فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَجَعَلَنِي نَبِيًّا} [مريم: 30] فسلوكي سلوك قويم، ولا يمكن أن يكون فيَّ مطعَنٌ بعد ذلك، وإنْ كان هناك مطعن فهو بعيد عني، ولا ذنبَ لي فيه.
ثم يقول: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ}.
أي: وشرَّع لي أيضًا ما دُمْت حيًا.. وقد قال عيسى عليه السلام في المهد هذه الكلمات ليبرِّىء أمه الصِّدِّيقة، ذلك أنهم اتهموها في أعزِّ شيء لديْها؛ ولذلك لم يكُنْ ليُجدي أيّ كلام منها، وإنقاذًا لها أبلغها الحق عن طريق جبريل أو عيسى عليهما السلام أن تقول: {إِنِّي نَذَرْتُ للرحمن صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ اليوم إِنسِيًّا} [مريم: 26].
ثم يقول: {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي}.
فلِمَ ذكر والدته هنا؟ ولِمَ حرص على تقرير بِرِّه بها؟ قالوا: لأن البعض قد يظن أن عيسى عليه السلام حينما يكبر ويعرف قصة خَلْقه، وأن أمه أتَتْ به من غير أب، ودون أنْ يمسسْها بشر قد تترك هذه المسألة ظلالًا فلي نفسه وتُساوِره الشكوك في أمه، فأراد أنْ يقطع كل هذه الظنون.
ذلك لأنه هو نفسه الدليل، وهو نفسه الشاهد على براءة أمه، والدليل لا يُشكِّك في المدلول، فكأنه يقول للقوم: إياكم أنْ تظنوا أني سأتجرأ على أمي، أو يخطر ببالي خاطر سوء نحوها.
ثم يقول: {وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} [مريم: 32] فنفى عن نفسه صفة الجبروت والقسوة والتعاظم؛ لأن الرسول لابُدَّ أنْ يكون ليِّنَ الجانب رفيقًا بقومه؛ لأنه أتى ليُخرِج الناس مِمَّا ألِفُوه من الفساد إلى ما يثقل عليهم من الطاعة.
والإنسان بطبعه حين يألَف الفساد يكره مَنْ يُخرِجه عن فساده، فمن الطبيعي أن يتعرّض النبي لاستفزاز القوم وعنَادهم ومكابرتهم، فلو لم يكُنْ ليِّن الجانب، رقيق الكلمة، يستميل الأذن لتسمع والقلوب لتعي ما صلح لهذه المهمة.
لذلك يخاطب الحق تبارك وتعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بقوله: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القلب لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159].
ومعنى {شَقِيًّا} [مريم: 32] أي: عاصيًا، وما أبعدَ مَنْ هذه صفاته عن معصية الله التي يشقى بسببها الإنسان.
ثم يقول تعالى عن عيسى عليه السلام أنه قال: {والسلام عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ}.
سبق أن قلنا في قصة يحيى عليه السلام: إن هذه الأحداث أعلام ثلاثة في حياة الإنسان: يوم مولده، ويوم موته، ويوم أنْ يُبعث يوم القيامة. فما وجه السلامة في هذه الأحداث بالنسبة لعيسى عليه السلام؟
قوله: {والسلام عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ} [مريم: 33] لأن يوم مولده مَرَّ بسلام، رغم ما فيه من عجائب، فلم يتعرَّض له أحد بسوء، وهو الوليد الذي جاء من دون أب، وكان من الممكن أنْ يتعرّض له ولأمه بعض المتحمسين الغيورين بالإيذاء، لكن شيئًا من ذلك لم يحدث، ومَرَّ الميلاد بسلام عليه وعلى أمه.
{وَيَوْمَ أَمُوتُ} [مريم: 33] لأنهم أخذوه ليصلبوه، فنجّاه الله من أيديهم، وألقى شبهه على شخص آخر، ورفعه الله تعالى إلى السماء.
{وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} [مريم: 33] فليس هناك من الرسل مَنْ سيسأل هذه الأسئلة، ويناقش هذه المناقشة التي نُوقِشها عيسى في الدنيا: {وَإِذْ قَالَ الله ياعيسى ابن مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني وَأُمِّيَ إلهين مِن دُونِ الله قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الغيوب مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ} [المائدة: 116117].
وليس هذا قَدْحًا في مكانة عيسى عليه السلام؛ لأن ربَّه تبارك وتعالى يعلم أنه ما قال لقومه إلا ما أُمِرَ به، ولكن أراد سبحانه توبيخ القوم الذين اتخذوه وأمه إلهين من دون الله، فوجْه السلام في يوم {أُبْعَثُ حَيًّا} [مريم: 33] أنه نُوقِش في الدنيا وبُرّئتْ ساحته. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله عز وجل: {كهيعص}.
قرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص بنصب الهاء والياء، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر والكسائي بكسر الهاء والياء، وقرأ أبو عمرو بكسر الهاء ونصب الياء، وقرأ حمزة وابن عامر بنصب الهاء وكسر الياء، وقرأ نافع بين الكسر والفتح وهو اختيار أبي عبيدة؛ ومعنى هذا كله واحد.
قال ابن عباس في تفسير قوله: {كهيعص}، قال: كاف فالله كاف لخلقه بالرزق والعطف عليهم، والهاء فالله الهادي للخلق، وأما الياء فيد الله مبسوطة على خلقه بالرزق لهم والعطف عليهم، وأما العين فالله تعالى عالم بخلقه وأمورهم، وأما الصاد فالله تعالى صادق بوعده.
وروي عن علي بن أبي طالب أنه قال: هو اسم الله الأعظم، وروي عنه أنه قال: هو قسم أقسم الله بكهيعص، ويقال: هي حروف تدل على ابتداء السور نحو {الر} و{المر} وغيرهما.
ثم قال: {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا}، معناه على طريق ابن عباس باسم الله الكافي الهادي العالم الصادق ذكر رحمة ربك عبده زكريا بالرحمة.
ومن قال: هو ابتداء السورة، فمعناه اقرأ {كهيعص} من قال إنه قسم، فمعناه ورب كهيعص إنه ذكر عبده زكريا بالرحمة.
ثم قال: {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا}، يعني: في هذه السورة، ومعناه: ذكر ربك عبده زكريا بالرحمة، ذكره بالرحمة لا يكون إلا بالله تعالى ففي الآية تقديم وتأخير يقول: ذكر ربك عبده زكريا بالرحمة، وهو زكريا بن ماثان {إِذْ نادى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا}، يقول: دعا ربه نداءً خفيًا، يقول: أخفاه وأسره من قومه، ويقال: دعا ربه دعاء سرًا، لأنه علم أن دعاء السر أنفع وأسرع إجابة، ويقال: دعا ربه نداءً خفيًا يعني: خالصًا.
{قَالَ رَبّ إِنّى وَهَنَ العظم مِنّى}، أي ضعف عظمي، {واشتعل الرأس شَيْبًا}؛ يعني: أخذ في الرأس شيبًا وبياضًا.
{شِيبًا} صار نصبًا بالتمييز، والمعنى: اشتعل الرأس من الشيب، يقال للشيب إذا كثر جدًا قد اشتعل رأس فلان بالشيب.
ثم قال: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبّ شَقِيًّا}، يعني: لم تكن تخيب دعائي عندك إذا دعوتك.
{وَإِنّي خِفْتُ الموالى مِن وَرَائِى}، يعني: خشيت، ويقال: أعلم الموالي يعني: الورثة، ويقال: بنو العم، ويقال: العصبة من ورائي، يعني: من بعد موتي.
خاف أن يَرِثَهُ غير الولد.
وروي عن قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يَرْحَمُ الله تعالى زَكَرِيَّا وَمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ وَرَثَةٍ».
وروي عن سعيد بن العاص أنه قال: أملى علي عثمان {وَإِنّي خِفْتُ الموالى} بنصب الخاء وتشديد الفاء وكسر التاء، ويقال: يعني: ذهبت الموالي.
وقال أبو عبيدة: لولا خلاف الناس لاتبعنا عثمان فيها.
ثم قال: {وَكَانَتِ امرأتى عَاقِرًا}، يعني: عقيمًا لم تلد؛ {فَهَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ وَلِيًّا}، يعني: ولدًا.
{يَرِثُنِى وَيَرِثُ مِنْ ءالِ يَعْقُوبَ}.
وقال عكرمة: يرثني مالي ويرث من آل يعقوب النبوة، وهكذا قال الضحاك؛ وقال بعضهم: يرثني يعني: علمي وسنتي، لأن الأنبياء عليهم السلام لا يورثون مالًا.
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنَّا مَعَاشِرَ الأنْبِيَاءِ لا نُوَرِّثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ».
وروى أبو الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنَّ الأنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دَرَاهِمَ وَلا دَنَانِيرَ، وَإنَّمَا وَرَّثُوا هذا العِلْمَ» ويقال: لأنه رأى من الفتن وغلبة أهل الكفر، فيخاف على إفساد مواليه إن لم يكن أحد يقوم مقامه ويخولهم بالموعظة.
قرأ أبو عمرو والكسائي: {يَرِثُنِى وَيَرِثُ} بجزم كلا الثاءين على معنى جواب الأمر والشرط، أي أنك إذا وهبت لي وليًا يرثني؛ وقرأ الباقون: {يَرِثُنِى وَيَرِثُ} بالضم؛ وقال أبو عبيدة: وهذا أحب إلي.
