فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10)}.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قال بعضهم طلب الآية لتحقيق البشارة وهذا بعيد لأن بقول الله تعالى قد تحققت البشارة فلا يكون إظهار الآية أقوى من ذلك من صريح القول وقال آخرون: البشارة بالولد وقعت مطلقة فلا يعرف وقتها بمجرد البشارة فطلب الآية ليعرف بها وقت الوقوع وهذا هو الحق.
المسألة الثانية:
اتفقوا على أن تلك الآية هي تعذر الكلام عليه فإن مجرد السكوت مع القدرة على الكلام لا يكون معجزة ثم اختلفوا على قولين: أحدهما: أنه اعتقل لسانه أصلًا.
والثاني: أنه امتنع عليه الكلام مع القوم على وجه المخاطبة مع أنه كان متمكنًا من ذكر الله ومن قراءة التوراة وهذا القول عندي أصح لأن اعتقال اللسان مطلقًا قد يكون لمرض وقد يكون من فعل الله فلا يعرف زكريا عليه السلام أن ذلك الاعتقال معجزًا إلا إذا عرف أنه ليس لمرض بل لمحض فعل الله تعالى مع سلامة الآلات وهذا مما لا يعرف إلا بدليل آخر فتفتقر تلك الدلالة إلى دلالة أخرى، أما لو اعتقل لسانه عن الكلام مع القوم مع اقتداره على التكلم بذكر الله تعالى وقراءة التوراة علم بالضرورة أن ذلك الاعتقال ليس لعلة ومرض بل هو لمحض فعل الله فيتحقق كونه آية ومعجزة ومما يقوي ذلك قوله تعالى: {آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلّمَ الناس ثلاث لَيَالٍ سَوِيًّا} خص ذلك بالتكلم مع الناس وهذا يدل بطريق المفهوم أنه كان قادرًا على التكلم مع غير الناس.
المسألة الثالثة:
اختلفوا في معنى {سَوِيًّا} فقال بعضهم: هو صفة لليالي الثلاث وقال أكثر المفسرين هو صفة لزكريا والمعنى: آيتك أن لا تكلم الناس في هذه المدة مع كونك سويًا لم يحدث بك مرض.
{فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)}.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قوله تعالى: {فَخَرَجَ على قَوْمِهِ مِنَ المحراب} قيل كان له موضع ينفرد فيه بالصلاة والعبادة ثم ينتقل إلى قومه فعند ذلك أوحى إليهم، وقيل: كان موضعًا يصلي فيه هو وغيره إلا أنهم كانوا لا يدخلونه للصلاة إلا بإذنه وأنهم اجتمعوا ينتظرون خروجه للإذن فخرج إليهم وهو لا يتكلم فأوحى إليهم.
المسألة الثانية:
لا يجوز أن يكون المراد من قوله أوحى إليهم الكلام لأن الكلام كان ممتنعًا عليه فكان المراد غير الكلام وهو أن يعرفهم ذلك إما بالإشارة أو برمز مخصوص أو بكتابة لأن كل ذلك يفهم منه المراد فعلموا أنه قد كان ما بشر به فكما حصل السرور له حصل لهم فظهر لهم إكرام الله تعالى له بالإجابة، واعلم أن الأشبه بالآية هو الإشارة لقوله تعالى في سورة آل عمران: {ثلاثة أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا} [آل عمران: 41] والرمز لا يكون كناية للكلام.
المسألة الثالثة:
اتفق المفسرون على أنه أراد بالتسبيح الصلاة وهو جائز في اللغة يقال: سبحه الضحى أي صلاة الضحى وعن عائشة رضي الله عنها في صلاة الضحى: «إني لأسبحها» أي لأصليها إذا ثبت هذا فنقول روي عن أبي العالية أن البكرة صلاة الفجر والعشي صلاة العصر ويحتمل أن يكون إنما كانوا يصلون معه في محرابه هاتين الصلاتين فكان يخرج إليهم فيأذن لهم بلسانه، فلما اعتقل لسانه خرج إليهم كعادته فأذن لهم بغير كلام، والله أعلم.
{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12)}.
اعلم أنه تعالى وصف {يحيى} في هذه الآية بصفات تسع: الصفة الأولى: كونه مخاطبًا من الله تعالى بقوله: {يايحيى خُذِ الكتاب بِقُوَّةٍ} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
أن قوله: {يايحيى خُذِ الكتاب} يدل على أن الله تعالى بلغ بيحيى المبلغ الذي يجوز أن يخاطبه بذلك فحذف ذكره لدلالة الكلام عليه.
