فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

وذكروا أن جبريل عليه السلام نفخ في جيب درعها أو فيه وفي كمها وقال: أي دخل الروح المنفوخ من فمها، والظاهر أن المسند إليه النفخ هو الله تعالى لقوله: {فنفخنا} ويحتمل ما قالوا: {فحملته} أي في بطنها والمعنى فحملت به.
قيل: وكانت بنت أربع عشرة سنة.
وقيل: بنت خمس عشرة سنة قاله وهب ومجاهد.
وقيل: بنت ثلاث عشرة سنة.
وقيل: اثنتي عشرة سنة.
وقيل: عشرة سنين.
قيل: بعد أن حاضت حيضتين.
وحكى محمد بن الهيصم أنها لم تكن حاضت بعد.
وقيل: لم تحض قط مريم وهي مطهرة من الحيض، فلما أحست وخافت ملامة الناس أن يظن بها الشر فارتمت به إلى مكان قصي حياءً وفرارًا.
روي أنها فرت إلى بلاد مصر أو نحوها قاله وهب.
وقيل: إلى موضع يعرف ببيت لحم بينه وبين إيليا أربعة أميال.
وقيل: بعيدًا من أهلها وراء الجبل.
وقيل: أقصى الدار.
وقيل: كانت سميت لابن عم لها اسمه يوسف فلما قيل حملت من الزنا خاف عليها قتل الملك هرب بها، فلما كان ببعض الطريق حدثته نفسه بأن يقتلها فأتاه جبريل عليه السلام فقال: إنه من روح القدس فلا تقتلها فتركها حملته في ساعة واحدة فكما حملته نبذته عن ابن.
وقيل: كانت مدة الحمل ثلاث ساعات.
وقيل: حمل في ساعة وصور في ساعة ووضعته في ساعة.
وقيل: ستة أشهر.
وعن عطاء وأبي العالية والضحاك: سبعة أشهر.
وقيل: ثمانية ولم يعش مولود وضع لثمانية إلاّ عيسى وهذه أقوال مضطربة متناقضة كان ينبغي أن يضرب عنها صفحًا إلاّ أن المفسرين ذكروها في كتبهم وسوّدوا بها الورق، والباء في {به} للحال أي مصحوبة به أي اعتزلت وهو في بطنها كما قال الشاعر:
تدوس بنا الجماجم والتريبا

أي تدوس الجماجم ونحن على ظهورها.
ومعنى {فأجاءها} أي جاء بها تارة فعدي جاء بالباء وتارة بالهمزة.
قال الزمخشري: إلاّ أن استعماله قد يغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء الإتراك، لا تقول: جئت المكان وأجاءنيه زيد كما تقول: بلغته وأبلغنيه، ونظيره آتى حيث لم يستعمل إلاّ في الإعطاء ولم يقل آتيت المكان وآتانيه فلان انتهى.
أما قوله وقول غيره إن الاستعمال غيره إلى معنى الإلجاء فيحتاج إلى نقل أئمة اللغة المستقرئين ذلك عن لسان العرب، والإجاءة تدل على المطلق فتصلح لما هو بمعنى الإلجاء ولما هو بمعنى الاختيار كما لو قلت: أقمت زيدًا فإنه قد يكون مختارًا لذلك وقد يكون قد قسرته على القيام.
وأما قوله الإتراك لا تقول إلى آخره فمن رأى أن التعدية بالهمزة قياس أجاز لك ولو لم يسمع ومن لا يراه قياسًا فقد سمع ذلك في جاء حيث قالوا: أجاء فيجيز ذلك، وأما تنظيره ذلك بآتي فهو تنظير غير صحيح لأنه بناه على أن الهمزة فيه للتعدية، وأن أصله أتى وليس كذلك بل آتى مما بُني على أفعل وليس منقولًا من أتى بمعنى جاء، إذ لو كان منقولًا من أتى المتعدية لواحد لكان ذلك الواحد هو المفعول الثاني، والفاعل هو الأول إذا عديته بالهمزة تقول: أتى المال زيدًا، وآتى عمرًا زيدًا المال، فيختلف التركيب بالتعدية لأن زيدًا عند النحويين هو المفعول الأول والمال هو المفعول الثاني.
وعلى ما ذكره الزمخشري كان يكون العكس فدل على أنه ليس على ما قاله.
وأيضًا فآتى مرادف لأعطى فهو مخالف من حيث الدلالة في المعنى.
وقوله: ولم تقل أتيت المكان وآتانيه هذا غير مسلم بل يقال: أتيت المكان كما تقول: جئت المكان.
وقال الشاعر:
أتوا ناري فقلت منون أنتم ** فقالوا الجن الجن قلت عموا ظلاما

