فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومعنى {فَلَنْ أُكَلّمَ اليوم إِنسِيًّا} أنها لا تكلم أحدًا من الإنس بعد إخبارهم بهذا الخبر، بل إنما تكلم الملائكة وتناجي ربها وقيل: إنها لم تخبرهم هنا باللفظ، بل بالإشارة المفيدة للنذر.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {انتبذت مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًا} قال: مكانًا أظلها الشمس أن يراها أحد منهم.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال: إنما اتخذت النصارى المشرق قبلة، لأن مريم اتخذت من أهلها مكانًا شرقيًا، فاتخذوا ميلاده قبلة، وإنما سجدت اليهود على حرف حين نتق فوقهم الجبل، فجعلوا ينحرفون وهم ينظرون إليه، يتخوّفون أن يقع عليهم، فسجدوا سجدة رضيها الله، فاتخذوها سنة.
وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في الأسماء والصفات، وابن عساكر من طريق السدّي عن أبي مالك عن ابن عباس.
وعن مرّة عن ابن مسعود قالا: خرجت مريم بنت عمران إلى جانب المحراب لحيض أصابها، فلما طهرت إذا هي برجل معها {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا} ففزعت و{قَالَتْ إِنّى أَعُوذُ بالرحمن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا} فخرجت وعليها جلبابها، فأخذ بكمها فنفخ في جنب درعها، وكان مشقوقًا من قدّامها، فدخلت النفخة صدرها فحملت، فأتتها أختها امرأة زكرياء ليلة تزورها، فلما فتحت لها الباب التزمتها، فقالت امرأة زكريا: يا مريم أشعرت أني حبلى، قالت مريم: أشعرت أني حبلى، فقالت امرأة زكرياء: فإني وجدت ما في بطني سجد للذي في بطنك، فذلك قوله تعالى: {مُصَدّقًا بِكَلِمَةٍ مّنَ الله} [آل عمران: 39]. فولدت امرأة زكرياء يحيى، ولما بلغ أن تضع مريم خرجت إلى جانب المحراب {فَأَجَاءهَا المخاض إلى جِذْعِ النخلة قَالَتْ ياليتنى مِتُّ قَبْلَ هذا} الآية {فَنَادَاهَا} جبريل {مِن تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي} فلما ولدته ذهب الشيطان فأخبر بني إسرائيل أن مريم ولدت، فلما أرادوها على الكلام أشارت إلى عيسى فتكلم فقال: {إِنّي عَبْدُ الله ءَاتَانِىَ الكتاب} الآيات، ولما ولد لم يبق في الأرض صنم إلا خرّ لوجهه.
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في مريم قال: حين حملت وضعت.
وأخرج ابن عساكر عنه قال: وضعت لثمانية أشهر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} قال: جبريل.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن سعيد بن جبير نحوه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء نحوه أيضًا.
وأخرج ابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، والبيهقي في الأسماء والصفات، وابن عساكر عن أبيّ بن كعب في الآية قال: تمثل لها روح عيسى في صورة بشر فحملته، قال: حملت الذي خاطبها دخل في فيها.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {مَكَانًا قَصِيًّا} قال: نائيًا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله: {إلى جِذْعِ النخلة} قال: كان جذعًا يابسًا.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضًا في قوله: {وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا} قال: لم أخلق ولم أك شيئًا.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة {وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا} قال: حيضة ملقاة.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد نحوه.
وأخرج عبد بن حميد عن نوف البكالي والضحاك مثله.
وأخرج عبد ابن حميد عن عكرمة في قوله: {فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا} قال: الذي ناداها جبريل.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: الذي ناداها من تحتها جبريل، ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها.
وقد اختلفت الروايات عن السلف، هل هذا المنادي هو جبريل أو عيسى.
وأخرج عبد بن حميد، عن أبي بكر بن عياش قال: قرأ عاصم بن أبي النجود {فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا} بالنصب، قال: وقال عاصم: من قرأ بالنصب فهو عيسى، ومن قرأ بالخفض فهو جبريل.
وأخرج الطبراني وابن مردويه وابن النجار عن ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن السريّ الذي قال الله لمريم {قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا} نهر أخرجه الله لها لتشرب منه» وفي إسناده أيوب بن نهيك الجبلي قال فيه أبو حاتم الرازي: ضعيف، وقال أبو زرعة: منكر الحديث، وقال أبو فتح الأزدي: متروك الحديث، وقال الطبراني بعد إخراج هذا الحديث: إنه غريب جدًّا.
وأخرج الطبراني في الصغير، وابن مردويه عن البراء بن عازب عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا} قال: (النهر) وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، وصححه والحاكم، وابن مردويه عن البراء قال في الآية: هو الجدول، وهو النهر الصغير، فظهر بهذا أن الموقوف أصح. وقد روي عن جماعة من التابعين أن السريّ هو عيسى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {رُطَبًا جَنِيًّا} قال: طريًا. وأخرج ابن المنذر وابن مردويه في قوله: {إِنّي نَذَرْتُ للرحمن صَوْمًا} قال: صمتًا. وأخرج عبد بن حميد وابن الأنباري عنه أنه قرأ: {صومًا صمتًا}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22)}.
قوله: {فانتبذت بِهِ}: الجارُّ والمجرورُ في محل نصب على الحال، أي: انتبذَتْ وهو مصاحبٌ لها، كقولِه:
......................... ** تَدْوْسُ بنا الجَماجِمَ والتَّرِيْبا

