فصل: تفسير الآيات (16- 21):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآيات (16- 21):

قوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان حاصل القصة أنه ولد أخرجه الله تعالى عن سبب هو في ضعفه قريب من العدم، أما من جهته فبلوغه إلى حد من السن وحال في المزاج لا يقبل حركة الجماع عادة، أما من جهة زوجته فلزيادتها مع يأسها ببلوغها إلى نحو ذلك السن بكونها عاقرًا لم تقبل حبلًا قط، أتبعه بقصة هي أغرب من قصته بكونها ليس فيها إلا سبب واحد وهو المرأة، وعدم فيها سبب الذكورية أصلًا، إشارة إلى أنه تعالى يخلق ما يشاء تارة بسبب قوي، وتارة بسبب ضعيف، وتارة بلا سبب، ومن كان كذلك كان مستغنيًا عن الولد؛ ولما كان على اليهود الآمرين بالسؤال تعنتًا عن قصتي أصحاب الكهف وذي القرنين أن ينصحوا العرب بالإعلام بأن دينهم باطل لشركهم، فلم يفعلوا فكانوا جديرين بالتبكيت، وكانت قصة زكريا أعظم في تبكيتهم بمباشرتهم لقتله وقتل ولده يحيى عليهما السلام، قدمها في الذكر، وتوطئة لأمر عيسى عليه السلام كما مضى بيانه في آل عمران إلزامًا لهم بالاعتراف به، وللنصارى بالاعتراف بأنه عبد، كما اعترف كل منهما بأمر يحيى عليه السلام، وذلك بما جمع بينهما من خرق العادة، وكانت قصة يحيى أولى من قصة إسحاق عليهما السلام لما تقدم، ولمشاهدة الذين اختلفوا في عيسى عليه السلام من الفريقين لأمره وأمر يحيى عليهم الصلاة والسلام لما لهما من الاتحاد في الزمن مع ما لهما من قرب النسب، ولما كانت قصة عيسى عليه السلام أغرب، أشار إلى ذلك بتغيير السياق فقال عاطفًا على ما تقديره: اذكر هذا لهم: {واذكر}- بلفظ الأمر {في الكتاب مريم} ابنة عمران خالة يحيى- كما في الصحيح من حديث أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة الأنصاري- رضى الله عنهما- في حديث الإسراء: «فلما خلصت فإذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة» ثم أبدل من {مريم} بدل اشتمال قوله: {إذ} أي اذكر ما اتفق لها حين {انتبذت} أي كلفت نفسها أن اعتزلت وانفردت {من أهلها} حالة {مكانًا شرقيًا} عن مكانهم، فكان انفرادها في جهة مطالع الأنوار إشارة إلى ما يأتيها من الروح الإلهي {فاتخذت} أي أخذت بقصد وتكلف، ودل على قرب المكان بالإتيان بالجار فقال: {من دونهم} أي أدنى مكان في مكانهم لانفرادها للاغتسال أو غيره {حجابًا} يسترها {فأرسلنا} لأمر يدل على عظمتنا {إليها روحنا} جبرائيل عليه السلام ليعلمها بما يريد الله بها من الكرامة بولادة عيسى عليه السلام من غير أب، لئلا يشتبه عليها الأمر، ويتشعب بها الفكر، فتقتل نفسها غمًا {فتمثل لها} أي تشبح وهو روحاني بصورة الجسماني {بشرًا سويًا} في خلقه حسن الشكل لئلا تشتد نفرتها وروعها منه؛ ثم أخرج القصة مخرج الاستئناف فقال دالًا على حزمها وخلوص تعبدها لله والتجائها إليه وشهودها له بحيث لا تركن إلى سواه: {قالت}.
