فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



لما اطمأنت مريم عليها السلام بما رأت من الآيات وفرغت من نفاسها {أَتَتْ بِهِ} أي بعيسى، وجملة: {تَحْمِلُهُ} في محل نصب على الحال، وكان إتيانها إليهم من المكان القصيّ التي انتبذت فيه، فلما رأوا الولد معها حزنوا، وكانوا أهل بيت صالحين {فَقَالُواْ} منكرين لذلك {يا مريم لَقَدْ جِئْتَ} أي فعلت {شَيْئًا فَرِيًّا} قال أبو عبيدة: الفرّي: العجيب النادر، وكذا قال الأخفش.
والفرّي: القطع، كأنه مما يخرق العادة، أو يقطع بكونه عجيبًا نادرًا.
وقال قطرب: الفرّي الجديد من الأسقية، أي جئت بأمر بديع جديد لم تسبقي إليه.
وقال سعيد بن مسعدة: الفرّي: المختلق المفتعل، يقال: فريت وأفريت بمعنى واحد، والولد من الزنا كالشيء المفترى، قال تعالى: {وَلاَ يَأْتِينَ ببهتان يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} [الممتحنة: 12] وقال مجاهد: الفرّي: العظيم.
{يا أخت هارون}.
قد وقع الخلاف في معنى هذه الأخوّة، وفي هارون المذكور من هو؟ فقيل: هو هارون أخو موسى، والمعنى: أن من كانت نظنها مثل هارون في العبادة كيف تأتي بمثل هذا وقيل: كانت مريم من ولد هارون أخي موسى، فقيل: لها يا أخت هارون، كما يقال لمن كان من العرب: يا أخا العرب وقيل: كان لها أخ من أبيها اسمه هارون وقيل: هارون هذا رجل صالح في ذلك الوقت وقيل: بل كان في ذلك الوقت رجل فاجر اسمه هارون، فنسبوها إليه على وجهة التعيير والتوبيخ، حكاه ابن جرير ولم يسمّ قائله وهو ضعيف {مَا كَانَ أَبُوكِ امرأ سَوْء وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} هذا فيه تقريره لما تقدّم من التعيير والتوبيخ، وتنبيه على أن الفاحشة من ذرّية الصالحين مما لا ينبغي أن تكون.
{فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} أي إلى عيسى، وإنما اكتفت بالإشارة ولم تأمره بالنطق، لأنها نذرت للرحمن صومًا عن الكلام كما تقدّم، هذا على تقدير أنها كانت إذ ذاك في أيام نذرها، وعلى تقدير أنها قد خرجت من أيام نذرها، فيمكن أن يقال: إن اقتصارها على الإشارة للمبالغة في إظهار الآية العظيمة، وأن هذا المولود يفهم الإشارة ويقدر على العبارة {قَالُواْ كَيْفَ نُكَلّمُ مَن كَانَ فِي المهد صَبِيًّا} هذا الاستفهام للإنكار والتعجب من إشارتها إلى ذلك المولود بأن يكلمهم.
قال أبو عبيدة: في الكلام حشو زائد.
والمعنى: كيف نكلم صبيًا في المهد كقول الشاعر:
وجيران لنا كانوا كرام

وقال الزجاج: الأجود أن تكون من في معنى الشرط والجزاء، والمعنى: من يكون في المهد صبيًا فكيف نكلمه.
ورجحه ابن الأنباري وقال: لا يجوز أن يقال: إن {كان} زائدة وقد نصبت {صبيًا}، ويجاب عنه بأن القائل بزيادتها يجعل الناصب له الفعل، وهو {نكلم} كما سبق تقديره.
وقيل: إن {كان} هنا هي التامة التي بمعنى الحدوث والوجود.
وردّ بأنها لو كانت تامة لاستغنت عن الخبر، والمهد هو: شيء معروف يتخذ لتنويم الصبي.
والمعنى: كيف نكلم من سبيله أن ينوّم في المهد لصغره.
وقيل: هو هنا حجر الأمّ.
