فصل: قال الثعالبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعالبي:

قوله عزَّ وجل: {كهيعص} قد تقدَّمَ الكلامُ في فواتح السوَرِ.
وقوله: {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ} مرتَفِعٌ بقولهِ: {كهيعص} في قَوْلِ فرقَةٍ.
وقيل: إنَّهُ ارتفعَ على أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدأ محذوفٍ تَقْديرُهُ: هذا ذكر وحكَى أبو عمرو الدَّانِي عن ابن يعمر أَنَّه قرأ: {ذَكِّر رَحْمَة رَبِّكَ}: بفتح الذَّالِ، وكسر الكافِ المشدَّدة، ونصبِ الرَّحمة.
وقوله: {نادى}: مَعناه بالدُّعَاءِ والرغبَةِ؛ قاله ابنُ العربيِّ في (أحكامه).
وقوله تعالى: {إِذْ نادى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا}: يناسِبُ قَوْلَهْ: {ادعوا ربَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55].
وفي (الصحيح) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خيرُ الذَّكْرِ الخفيُّ، وخيرُ الرِّزقِ ما يَكْفِي» وذلك؛ لأَنَّهُ أَبْعَدُ مِن الرياء، فأَمَّا دُعاءُ زكرياء عليه السلام فإنما كان خفيًّا لوجهين:
أَحدُهُما: أَنَّهُ كان ليلًا.
والثاني: أَنَّهُ ذَكَرَ في دُعَائه أَحوالًا تفتقرُ إلى الإخفَاءِ؛ كَقَوْلِهِ: {وَإِنِّي خِفْتُ الموالي مِن وَرَآئِي}. وهذا مما يُكْتَمُ. انتهى.
و{وَهَنَ العظم} معناه ضَعُفَ، {واشتعل} مُسْتَعَارٌ للشيْب منِ اشتعال النَّار.
وقولهُ: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيًّا} شُكْر للّه عز وجل على سالف أياديه عنده، معناه: قد أَحسنتَ إليَّ فيما سلَف، وسعدتُ بدعائي إيَّاك؛ فالإنعامُ يقتضي أَنْ يشفع أَوله آخره.
ت: وكذا فسَّر الدَّاوُودِيُّ، ولفظه: «ولم أَكنْ بدُعائِك رَبِّ شقيًّا»، يقولُ: كنْتَ تعرفني الإجابَة فيما مضى، وقاله قتادةُ: انتهى.
وقوله: {وَإِنِّي خِفْتُ الموالي} الآية، قيل: معناه خاف أَن يرثَ الموَالي مَالَهُ، والموالي: بنو العمّ، والقرابةُ.
وقوله: {مِن وَرَآئِي} أَيْ: من بعدي.
وقالت فرقةٌ: إنما كان مواليه مهمِلينَ للدِّين؛ فخاف بموته أَنْ يضَيع الدينُ؛ فطلب وليًّا يقومُ بالدين بعده؛ حَكَى هذا القولَ: الزَّجَّاجُ، وفيه: أَنه لا يجوزُ أَن يسأل زَكَرِيَّاءُ من يرث ماله؛ إذاِ الأَنبيَاءِ لا تُورَثُ.
قال ع: وهذا يُؤَيّده قولُه صلى الله عليه وسلم: «إنَّا مَعْشَرَ الأَنْبِيَاءِ لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا، فَهُو صَدَقَة» والأَظهرُ الأَلْيق بزكرياء عليه السلام أَن يريدَ وِرَاثةَ العِلْم والدِّينِ، فتكون الوارثةُ مستعارةً، وقد بلغه اللّه أَمَلَهُ.
قال ابنُ هِشَامٍ: و{مِنْ وَرآئِي} متعلّقٌ ب {الموالي}، أو بمحذوفٍ هو حالٌ من الموالي، أو مُضَاف إليهم، أَيْ: كائِنِينَ مِنْ وَرَائي، أو فعَل الموالي مِنْ ورائي، ولا يصحّ تعلقه ب {خِفْتُ}؛ لفساد المعنى. انتهى. من (المغني).
و{خِفْتُ الموالي}، هي قراءةُ الجمهور، وعليها هو هذا التفسير.
وقرأ عثمانُ بنُ عَفَّانَ، وزيدُ بنُ ثابتٍ، وابنُ عباسٍ، وجماعةٌ {خَفَّتِ} بفتح الخاء، وفتح الفاء، وشدِّها، وكَسْر التَّاء، والمعنى على هذا: قد انقَطَع أَوْلِيَائِي، وماتُوا، وعلى هذه القراءة، فإنما طلب وَليَّا يقوم بالدين.