المسألة الثانية:
الكتاب المذكور يحتمل أن يكون هو التوراة التي هي نعمة الله على بني إسرائيل لقوله تعالى: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا بَنِى إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة} [الجاثية: 16] ويحتمل أن يكون كتابًا خص الله به يحيى كما خص الله تعالى الكثير من الأنبياء بذلك والأول أولى لأن حمل الكلام هاهنا على المعهود السابق أولى ولا معهود هاهنا إلا التوراة.
المسألة الثالثة:
قوله: {بِقُوَّةٍ} ليس المراد منه القدرة على الأخذ لأن ذلك معلوم لكل أحد فيجب حمله على معنى يفيد المدح وهو الجد والصبر على القيام بأمر النبوة وحاصلها يرجع إلى حصول ملكة تقتضي سهولة الإقدام على المأمور به والإحجام عن المنهي عنه.
الصفة الثانية: قوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبِيًّا} اعلم أن في الحكم أقوالًا.
الأول: أنه الحكمة ومنه قول الشاعر:
واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت ** إلى حمام سراع وارد الثمد

وهو الفهم في التوراة والفقه في الدين.
والثاني: وهو قول معمر أنه العقل روي أنه قال ما للعب خلقنا.
والثالث: أنه النبوة فإن الله تعالى أحكم عقله في صباه وأوحى إليه وذلك لأن الله تعالى بعث يحيى وعيسى عليهما السلام وهما صبيان لا كما بعث موسى ومحمدًا عليهما السلام، وقد بلغا الأشد والأقرب حمله على النبوة لوجهين: الأول: أن الله تعالى ذكر في هذه الآية صفات شرفه ومنقبته ومعلوم أن النبوة أشرف صفات الإنسان فذكرها في معرض المدح أولى من ذكر غيرها فوجب أن تكون نبوته مذكورة في هذه الآية ولا لفظ يصلح للدلالة على النبوة إلا هذه اللفظة فوجب حملها عليها.
الثاني: أن الحكم هو ما يصلح لأن يحكم به على غيره ولغيره على الإطلاق وذلك لا يكون إلا بالنبوة فإن قيل كيف يعقل حصول العقل والفطنة والنبوة حال الصبا؟ قلنا: هذا السائل، إما أن يمنع من خرق العادة أو لا يمنع منه، فإن منع منه فقد سد باب النبوات لأن بناء الأمر فيها على المعجزات ولا معنى لها إلا خرق العادات، وإن لم يمنع فقد زال هذا الاستبعاد فإنه ليس استبعاد صيرورة الصبي عاقلًا أشد من استبعاد انشقاق القمر وانفلاق البحر.
الصفة الثالثة؛ قوله تعالى: {وَحَنَانًا مّن لَّدُنَّا} اعلم أن الحنان أصله من الحنين وهو الارتياح والجزع للفراق كما يقال: حنين الناقة وهو صوتها إذا اشتاقت إلى ولدها ذكر الخليل ذلك في الحديث:
«أنه عليه السلام كان يصلي إلى جذع من المسجد فلما اتخذ له المنبر وتحول إليه حنت تلك الخشبة حتى سمع حنينها» فهذا هو الأصل ثم قيل: تحنن فلان على فلان إذا تعطف عليه ورحمه، وقد اختلف الناس في وصف الله بالحنان فأجازه بعضهم، وجعله بمعنى الرؤوف الرحيم، ومنهم من أباه لما يرجع إليه أصل الكلمة قالوا: لم يصح الخبر بهذه اللفظة في أسماء الله تعالى، إذا عرفت هذا فنقول: الحنان هنا فيه وجهان.
أحدهما: أن يجعل صفة لله.
وثانيهما: أن يجعل صفة ليحيى أما إذا جعلناه صفة لله تعالى فنقول: التقدير وآتيناه الحكم حنانًا أي رحمة منا، ثم هاهنا احتمالات: الأول: أن يكون الحنان من الله ليحيى، المعنى: آتيناه الحكم صبيًا، ثم قال: {وَحَنَانًا مّن لَّدُنَّا} أي إنما آتيناه الحكم صبيًا حنانًا من لدنا عليه أي رحمة عليه وزكاة أي وتزكية له وتشريفًا له.