قوله: {فَأَجَاءَهَا}: الأصلُ في (جاء) أَنْ يتعدَّى لواحدٍ بنفسه، فإذا دَخَلَتْ عليه الهمزةُ كان القياسُ يقتضي تَعَدِّيَه لاثنين. قال الزمخشري: إلا أنَّ استعمالَه قد تغيَّر بعد النقلِ إلى معنى الإِلْجاء، ألا تراكَ لا تقول: جِئْتُ المكانَ وأَجَاْءَنْيهِ زيدٌ، كما تقول: بَلَغْتُه وأَبْلَغَنِيْه، ونظيرُه (آتى) حيث لم يُستعمل إلا في الإِعطاء ولم تَقُلْ: أتيت المكانَ وآتانِيه فلان. وقال أبو البقاء: الأصلُ (جاءها) ثم عُدِّيَ بالهمزة إلى مفعولٍ ثانٍ، واسْتُعمل بمعنى أَلْجَأَها.
قال الشيخ: قوله وقولُ غيرِه: إنَّ {أجاءها} بمعنى أَلْجَأَها يحتاج إلى نَقْلِ أئمةِ اللغة المستقرئين لذلك مِنْ لسانِ العرب. والإِجاءةُ تدلُّ على المُطلق، فَتَصْلُح لِما هو بمعنى الإِلجاءِ ولِما هو بمعنى الاختيار، كما تقول: (أَقَمْتُ زيدًا) فإنه يَصْلُحُ أَنْ تكونَ إقامتُك له قَسْرًا أو اختيارًا. وأمَّا قوله: (ألا ترك لا تقول) إلى آخره فَمَنْ رَأَى أنَّ التعديةَ بالهمزة قياسٌ أجاز ذلك وإنْ لم يُسْمَعْ، ومَنْ منع فقد سُمِع ذلك في (جاء) فيُجيز ذلك. وأمَّا تنظيرُه ذلك ب (آتى) فليس تنظيرًا صحيحًا؛ لأنَّه بناه على أنَّ همزتَه للتعديةِ، وأنَّ أصلَه (أتى)، بل (آتى) ممَّا بُني على أَفْعَل، ولو كان منقولًا مِنْ (آتى) المتعدِّي لواحد لكان ذلك الواحدُ هو المفعولَ الثاني، والفاعلُ هو الأولُ، إذا عَدَّيْتَه بالهمزةِ تقولُ: (أتى المالُ زيدًا) و(آتى عمروٌ زيدًا المالَ) فيختلف التركيب بالتعدية لأنَّ (زيدًا) عند النحويين هو المفعولُ الأول، و(المالُ) هو المفعولُ الثاني، وعلى ما ذكره الزمخشري كان يكون العكس، فَدَلَّ على أنَّه ليس على ما قاله، وأيضًا فآتى مُرادِفٌ لأَعْطَى، فهو مخالِفٌ من حيث الدَّلالةُ في المعنى. وقوله: (ولم تَقُلْ: أتيت المكانَ وآتانِيْه) هذا غيرُ مُسَلَّمٍ بل تقول: (أتيتُ المكانَ) كما تقول: (جئت المكان). وقال الشاعر:
أَتَوْا ناري فقلتُ مَنُوَّنَ أنتُمْ ** فقالوا: الجنُّ قلتُ عِمُوا ظَلاما