قال ابنُ العربي في (أحكامه): ولم يخف زكرياءُ وارثَ المالِ، وإنما أَراد إرْثَ النبوءة، وعليها خاف أَن تخرج عن عَقِبه، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنه قال: «إنَّا معَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة» انتهى.
وقرأ عليُّ بنُ أَبي طَالِبٍ، وابنُ عباسٍ، وغيرُهما رضي اللّه عنهم {يرِثُنِي وَارِثٌ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ}.
ت: وقوله: {فَهَبْ لِي} قال ابنُ مَالكٍ في (شرح الكافية) اللامُ هنا: هي لامُ التعدِيَة؛ وقاله ولدُه في (شرح الخلاصة).
قال ابنُ هشام: والأولى عندي أن يمثل للتعدية بنحو: ما أكرم زيدًا لعمرو، وما أحبه لبكر، انتهى.
وقولُه: {مِن ءَالِ يَعْقُوبَ} يريدُ يرث منهم الحِكْمة، وكذلك العاقرُ من الرجال. اهـ.

.قال أبو السعود:

{كهيعص} بإمالة الهاءِ والياء وإظهار الدال، وقرئ بفتح الهاء وإمالةِ الياء وبتفخيمهما وبإخفاء النونِ قبل الصادِ لتقاربهما، وقد سلف أن ما لا تكون من هذه الفواتح مفردةً ولا موازِنةً لمفرد فطريقُ التلفظ بها الحكايةُ فقط ساكنةُ الأعجاز على الوقف، سواءٌ جعلت أسماءً للسور أو مسرودةً على نمط التعديد، وإن لزمها التقاءُ الساكنين لكون مغتفرًا في باب الوقف قطعًا فحق هذه الفاتحة الكريمةِ أن يوقف عليها جريًا على الأصل، وقرئ بإدغام الدال فيما بعدها لتقاربهما في المخرج، فإن جُعلت اسمًا للسورة على ما عليه إطباقُ الأكثر فمحلُّه الرفعُ، إما على أنه خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ والتقديرُ هذا كهيعص أي مسمًّى به وإنما صحت الإشارةُ إليه مع عدم جرَيانِ ذكرِه لأنه باعتبار كونِه على جناح الذكر صار في حكم الحاضِر المشاهَدِ، كما يقال: هذا ما اشترى فلان، أو على أنه مبتدأٌ خبرُه: {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبّكَ} أي المسمّى به ذكرُ رحمة.. إلخ، فإن ذكرَها لمّا كان مطلَعَ السورة الكريمة ومعظمَ ما انطوت هي عليه جُعلت كأنها نفسُ ذكرها، والأولُ هو الأولى لأن ما يجعل عنوانًا للموضوع حقُّه أن يكون معلومَ الانتساب إليه عند المخاطبِ، وإذ لا علمَ بالتسمية من قبل فحقُّها الإخبارُ بها كما في الوجه الأول، وإن جُعلت مسرودةً على نمط التعديدِ حسبما جنَح إليه أهلُ التحقيقِ فذكرُ.. إلخ. خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ هو ما ينبىء عنه تعديدُ الحروف كأنه قيل: المؤلَّفُ من جنس هذه الحروف المبسوطةِ مرادًا به السورةُ ذكرُ الرحمة.. إلخ، وقيل: هو مبتدأٌ قد حُذف خبرُه أي فيما يتلى عليك ذكرُها، وقرئ ذكَّر رحمةَ ربك على صيغة الماضي من التذكير أي هذا المتلوُّ ذكّرها، وقرئ اذكُرْ على صيغة الأمر، والتعرضُ لوصف الربوبية المنْبئةِ عن التبليغ إلى الكمال مع الإضافة إلى ضميره عليه السلام للإيذان بأن تنزيلَ السورة عليه عليه الصلاة والسلام تكميلٌ له عليه السلام، وقوله تعالى: {عَبْدِهِ} مفعولٌ لرحمة ربك على أنها مفعولٌ لما أضيف إليها، وقيل: للذكر على أنه مصدرٌ أضيف إلى فاعله على الاتساع، ومعنى ذكرِ الرحمةِ بلوغُها وإصابتُها، كما يقال: ذكرني معروفُ فلان أي بلغني، وقوله عز وعلا: {زَكَرِيَّا} بدل منه أو عطف بيان له {إِذْ نادى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا} ظرفٌ لرحمة ربك، وقيل: لذِكرُ على أنه مضافٌ إلى فاعله اتساعًا لا على الوجه الأولِ لفساد المعنى، وقيل: هو بدلُ اشتمالٍ من زكريا كما في قوله: {واذكر في الكتاب مَرْيَمَ إِذِ انتبذت} ولقد راعى عليه الصلاة والسلام حسنَ الأدب في إخفاء دعائِه، فإنه مع كونه بالنسبة إليه عز وجل كالجهر أدخلُ في الإخلاص وأبعدُ من الرياء وأقربُ إلى الخلاص عن لائمة الناس على طلب الولدِ لتوقّفه مبادىءَ لا يليق به تعاطيها في أوان الكِبَر والشيخوخة وعن غائلة مواليه الذين كان يخافهم، وقيل: كان ذلك من عليه السلام لضَعف الهرم، قالوا: كان سنُّه حينئذ ستين، وقيل: خمسًا وستين، وقيل: سبعين، وقيل: خمسًا وسبعين، وقيل: أكثرَ منها كما مر في سورة آل عِمرانَ.