وقيل: سرير كالمهد، فلما سمع عيسى كلامهم {قَالَ إِنّي عَبْدُ الله} فكان أوّل ما نطق به، الاعتراف بالعبودية لله {آتاني الكتاب} أي الإنجيل، أي حكم لي بإيتائي الكتاب والنبوّة في الأزل، وإن لم يكن قد نزل عليه في تلك الحال ولا قد صار نبيًا وقيل: إنه آتاه الكتاب وجعله نبيًا في تلك الحال، وهو بعيد {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ} أي حيثما كنت، والبركة أصلها من بروك البعير، والمعنى: جعلني ثابتًا في دين الله، وقيل: البركة هي: الزيادة والعلوّ، فكأنه قال: جعلني في جميع الأشياء زائدًا عاليًا منجحًا.
وقيل: معنى المبارك: النفاع للعباد، وقيل: المعلم للخير، وقيل: الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر.
{وأوصاني بالصلاة} أي أمرني بها {والزكواة} زكاة المال، أو تطهير النفس {مَا دُمْتُ حَيًّا} أي مدة دوام حياتي، وهذه الأفعال الماضية هي من باب تنزيل ما لم يقع منزلة الواقع تنبيها على تحقيق وقوعه لكونه قد سبق في القضاء المبرم.
{وَبَرًّا بِوَالِدَتِي} معطوف على {مباركًا} واقتصر على البرّ بوالدته لأنه قد علم في تلك الحال أنه لم يكن له أب، وقرىء: {وبرًا} بكسر الباء على أنه مصدر وصف به مبالغة {وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} الجبار: المتعظم الذي لا يرى لأحد عليه حقًا، والشقيّ العاصي لربه.
وقيل الخائب.
وقيل العاقّ.
{والسلام عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} قال المفسرون: السلام هنا بمعنى السلامة أي: السلامة عليّ يوم ولدت، فلم يضرني الشيطان في ذلك الوقت ولا أغواني عند الموت ولا عند البعث.
وقيل: المراد به التحية.
قيل: واللام للجنس.
وقيل: للعهد، أي وذلك السلام الموجه إلى يحيى في هذه المواطن الثلاثة موجه إليّ.
قيل: إنه لم يتكلم المسيح بعد هذا الكلام حتى بلغ المدّة التي تتكلم فيها الصبيان في العادة.
وقد أخرج سعيد بن منصور وابن عساكر عن ابن عباس في قوله: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ} قال: بعد أربعين يومًا بعد ما تعافت من نفاسها.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم عن المغيرة بن شعبة قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجران، فقالوا: أرأيت ما تقرؤون {يا أخت هارون} وموسى قبل عيسى بكذا وكذا، قال: فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم؟» وهذا التفسير النبوّي يغني عن سائر ما روي عن السلف في ذلك.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن أنس قال: كان عيسى قد درس الإنجيل وأحكامها في بطن أمه، فذلك قوله: {قَالَ إِنّى عَبْدُ الله ءاتَانِىَ}.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: {آتاني الكتاب} الآية، قال: قضى أن أكون كذلك.
وأخرج الإسماعيلي في معجمه، وأبو نعيم في الحلية وابن مردويه وابن النجار عن أبي هريرة قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم في قول عيسى: {وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ} قال: «جعلني نفاعًا للناس أينما اتجهت» وأخرج ابن عديّ وابن عساكر عن ابن مسعود عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا} قال: معلمًا ومؤدّبًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} يقول: عصيًا. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30)}.
أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن عكرمة في قوله: {قال إني عبد الله آتاني الكتاب} الآية. قال: قضى فيما قضى أن أكون كذلك.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن أنس قال: كان عيسى قد درس الإنجيل وأحكمه في بطن أمه. فذلك قوله: {إني عبد الله آتاني الكتاب}.
وأخرج الإسماعيلي في معجمه وأبو نعيم في الحلية وابن لال في مكارم الأخلاق وابن مردويه وابن النجار في تاريخه، عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «قول عيسى عليه السلام {وجعلني مباركًا أين ما كنت} قال: جعلني نفاعًا للناس أين اتجهت».
وأخرج ابن عدي وابن عساكر، عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم {وجعلني مباركًا أين ما كنت} قال: «معلمًا ومؤدبًا».
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {وجعلني مباركًا أين ما كنت} قال: معلمًا للخير.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال: الذي يعلم الناس الخير يستغفر له كل دابة حتى الحوت في البحر.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {وجعلني مباركًا} قال: هاديًا مهديًا.
وأخرج البيهقي في الشعب وابن عساكر، عن مجاهد {وجعلني مباركًا} قال: نفاعًا للناس.
