فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57)}.
القصة السادسة قصة إدريس عليه السلام:
اعلم أن إدريس عليه السلام هو جد أبي نوح عليه السلام وهو نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ قيل سمي إدريس لكثرة دراسته واسمه أخنوخ ووصفه الله تعالى بأمور: أحدها: أنه كان صديقًا.
وثانيها: أنه كان نبيًا وقد تقدم القول فيهما.
وثالثها: قوله: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} وفيه قولان: أحدهما: أنه من رفعة المنزلة كقوله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4] فإن الله تعالى شرفه بالنبوة وأنزل عليه ثلاثين صحيفة وهو أول من خط بالقلم ونظر في علم النجوم والحساب وأول من خاط الثياب ولبسها وكانوا يلبسون الجلود.
الثاني: أن المراد به الرفعة في المكان إلى موضع عال وهذا أولى، لأن الرفعة المقرونة بالمكان تكون رفعة في المكان لا في الدرجة ثم اختلفوا فقال بعضهم إن الله رفعه إلى السماء وإلى الجنة وهو حي لم يمت، وقال آخرون: بل رفع إلى السماء وقبض روحه سأل ابن عباس رضي الله عنهما كعبًا عن قوله: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} قال: جاءه خليل له من الملائكة فسأله حتى يكلم ملك الموت حتى يؤخر قبض روحه فحمله ذلك الملك بين جناحيه فصعد به إلى السماء فلما كان في السماء الرابعة فإذا ملك الموت يقول بعثت وقيل لي اقبض روح إدريس في السماء الرابعة، وأنا أقول كيف ذلك وهو في الأرض فالتفت إدريس فرآه ملك الموت فقبض روحه هناك.
واعلم أن الله تعالى إنما مدحه بأن رفعه إلى السماء لأنه جرت العادة أن لا يرفع إليها إلا من كان عظيم القدر والمنزلة، ولذلك قال في حق الملائكة: {وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} [الأنبياء: 19] وهاهنا آخر القصص.
{أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ}.
اعلم أنه تعالى أثنى على كل واحد ممن تقدم ذكره من الأنبياء بما يخصه من الثناء ثم جمعهم آخرًا فقال: {أُولَئِكَ الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم} أي بالنبوة وغيرها مما تقدم وصفه وأولئك إشارة إلى المذكورين في السورة من لدن زكريا إلى إدريس، ثم جمعهم في كونهم من ذرية آدم ثم خص بعضهم بأنه من ذرية من حمل مع نوح، والذي يختص بأنه من ذرية آدم دون من حمل مع نوح هو إدريس عليه السلام، فقد كان سابقًا على نوح على ما ثبت في الأخبار والذين هم من ذرية من حمل مع نوح هو إبراهيم عليه السلام لأنه من ولد سام بن نوح وإسمعيل وإسحق ويعقوب من ذرية إبراهيم ثم خص بعضهم بأنهم من ولد إسرائيل أي يعقوب وهم موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى من قبل الأم فرتب الله سبحانه وتعالى أحوال الأنبياء عليهم السلام الذين ذكرهم على هذا الترتيب منبهًا بذلك على أنهم كما فضلوا بأعمالهم فلهم مزيد في الفضل بولادتهم من هؤلاء الأنبياء، ثم بين أنهم ممن هدينا واجتبينا منبهًا بذلك على أنهم اختصوا بهذه المنازل لهداية الله تعالى لهم، ولأنه اختارهم للرسالة ثم قال: {إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدًا وبكيًا} تتلى عليهم أي على هؤلاء الأنبياء فبين تعالى أنهم مع نعم الله عليهم قد بلغوا الحد الذي عند تلاوة آيات الله يخرون سجدًا وبكيًا خضوعًا وخشوعًا وحذرًا وخوفًا، والمراد بآيات الله ما خصهم الله تعالى به من الكتب المنزلة عليهم.