ومن رأى النقل بالهمزة قياسًا قال: أتانيه.
وقرأ الجمهور: {فأجاءها} أي ساقها.
وقال الشاعر:
وجار سار معتمدًا إليكم ** أجاءته المخافة والرجاء

وأما فتحه الجيم الأعمش وطلحة.
وقرأ حماد بن سلمة عن عاصم.
قال ابن عطية وشبيل بن عزرة فاجأها من المفاجأة.
وقال صاحب اللوامح شبيل بن عزرة: فاجأها.
فقيل: هو من المفاجأة بوزن فاعلها فبدلت همزتها بألف تخفيف على غير قياس، ويحتمل أن تكون همزة بين بين غير مقلوبة.
وروي عن مجاهد كقراءة حماد عن عاصم.
وقرأ ابن كثير في رواية {المخاض} بكسر الميم يقال مخضت الحامل مخاضًا ومخاضًا وتمخض الولد في بطنها: و{إلى} تتعلق بفأجاءها، ومن قرأ فاجأها من المفاجأة فتتعلق بمحذوف أي مستندة أي في حال استنادها إلى النخلة، والمستفيض المشهور أن ميلاد عيسى عليه السلام كان بيت لحم، وأنها لما هربت وخافت عليه أسرعت به وجاءت به إلى بيت المقدس فوضعته على صخرة فانخفضت الصخرة له وصارت كالمهد وهي الآن موجودة تزار بحرم بيت المقدس، ثم بعد أيام توجهت به إلى بحر الأردن فعمدته فيه وهو اليوم الذي يتخذه النصارى ويسمونه يوم الغطاس وهم يظنون أن المياه في ذلك اليوم تقدست فلذلك يغطسون في كل ماء، ومن زعم أنها ولدته بمصر قال: بكورة اهناس.
قيل: ونخلة مريم قائمة إلى اليوم، والظاهر أن النخلة كانت موجودة قبل مجيء مريم إليها.
وقيل: إن الله أنبت لها نخلة تعلقت بها.
وروي أنها بلغت إلى موضع كان فيه جذع نخلة يابس بال أصله مدوّد لا رأس له ولا ثمر ولا خضرة، وأل إما لتعريف الجنس أو الداخلة على الأسماء الغالبة كأن تلك الصحراء كان بها جذع نخلة معروف فإذا قيل {جذع النخلة} فهم منه ذلك دون غيره.
وأرشدها تعالى إلى النخلة ليطعمها منها الرطب الذي هو خرسة النفساء الموافقة لها ولظهور تلك الآيات منها فتستقر نفسها وتقر عينها، فاشتد بها الأمر هنالك واحتضنت الجذع لشدة الوجع وولدت عيسى عليه السلام فقالت عند ولادتها لما رأته من الآلام والتغرب وإنكار قومها وصعوبة الحال من غير ما وجه {يا ليتني مت قبل هذا} وتمنت مريم الموت من جهة الدين إذ خافت أن يظن بها الشر في دينها وتعير فيغبنها ذلك، وهذا مباح وعلى هذا الحد تمنى عمر بن الخطاب وجماعة من الصالحين.
وأما النهي عن ذلك فإنما هو لضر نزل بالبدن، وتقدم الخلاف من القراء في كسر الميم من مت وضمها في آل عمران، والنسي الشيء الحقير الذي من شأنه أن ينسى فلا يتألم لفقده كالوتد والحبل للمسافر وخرقة الطمث.
وقرأ الجمهور بكسر النون وهو فعل بمعنى مفعول كالذبح وهو ما من شأنه أن يذبح.
وقرأ ابن وثاب وطلحة والأعمش وابن أبي ليلى وحمزة وحفص بفتح النون.
وقرأ محمد بن كعب القرظي: نسأ بكسر النون والهمز مكان الياء وهي قراءة نون الأعرابي.
وقرأ بكر بن حبيب السهمي ومحمد بن كعب أيضًا نسأ بفتح النون والهمز وهو مصدر من نسأت اللبن إذا صببت عليه ماء، فاستهلك اللبن فيه لقلته فكأنها تمنت أن تكون مثل ذلك اللبن الذي لا يرى ولا يتميز من الماء.
وقال ابن عطية: وقرأ بكر بن حبيب نسا بفتح النون والسين من غير همز بناه على فعل كالقبض والنفض.
قال الفراء نسي ونسي لغتان كالوتر والوتر والفتح أحب إليّ.
وقال أبو علي الفارسي الكسر أعلى اللغتين.