ولما كان على أنهى ما يكون من الجمال والخلال الصالحة والكمال، فكان بحيث يستبعد غاية الاستبعاد أن يتعوذ منه أكدت فقالت: {إني أعوذ بالرحمن} ربي الذي رحمته عامة لجميع عباده في الدنيا والآخرة، وله بنا خصوصية في إسباغ الرحمة وإتمام النعمة {منك} ولما تفرست فيه- بما أنار الله من بصيرتها وأصفى من سريرتها- التقوى، ألهبته وهيجته للعمل بمضمون هذه الاستعاذة بقولها: {إن كنت تقيًا قال} جبرئيل عليه السلام مجيبًا لها بما معناه: إني لست ممن تخشين أن يكون متهمًا، مؤكدًا لأجل استعاذتها، {إنما أنا رسول ربك} أي الذي عذت به أي فأنا لست متهمًا، متصف بما ذكرت وزيادة الرسلية، وعبر باسم الرب المقتضي للإحسان لطفًا بها، ولأن هذه السورة مصدرة بالرحمة، ومن أعظم مقاصدها تعداد النعم على خلص عباده {لأهب} بأمره أو ليهب هو على القراءة الأخرى {لك} وقدم المتعلق تشويقًا إلى المفعول ليكون أوقع في النفس؛ ثم بينه معبرًا بما هو أكثر خيرًا وأقعد في باب البشرى وأنسب لمقصود السورة مع أنه لا ينافي ما ذكر في آل عمران بقوله: {غلامًا} أي ولدًا ذكرًا في غاية القوة والرجولية {زكيًا} طاهرًا من كل ما يدنس البشر: ناميًا على الخير والبركة {قالت} مريم: {أنّى} أي من أين وكيف {يكون لي غلام} ألده {ولم يمسسني بشر} بنكاح أصلًا حلال ولا غيره بشبهة ولا غيرها. ولما هالها هذا الأمر، أداها الحال إلى غاية الإسراع في إلقاء ما تريد من المعاني لها لعلها تستريح مما تصورته، فضاق عليها المقام، فأوجزت حتى بحذف النون من (كان) ولتفهم أن هذا المعنى منفي كونه على أبلغ وجوهه فقالت {ولم أك}.
ولما كان المولود سر من يلده، وكان التعبير عنه بما هو من مادة الغلمة دالًا على غاية الكمال في الرجولية المقتضي لغاية القوة في أمر النكاح نفت أن يكون فيها شيء من ذلك فقالت: {بغيًا} أي ليكون دأبي الفجور، ولم يأت (بغية) لغلبة إيقاعه على النساء، فكان مثل حائض وعاقر في عدم الإلباس ولأن بغية، لا يقال إلا للمتلبسة به {قال} أي جبريل عليه السلام {كذلك} القول الذي قلت لك يكون.
ولما كان لسان الحال قائلًا: كيف يكون بغير سبب؟ أجاب بقوله: {قال} ولما بنيت هذه السورة على الرحمة واللطف والإحسان بعباد الرحمن، عبر باسم الرب الذي صدرت به بخلاف سورة التوحيد آل عمران المصدرة بالاسم الأعظم فقال: {ربك هو} أي المذكور وهو أيجاد الولد على هذه الهيئة {عليّ} أي وحدي لا يقدر عليه أحد غيري {هين} أي خصصناك به ليكون شرفًا به لك.
ولما كان ذلك أعظم الخوارق، نبه عليه بالنون في قوله، عطفًا على ما قدرته مما أفهمه السياق: {ولنجعله} بما لنا من العظمة {ءاية للناس} أي علامة على كمال قدرتنا على البعث أدل من الآية في يحيى عليه السلام، وبه تمام القسمة الرباعية في خلق البشر، فإنهه أوجده من أنثى بلا ذكر، وحواء من ذكر بلا أنثى وآدم عليه السلام لا من ذكر ولا أنثى، وبقية أولاده من ذكر وأنثى معًا {ورحمة منا} لمن آمن به في أول زمانه، ولأكثر الخلق بالإيمان والإنجاء من المحن في آخر زمانه، لا كآية صالح عليه السلام لأنها كانت آية استئصال لأهل الضلال {وكان} ذلك كله {أمرًا مقضيًا} أي محكومًا به مبتوتًا هو في غاية السهولة لا مانع منه أصلًا. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{إني أعوذ} بفتح الياء: أبو جعفر ونافع وابن كثير وأبو عمرو. {ليهب لك} على الغيبة: أبو عمرو ويعقوب وورش والحلواني عن قالون وحمزة في الوقف. الآخرون {لأهب} على التكلم {نسيًا} بفتح النون: حمزة وحفص. الباقون بكسرها. {من تحتها} بكسر الميم على أنه حرف جر وبجر التاء الثانية: أبو جعفر ونافع وسهل وحمزة وعلي وخلف وعاصم غير أبي بكر وحماد. الباقونه بفتحهما على أن {من} موصولة والظرف صلتها {تساقط} بحذف تاء التفاعل: علي وحمزة والخزاز عن هبيرة. {تساقط} من المفاعلة: حفص غير الخزاز {يساقط} بياء الغيبة، وعلى أن الضمير للجذع وبإدغام التاء في السين: سهل ويعقوب ونصير وحماد. الباقون مثله ولكن بتاء التأنيث على أن الضمير للنخلة {آتاني الكتاب} ممالة مفتوحة الياء: عليّ. وقرأ حمزة مرسلة الياء مفخمة في الوصل ممالة في الوقف. {وأوصاني} بالإمالة: علي {قول الحق} بالنصب: ابن عامر وعاصم ويعقوب. {وإن الله} بكسر الهمزة: عاصم وحمزة وعلي وخلف وابن عامر وروح والمعدل عن زيد.