الثاني: أن يكون الحنان من الله تعالى لزكريا عليه السلام فكأنه تعالى قال: إنما استجبنا لزكريا دعوته بأن أعطيناه ولدًا ثم آتيناه الحكم صبيًا وحنانًا من لدنا عليه أي على زكريا فعلنا ذلك.
{وزكواة} أي وتزكية له عن أن يصير مردود الدعاء.
والثالث: أن يكون الحنان من الله تعالى لأمة يحيى عليه السلام كأنه تعالى قال: {وَاتَيْنَاهُ الحكم صَبِيًّا وَحَنَانًا} منا على أمته لعظيم انتفاعهم بهدايته وإرشاده، أما إذا جعلناه صفة ليحيى عليه السلام ففيه وجوه.
الأول: آتيناه الحكم والحنان على عبادنا أي التعطف عليهم وحسن النظر على كافتهم فيما أوليه من الحكم عليهم كما وصف نبيه فقال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ الله لِنتَ لَهُمْ} [آل عمران: 159] وقال: {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بالمؤمنين رَءوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 128] ثم أخبر تعالى أنه آتاه زكاة، ومعناه أن لا تكون شفقته داعية له إلى الإخلال بالواجب لأن الرأفة واللين ربما أورثا ترك الواجب ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ في دِينِ الله} [النور: 2] وقال: {قَاتِلُواْ الذين يَلُونَكُمْ مّنَ الكفار وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة: 123] وقال: {أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين يجاهدون في سَبِيلِ الله وَلاَ يخافون لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة: 54] فالمعنى إنما جعلنا له التعطف على عباد الله مع الطهارة عن الإخلال بالواجبات، ويحتمل آتيناه التعطف على الخلق والطهارة عن المعاصي فلم يعص ولم يهم بمعصية، وفي الآية وجه آخر وهو المنقول عن عطاء بن رباح: {وَحَنَانًا مّن لَّدُنَّا} والمعنى آتيناه الحكم صبيًا تعظيمًا إذ جعلناه نبيًا وهو صبي ولا تعظيم أكثر من هذا والدليل عليه ما روى أنه مر ورقة بن نوفل على بلال وهو يعذب قد ألصق ظهره برمضاء البطحاء، ويقول: أحد أحد فقال: والذي نفسي بيده لئن قتلتموه لأتخذنه حنانًا أي معظمًا.
الصفة الرابعة: قوله: {وزكواة} وفيه وجوه: أحدها: أن المراد وآتيناه زكاة أي عملًا صالحًا زكيًا، عن ابن عباس وقتادة والضحاك وابن جريج.
وثانيها: زكاة لمن قبل منه حتى يكونوا أزكياء عن الحسن.
وثالثها: زكيناه بحسن الثناء كما تزكى الشهود الإنسان.
ورابعها: صدقة تصدق الله بها على أبويه عن الكلبي.
وخامسها: بركة ونماء وهو الذي قال عيسى عليه الصلاة والسلام: {وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَمَا كُنتُ} [مريم: 31] واعلم أن هذا يدل على أن فعل العبد خلق لله تعالى لأنه جعل طهارته وزكاته من الله تعالى وحمله على الألطاف بعيد لأنه عدول عن الظاهر.
الصفة الخامسة: قوله: {وَكَانَ تَقِيّا} وقد عرفت معناه وبالجملة فإنه يتضمن غاية المدائح لأنه هو الذي يتقي نهي الله فيجتنبه ويتقي أمره فلا يهمله، وأولى الناس بهذا الوصف من لم يعص الله ولا يهم بمعصية وكان يحيى عليه الصلاة والسلام كذلك، فإن قيل ما معنى: {وَكَانَ تَقِيّا} وهذا حين ابتداء تكليفه قلنا: إنما خاطب الله تعالى بذلك الرسول وأخبر عن حاله حيث كان كما أخبر عن نعم الله عليه.
الصفة السادسة: قوله: {وَبَرّا بوالديه} وذلك لأنه لا عبادة بعد تعظيم الله تعالى مثل تعظيم الوالدين، ولهذا السبب قال: {وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إياه وبالوالدين إحسانا} [الإسراء: 23].
