فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ}.
هو نبي قبل نوح وبينهما على ما في (المستدرك) عن ابن عباس ألف سنة وهو أخنوخ بن يرد بن مهلاييل بن أنوش بن قينان بن شيث ابن آدم عليه السلام، وعن وهب بن منبه أنه جد نوح عليه السلام، والمشهور أنه جد أبيه فإنه ابن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو أول من نظر في النجوم والجساب وجعل الله تعالى ذلك من معجزاته على ما في (البحر) وأول من خط بالقلم وخاط الثياب ولبس المخيط وكان خياطًا وكانوا قبل يلبسون الجلود وأول مرسل بعد آدم، وقد أنزل الله تعالى عليه ثلاثين صحيفة وأول من اتخذ الموازين والمكاييل والأسلحة فقاتل بني قابيل، وعن ابن مسعود أنه الياس بعث إلى قومه أن يقولوا لا إله إلا الله ويعملوا ما شاؤا فأبوا وأهلكوا والمعول عليه الأول وإن روى القول بأنه الياس بن أبي حاتم بسند حسن عن ابن مسعود، وهذا اللفظ سرياني عند الأكثرين وليس مشتقًا من الدرس لأن الاشتقاق من غير العربي مما لم يقل به أحد وكونه عربيًا مشتقًا من ذلك يرده منع صرفه، نعم لا يبعد أن يكون معناه في تلك اللغة قريبًا من ذلك فلقب به لكثرة دراسته {إِنَّهُ كَانَ صِدّيقًا نَّبِيًّا} هو كما تقدم.
{وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا}.
هو شرف النبوة والزلفى عند الله تعالى كما روي عن الحسن وإليه ذهب الجبائي وأبو مسلم، وعن أنس وأبي سعيد الخدري وكعب ومجاهد السماء الرابعة، وعن ابن عباس والضحاك السماء السادسة وفي رواية أخرى عن الحسن الجنة لا شيء أعلا من الجنة، وعن النابغة الجعدي أنه لما أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم الشعر الذي آخره:
بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا ** وإنا لنرجوا فوق ذلك مظهرا

قال عليه الصلاة والسلام له: «إلى أين المظهر يا أبا ليلى؟» قال إلى الجنة يا رسول الله. قال: «أجل إن شاء الله تعالى».
وعن قتادة أنه عليه السلام يعبد الله تعالى مع الملائكة عليهم السلام في السماء السابعة ويرتع تارة في الجنة حيث شاء، وأكثر القائلين برفعه حسا قائلون بأنه حيث حيث رفع، وعن مقاتل أنه ميت في السماء وهو قول شاذ.
وسبب رفعه على ما روي عن كعب وغيره أنه مر ذات يوم في حاجة فأصابه وهج الشمس فقال: يا رب إني مشيت يومًا في الشمس فأصابني منها ما أصابني فكيف بمن يحملها مسيرة خمسمائة عام في يوم واحد اللهم خفف عنه من ثقلها وحرها فلما أصبح الملك وجد من خفة الشمس وحرها ما لا يعرف فقال: يا رب خلقتني لحمل الشمس فماذا الذي قضيت فيه قال: إن عبدي إدريس سألني أن أخفف عنك حملها وحرها فأجبته قال: يا رب فاجمع بيني وبينه واجعل بيني وبينه خلة فأذن له حتى أتى إدريس ثم إنه طلب منه رفعه إلى السماء فأذن الله تعالى له بذلك فرفعه، وأخرج ابن المنذر عن عمر مولى عفرة يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن إدريس كان نبيًا تقيًا زكيًا وكان يقسم دهره على نصفين ثلاثة أيام يعلم الناس الخير وأربعة أيام يسيح في الأرض ويعبد الله تعالى مجتهدًا وكان يصعد من عمله وحده إلى السماء من الخير مثل ما يصعد من جميع أعمال بني آدم وأن ملك الموت أحبه في الله تعالى فأتاه حين خرج للسياحة فقال له: يا نبي الله إني أريد أن تأذن لي في صحبتك فقال له إدريس وهو لا يعرفه: إنك لن تقوى على صحبتي قال: بلى إني أرجو أن يقويني الله تعالى على ذلك فخرج معه يومه ذلك حتى إذا كان من آخر النهار مرا براعي غنم فقال ملك الموت: يا نبي الله إنا لا ندري حيث نمسي فلو أخذنا جفرة من هذه الغنم فافطرنا عليها فقال له: لا تعد إلى مثل هذا