.الوقوف:

{مريم} لا ليصير {إذ} ظرفًا لأذكر {شرقيًا} لا للعطف {زكيًا} o {بغيًا} o {كذلك} ط لما مر {هين} ج لجواز كون الواو مقحمة أو معلقة بمحذوف كما يجيء {منا} ج لاختلاف الجملتين {مقضيًا} o {قصيًا} o {النخلة} ج لترتب الماضي من غير عاطف والأولى أن يكون استئنافًا {منسيًا} o {سريًا} o {جنيًا} o ز {عينًا} o ج للشرط مع الفاء {أحدًا} لا لأن ما بعده جواب الشرط {نسيًا} o ج للعطف مع الآية {تحمله} ط {فريًا} o {بغيًا} o ج {إليه} ج {صبيًا} o {عبد الله} ط لأن الجملة لا تقع صفة للمعرفة. ويمكن أن يجعل معنى التحقيق في {إن} عاملًا فيكون حالًا فلا يوقف {أينما كنت} ص لطول الكلام {حيًا} ص o لذلك والوصل أولى لأن قوله: {وبرًا} معطوف على قوله: {مباركًا}. {بوالدتي} ج لتبدل الكلام من الإثبات إلى النفي {شقيًا}، {حيًا}{عيسى ابن مريم} ج على القراءتين لاحتمال أن يراد أقول قول الحق وأن يجعل حالًا، وأما في قراءة الرفع فإما أن يكون بدلًا من عيسى أو يكون التقدير هو قول الحق {يمترون}{من ولد} o استعجالًا للتنزيه {سبحانه} ط {فيكون} o ط لمن قرأ {وأن} بالكسر {فاعبدوه} ط {مستقيم}، o {من بينهم} ج لأن ما بعده مبتدأ مع الفاء {عظيم} o {وأبصر} لا لأن ما بعده ظرف للتعجب {مبين} o وسمعت عن مشايخي رحمهم الله أن الوقف على قوله: {قضى الأمر} لازم لا أقل من المطلوب لأن ما بعده جملة مستأنفة ولو وصل لأوهم أن يكون حالًا من القضاء وليس كذلك {لا يؤمنون}، o {يرجعون} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16)}.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
إذ بدل من مريم بدل اشتمال لأن الأحيان مشتملة على ما فيها وفيه أن المقصود بذكر مريم ذكر وقت هذا الوقوع لهذه القصة العجيبة فيه.
المسألة الثانية:
النبذ أصله الطرح والإلقاء والانتباذ افتعال منه ومنه: {فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ} [آل عمران: 187] وانتبذت تنحت يقال جلس نبذة من الناس ونبذة بضم النون وفتحها أي ناحية وهذا إذا جلس قريبًا منك حتى لو نبذت إليه شيئًا وصل إليه ونبذت الشيء رميته ومنه النبيذ لأنه يطرح في الإناء وأصله منبوذ فصرف إلى فعيل ومنه قيل للقيط منبوذ لأنه يرمى به ومنه النهي عن المنابذة في البيع وهو أن يقول: إذا نبذت إليك هذا الثوب أو الحصاة فقد وجب البيع إذ عرفت هذا فنقول قوله تعالى: {إِذِ انتبذت مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًا} معناه تباعدت وانفردت على سرعة إلى مكان يلي ناحية الشرق ثم بين تعالى أنها مع ذلك اتخذت من دون أهلها حجابًا مستورًا وظاهر ذلك أنها لم تقتصر على أن انفردت إلى موضع بل جعلت بينها وبينهم حائلًا من حائط أو غيره ويحتمل أنها جعلت بين نفسها وبينهم سترًا وهذا الوجه الثاني أظهر من الأول ثم لابد من احتجابها من أن يكون لغرض صحيح وليس مذكورًا واختلف المفسرون فيه على وجوه.
الأول: أنها لما رأت الحيض تباعدت عن مكانها المعتاد للعبادة لكي تنتظر الطهر فتغتسل وتعود فلما طهرت جاءها جبريل عليه السلام.