الصفة السابعة: قوله: {وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا} والمراد وصفه بالتواضع ولين الجانب وذلك من صفات المؤمنين كقوله تعالى: {واخفض جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر: 88] وقال تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القلب لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159] ولأن رأس العبادات معرفة الإنسان نفسه بالذل ومعرفة ربه بالعظمة والكمال ومن عرف نفسه بالذل وعرف ربه بالكمال كيف يليق به الترفع والتجبر، ولذلك فإن إبليس لما تجبر وتمرد صار مبعدًا عن رحمة الله تعالى وعن الدين وقيل الجبار هو الذي لا يرى لأحد على نفسه حقًا وهو من العظم والذهاب بنفسه عن أن يلزمه قضاء حق أحد، وقال سفيان في قوله: {جَبَّارًا عَصِيًّا} إنه الذي يقبل على الغضب والدليل عليه قوله تعالى: {أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِى كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بالأمس إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّارًا في الأرض} [القصص: 19] وقيل: كل من عاقب على غضب نفسه من غير حق فهو جبار لقوله تعالى: {وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} [الشعراء: 130].
الصفة الثامنة: قوله: {عَصِيًّا} وهو أبلغ من العاصي كما أن العليم أبلغ من العالم.
الصفة التاسعة: قوله: {وسلام عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًا} وفيه أقوال: أحدها: قال محمد بن جرير الطبري: {وسلام عَلَيْهِ} أي أمان من الله يوم ولد من أن يناله الشيطان كما ينال سائر بني آدم: {وَيَوْمَ يَمُوتُ} أي وأمان عليه من عذاب القبر: {وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًا} أي ومن عذاب القيامة.
وثانيها: قال سفيان بن عيينة أوحش ما يكون الخلق في ثلاثة مواطن يوم يولد فيرى نفسه خارجًا مما كان فيه، ويوم يموت فيرى قومًا ما شاهدهم قط، ويوم يبعث فيرى نفسه في محشر عظيم فأكرم الله يحيى عليه الصلاة والسلام فخصه بالسلام عليه في هذه المواطن الثلاثة.
وثالثها: قال عبد الله بن نفطوية: {وسلام عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ} أي أول ما يرى الدنيا {وَيَوْمَ يَمُوتُ} أي أول يوم يرى فيه أول أمر الآخرة {وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًا} أي أول يوم يرى فيه الجنة والنار وهو يوم القيامة.
وإنما قال: {حَيًا} تنبيها على كونه من الشهداء لقوله تعالى: {بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169] فروع.
الأول: هذا السلام يمكن أن يكون من الله تعالى وأن يكون من الملائكة وعلى التقديرين فدلالة شرفه وفضله لا تختلف لأن الملائكة لا يسلمون إلا عن أمر الله تعالى.
الثاني: ليحيى مزية في هذا السلام على ما لسائر الأنبياء عليهم السلام كقوله: {سلام على نُوحٍ في العالمين} [الصافات: 79].
{سلام على إبراهيم} [الصافات: 109] لأنه قال و{يَوْمَ وُلِدَ} وليس ذلك لسائر الأنبياء عليهم السلام.
الثالث: روي أن عيسى عليه السلام قال ليحيى عليه السلام: أنت أفضل مني لأن الله تعالى سلم عليك وأنا سلمت على نفسي، وهذا ليس يقوى لأن سلام عيسى على نفسه يجري مجرى سلام الله على يحيى لأن عيسى معصوم لا يفعل إلا ما أمره الله به.
الرابع: السلام عليه يوم ولد لابد وأن يكون تفضلًا من الله تعالى لأنه لم يتقدم منه ما يكون ذلك جزاء له، وأما السلام عليه يوم يموت ويوم يبعث في المحشر، فقد يجوز أن يكون ثوابًا كالمدح والتعظيم، والله تعالى أعلم.
القول في فوائد هذه القصة.
الفائدة الأولى: تعليم آداب الدعاء وهي من جهات.
أحدها: قوله: {نِدَاء خَفِيًّا} [مريم: 3] وهو يدل على أن أفضل الدعاء ما هذا حاله ويؤكد قوله تعالى: {ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] ولأن رفع الصوت مشعر بالقوة والجلادة وإخفاء الصوت مشعر بالضعف والانكسار وعمدة الدعاء الانكسار والتبري عن حول النفس وقوتها والاعتماد على فضل الله تعالى وإحسانه.