أتدعوني إلى أخذ ما ليس لنا من حيث نمسي يأتينا الله تعالى برزق فلما أمسى أتاه الله تعالى بالرزق الذي كان يأتيه فقال لملك الموت تقدم فكل فقال: لا والذي أكرمك بالنبوة ما اشتهى فأكل وحده وقاما جميعًا إلى الصلاة ففتر إدريس ونعس ولم يفتر الملك ولم ينعس فعجب منه وصغرت عنده عبادته مما رأى ثم أصبحا فساحا فلما كان آخر النهار مرا بحديقة عنب فقال له مثل ما قال أولًا فلما أمسيا أتاه الله تعالى بالرزق فدعاه إلى الأكل فلم يأكل وقاما إلى الصلاة وكان من أمرهما ما كان أولًا فقال له إدريس: لا والذي نفسي بيده ما أنت من بني آدم فقال: أجل لست منهم وذكر له أنه ملك الموت فقال: أمرت في بأمر فقال: لو أمرت فيك بأمر ما ناظرتك ولكني أحبك في الله تعالى وصحبتك له فقال له: إنك معي هذه المدة لم تقبض روح أحد من الخلق قال: بلى إني معك وإني أقبض نفس من أمرت بقبض نفسه في مشارق الأرض ومغاربها وما الدنيا كلها عندي إلا كمائدة بين يدي الرجل يتناول منها ما شاء فقال له: يا ملك الموت أسألك بالذي أحببتني له وفيه إلا قضيت لي حاجة أسألكها فقال: سلني يا نبي الله فقال: أحب أن تذيقني الموت ثم ترد على روحي فقال: ما أقدر إلا أن أستأذن فاستأذن ربه تعالى فأذن له فقبض روحه ثم ردها الله تعالى إليه فقال له ملك الموت: يا نبي الله كيف وجدت الموت؟ قال: أعظم مما كنت أحدث وأسمع ثم سأله رؤية النار فانطلق إلى أحد أبواب جهنم فنادى بعض خزنتها فلما علموا أنه ملك الموت ارتعدت فرائصهم وقالوا: أمرت فينا بأمر فقال لو أمرت فيكم بأمر ما ناظرتكم ولكن نبي الله تعالى إدريس سألني أن تروه لمحة من النار ففتحوا له قدر ثقب المخيط فأصابه ما صعق منه فقال ملك الموت: اغلقوا فغلقوا وجعل يمسح وجه إدريس ويقول: يا نبي الله تعالى ما كنت أحب أن يكون هذا حظك من صحبتي فلما أفاق سأله كيف رأيت؟ قال: أعظم مما كنت أحدث وأسمع ثم سأله أن يريه لمحة من الجنة ففعل نظير ما فعل قبل فلما فتحوا له أصابه من بردها وطيبها وريحانها ما أخذ بقلبه فقال: يا ملك الموت إني أحب أن أدخل الجنة فآكل أكلة من ثمارها وأشرب شربة من مائها فلعل ذلك أن يكون أشد لطلبتي ورغبتي فدخل وأكل وشرب فقال له ملك الموت: أخرج يا نبي الله تعالى قد أصبت حاجتك حتى يردك الله عز وجل مع الأنبياء عليهم السلام يوم القيامة فاحتضن بساق شجرة من أشجارها وقال: ما أنا بخارج وإن شئت أن أخاصمك خاصمتك فأوحى الله تعالى إلى ملك الموت قاضه الخصومة فقال له: ما الذي تخاصمني به يا نبي الله تعالى فقال إدريس: قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت} [آل عمران: 581] وقد ذقته وقال سبحانه: {وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} [مريم: 17] وقد وردتها وقال جل وعلا لأهل الجنة {وَمَا هُمْ مّنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر: 84] أفأخرج من شيء ساقه الله عز وجل إلي فأوحى الله تعالى إلى ملك الموت خصمك عبدي إدريس وعزتي وجلالي إن في سابق علمي أن يكون كذلك فدعه فقد احتج عليك بحجة قوية..» الحديث والله تعالى أعلم بصحته وكذا بصحة ما قبله من خبر كعب، وهذا الرفع لاقتضائه علو الشأن ورفعة القدر كان فيه من المدح ما فيه وإلا فمجرد الرفع إلى مكان عال حسا ليس بشيء:
فالنار يعلوها الدخان وربما ** يعلو الغبار عمائم الفرسان

وادعى بعضهم أن الأقرب أن العلو حسي لأن الرفعة المقترنة بالمكان لا تكون معنوية؛ وتعقب بأن فيه نظرًا لأنه ورد مثله بل ما هو أظهر منه كقوله:
وكن في مكان إذا ما سقطت ** تقوم ورجلك في عافية

فتأمل.
{أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ}.