وقال ابن الأنباري: من كسر فهو اسم لما ينسى كالنقض اسم لما ينقض، ومنه فتح فمصدر نائب عن اسم كما يقال: رجل دنف ودنف والمكسور هو الوصف الصحيح والمفتوح مصدر يسد مسد الوصف، ويمكن أن يكونا لمعنى كالرطل والرطل والإشارة بقوله هذا إلى الحمل.
وقيل: {قبل هذا} اليوم أو {قبل هذا} الأمر الذي جرى.
وقرأ الأعمش وأبو جعفر في رواية {منسيًا} بكسر الميم اتباعًا لحركة السين كما قالوا منتن باتباع حركة الميم لحركة التاء.
وقيل: تمنت ذلك لما لحقها من فرط الحياء على حكم العادة البشرية لا كراهة لحكم الله أو لشدة التكليف عليها إذا بهتوها وهي عارفة ببراءة الساحة، وبضد ما قربت من اختصاص الله إياها بغاية الإجلال والإكرام لأنه مقام دحض قلما تثبت عليه الأقدام، أو لحزنها على الناس أو يأثم الناس بسببها.
وروي أنها سمعت نداء أخرج يا من يعبد من دون الله فحزنت و{قالت يا ليتني مت}.
وقال وهب: أنساها كرب الولادة وما سمعت من الناس بشارة الملائكة بعيسى.
وقرأ زر وعلقمة فخاطبها مكان {فناداها} وينبغي أن يكون تفسيرًا لا قراءة لأنها مخالفة لسواد المصحف المجمع عليه، والمنادي الظاهر أنه عيسى أي فولدته فأنطقه الله وناداها أي حالة الوضع.
وقيل: جبريل وكان في بقعة من الأرض أخفض من البقعة التي كانت عليها وقاله الحسن وأقسم على ذلك.
قيل: وكان يقبل الولد كالقابلة.
وقرأ ابن عباس {فناداها} ملك {من تحتها}.
وقرأ البراء بن عازب وابن عباس والحسن وزيد بن عليّ والضحاك وعمرو بن ميمون ونافع وحمزة والكسائي وحفص {من} حرف جر.
وقرأ الابنان والأبوان وعاصم وزر ومجاهد والجحدري والحسن وابن عباس في رواية عنهما {من} بفتح الميم بمعنى الذي و{تحتها} ظرف منصوب صلة لمن، وهو عيسى أي ناداها المولود قاله أبيّ والحسن وابن جبير ومجاهد و{أن} حرف تفسير أي {لا تحزني} والسري في قول الجمهور الجدول. وقال الحسن وابن زيد وقتادة عظيمًا من الرجال له شأن. وروي أن الحسن فسر الآية فقال: أجل لقد جعله الله {سريًا} كريمًا فقال حميد بن عبد الرحمن: يا أبا سعيد إنما يعني بالسري الجدول، فقال الحسن لهذه وأشباهها أحب قربك، ولكن غلبنا الأمراء. ثم أمرها بهز الجذع اليابس لترى آية أخرى في إحياء موات الجذع. وقالت فَرِقة: بل كانت النخلة مطعمة رطبًا. وقال السدّي: كان الجذع مقطوعًا وأجرى تحته النهر لجنبه، والظاهر أن المكلم هو عيسى وأن الجذع كان يابسًا وعلى هذا ظهرت لها آيات تسكن إليها وحزنها لم يكن لفقد الطعام والشراب حتى تتسلى بالأكل والشرب، ولكن لما ظهر في ذلك من خرق العادة حتى يتبين لقومها أن ولادتها من غير فحل ليس ببدع من شأنها.
قال ابن عباس: كان جذعًا نخرًا فلما هزت إذ السعف قد طلع ثم نظرت إلى الطلع يخرج من بين السعف، ثم اخضر فصار بلحًا، ثم احمر فصار زهوًا ثم رطبًا كل ذلك في طرفة عين، فجعل الرطب يقع من بين يديها لا يتسرح منه شيء.
وإلى حرف بلا خلاف ويتعلق بقوله: {وهُزِّي} وهذا جاء على خلاف ما تقرر في علم النحو من أن الفعل لا يتعدى إلى الضمير المتصل، وقد رفع الضمير المتصل وليس من باب ظن ولا فقد ولا علم وهما لمدلول واحد لا يقال: ضربتك ولا زيد ضربه أي ضرب نفسه ولا ضربني إنما يؤتى في مثل هذه التراكيب بالنفس فتقول: ضربت نفسك وزيد ضرب نفسه وضربت نفسي والضمير المجرور عندهم كالضمير المنصوب فلا تقول: هززت إليك ولا زيد هز إليه ولا هززت إلى ولهذا زعموا في قول الشاعر:
دع عنك نهيًا صيح في حجراته ** ولكن حديثًا ما حدثت الرواحل