وأخرج ابن أبي حاتم عن نوف {وبرًا بوالدتي} أي ليس لي أب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ولم يجعلني جبارًا شقيًا} يقول: عصيًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان قال: الجبار الشقي الذي يُقبلُ على الغضب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن العوام بن حوشب قال: إنك لا تكاد تجد عاقًا، إلا تجده جبارًا، ثم قرأ {وبرًا بوالدتي ولم يجعلني جبارًا شقيًا}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي قال: فقرات ابن آدم ثلاث: يوم ولد، ويوم يموت، ويوم يبعث، وهي التي ذكر عيسى في قوله: {والسلام عليّ} الآية.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وابن عساكر من طريق مجاهد، عن ابن عباس قال: ما تكلم عيسى بعد الآيات التي تكلم بها حتى بلغ مبلغ الصبيان.
وأخرج ابن عساكر عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة، أن الله أطلق لسان عيسى مرة أخرى في صباه، فتكلم ثلاث مرات، حتى بلغ ما يبلغ الصبيان يتكلمون، فتكلم محمدًا بتحميد لم تسمع الآذان بمثله، حيث أنطقه طفلًا، فقال: اللهم أنت القريب في علوك، المتعالي في دنوك، الرفيع على كل شيء من خلقك، أنت الذي نفذ بصرك في خلقك، وحارت الأبصار دون النظر إليك، أنت الذي أشرقت بضوء نورك دجى الظلام، وتلألأت بعظمتك أركان العرش نورًا، فلم يبلغ أحد بصفته صفتك، فتباركت اللهم خالق الخلق بعزتك، مقدر الأمور بحكمتك مبتدئ الخلق بعظمتك ثم أمسك الله لسانه حتى بلغ. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31)}.
قوله تعالى: {أَيْنَ مَا كُنتُ}: هذه شرطيةٌ. وجوابُها: إمَّا محذوفٌ مَدْلولٌ عليه بما تقدَّمَ، أي: أينما كنتُ جَعَلني مباركًا، وإمَّا متقدِّمٌ عند مَنْ يرى ذلك. ولا جائزٌ أن تكونَ استفهاميةً؛ لأنه يلزمُ أَنْ يعملَ فيها ما قبلها، وأسماءُ الاستفهامِ لها صدرُ الكلامِ، فيتعيَّنُ أن تكونَ شرطيةً لأنها منحصرةٌ في هذين المعنيين.
قوله: {ما دُمْتُ} {ما} مصدريةٌ ظرفيةٌ وتقدُّمُ ما على (دام) شرطٌ في إعمالها. والتقدير: مدةَ دوامي حيًا. ونقل ابن عطية عن عاصمٍ وجماعة أنهم قرؤوا {دُمْتُ} بضم الدال، وعن ابن كثير وأبي عمرو وأهلِ المدينة {دِمت} بكسرها، وهذا لم نَرَه لغيره وليس هو موجودًا في كتب القراءات المتواترة والشاذة التي بين أيدينا، فيجوز أن يكون اطَّلَعَ عليه في مصحفٍ غريب. ولا شك أنَّ في (دام) لغتين، يقال: دُمْتَ تَدُوْم، وهي اللغةُ العالية، ودِمْتَ تَدام كخِفْتَ تَخاف، وهذا كما تقدم لك في مات يموت وماتَ يَمات.
{وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32)}.
قوله تعالى: {وَبَرًّا}: العامَّةُ بفتحِ الباء، وفيه تأويلان، أحدُهما: أنه منصوبٌ نَسَقًا على {مباركًا}، أي: وجَعَلَنِي بَرًَّا. والثاني: أنَّه منصوبٌ بإضمارِ فعلٍ. واخْتِير هذا على الأولِ لأنَّ فيه فَصْلًا كثيرًا بجملةِ الوصيَّةِ ومتعلِّقِها.
وقُرئ {بِرًَّا} بكسرِ الباءِ: إمَّا على حَذْفِ مضاف، وإمَّا على المبالغة في جَعْلِه نفسَ المصدر. وقد تقدَّم في البقرة أنه يجوز أن يكونَ وصفًا على فِعْل. وحكى الزهراويُّ وأبو البقاء أنه قُرئ بكسر الباء والراء. وتوجيهُه: أنه نَسَقٌ على {الصلاة}، أي: وأوصاني بالصلاةِ وبالزكاةِ وبالبِرِّ. و{بوالَديَّ} متعلقٌ بالبَرّ أو البِرّ.