{أولئك} إشارة إلى المذكورين في السورة الكريمة، وما فيه من معنى البعد للإشعار بعلو مرتبتهم وبعد منزلتهم في الفضل وهو مبتدأ وقوله تعالى: {الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم} أي بفنون النعم الدينية الدنيوية حسبما أشير إليه مجملًا خبره على ما استظهره في البحر، والحصر عند القائل به إضافي بالنسبة إلى غير الأنبياء الباقين عليهم الصلاة والسلام لأنهم معروفون بكونهم منعمًا عليهم فينزل الأنعام على غيرهم منزلة العدم، وقيل: يقدر مضاف أي بعض الذين أنعم الله عليهم وقوله تعالى: {مّنَ النبيين} بيان للموصول، وقيل: من تبعيضية بناءً على أن المراد أولئك المذكورون الذين أنعم الله تعالى عليهم بالنعم المعهودة المذكورة هنا فيكون الموضوع والمحمول مخصوصًا بمن سمعت وهم بعض النبيين وعموم المفهوم المراد من المحمول في نفسه ومن حيث هو في الذهن لا ينافي أن يقصد به أمر خاص في الخارج كما لا يخفى؛ واختير حمل التعريف في الخبر عن الجنس للمبالغة كما في قوله تعالى: {ذلك الكتاب} [البقرة: 2]، والمحذور مندفع بما ذكرنا و{مِنْ} في قوله سبحانه: {مِن ذُرّيَّةِ ءادَمَ} قيل بيانية والجار والمجرور بدل من الجار والمجرور السابق والمجرور بدل من المجرور بإعادة الجار وهو بدل بعض من كل بناء على أن المراد ذريته الأنبياء وهي غير شاملة لآدم عليه السلام ولا يخفى بعده، وقيل: هي تبعيضية لأن المنعم عليه أخص من الذرية من وجه لشمولها بناءً على الظاهر المتبادر منها غير من أنعم عليه دونه ولا يضر في ذلك كونها أعم منها من وجه لشموله آدم والملك ومؤمني الجن دونها {وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} أي ومن ذرية من حملناهم معه عليه السلام خصوصًا وهم من عدا إدريس عليه السلام لما سمعت من أنه قبل نوح وإبراهيم عليه السلام كان بالإجماع من ذرية سام بن نوح عليهما السلام {وَمِن ذُرّيَّةِ إبراهيم} وهم الباقون.
{وإسراءيل} عطف على {إِبْرَاهِيمَ} أي ومن ذرية إسرائيل أي يعقوب عليه السلام وكان منهم موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام، وفي الآية دليل على أن أولاد البنات من الذرية لدخول عيسى عليه السلام ولا أب له، وجعل إطلاق الذرية عليه بطريق التغليب خلاف الظاهر {وَمِمَّنْ هَدَيْنَا واجتبينا} عطف على قوله تعالى: {مِن ذُرّيَّةِ ءادَمَ} ومن للتبعيض أي ومن جملة من هديناهم إلى الحق واخترناهم للنبوة والكرامة.
وجوز أن يكون عطفًا على قوله سبحانه: {مّنَ النبيين}. ومن للبيان وأورد عليه أن ظاهر العطف المغايرة فيحتاج إلى أن يقال: المراد ممن جمعنا له بين النبوة والهداية والاجتباء للكرامة وهو خلاف الظاهر، وقوله تعالى: {إِذَا تتلى عَلَيْهِنَّ ءايات الرحمن خَرُّواْ سُجَّدًا وَبُكِيًّا} استئناف مساق لبيان خشيتهم من الله تعالى وإخباتهم له سبحانه مع ما لهم من علو الرتبة وسمو الطبقة في شرف النسب وكمال النفس والزلفى من الله عز سلطانه. وقيل: خبر بعد خبر لاسم ازشارة، وقيل: إن الكلام انقطع عند قوله تعالى: {وإسراءيل}، وقوله سبحانه: {وَمِمَّنْ هَدَيْنَا} خبر مبتدأ محذوف وهذه الجملة صفة لذلك المحذوف أي وممن هدينا واجتبينا قوم إذا تتلى عليهم.. إلخ، ونقل ذلك عن أبي مسلم، وروى بعض الإمامية عن علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما أنه قال: نحن عنينا بهؤلاء القوم، ولا يخفى أن هذا خلاف الظاهر جدًا وحال روايات الإمامية لا يخفى على أرباب التمييز، وظاهر صنيع بعض المحققين اختيار أن يكون الموصول صفة لاسم الإشارة على ما هو الشائع فيما بعد اسم الإشارة وهذه الجملة هي الخبر لأن ذلك امدح لهم، ووجه ذلك ظاهر عند من يعرف حكم الأوصاف والأخبار، وسجدًا جمع ساجد وكذا بكيا جمع باك كشاهد وشهود وأصله بكوى اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء وحركت الكاف بالكسر لمناسبة الياء وجمعه المقيس بكاة كرام ورماة إلا أنه لم يسمع على ما في (البحر) وهو مخالف