ومَنْ رأى التعديةَ بالهمزةِ قياسًا، قال: (آتانيه) وهذه الأبحاثُ التي ذكرها الشيخُ معه ظاهرُه الأجوبة، فلا نُطَوِّلُ بذِكْرِها.
وقرأ الجمهور: {فَأَجَاْءَها}، أي: أَلْجأها وساقَها، ومنه قولُه:
وجارٍ سارَ مُعْتَمِدًا إليكم ** أَجَاْءَتْهُ المَخافةُ والرَّجاءُ

وقرأ حَمَّاد بن سَلَمة {فاجَأَها} بألفٍ بعد الفاء وهمزةٍ بعد الجيم، من المفاجأة، بزنة قابَلَها. ويقرأ بألفين صريحتين كأنهم خفَّفوا الهمزةَ بعد الجيمِ، وكذلك رُوِيَت بينَ بينَ.
والجمهور على فتحِ الميم من {المَخاض} وهو وَجَعُ الوِلادةِ. ورُوي عن ابن كثير بكسرِ الميمِ، فقيل: هما بمعنى. وقيل: المفتوح اسمُ مصدرٍ كالعَطاء والسلام، والمكسورُ مصدرٌ كالقتال واللِّقاء، والفِعال قد جاء مِنْ واحد كالعِقاب والطَّراق. قاله أبو البقاء. والميمُ أصليةٌ لأنه مِنْ تَمَخَّضَتِ الحامِلُ تتمخَّضُ.
و{إلى جِذْعِ} يتعلقُ في قراءة العامَّة ب {أَجاءها}، أي: ساقَها إليه. وفي قراءةِ حَمَّاد بمحذوفٍ لأنه حالٌ من المفعولِ، أي: فاجَأَها مستندةً إلى جِذْعِ النخلةِ.
قوله: {نَسْيًَا} الجمهورُ على كسرِ النون وسكون السين وبصريح الياء بعدها. وقرأ حمزةُ وحفص وجماعة بفتح النون، فالمكسورُ فِعْلُ بمعنى مَفْعول كالذَّبْح والطَّحْن، ومعناه الشيءُ الحقيرُ الذي مِنْ شأنه أن يُنْسَى كالوَتِدِ والحَبْلِ وخِرْقةِ الطَّمْثِ ونحوِها.
قال ابن الأنباري: مَنْ كسر فهو اسمٌ لما يُنْسَى كالنَّقْصُ اسمٌ لما يَنْقص، والمفتوحُ مصدرٌ يَسُدُّ مَسَدَّ الوصفِ. وقال الفراء: هما لغتان كالوَتْر والوِتْر، الكسرُ أحَبُّ إليَّ.
وقرأ محمدُ بن كعب القَرَظيُّ {نِسْئًا} بكسر النون، والهمزةُ بدلُ الياء. ورُوي عنه أيضًا وعن بكر بن حبيب السَّهْمي فتحٌ مع الهمز. قالوا: وهو مِنْ نَسَأْتُ اللَّبَنَ إذا صَبَبْتَ فيه ماءً فاستُهْلِك فيه، فالمكسورُ أيضًا كذلك الشيءُ المُسْتَهْلَكُ، والمفتوحُ مصدر كما كان ذلك من النِّسْيان.
ونَقَل ابن عطية عن بكر بن حبيب {نَسَا} بفتح النون والسين والقصرِ كعَصَا، كأنه جَعَل فَعَلًا بمعنى مَفْعول كالقَبَض بمعنى المَقْبُوض.
و{مَنْسِيًَّا} نعتٌ على البمالغةِ، وأصلُه مَنْسُوْي فَأُدْغم. وقرأ أبو جعفر والأعمش: {مِنْسِيًَّا} بكسر الميم للإِتباع لكسرةِ السين، ولم يَعْتَدُّوا بالساكن لأنه حاجزٌ غيرُ حصينٍ كقولهم: (مِنْتِن) و(مِنْخِر).
{فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24)}.