وقال أبو مسلم المراد بالآيات التي فيها ذكر العذاب المنزل بالكفار وهو بعيد لأن سائر الأيات التي فيها ذكر الجنة والنار إلى غير ذلك أولى أن يسجدوا عنده ويبكوا فيجب حمله على كل آية تتلى مما يتضمن الوعد والوعيد والترغيب والترهيب، لأن كل ذلك إذا فكر فيه المتفكر صح أن يسجد عنده وأن يبكي، واختلفوا فقال بعضهم في السجود: إنه الصلاة وقال بعضهم: المراد سجود التلاوة على حسب ما تعبدنا به وقيل: المراد الخضوع والخشوع والظاهر يقتضي سجودًا مخصوصًا عند التلاوة ثم يحتمل أن يكون المراد سجود التلاوة للقرآن ويحتمل أنهم عند الخوف كانوا قد تعبدوا بالسجود فيفعلون ذلك لا لأجل ذكر السجود في الآية، قال الزجاج في بكيًا: جمع باك مثل شاهد وشهود وقاعد وقعود ثم قال الإنسان في حال خروره لا يكون ساجدًا فالمراد خروا مقدرين للسجود ومن قال في بكيًا إنه مصدر فقد أخطأ لأن سجدًا جمع ساجد وبكيًا معطوف عليه وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتلو القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا» وعن صالح المري قال: قرأت القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي: يا صالح هذه القراءة فأين البكاء؟ وعن ابن عباس رضي الله عنهما إذا قرأتم سجدة سبحان فلا تعجلوا بالسجود حتى تبكوا فإن لم تبك عين أحدكم فليبك قلبه.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القرآن نزل بحزن فاقرأوه بحزن» وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما اغرورقت عين به بماء إلا حرم الله على النار جسدها» وعن أبي هريرة رضي الله عنه: «لا يلج النار من بكى من خشية الله» وقال العلماء: يدعو في سجود التلاوة بما يليق بها فإن قرأ آية تنزيل السجدة قال: اللهم اجعلني من الساجدين لوجهك المسبحين بحمدك وأعوذ بك أن أكون من المستكبرين عن أمرك وإن قرأ سجدة سبحان قال: اللهم اجعلني من الباكين إليك الخاشعين لك وإن قرأ هذه السجدة قال: اللهم اجعلني من عبادك المنعم عليهم المهتدين الساجدين لك الباكين عند تلاوة آيات كتابك. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا}.
فيه قولان:
أحدهما: أن إدريس رفع إلى السماء الرابعة، وهذا قول أنس بن مالك في حديث مرفوع، وأبي سعيد الخدري، وكعب، ومجاهد.
الثاني: رفعه إلى السماء السادسة، قاله ابن عباس، والضحاك، وهو مرفوع في السماء.
واختلفوا في موته فيها على قولين:
أحدهما: أنه ميت فيها، قاله مقاتل وقيل أنه مات بين السماء الرابعة والخامسة.
الثاني: أنه حيّ فيها لم يمت مثل عيسى. روى ابن إسحاق أن إدريس أول من أُعْطِي النبوة من ولد آدم وأول من خط بالقلم، وهو أخنوخ بن يرد بن مهلائيل بن قينان بن آنوش بن شيث بن آدم. وحكى ابن الأزهر عن وهب بن منبه أن إدريس أول من اتخذ السلاح وجاهد في سبيل الله وسبى، ولبس الثياب وإنما كانوا يلبسون الجلود، وأول من وضع الأوزان والكيول، وأقام علم النجوم، والله أعلم.
قوله تعالى: {خَرّواْ سُجَّدًا وَبُكِيًّا}.
أي سُجّدًا لله، وبكيًا جمع باك، ليكون السجود رغبة والبكاء رهبة. وقد روي في الحديث: «فَهذَا السُّجُودُ فَأَينَ البُكَاءُ؟» يعني هذه الرغبة فأين الرهبة؟ لأن الطاعة لا تخلص إلا بالرغبة والرهبة. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56)}.
{إدريس} عليه السلام هو من أجداد نوح عليه السلام، وهو أول نبي بعث الى أهل الأرض، فيما روي، من بعد آدم، وهو أول من خط بالقلم وكان خياطًا، ووصفه الله ب (الصدق) والوجه أن يحمل ذلك على العموم في الأحاديث والأعمال. قال ابن مسعود هو الياس بعث إلى قومه بأن لا يقولوا لا إله إلا الله. ويعملوا ما شاؤوا فأبوا فأهلكوا، والأشهر أنه لم يبعث بإهلاك أمة وإنما نبىء فقط واختلف الناس في قوله: {ورفعناه مكانًا عليًا}.