لما في (القاموس) وغيره، وجوز بعضهم أن يكون مصدر بكى كجلوسًا مصدر جلس وهو خلاف الظاهر، نعم ربما يقتضيه ما أخرجه ابن أبي الدنيا في البكاء وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قرأ سورة مريم فسجد ثم قال: هذا السجود فأين البكى، وزعم ابن عطية أن ذلك متعين في قراءة عبد الله ويحيى والأعمش وحمزة والكسائي {بكيا} بكسر أوله وليس كما زعم لأن ذلك اتباع، وظاهر أنه لا يعين المصدرية. ونصب الاسمين على الحالية من ضمير {الرحمن خَرُّواْ} أي ساجدين وباكين والأول حال مقدرة كما قال الزجاج، والظاهر أن المراد من السجود معناه الشرعي والمراد من الآيات ما تضمنته الكتب السماوية سواء كان مشتملًا على ذكر السجود أم لا وسواء كان متضمنًا لذكر العذاب المنزل بالكفار أم لا، ومن هنا استدل بالآية على استحباب السجود والبكاء عند تلاوة القرآن. وقد أخرج ابن ماجه وإسحاق بن راهويه والبزار في مسنديهما من حديث سعيد بن أبي وقاص مرفوعًا «أتلوا القرآن وأبكوا فإن لم تبكوا فتباكوا» وقيل: المراد من السجود سجود التلاوة حسبما تعبدنا به عند سماع بعض الآيات القرآنية فالمراد بآيات الرحمن آيات مخصوصة متضمنة لذكر السجود، وقيل: المراد منه الصلاة وهو قول ساقط جدًا، وقيل: المراد منه الخشوع والخضوع، والمراد من الآيات ما تضمن العذاب المنزل بالكفار وهذا قريب من سابقه، ونقل الجلال السيوطي عن الرازي أنه استدل بالآية على وجوب سجود التلاوة وهو كما قال الكيا: بعيد، وذكروا أنه ينبغي أن يدعو الساجد في سجدته بما يليق بآياتها فههنا يقول: اللهم اجعلني من عبادك المنعم عليهم المهتدين الساجدين لك الباكين عند تلاوة آياتك، وفي آية الإسراء اللهم اجعلني من الباكين إليك الخاشعين لك، وفي آية تنزيل السجدة اللهم اجعلني من الساجدين لوجهك المسبحين بحمدك ورحمتك وأعوذ بك من أن أكون من المستكبرين عن أمرك.
وقرأ عبد الله وأبو جعفر وشيبة وشبل بن عباد وأبو حيوة وعبد الله بن أحمد العجلي عن حمزة وقتيبة في رواية وورش في رواية النحاس وابن ذكوان في رواية التغلبي {يتلى} بالياء التحتية لأن التأنيث غير حقيقي ولوجود القاصل. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيّا}.
هو شرف النبوّة والزلفى عند الله تعالى. فالعلوّ معنويّ. أو رفعه بجسده حيًّا إلى السماء. قال الشهاب: قيل: والثاني أقرب لأن الرفعة المقترنة بالمكان لا تكون معنوية، وفيه نظر لأنه ورد مثله بل ما هو أظهر منه، كقوله:
وكن في مَكانٍ إذَا مَا سَقَطتَ ** تَقُومُ وَرِجلاَكَ في عَافيَة

انتهى.
ومما يؤيد الثاني ما روي في الصحيحين عن أنس في حديث المعراج: «أنه صلوات الله عليه رأى إدريس في السماء الرابعة». وإدريس هو إلياس الآتي ذكره في سورة الصافات. ويسمى في التوراة إيليا. ولرفعه إلى السماء فيها نبأ عجيب، قد يكون التنزيل الكريم في هذه الآية أشار إليه والله أعلم. وقوله تعالى: {أُولَئِكَ} إشارة إلى المذكورين في السورة من لدن زكريا إلى إدريس عليه السلام. وما فيه من معنى البعد، للإشعار بعلوّ رتبتهم وبعد منزلتهم في الفضل. وقوله تعالى: {الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} أي: بفنون النعم الدينية والدنيوية: {مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرائيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا} أي: هديناهم للحق واجتبيناهم للنبوة والكرامة: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} أي: إذا سمعوا كلام الله المتضمن حججه ودلائله وبراهينه، سجدوا لربهم خضوعًا واستكانة. مع ما لهم من علوّ الرتبة. وسموّ الزلفى عنده تعالى. وفي الآية استحباب السجود والبكاء عند سماع التلاوة.
قال ابن كثير: أجمع العلماء على مشروعية السجود ههنا، اقتداء بهم، واتباعًا لمنوالهم. وروى ابن جرير وابن أبي حاتم: أن عُمَر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ سورة مريم فسجد. وقال: هذا السجود فأين البُكي. اهـ.