قوله: {والسلام}: الألفُ واللامُ فيه للعهدِ؛ لأنه قد تقدَّمَ لفظُه في قولِه: {وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ} [مريم: 15]، فهو كقوله: {كَمَآ أَرْسَلْنَآ إلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فعصى فِرْعَوْنُ الرسول} [المزمل: 15-16]، أي: ذلك السلامُ الموجَّه إلى يحيى مُوَجَّهٌ إليَّ. وقال الزمخشري- بعد ذِكْرِه ما قدَّمْتُه-: والصحيحُ أن يكونَ هذا التعريفُ تعريضًا باللعنةِ على متهمي مريمَ عليها السَّلامِ وأعدائِها من اليهود. وتحقيقُه: أنَّ اللامَ للجنسِ، فإذا قال وجنسُ السَّلامِ عليَّ خاصة فقد عَرَّضَ بأنَّ ضِدَّه عليكم. وتنظيرُه: {والسلام على مَنِ اتبع الهدى} [طه: 47].
قوله: {يَوْمَ وُلِدْتُّ} منصوبٌ بما تضمنَّه (عليَّ) من الاستقرار. ولا يجوزُ نَصْبُه ب {السَّلام} للفَصْلِ بين المصدرِ ومعمولِه. وقرأ زيد بن على {وَلَدَتْ} جعله فعلًا ماضيًا مسندًا لضميرِ مريمَ، والتاءُ للتأنيث. و{حَيًَّا} حالٌ مؤكِّدَةٌ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30)}.
لما قالوا ذلك أنطق اللَّهُ عيسى حتى قال: {إِنِّى عَبْدُ اللَّهِ}، فظهرت براءةُ ساحتها بكلام عيسى قبل أن يتكلم مثلُه. وجرى على لسانه حتى قال: {إِنِّى عَبْدُ اللَّهِ}؛ ليُقَال للنصارى إِنْ صَدَقَ عيسى أنه عبدُ الله بطل قولُكم إِنه ثالث ثلاثة، وإِن كذب فالذي يكذب لا يكون ابنًا لله، وإنما يكون عبدًا لله، وإذا لم يكن عَبْدَ هواه، ولا في أسْْرِ شيءِ سواه فَمَنْ تحرر مِنْ غيره فهو في الحقيقة عَبْدُه.
{ءَاتِانِىَ الكِتَابَ} أي سيؤتيني الكتاب أو آتاني في سابق حكمه.
{وَجَعَلَنِي نَبِيًّا} بفضله. وفي الآية ردٌّ على من يقول إن النبوة تُسْتَحقُّ بكثرة الطاعة لأنه قال ذلك في حال ولادته؛ لم تَكُنْ منه بَعْدُ عبادةٌ وأخبر أن الله جعله نبيًا.
{وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31)}.
أي نافعًا للخلْق يرشدهم إلى أمور دينهم، ويمنعهم من ارتكاب الزَّلّةِ التي فيها هلاكهم، ومَنْ استضاء بنوره نجا.. فهذه بركاتُه التي كانت تصل إلى الخلْق. ومَنْ بركاتِه إغاثةُ الملهوف، وإعانةُ الضعيف، ونصرة المظلوم، ومواساة الفقير، وإرشاد الضال، والنصيحة للخَلْق، وكفُّ الأذى عنهم وحَمْلُ الأذى منهم.
{وَبَرَّا بِوَالِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّارًا شَقِيًّا} أي لم يجعلني غيرَ قابلٍ للنصيحة.
ويقال: {شَقِيًّا}: أي متكبرًا متجبرًا. ويقال مختومًا بكُفْرٍ.
{والسلام عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)}.
قال عيسى عليه السلام: {والسلام عَلَىَّ} وقال لنبينا عليه السلام ليلة المعراج: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته).. فشتان ما هما!
والسلام بمعنى السلامة، أي سلامة لي يوم الولادة مما نسبوا إِليَّ من قول النصارى في مجاوزة الحدِّ في المدح، ومما وصفني به اليهود من الذمِّ، فَلَسْتُ كما قالت الطائفتان جميعًا.
وسلام عليَّ يوم أموت؛ ففي ذلك اليوم تكون لي سلامةٌ حتى تكون بالسعادة وفاتي.
وسلام عليّ يو أُبْعَثُ؛ أي سلامةٌ لي في الأحوالِ مِمَّا يُبْتَلَى به غيرُ أهل الوصال. اهـ.