فقال جماعة من العلماء هو رفع النبوءة والتشريف والمنزلة وهو في السماء كما سائر الأنبياء، وقالت فرقة: بل رفع الى السماء، قال ابن عباس: كان ذلك بأمر الله كما رفع عيسى وهنالك مات، وقال مجاهد إلا أنه قال: ولم يمت، وكذلك قال وهب وقال كعب الأحبار لابن عباس كان له خليل من الملائكة فحمله على على جناحه وصعد به حتى بلغ السماء الرابعة فلقي هنالك ملك الموت فقال له إنه قيل لي اهبط إلى السماء الرابعة فاقبض فيها روح {إدريس} وإني لأعجب كيف يكون هذا، فقال له الملك الصاعد هذا {إدريس} معي فقبض روحه وروي أن هذا كله كان في السماء السادسة قاله ابن عباس، وكذلك هي رتبته في حديث الإسراء في بعض الروايات وحديث أنس بن مالك وأبي هريرة في الإسراء يقتضي أنه في السماء الرابعة. وقوله تعالى: {أولئك الذين أنعم الله عليهم} الإشارة ب {أولئك} إلى من تقدم ذكره، وقوله: {من ذرية آدم} يريد {إدريس} ونوحًا وممن حمل مع نوح إبراهيم عليه السلام، {ومن ذرية إبراهيم} وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، ومن ذرية {إسرائيل} موسى وهارون وزكرياء ويحيى ومريم. وقوله: {وممن هدينا} معناه وأولئك ممن هدينا، لأن هدى الله قد ناله غير هؤلاء. {واجتبينا} معناه اصطفينا واخترنا وكأنه من جبيت المال إذا جمعته ومنه جباية المال وكأن جابيه يصطفيه، وقرأ الجمهور: {إذا تتلى} بالتاء من فوق وقرأ نافع وشيبة، وأبو جعفر {إذا يتلى} بالياء، و(الآيات) هنا الكتب المنزلة، و{سجدًا} نصب على الحال لأن مبدأ السجود سجود، وقرأ عمر بن الخطاب والجمهور: {بكيًا} قالت فرقة: هو جمع باك كما يجمع عاث وجاث على عثيّ وجثي، وقال فرقة: هو مصدر بمعنى البكاء التقدير وبكوا {بكيًا} واحتج الطبري ومكي لهذا القول بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه روي أنه قرأ سورة مريم فسجد ثم قال «هذا السجود فأين البكي» يعني البكاء، واحتجاجهم بهذا فاسد لأنه يحتمل أن يريد عمر رضي الله عنه (فأين الباكون)، فلا حجة فيه لهذا وهذا الذي ذكروه عن عمر ذكره أبو حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقرأ ابن مسعود ويحيى والأعمش: {وبكيًا} بكسر الباء وهو مصدر على هذه القراءة لا يحتمل غير ذلك. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ورفعناه مكانًا عَلِيًّا}.
فيه أربعة أقوال.
أحدها: أنه في السماء الرابعة، روى البخاري ومسلم في (الصحيحين) من حديث مالك بن صعصعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث المعراج: «أنه رأى إِدريس في السماء الرابعة»، وبهذا قال أبو سعيد الخدريّ، ومجاهد، وأبو العالية.
والثاني: أنه في السماء السادسة، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال الضحاك.
والثالث: أنه في الجنة، قاله زيد بن أسلم، وهذا يرجع إِلى الأول، لأنه قد روي أن الجنة في السماء الرابعة.
والرابع: أنه في السماء السابعة، حكاه أبو سليمان الدمشقي.
وفي سبب صعوده إِلى السماء ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه كان يصعد له من العمل مِثْلُ ما يصعد لجميع بني آدم، فأحبَّه مَلَك الموت، فاستأذن اللهَ في خُلَّته، فأذن له، فهبط إِليه في صورة آدمي، وكان يصحبه فلما عرفه، قال إِنِّي أسألك حاجة، قال: ما هي؟ قال: تذيقني الموت، فلعلِّي أعلم ما شدَّته فأكون له أشدّ استعدادًا؛ فأوحى الله إِليه أن اقبض روحه ساعةً ثم أَرْسِله، ففعل، ثم قال: كيف رأيتَ؟ قال: كان أشدَّ مما بلغني عنه، وإِني أُحب أن تريَني النار، قال: فحمله، فأراه إِيّاها؛ قال: إِني أُحِبُّ أن تريَني الجنة، فأراه إِياها، فلما دخلها وطاف فيها، قال له ملك الموت: اخرج، فقال: والله لا أخرج حتى يكون الله تعالى يُخرجني؛ فبعث الله مَلَكًا فحكم بينهما، فقال: ما تقول يا مَلَك الموت؟ فقصَّ عليه ما جرى؛ فقال: ما تقول يا إِدريس؟ قال: إِن الله تعالى قال: {كُلُّ نَفْس ذائقة الموت} [آل عمران: 185]، وقد ذُقْتُه، وقال: {وإِن منكم إِلا واردها} [مريم: 71]، وقد وردتُها، وقال لأهل الجنة: {وما هم منها بمُخْرَجِين} [الحجر: 48]، فوالله لا أخرج حتى يكون الله يُخرجني؛ فسمع هاتفًا من فوقه يقول: بإذني دخل، وبأمري فعل، فخلِّ سبيله؛ هذا معنى ما رواه زيد بن أسلم مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
فإن سأل سائل فقال: من أين لإِدريس هذه الآيات، وهي في كتابنا؟! فقد ذكر ابن الأنباري عن بعض العلماء، قال: كان الله تعالى قد أعلم إِدريس بما ذكر في القرآن من وجوب الورود، وامتناع الخروج من الجنة، وغير ذلك، فقال ما قاله بعلم.