وفي قول الآخر:
وهوّن عليك فإن الأمو ** ر بكف الإله مقاديرها

إنّ عن وعلى ليسا حرفين وإنما هما اسمان ظرفان، وهذا ليس ببعيد لأن عن وعلى قد ثبت كونهما اسمين في قوله:
من عن يمين الحبيا نظرة قبل

وفي قوله:
غدت من عليه بعدما تم ظمؤها

وبعض النحويين زعم أن على لا تكون حرفًا البتة، وأنها اسم في كل مواردها ونسب إلى سيبويه، ولا يمكن أن يدعي أن إلى تكون اسمًا لإجماع النحاة على حرفيتها كما قلنا.
ونظير قوله تعالى: {وهزي إليك} قوله تعالى: {واضمم إليك جناحك} وعلى تقرير تلك القاعدة ينبغي تأويل هذين، وتأويله على أن يكون قوله: {إليك} ليس متعلقًا بهزي ولا باضمم، وإنما ذلك على سبيل البيان والتقدير أعني إليك فهو متعلق بمحذوف كما قالوا في قوله: {إني لكما لمن الناصحين} وما أشبهه على بعض التأويلات.
والباء في {بجذع} زائدة للتأكيد كقوله: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} قال أبو عليّ كما يقال: ألقى بيده أي ألقى يده.
وكقوله:
سود المحاجر لا يقرآن بالسور

أي لا يقرآن السور.
وأنشد الطبري:
فؤاد يمان ينبت السدر صدره ** وأسفله بالمرخ والسهان

وقال الزمخشري أو على معنى أفعلي الهز به.
كقوله:
يخرج في عراقيبها نصلي

قالوا: التمر للنفساء عادة من ذلك الوقت وكذلك التحنيك، وقالوا: كان من العجوة قاله محمد بن كعب.
وقيل: ما للنفساء خير من الرطب.
وقيل: إذا عسر ولادها لم يكن لها خير من الرطب.