{قَالَ} جملةٌ مفسِّرةٌ لنادى لا محلَّ لها من الإعراب {رَبّ إِنّى وَهَنَ العظم مِنّى} إسنادُ الوهن إلى العظم لِما أنه عمادُ البدن ودِعامُ الجسد فإذا أصابه الضَّعفُ والرخاوة أصاب كلَّه، أو لأنه أشدُّ أجزائه صلابةً وقِوامًا وأقلُّها تأثرًا من العلل فإذا وهَن كان ما وراءه أوهنَ، وإفرادُه للقصد إلى الجنس المنْبىءِ عن شمول الوهْنِ لكل فردٍ من أفراده، ومنّي متعلقٌ بمحذوف هو حالٌ من العظم، وقرئ وهِن بكسر الهاء وبضمها أيضًا، وتأكيدُ الجملة لإبراز كمال الاعتناءِ بتحقيق مضمونها {واشتعل الرأس شَيْبًا} شبّه عليه الصلاة والسلام الشيبَ في البياض والإنارة بشُواظ النار، وانتشارَه في الشعر وفُشوَّه فيه وأخذَه منه كلَّ مأخذ باشتعالها، ثم أخرجه مُخرجَ الاستعارةِ ثم أَسند الاشتعالَ إلى محل الشعرِ ومنبِتِه، وأخرجه مُخرج التمييز وأطلق الرأسَ اكتفاءً بما قيّد به العظمَ، وفيه من فنون البلاغة وكمالِ الجزالةِ ما لا يخفى، حيث كان الأصلُ اشتعل شيبُ رأسي فأسند الاشتعالَ إلى الرأس كما ذُكر لإفادة شمولِه لكلها، فإن وِزانَه بالنسبة إلى الأصل وزانُ اشتعل بيتُه نارًا بالنسبة إلى اشتعل النارُ في بيته، ولزيادة تقريرِه بالإجمال أولًا والتفصيلِ ثانيًا ولمزيد تفخيمِه بالتنكير، وقرئ بإدغام السينِ في الشين {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبّ شَقِيًّا} أي ولم أكن بدعائي إياك خائبًا في وقت من أوقات هذا العمُر الطويلِ، بل كلما دعوتُك استجبتَ لي، والجملةُ معطوفةٌ على ما قبلها أو حالٌ من ضمير المتكلم إذِ المعنى واشتعل الرأسُ شيبًا، وهذا توسلٌ منه عليه السلام بما سلف منه من الاستجابة عند كلِّ دعوة إثرَ تمهيدِ ما يستدعي الرحمةَ ويستجلب الرأفةَ من كِبَر السّنِّ وضَعفِ الحال، فإنه تعالى بعد ما عوّد عبدَه بالإجابة دهرًا طويلًا لا يكاد يُخيّبه أبدًا لاسيما عند اضطرارِه وشدة افتقارِه، والتعرضُ في الموضوعين لوصف الربوبيةِ المنْبئة عن إضافة ما فيه صلاحُ المربوبِ، مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام لاسيما توسيطُه بين كان وخبرها لتحريك سلسلةِ الإجابةِ بالمبالغة في التضرّع، ولذلك قيل: إذا أراد العبدُ أن يُستجابَ له دعاؤُه فليدعُ الله تعالى بما يناسبه من أسمائه وصفاتِه.