والثاني: أن ملَكًا من الملائكة استأذن ربه أن يهبط إِلى إِدريس، فأذن له، فلما عرفه إِدريس، قال: هل بينك وبين ملك الموت قرابة؟ قال: ذاك أخي من الملائكة، قال: هل تستطيع أن تنفعني عند ملك الموت؟ قال سأكلِّمه فيك، فيرفق بك، اركب ببن جناحيّ، فركب إِدريس، فصعد به إِلى السماء، فلقي ملك الموت، فقال: إِن لي إِليك حاجة، قال: أعلم ما حاجتك، تكلِّمني في إِدريس وقد محي اسمه من الصحيفة ولم يبق من أَجَله إِلا نصف طرفة عين؟! فمات إِدريس بين جناحي الملَك، رواه عكرمة عن ابن عباس. وقال أبو صالح عن ابن عباس: فقبض ملك الموت روح إِدريس في السماء السادسة.
والثالث: أن إِدريس مشى يومًا في الشمس، فأصابه وهجها، فقال: اللهم خفِّف ثقلها عمَّن يحملها، يعني به الملك الموكَّل بالشمس، فلما أصبح الملك وجد من خفة الشمس وحرِّها مالا يعرف، فسأل الله عز وجل عن ذلك، فقال: إِن عبدي إِدريس سألني أن أُخفِّف عنكَ حِملها وحرَّها، فأجبْتُه، فقال: يا رب اجمع بيني وبينه، واجعل بيننا خُلَّة، فأَذِن له، فأتاه، فكان مما قال له إِدريس: اشفع لي إِلى ملك الموت ليؤخِّر أجَلي، فقال: إِن الله لا يؤخِّر نفسًا إِذا جاء أَجَلُها، ولكن أُكلِّمه فيك، فما كان مستطيعًا أن يفعل بأحد من بني آدم فعل بك، ثم حمله الملك على جناحه، فرفعه إِلى السماء، فوضعه عند مطلع الشمس، ثم أتى ملكَ الموت فقال: إِن لي إِليك حاجة صديق لي من بني آدم تشفَّعَ بي إِليك لتؤخِّر أجَلَه، قال: ليس ذاك إِليَّ، ولكن إِن أحببتَ أعلمتُه متى يموت، فنظر في ديوانه، فقال: إِنك كلمتني في إِنسان ما أراه يموت أبدًا، ولا أجده يموت إِلا عند مطلع الشمس، فقال: إِني أتيتك وتركته هناك، قال: انطلق، فما أراك تجده إِلا ميتًا، فوالله ما بقي من أجله شيء، فرجع الملك فرآه ميتًا.
وهذا المعنى مروي عن ابن عباس وكعب في آخرين.
فهذا القول والذي قبله يدلاّن على أنه ميت، والقول الأول يدل على أنه حيّ.
قوله تعالى: {أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين}.
يعني الذين ذكرهم من الأنبياء في هذه السورة {من ذُرِّيَّة آدم} يعني إِدريس {وممن حَمَلْنا مع نوح} يعني إِبراهيم، لأنه من ولد سام بن نوح {ومن ذرية إِبراهيم} يريد: إِسماعيل وإِسحاق ويعقوب {وإِسرائيل} يعني: ومن ذرية إِسرائيل، وهم موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى.
قوله تعالى: {وممن هَدَينا} أي: هؤلاء كانوا ممن أرشَدْنا، {واجتَبَيْنَا} أي: واصطَفَيْنا.
قوله تعالى: {خرُّوا سُجَّدًا} قال الزجاج: {سُجَّدًا} حال مقدَّرة، المعنى: خرُّوا مقدِّرين السجود، لأن الإِنسان في حال خروره لا يكون ساجدًا، ف {سُجَّدًا} منصوب على الحال، وهو جمع ساجد {وبُكيًّا} معطوف عليه، وهو: جمع باكٍ، فقد بيَّن الله تعالى أن الأنبياء كانوا إِذا سمعوا آيات الله سجدوا وبَكَوْا من خشية الله. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {واذكر فِي الكتاب إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًَّا}.
إدريس عليه السلام أوّل من خط بالقلم، وأوّل من خاط الثياب ولبس المخيط، وأوّل من نظر في علم النجوم والحساب وسيرها.