قال معناه هب لي الذي هذه حاله وصفته، لأن الأولياء قد يكون منهم الوراثة وغيره، فيقول: هب لي الذي يكون ورائي وارث النبوة.
ثم قال: {واجعله رَبّ رَضِيًّا}، يعني: صالحًا زكيًا.
{رَضِيًّا يازكريا إِنَّا نُبَشّرُكَ بغلام اسمه يحيى}، يعني: أوحى الله تعالى وأرسل إليه جبريل وأن جبريل عليه السلام أدى إليه الرسالة من الله عز وجل.
قال الله تعالى: {إِنَّا نُبَشّرُكَ} وقد بيّن ذلك في سورة آل عمران {فَنَادَتْهُ الملائكة وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّى في المحراب أَنَّ الله يُبَشِّرُكَ بيحيى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ الله وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصالحين} [آل عمران: 39].
ثم قال هنا: {بغلام اسمه يحيى} {لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا}، يعني: لم نجعل لزكريا من قبل يحيى ولدًا يسمى يحيى، ويقال: لم يكن قبله أحد يسمى بذلك الاسم، ويقال: لم يكن بذلك الاسم في زمانه أحد وإنما سمي يحيى، لأنه حي بالعلم والحكمة التي أوتيها؛ ويقال: لأنه حي به المجالس، ويقال: لأنه حيي به عقر أمه، ويقال: {لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا} أي نظيرًا ومثالًا.
قرأ حمزة {نُبَشّرُكَ} وقرأ الباقون بالتشديد وضم النون ونصب الباء وكسر الشين {نُبَشّرُكَ}.
فقال زكريا عند ذلك: {قَالَ رَبّ}، يقول: يا سيدي {أنى يَكُونُ لِي غلام}، يعني: من أين يكون لي ولد؟ ويقال: إنما قال ذلك على وجه الدعاء لله تعالى، فقال: يا رب من أين يكون لي ولد؟ {وَكَانَتِ امرأتى عَاقِرًا} من الولد، {وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكبر عِتِيًّا}، يقول: تحول العظم مني يابسًا، ومنه يقال: قلب عات إذا كان قاسي القلب غير لين، ويقال لكل شيء انتهى فقد عتى.
ولم يكن زكريا شاكًّا في بشارة الله عز وجل، ولكن أحب أن يعلم من أي وجه يكون.
قرأ حمزة وعاصم في رواية حفص والكسائي {عِتِيًّا} بكسر العين وكذلك {صِلِيًّا} و{جِثِيًّا} {وَبُكِيًّا} إلا أن عاصمًا خالفهما في {بُكِيًّا}، والباقون كلها بالضم، وكأن أبا عبيدة اختار الضم، لأنه أفصح اللغتين وهي قراءة أبي.
{وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ} له جبريل عليه السلام {كذلك}، يعني: هكذا كما قلت إنك {قَدْ بَلَغْتَ مِن الكبر عِتِيًّا قَالَ كذلك قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ} ولكن الله عز وجل {قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ}، يعني: خلقه عليَّ يسير {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ} يحيى {وَلَمْ تَكُ شَيْئًا} قرأ حمزة والكسائي {وَقَدْ} بالألف مؤخرة والنون مقدمة والباقون {وَقَدْ خَلَقْتُكَ} وهو اختيار أبي عبيدة قال زكريا عليه السلام {رَبّ اجعل لِّى ءايَةً} في الولد.
روى أسباط، عن السدي قال: لما بشر زكريا عليه السلام جاءه الشيطان فقال: إن هذا النداء الذي نوديته ليس من الله، وإنما هو من الشيطان ليسخر بك.
ولو كان من الله عز وجل، لأوحاه إليك كما كان يوحي إليك، ف {قَالَ} عند ذلك: {رَبّ اجعل لِّى ءايَةً} أعلم بها أن هذا النداء منك.
{قَالَ} الله تعالى له: {أَلاَّ تُكَلّمَ الناس ثلاث لَيَالٍ سَوِيًّا فَخَرَجَ}، يعني: علامتك أن لا تستطيع أن تكلم الناس ثلاث ليال وأنت صحيح سليم من غير خرس ولا مرض.
ورجع تلك الليلة إلى امرأته فقربها، ووضع الولد في رحمها؛ فلما أصبح اعتقل لسانه عن كلام الناس.
{فَخَرَجَ على قَوْمِهِ مِنَ المحراب}، أي من المسجد.
{فأوحى إِلَيْهِمْ}، يعني: أشار إليهم وأومأ إليهم، ويقال: كتب كتابًا وألقاه على الأرض ولم يقدر أن يتكلم به.