{وَإِنّي خِفْتُ الموالى} عطف على قوله تعالى: {إِنّى وَهَنَ العظم} مترتبٌ مضمونُه على مضمونه فإنه ضَعفَ القُوى وكِبَر السنِّ من مبادىء خوفه عليه السلام مِمّن يلي أمرَه بعد موته، ومواليه بنو عمه وكانوا أشرارَ بني إسرائيلَ فخاف أن لا يُحسِنوا خلافتَه في أمته ويبدّلوا عليهم دينَهم، وقوله: {مِن وَرَائِى} أي بعد موتي متعلقٌ بمحذوف ينساق إليه الذهنُ، أي فِعلَ الموالي من بعدي أو جَوْرَ الموالي وقد قرىء كذلك، أو بما في الموالي من معنى الوِلاية، أي خِفتُ الذين يلون الأمرَ من ورائي لا بخِفْتُ لفساد المعنى، وقرئ ورايَ بالقصر وفتح الياء، وقرئ خفّت الموالي من ورائي أي قلوا وعجَزوا عن القيام بأمور الدين بعدي، أو خفّت الموالي القادرون على إقامة مراسمِ الملة ومصالحِ الأمة من خفَّ القومُ أي ارتحلوا مسرعين أي درَجوا قُدّامي ولم يبقَ منهم من به تَقوَ واعتضادٌ، فالظرفُ حينئذ متعلقٌ بِخفّتْ {وَكَانَتِ امرأتى عَاقِرًا} أي لا تلد من حينِ شبابها. {فَهَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ} كلا الجارّين متعلقٌ بهب لاختلاف معنييهما، فاللام صلةٌ له ومِنْ لابتداء الغاية مجازًا، وتقديمُ الأول لكون مدلولِه أهمَّ عنده ويجوز تعلّقُ الثاني بمحذوف وقع حالًا من المفعول، ولدن في الأصل ظرفٌ بمعنى أولِ غايةِ زمانٍ أو مكان أو غيرهما من الذوات، وقد مر تفصيلُه في أوائل سورة آل عمران، أي أعطِني من محض فضلِك الواسعِ وقدرتِك الباهرةِ بطريق الاختراعِ لا بواسطة الأسباب العادية {وَلِيًّا} أي ولدًا من صُلبي، وتأخيرُه عن الجارَّين لإظهار كمالِ الاعتناءِ بكون الهبةِ له على ذلك الوجه البديعِ مع ما فيه من التشويق إلى المؤخر، فإن ما حقُّه التقديمُ إذا أُخّر تبقى النفسُ مستشرِفةً له فعند ورودِه لها يتمكن عندها فضلُ تمكنٍ، ولأن فيه نوعَ طولٍ بما بعده من الوصف فتأخيرُهما عن الكل أو توسيطُهما بين الموصوف والصفه مما لا يليق بجزالة النظمِ الكريم، والفاءُ لترتيب ما بعدها على ما قبلها، فإن ما ذكرَه عليه الصلاة والسلام من كِبَر السنِّ وضَعف القُوى وعقرِ المرأة موجبٌ لانقطاع رجائِه عليه السلام عن حصول الولدِ بتوسط الأسبابِ العادية واستيهابِه على الوجه الخارِق للعادة، ولا يقدح في ذلك أن يكون هنا داعٍ آخرُ إلى الإقبال على الدعاء المذكورِ من مشاهدته عليه السلام للخوارق الظاهرةِ في حق مريمَ كما يُعرب عنه قوله تعالى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ} الآية، وعدمُ ذكرِه هاهنا للتعويل على ذكره هناك كما أن عدمَ ذكر مقدمةِ الدعاء هناك للاكتفاء بذكره هاهنا، فإن الاكتفاءَ بما ذكر في موطن عما تُرك في موطن آخرَ من النكت التنزيلية.