قوله: {مِن تَحْتِهَآ}: قرأ الأخَوَان ونافع وحفص بكسر ميم {مِنْ}، وجَرَّ {تحتِها} على الجار والمجرور. والباقون بفتحها ونصب {تحتَها}. فالقراءةُ الأولى تقتضي أن يكونَ الفاعلُ في (نادَى) مضمرًا وفيه تأويلان، أحدهما: هو جبريل ومعنى كونِه {مِن تَحْتِهَآ} أنه في مكانٍ أسفلَ منها. ويَدُل على ذلك قراءةُ ابنِ عباس {فناداها مَلَكٌ مِنْ تحتها}: فَصَرَّح به. و{مِن تَحْتِهَآ} على هذا فيه وجهان أحدهما: أنه متعلقٌ بالنداء، أي: جاء النداء مِنْ هذه الجهةِ. والثاني: أنه حالٌ من الفاعل، أي: فناداها وهو تحتَها.
وثاني التأويلين: أنَّ الضمير لعيسى، لأي: فناداها المولودُ مِنْ تحت ذَيْلها. والجارُّ فيه الوجهان: مِنْ كونِه متعلِّقًا بالنداء، أو بمحذوفٍ على أنه حالٌ. والثاني أوضح.
والقراءةُ الثانية: تكون فيها {مَنْ} موصولةً، والظرفُ صلتُها، والمرادُ بالموصولِ: إمَّا جبريلُ، وإمَّا عيسى.
قوله: {أَلاَّ تَحْزَنِي} يجوزُ في أَنْ أَنْ تكونَ مفسرةً لتقدُّمِها ما هو بمعنى القول، و لا على هذا ناهيةٌ، وحَذْفُ النونِ للجزم؛ وأَنْ تكونَ الناصبةَ و لا حينئذٍ نافيةٌ، وحَذْفُ النونِ للنصبِ. ومَحَلُّ أنْ : إمَّا نصب أو جرٌّ لأنها على حَذْفِ حرفِ الجر، أي: فناداها بكذا. والضمير في {تحتها}: إمَّا لمريمَ عليها السلام، وإمَّا للنخلةِ، والأولُ أَوْلَى لتوافُقِ الضميرين.
قوله: {سَرِيَّا} يجوز أَنْ يكونَ مفعولًا أولَ، و(تحتك) مفعولٌ ثان لأنها بمعنى صَيَّر. ويجوز أن تكون بمعنى خَلَق، فتكون (تحتك) لغوًا.
والسَّرِيُّ فيه قولان، أحدهما: أنه الرجلُ المرتفعُ القَدْرِ، مِنْ سَرُوَ يَسْرُو كشَرُف يَشْرُف، فهو سَرِيٌّ. وأصله سَرِيْوٌ، فأُعِلَّ إعلالَ سَيِّد، فلامُه واوٌ. والمرادُ به في الآية عيسى بن مريم عليه السلام، ويُجْمع (سَرِيُّ) على (سَراة) بفتح السين، وسُرَواء كظُرَفاء، وهما جمعان شاذَّان، بل قياسُ جَمْعِه (أَسْرِياء)، كغنِيِّ وأَغْنِياء. وقيل: السَّرِيُّ: مِنْ سَرَوْتُ الثوبَ، أي: نَزَعْتُه، وسَرَوْتُ الجُلَّ عن الفَرَس، أي: نَزَعْتُه. كأنَّ السَّرِيَّ سَرَى ثوبَه، بخلاف المُدَّثِّر والمُتَزَمِّل. قاله الراغب.
والثاني: أنه النهرُ الصغير، ويناسِبُه (فكُلي واشربي) واشتقاقه مِنْ سَرَى يَسْرِي، لأن الماءَ يَسْري فيه، فلامُه على هذا ياء، وأنشدوا للبيد:
فتوسَّطا عُرْضَ السَّرِيِّ فَصَدَّعا ** مَسْجورةً مُتَجاوِزًا قُلاَّمُها

قوله: {وهزى إِلَيْكِ بِجِذْعِ}: يجوز أَنْ تكونَ الباءُ في {بِجَذْعِ} زائدةً كهي في قولِه تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ} [البقرة: 195] وقولِه:
.................................... ** لا يَقْرَأْن بالسُّوَر