والثاني: أنها طلبت الخلوة لئلا تشتغل عن العبادة.
والثالث: قعدت في مشرقة للاغتسال من الحيض محتجبة بشيء يسترها.
والرابع: أنها كان لها في منزل زوج أختها زكرياء محراب على حدة تسكنه وكان زكريا إذا خرج أغلق عليها فتمنت (على) الله أن تجد خلوة في الجبل لتفلي رأسها فانفرج السقف لها فخرجت إلى المفازة فجلست في المشرفة وراء الجبل فأتاها الملك.
وخامسها: عطشت فخرجت إلى المفازة لتستقي واعلم أن كل هذه الوجوه محتمل وليس في اللفظ ما يدل على ترجيح واحد منها.
المسألة الثالثة:
المكان الشرقي هو الذي يلي شرقي بيت المقدس أو شرقي دارها وعن ابن عباس رضي الله عنهما: إني لأعلم خلق الله لأي شيء اتخذت النصارى المشرق قبلة لقوله تعالى: {مَكَانًا شَرْقِيًا} فاتخذوا ميلاد عيسى قبلة.
المسألة الرابعة:
أنها لما جلست في ذلك المكان أرسل الله إليها الروح واختلف المفسرون في هذا الروح فقال الأكثرون: إنه جبريل عليه السلام وقال أبو مسلم إنه الروح الذي تصور في بطنها بشرًا والأول أقرب لأن جبريل عليه السلام يسمى روحًا قال الله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الروح الأمين على قَلْبِكَ} [الشعراء: 193 194] وسمي روحًا لأنه روحاني وقيل خلق من الروح وقيل لأن الدين يحيا به أو سماه الله تعالى بروحه على المجاز محبة له وتقريبًا كما تقول لحبيبك روحي وقرأ أبو حيوة روحنا بالفتح لأنه سبب لما فيه روح العباد وإصابة الروح عند الله الذي هو عدة المتقين في قوله: {فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ المقربين فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةٍ نَعِيمٍ} [الواقعة: 88، 89] أو لأنه من المقربين وهم الموعودون بالروح أي مقربنا وذا روحنا وإذا ثبت أنه يسمى روحًا فهو هنا يجب أن يكون المراد به هو لأنه قال: {إِنَّمَا أَنَاْ رَسُولُ رَبّكِ لأَهَبَ لَكِ غلاما زَكِيًّا} [مريم: 19] ولا يليق ذلك إلا بجبريل عليه السلام واختلفوا في أنه كيف ظهر لها.
فالأول: أنه ظهر لها على صورة شاب أمرد حسن الوجه سوي الخلق.
والثاني: أنه ظهر لها على صورة ترب لها اسمه يوسف من خدم بيت المقدس وكل ذلك محتمل ولا دلالة في اللفظ على التعيين ثم قال: وإنما تمثل لها في صورة الإنسان لتستأنس بكلامه ولا تنفر عنه فلو ظهر لها في صورة الملائكة لنفرت عنه ولم تقدر على استماع كلامه ثم هاهنا إشكالات.
أحدهما: وهو أنه لو جاز أن يظهر الملك في صورة إنسان معين فحينئذ لا يمكننا القطع بأن هذا الشخص الذي أراه في الحال هو زيد الذي رأيته بالأمس لاحتمال أن الملك أو الجني تمثل في صورته وفتح هذا الباب يؤدي إلى السفسطة، لا يقال هذا إنما يجوز في زمان جواز البعثة فأما في زماننا هذا فلا يجوز لأنا نقول هذا الفرق إنما يعلم بالدليل، فالجاهل بذلك الدليل يجب أن لا يقطع بأن هذا الشخص الذي أراه الآن هو الشخص الذي رأيته بالأمس.
وثانيها: أنه جاء في الأخبار أن جبريل عليه السلام شخص عظيم جدًا فذلك الشخص العظيم كيف صار بدنه في مقدار جثة الإنسان أبأن تساقطت أجزاؤه وتفرقت بنيته فحينئذ لا يبقى جبريل أو بأن تداخلت أجزاؤه وذلك يوجب تداخل الأجزاء وهو محال.
وثالثها: وهو أنا لو جوزنا أن يتمثل جبريل عليه السلام في صورة الآدمي فلم لا يجوز تمثله في صورة جسم أصغر من الآدمي حتى الذباب والبق والبعوض ومعلوم أن كل مذهب جر إلى ذلك فهو باطل.