعو أجعل الحشر السهم الذي حشر حشرا، وهو المخفّف الرّيش ويقال للحمار: حشر، إذا كان خفيفا، وللرجل إذا كان صدعا، والصّدع: الرّبعة من الرجال.
{سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (96)} أي محبّة، وهو مصدر (وددت)، (سَيَجْعَلُ لَهُمُ) أي سيثيبهم ويرزقهم ذلك.
{قَوْمًا لُدًّا (97)} واحدهم: ألدّ، وهو الشديد الخصومة الذي لا يقبل الحق ويدعى الباطل، قال مهلهل:
إنّ تحت الأحجار حدّا ولينا ** وخصيما ألدّ ذا مغلاق

[526].
ويروى مغلاق الحجة عن أبى عبيدة وقال رؤبة:
أسكت أجراس القروم الألواد ** الضّيغميّات العظام الألداد

[528].
{رِكْزًا (98)} الركز: الصوت الخفي والحركة كركز الكتيبة، قال لبيد:
فتوجّست ركز الأنيس فرابها ** عن ظهر غيب والأنيس سقامها

[529]. اهـ.

.قال الشريف الرضي:

ومن السورة التي يذكر فيها مريم عليها السلام:

. [سورة مريم: آية 4].

{قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4)}.
قوله سبحانه: {قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [4] وهذه من الاستعارات العجيبة. والمراد بذلك: العبارة عن تكاثر الشّيب في الرأس حتى يقهر بياضه، وينصل سواده.
وفى هذا الكلام دليل على سرعة تضاعف الشيب وتزيّده وتلاحق مدده، حتى يصير في الإسراع والانتشار كاشتعال النار، يعجز مطفيه، ويغلب متلافيه.

. [سورة مريم: آية 23].

{فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23)}.
وقوله سبحانه: {فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ} [23]. وهذه استعارة.
والمعنى: فجاء بها المخاض، أو ألجأها المخاض إلى جذع النخلة، لتجعله سنادا لها، أو عمادا لظهرها. وهى التي لجأت إلى النخلة، ولكنّ ضرب المخاض لما كان سببا لذلك، حسن أن ينسب الفعل إليه في إلجائها، والمجيء بها.

. [سورة مريم: آية 50].

{وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50)}.
وقوله سبحانه: {وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} [50] وهذه استعارة. والمراد بذكر اللسان هاهنأ- واللّه أعلم- الثناء الجميل الباقي في أعقابهم، والخالف في آبائهم. والعرب تقول: جاءنى لسان فلان. يريد مدحه أو ذمه. ولما كان مصدر المدح والذم عن اللسان عبروا عنهما باسم اللسان.
وإنما قال سبحانه: لِسانَ صِدْقٍ. إضافة للسان إلى أفضل حالاته، وأشرف متصرفاته، لأن أفضل أحوال اللسان أن يخبر صدقا، أو يقول حقا. اهـ.

.فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة:

قال محمد الغزالي:
سورة مريم:
تمتاز فواصل الآيات في سورة مريم بأن أغلبها جاء على حرف الياء المشدد المنصوب، إلا الصفحة الأخيرة، فقد جاء على حرف الدال المشدد المنصوب. وقد لوحظ أن اسم الرحمن من أسماء الله الحسنى تكرر في هذه السورة ست عشرة مرة، نحصيها فيما يلى:
1- {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} لأن التقى هو الذي يخاف الله ويهاب عصيانه.
2- {إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا} وكان الامتناع عن الكلام نوعا من الصيام.
3- {يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا}.
4- {يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا}.
5- {وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا}.
6- {جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا}.
7- {ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا}.
8- {قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا}.
9- {أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا}.
10- {يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا}.
11- {لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا}.
12- {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا}.
ص- {أن دعوا للرحمن ولدا}.
14- {وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا}.
15- {إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا}.
16- {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا}. ومن اللطائف أن تفتتح السورة بكلمة الرحمة {ذكر رحمة ربك عبده زكريا}، وقد تكررت الكلمة أربع مرات خلال السورة، وهى تتحدث عمن أنعم الله عليهم، ولا عجب فالإنعام نابع من الرحمة، وكل شيء يتعرض الناس له فهو نابع من حكمة عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها. والسورة من القرآن النازل! بمكة المكرمة، ولعلها نزلت في السنوات الأولى، قبل الهجرة إلى الحبشة، وقد تحدثت عن ولادة عيسى بن مريم، وكشفت عن الإعجاز الإلهى في تكوين هذا النبى الكريم، لكنها جعلت هذا الإعجاز بين يدى قصة زكريا وابنه يحيى. لأن ولادة يحيى كانت هي الأخرى معجزة، فقد كان الوالد شيخا وهن عظمه، وكانت الوالدة عجوزا عقيما، فمن أخصب العاقر وأحيى الشيخ؟ ومن بالولد؟. إنه جل شأنه الذي فعل ذلك، فليس يعجزه أن يجعل البكر تنجب دون أن يمسها أحدا!. وهذا الترتيب بين القصتين سبق ذكره في سورة آل عمران المدنية... وقد قلنا: إن خالق الأسباب لاتحكمه الأسباب، وقد خلق عيسى كذلك ليقول للناس: {إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت}. ولماذا حرص زكريا على أن يكون له غلام؟ على حين يرضى مؤمنون كثيرون أن يعيشوا بلا أولاد؟ إن حرصه على سلامة القيادة الروحية لبنى إسرائيل هي السبب، فقد كان له أقرباء يتطلعون إلى الزعامة وهم لا يصلحون لها، فسأل الله أن يهب له من يسد الطريق على هؤلاء، ويقود بنى إسرائيل قيادة صحيحة {وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا}. ورزقه الله بيحيى الذي جاء بعد ثلاث ليال من التسبيح والتحميد والانقطاع إلى العبادة: {فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا}.