وأنشد الطبري:
بوادٍ يَمانٍ يُنْبِتُ السِّدْرَ صَدْرَه ** وأَسْفَلُه بالمَرْخِ واشَّبَهانِ

أي: هُزِّي جِذْعَ النخلةِ. ويجوز أَنْ يكونَ المفعولُ محذوفًا، والجارُّ حالٌ من ذلك المحذوفِ تقديرُه: وهُزِّي إليك رُطَبًا كائنًا بجذع النخلة. ويجوز أن يكونَ هذا محمولًا على المعنى؛ إذِ التقدير: هُزِّي الثمرةَ بسبب هَزِّ الجِذْع، أي: انفُضِي الجِذْع. وإليه نحا الزمخشري فإنه قال: أو افْعَلي الهَزَّ كقولِه:
.......................... ** يَجْرَحْ في عراقيبِها نَصْلي

قال الشيخ: وفي هذه الآيةِ وفي قولِه تعالى: {واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} [القصص: 32] ما يَرُدُّ على القاعدةِ المقررةِ في علم النحو: من أنَّه لا يتعدَّى فعلُ المضمرِ المتصل إلى ضميره المتصلِ إلا في باب ظنٍّ، وفي لفظَتَيْ فَقَد وعَدِمَ، لا يُقالُ: ضَرَبْتَكَ ولاَ ضَرَبْتُني، أي: ضربْتَ أنت نفسَك وضربْتُ أنا نفسي، وإنما يُؤْتى في هذا بالنفس، وحكمُ المجرورِ بالحرفِ حكمُ المنصوبِ فلا يقال: هَزَزْتَ إليك، ولا زيدٌ هَزَّ إليه، ولذلك جَعَلَ النحويون (عن) و(على) اسْمَيْن في قولِ امرِئ القيس:
دَعْ عنك نَهْبًا صِيْحَ في حُجُراتِه ** ولكنْ حَديثًا ما حديثُ الرواحلِ

وقول الآخر:
هَوَّنْ عليكَ فإنَّ الأمورَ ** بِكَفِّ الإِلهِ مقادِيْرُها

وقد ثبت بذلك كونُهما اسمين لدخولِ حرفِ الجر عليهما في قوله:
غَدَتْ مِنْ عليهِ بعدما تَمَّ ظِمْؤُها ** تَصِلُّ وعن قَيْضٍ ببَيْداءَ مَجْهَلِ

وقولِ الآخر:
فقُلْتُ للرَّكْبِ لَمَّا أَنْ عَلا بِهِمْ ** مِنْ عَنْ يمينِ الحُبيَّا نظرةٌ قَبْلُ

وإمَّا (إلى) فحرفٌ بلا خلافٍ، فلا يمكنُ فيها أَنْ تكونَ اسمًا ك (عَنْ) و(على). ثم أجاب: بأنَّ (إليك) في الآيتين لا تتعلَّقُ بالفعلِ قبله، إنما تتعلَّقُ بمحذوفٍ على جهةِ البيان تقديرُه: (أَعْني إليك). قال: كما تَأَوَّلوا ذلك في قولِه: {لَكُمَا لَمِنَ الناصحين} [الأعراف: 21] في أحد الأوجه.
قلت: وفي ذلك جوابان آخران، أحدهما: أن الفعلَ الممنوعَ إلى الضمير المتصل إنما هو حيث يكون الفعلُ واقعًا بذلك الضمير، والضميرُ مَحَلٌّ له نحو: (دَعْ عنك) (وهَوِّنْ عليك) وأمَّا الهَزُّ والضَّمُّ فليسا واقعين بالكاف فلا محذورَ. والثاني: أنَّ الكلامَ على حذفِ مضافٍ تقديره: هُزِّي إلى جهتِكِ ونحوك، واضمُمْ إلى جهتِك ونحوك.
قوله: {تُساقِطْ} قرأ حمزة {تَسَاقَطْ} بفتح التاء وتخفيفِ السين وفتح القاف. والباقون- غيرَ حفصٍ- كذلك إلا أنَّهم شَدَّدوا السين، وحفص بضم التاء وتخفيفِ السين وكسر القاف.