وقوله تعالى: {يَرِثُنِى} صفةٌ لوليًا، وقرئ هو وما عطف عليه بالجزم جوابًا للدعاء، أي يرثني من حيث العلمُ والدينُ والنبوةُ فإن الأنبياءَ عليهم الصلاة والسلام لا يورِّثون المالَ، قال صلى الله عليه وسلم: «نحن معاشرَ الأنبياءِ لا نورَث، ما تركنا صدقةٌ» وقيل: يرثني الحُبورة وكان عليه السلام حِبْرًا. {وَيَرِثُ مِنْ ءالِ يَعْقُوبَ} يقال: ورِثه وورِث منه لغتان، وآلُ الرجل خاصّته الذين يؤُول إليه أمرُهم للقرابة أو الصُّحبة أو الموافقة في الدين، وكانت زوجةُ زكريا أختَ أمِّ مريمَ، أي ويرث منهم الملكَ، قيل: هو يعقوبُ بنُ إسحاقَ بن إبراهيمَ عليهم الصلاة والسلام، وقال الكلبي ومقاتل: هو يعقوبُ بنُ ماثانَ أخو عمرانَ بنِ ماثان من نسل سليمانَ عليه السلام، وكان آلُ يعقوب أخوالَ يحيى بنِ زكريا، قال الكلبي: كان بنو ماثانَ رؤوسَ بني إسرائيلَ وملوكَهم، وكان زكريا رئيسَ الأحبار يومئذ فأراد أن يرثه ولدُه حبورتَه ويرثَ من بني ماثان ملكَهم، وقرئ {ويرث وارثَ آلِ يعقوب} على أنه حالٌ من المستكن في يرث، وقرئ {أو يرث آل يعقوب} بالتصغير ففيه إيماءٌ إلى وراثته عليه السلام لما يرثه في حالة صِغَره، وقرئ {وارثٌ من آل يعقوب} على أنه فاعلُ يرثني على طريقة التجريد أي يرثني به وارثٌ، وقيل: من للتبعيض إذ لم يكن كلُّ آل يعقوبَ عليه السلام أنبياءَ ولا علماءَ {واجعله رَبّ رَضِيًّا} مرضيًا عندك قولًا وفعلًا، وتوسيطُ ربِّ بين مفعولي اجعَلْ للمبالغة في الاعتناء بشأن ما يستدعيه. اهـ.

.قال الألوسي:

{بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم كهيعص}.
أخرج ابن مردويه عن الكلبي أنه سئل عن ذلك فحدث عن أبي صالح عن أم هانىء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كاف هاد عالم صادق، واختلفت الروايات عن ابن عباس، ففي رواية أنه قال: كبير هاد أمين عزيز صادق، وفي أخرى أنه قال: هو قسم أقسم الله تعالى به وهو من أسماء الله تعالى، وفي أخرى أنه كان يقول: كهيعص وحم ويس وأشباه هذا هو اسم الله تعالى الأعظم، ويستأنس له بما أخرجه عثمان بن سعيد الدارمي وابن ماجه وابن جرير عن فاطمة بنت علي قالت: كان علي كرم الله تعالى وجهه: يقول ياكهيعص اغفر لي، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود وناس من الصحابة أنهم قالوا كهيعص هو الهجاء المقطع الكاف من الملك والهاء من الله والياء والعين من العزيز والصاد من المصور.
وأخرج أيضًا عن محمد بن كعب نحو ذلك إلا أنه لم يذكر الياء، وقال الصاد من الصمد.
وأخرج أيضًا عن الربيع بن أنس أنه قال في ذلك: يا من يجير ولا يجار عليه، وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة أنه اسم من أسماء القرآن، وقيل: إنه اسم للسورة وعليه جماعة، وقيل حروف مسرودة على نمط التعديد ونسب إلى جمع من أهل التحقيق، وفوض البعض علم حقيقة ذلك إلى حضرة علام الغيوب.
وقد تقدم تمام الكلام في ذلك وأمثاله في أول سورة البقرة فتذكر، وقرأ الجمهور كاف بإسكان الفاء، وروى عن الحسن ضمها وأمال نافع هاويًا بين اللفظين وأظهر دال صادر ولم يدغمها في الذال بعد وعليه الأكثرون.
وقرأ الحسن بضم الهاء وعنه أيضًا ضم الياء وكسر الهاء، وعن عاصم ضم الياء وعنده أيضًا كسرهما، وعن حمزة فتح الهاء وكسر الياء، قال أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن المقري الرازي في كتاب (اللوامح): إن الضم في هذه الأحرف ليس على حقيقته وإلا لوجب قلب ما بعدهن من الالفات واوات بل المراد أن ينحي هذه الالفات نحو الواو على لغة أهل الحجاز وهي التي تسمى ألف التفخيم ضد الأمارة، وهذه الترجمة كما ترجموا عن الفتحة الممالة المقربة من الكسر بالكسر لتقريب الألف بعدها من الياء انتهى، ووجه الأمالة والتفخيم أن هذه الألفات لما لم يكن لها أصل حملوها على المنقلبة عن الواو تارة، وعن الياء أخرى فجوز الأمران دفعًا للتحكم.
وقرأ أبو جعفر بتقطيع هذه الحروف وتخليص بعضها من بعض واقتضى ذلك إسكان آخرهن، والتقاء الساكنين مغتفر في باب الوقف، وأدغم أبو عمرو دال صادر في الذال بعد.