{أَن سَبّحُواْ}، يعني: صلوا لله تعالى {بُكْرَةً وَعَشِيًّا}، يعني: غدوة وعشيًا.
فعرف عند ذلك أنه آية الولد.
قوله عز وجل: {وَعَشِيًّا يايحيى خُذِ الكتاب بِقُوَّةٍ}، يعني: أوحى الله تعالى إليه أن: {وَعَشِيًّا يايحيى خُذِ الكتاب بِقُوَّةٍ}، يعني: بجد ومواظبة {وَاتَيْنَاهُ الحكم صَبِيًّا}، يعني: أجرينا الحكمة على لسانه في حال صغره، وذلك أنه مرّ بصبيان يلعبون، فقالوا له: تعال حتى نلعب.
فقال لهم: ما للعب خلقنا.
ويقال: {خُذِ الكتاب بِقُوَّةٍ}، أي بعد عون من الله تعالى، ويقال بكثرة الدرس.
{ءاتيناه الحكم صَبِيًّا}، يعني: النبوة والفقه والخير كله {وَحَنَانًا مّن لَّدُنَّا}، يعني: آتيناه رحمة من عندنا؛ وأصله من حنين الناقة على ولدها {وزكواة}، يعني: وصدقة منا، ويقال: التطهير، ويقال: صلاحًا في دينه.
وقال سعيد بن جبير الزكاة: التزكية.
{وَكَانَ تَقِيّا}، يعني: مطيعًا لربه، {وَبَرّا بوالديه}، يعني: مطيعًا لهما ولا يعصيهما.
{وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا}، يعني: لم يكن قتّالًا، والجبار الذي يقتل على الغضب ويضرب على الغضب {عَصِيًّا}، يعني: لم يكن عصيًا لربه؛ والعصيّ والعاصي واحد.
قوله عز وجل: {وسلام عَلَيْهِ}، أي السلام من الله عز وجل والسعادة تناله {يَوْمَ وُلِدَ}، أي حين ولد {وَيَوْمَ يَمُوتُ}، يعني: حين يموت {وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًا}، أي حين يبعث حيًا.
وروى قتادة عن الحسن أن يحيى عليه السلام قال لعيسى عليه السلام حين التقيا: أنت خير مني.
فقال عيسى صلوات الله عليه: بل أنت خير مني، سلم الله عليك وأنا سلمت على نفسي.
وروي عن بعض الصحابة أنه قال: ما من الناس أحد إلا وهو يلقى الله عز وجل يوم القيامة ذو ذنب إلا يحيى بن زكريا عليهما السلام وروي عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما أَذْنَبَ يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَلا هَمّ بِامْرَأةٍ».
قوله: {واذكر في الكتاب مَرْيَمَ إِذِ انتبذت}، يعني: اذكر في القرآن خبر مريم، ومعناه: اقرأ عليهم ما أنزل عليك في القرآن من خبر مريم {إِذِ انتبذت} يعني: اعتزلت وتنحت {مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًا}، يعني: مشرقة الشمس في دار أهلها.
{فاتخذت مِن دُونِهِم حِجَابًا}، يعني: ضربت وأرخت من دونهم سترًا.
{فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا}، يعني: بعثنا إليها جبريل عليه السلام {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا}، يعني: تشبه لها في صورة شاب تامّ الخلق فدنا منها، فأنكرت مريم مكان الرجل.
{قَالَتْ إِنّى أَعُوذُ بالرحمن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا}، يعني: إن كنت مطيعًا لله.
وإنما قالت ذلك، لأن التقي إذا وعظ بالله عز وجل اتعظ وخاف، والفاسق يخوف بالسلطان، والمنافق يخوف بالناس؛ فالتقيّ يخوف بالله.
ويقال: في الآية مضمر ومعناه احذر إن كنت تقيًا.
{قَالَ} لها جبريل: {إِنَّمَا أَنَاْ رَسُولُ رَبّكِ لاِهَبَ لَكِ غلاما زَكِيًّا}، يعني: ولدًا صالحًا.
قرأ أبو عمرو ونافع في إحدى الروايتين {أَحْلَلْنَا لَكَ} بالياء، وقرأ الباقون {لاِهَبَ}.
فمن قرأ {لِيَهَبَ}، فمعناه ليهب الله لك ومن قرأ {رَبّكِ لاِهَبَ لَكِ} يكون فيه مضمر.
ومعناه: إنما أنا رسول ربك قال: {لاِهَبَ لَكِ غلاما زَكِيًّا} يعني: قال ربك وهذا اختيار أبي عبيدة، وهو موافق لخط المصاحف.