فصل: سؤال: لم عبر بالإيتاء دون الإنزال في قوله: {وَمَا أُوتِيَ موسى وعيسى}؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.سؤال: لم عبر بالإيتاء دون الإنزال في قوله: {وَمَا أُوتِيَ موسى وعيسى}؟

عبر بالإيتاء دون الإنزال لأنه أبلغ لكونه المقصود منه، ولما فيه من الدلالة على الإعطاء الذي فيه شبه التمليك والتفويض. اهـ.
وأجاب ابن عرفة وبعض طلبته عن تخصيص أول الآية بالإنزال وآخرها بالإيتاء بأنه لما كان ظهور المعجزات الفعلية على يد موسى وعيسى أكثر وأشهر من ظهورها على يد إسحاق ويعقوب وإبراهيم لأن موسى ضرب البحر فانفلق، وألقى العصا فعادت ثعبانا، وأخرج يده فصارت بيضاء من غير سوء، ورفع من على البئر الصخرة لابنة شعيب، ووضع ثوبه على حجر، ودخل النهر فمضى الحجر به فتبعه وهو يقول: ثوبي حجر.
وعيسى كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى بإذن الله، فناسب لفظ الإيتاء سَيدَنَا إبراهيم عليه السلام وأولاده فإن اشتهارهم بإنزال الوحي أكثر من اشتهارهم بالمعجزات. اهـ.

.سؤال: فإن قيل: كيف صح إضافة بين إلى أحد وهو مفرد؟

أجيب: بأنه في معنى الجماعة وعلله السعد التفتازاني بأنه اسم لمن يصلح أن يخاطب يستوي فيه المفرد والمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث قال: ويشترط أن يكون استعماله مع كلمة كل أو في كلام غير موجب. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية الكريمة:

لمَّا آمن نبيُّنا صلى الله عليه وسلم بجميع ما أُنْزِلَ من قَبْلهِ أُكْرِمَ بجميع ما أَكْرَمَه من قبله، فلمَّا أظهر موافقة الجميع أَمَرَ الكُلَّ بالكَوْنِ تحت لوائه فقال: «آدمُ ومَنْ دونه تحت لوائي يوم القيامة».
ولمَّا آمنت أُمتَّهُ بجميع ما أَنزل الله على رسله، ولم يفرقوا بين أحدٍ فهم ضربوا في التكريم بالسَّهم الأعلى فتقدموا على كافة الأمم. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)}.
هذه الآية الكريمة تعطينا تفسيرا لقوله تعالى: {ملة إبراهيم}.. إيمان بالله وحده لا شريك له.. إيمان بما أنزل إلينا وهو القرآن وما أنزل لإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى أي التوراة وما أوتي عيسى أي الإنجيل وما أوتي النبيون بالإجمال.. فالبلاغ الصحيح عن الله منذ عهد آدم حتى الآن هو وحدة العقيدة بأنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. ووحدة الكون بأن الله هو الخالق وهو المدبر وكل شيء يخرج عن الألوهية لله الواحد الأحد.. وأن كل شيء يخرج عن ذلك يكون من تحريف الديانات السابقة هو افتراء على الله سبحانه لا نقبله.
وقوله تعالى: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا} وهو القرآن الكريم. ولا يمكن أن يعطف عليه ما يصطدم معه.. ولذلك فإن ما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط هذه ملة إبراهيم.. وهذا يؤكد لنا أن ملة إبراهيم من وحي الله إليه.. والرسالات كلها كما قلنا تدعو لعبادة الله الواحد الأحد الذي لا شريك له.
وقوله تعالى: {ونحن له مسلمون}.. أي أن إبراهيم كان مسلما وكل الأنبياء كانوا مسلمين وكل ما يخالف ذلك من صنع البشر.. ومعنى الإسلام أن هناك مسلما ومسلما إليه هو الله عز وجل. ونحن نسلم له في العبودية سبحانه وفي اتباع منهجه.. والإنسان لا يسلم وجهه إلا لمن هو أقدر منه وأعلم منه وأقوى منه ولمن لا هوى له.. فإن تشككت في أحد العناصر فإسلامك ليس حقيقة وإنما تخيل وأنت لا تسلم زمامك لله سبحانه وتعالى إلا وأنت متأكد أن قدراته سبحانه فوق قدرات المخلوقين جميعا، وأنه سبحانه غني عن العالمين، ولذلك فإنه غير محتاج إلي ما في يدك بل هو يعطيك جل جلاله من الخير والنعم ولا يوجد إلا الوجود الأعلى لتسلم وجهك له. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)}.
أخرج ابن أبي حاتم عن معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آمنوا بالتوراة والزبور والإِنجيل، وليسعكم القرآن».
وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما الآية التي في البقرة {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا} الآية. كلها، وفي الآخرة ب {آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون} [آل عمران: 52].
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال: أكثر ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم} الآية. وفي الثانية {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة} [آل عمران: 64].
وأخرج وكيع عن الضحاك قال: علموا نساءكم وأولادكم وخدمكم أسماء الأنبياء المسمين في الكتاب ليؤمنوا بهم، فإن الله أمر بذلك فقال: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا} إلى قوله: {ونحن له مسلمون}.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: الأسباط بنو يعقوب، كانوا اثني عشر رجلًا، كل واحد منهم ولد سبطًا أمة من الناس.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: الأسباط بنو يعقوب: يوسف، وبنيامين، وروبيل، ويهوذا وشمعون، ولاوي، ودان، وقهات، وكوذ، وباليوق.
وأخرج الطبراني وأبو نعيم وابن عساكر عن عبد الله بن عبد الثمالي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لو حلفت لبررت أنه لا يدخل الجنة قبل الرعيل الأوّل من أمتي إلا بضعة عشر إنسانًا: إبراهيم، وإسمعيل، وإسحاق، ويعقوب، والأسباط، وموسى، وعيسى بن مريم». اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

{قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)}.
{قولوا}: في هذا الضمير قولان:
أحدهما: أنه للمؤمنين، والمراد بالمنزل إليهم القرآن على هذا.
والثاني: أنه يعود على القائلين كانوا هودًا أو نصارى.
والمراد بالمُنزل إليهم: إما القرآن، وإما التوراة والإنجيل.
قال الحسن رحمه الله تعالى: لما حكى الله تعالى عنهم أنهم قالوا: كونوا هودًا أو نصارى ذكر في مقابلته للرسول عليه الصلاة والسلام قل: {بل ملة إبراهيم}، قال: {قولوا آمَنَّا بالله}.
وجملة {آمنَّا} في محلّ نصب ب {قولوا}، وكرر الموصول في قوله: {وَمَا أُنزِلَ إلى إِبْرَاهِيمَ} لاختلاف المنزل إلينا، والمنزل إليه، فلو لم يكرر لأوهم أن المنزل إلينا هو المنزل إليهم، ولم يكرر في {عيسى}؛ لأنه لم يخالف شريعة موسى إلاّ في نزر يسير، فالذي أوتيه عيسى هو عَيْن ما أوتيه موسى إلا يسيرًا، وقدم المنزل إلينا في الذكر، وإن كان متأخرًا في الإنزال تشريفًا له.
و{الأسباط} جمع سِبْط وهم في ولد يعقوب كالقبائل في ولد إسماعيل والشّعوب في العجم.
وقيل: هم بنو يعقوب لصلبه.
وقال الزمخشري: السبط هو الحَافِدُ.
واشتقاقهم من السبط وهو التتابع، سموا بذلك؛ لأنهم أمة متتابعون.
وقيل: من السَّبط بالتحريك جمع سَبَطَة وهو الشجر الملتف.
وقيل لالحَسَنَيْنِ: سِبْطا رسول الله صلى الله عليه وسلم لانتشار ذرّيتهم.
ثم قيل لكل ابن بنت: سِبْط.
قال القرطبي رحمه الله تعالى: جميع إبراهيم براهم، وإسماعيل سماعيل، قاله الخليل وسيبويه والكوفيون، وحكوا: بَراهِمة وسَماعِلة، وحكوا براهِم وسماعِل.
قال محمد بن يزيد: هذا غلط؛ لأنه الهمزة ليس هذا موضع زيادتها، ولكن أقول: أباره وأسامع، ويجوز أباريه وأساميع.
وأجاز أحمد بن يحيى بِراه، كما يقال في التصغير يريه.
قوله: {وَمَا أُوتِيَ موسى} يجوز في {ما} وجهان:
أحدهما: أن تكون في محل جر عطفًا على المؤمن به، وهو الظاهر.
والثاني: أنها في محل رفع بالابتداء، ويكون {وَمَا أُوتِيَ النبيون} عطفًا عليها.
وفي الخبر وجهان:
أحدهما: أن يكون {من ربهم}.
والثاني: أن يكون {لا نُفَرِّقُ} هكذا ذكر أبو حيان، إلا أن في جعله {لا نُفَرِّقُ} خبرًا عن {ما} نظر لا يخفى من حيث عدم عد الضمير عليها.
ويجوز أن تكون {ما} الأولى عطفًا على المجرور، و{ما} الثانية مبتدأه، وفي خبرها الوجهان، وللشيخ أن يجيب عن عدم عود الضمير بأنه محذوف تقديره: لا نفرق فيه، وحذف العائد المجرور بفي مطَّرِد كما ذكر بعضهم، وأنشد: المتقارب:
فَيَوْمٌ علَيْنَا وَيَوْمٌ لَنَا ** وَيَوْمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرْ

أي: نُسَاءُ فيه ونُسَرُّ فيه.
قوله: {من ربِّهم} فيه ثلاثة أوجه:
أحدهما وهو الظاهر أنه في محل نصب، و{من} لابتداء الغاية، ويتعلّق ب {أوتي} الثانية إن أَعَدْنَا الضمير على النبيين فقط دون موسى وعيسى، أو ب {أوتي} الأولى، وتكون الثانية تكرارًا لسقوطها في آل عمران إن أعدنا الضمير على موسى وعيسى عليهما السلام والنبيين.
الثاني: أن يكون في محلّ نصب على الحال من العائد على الموصول فيتعلّق بمحذوف تقديره: وما أوتيه كائنًا من ربهم.
الثالث: أنه في محل رفع لوقوعه خبرًا إذا جعلنا {ما} مبتدأ.
قوله: {بين أحد} متعلق ب {لا نفرق}، وفي {أحد} قولان:
أظهرهما: أنه الملازم للنفي الذي همزته أصلية، فهو للعموم وتحته أفراد، فلذلك صحّ دخول {بين}: عليه من غير تقدير معطوف نحو: المال بين الناس.
والثاني: أنه الذي همزته بدل من واو بمعنى واحدٍ، وعلى هذا فلابد من تقدير معطوف ليصح دخول {بين} على متعدد، ولكنه حذف لفهم المعنى، والتقدير: بَيْنَ أحدٍ منهم؛ ونظيره ومثله قول النابغة: الطويل:
فَمَا كَانَ بَيْنَ الخَيْرِ لَوْ جَاءَ سَالِمًا ** أَبُو حُجُرٍ إلاَّ لَيَالٍ قَلاَئِلُ

أي: بين الخير وبَيْنِي.
و{له} متعلِّق ب {مُسْلِمُون}، قدم للاهتمام به لعود الضمير على الله تعالى أو لتناسب الفواصل. اهـ. باختصار.

.الفرق بين التفريق:

الفرق بين التفريق والفرق أن التفريق جعل الشيء مفارقا لغيره.
والفرق: نقيض الجمع.
والجمع: جعل الشيء مع غيره.
والفرق: جعل الشيء لا مع غيره. والفرق بالحجة: هو البيان الذي يشهد أن الحكم لأحد الشيئين دون الآخر. اهـ.

.تفسير الآية رقم (137):

قوله تعالى: {فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما قدم تعالى ما أمرهم به وكان عين الهدى تسبب عنه قوله معبرًا بأداة الشك إشارة إلى أن إيمانهم لما لهم من الكثافة والغلظة والجلافة في غاية البعد: {فإن آمنوا} أي أهل الكتاب الذين أرادوا أن يستتبعوكم {بمثل} أي بنفس وحقيقة {ما آمنتم به} كما يأتي بيانه في {ليس كمثله شيء} [الشورى: 11] من الشورى، فكانوا تبعًا لكم {فقد اهتدوا} عكس ما قالوا مثلنا تهتدوا، وعبر بفعل المطاوعة لكون الإيمان مع ظهوره بظهور دلائله موافقًا للفطرة الأولى، وأما الكفر فإنه لما كان لأجل ظهور الإيمان وانطباعه في الجنان بعيدًا عن المزاج لا يكون إلا بنوع من العلاج بين الهوى والعقل وكان لا يكون إلا بعد الإعراض عن الإيمان وغيبته عن العيان عبر عن ارتكابه بما يشعر بذلك بصيغة التفعل فقال: {وإن تولوا} قال الحرالي: فيه إشعار بإيمان مؤمن منهم وتولي متول منهم، لأن الله تعالى إذا صنف الخطاب كان نبأ عن تصنيف الكيان، فهو تعالى لا يخرج نبأه على غير كائن فيكون نبأ لا كون له، إنما ذلك أدنى أوصاف بعض الخلق {فإنما هم في شقاق} أي يريدون أن يكونوا في شق غير شقكم، لأنهم يعلمون أن الهدى ليس في شيء غيره كما اقتضته إنما.
ولما كان اللازم لمشاقّتهم على هذا الحال المكايدة والمحاربة وكان ذلك على وجه العناد لم يكل سبحانه كفاية أوليائه إلى غيره فسبب ذلك قوله: {فسيكفيكهم الله}؛ أي بوعد لا خلف فيه أصلًا وإن تأخر شيئًا من تأخر بما له من قدرة وغيرها من صفات الكمال التي أفهمها الاسم الشريف، والكفاية إغناء المقاوم عن مقاومة عدوه بما لا يحوجه إلى دفع له- قاله الحرالي.
ولما كان المناوئ لشخص إما أن يكيده بقوله أو بفعله وكان الفعل مسبوقًا بالارتسام في الضمير وكان الكافي لشخص إنما يتوقف كفايته على العلم بما يصلحه قال: {وهو السميع} أي لما يقول أعداؤكم {العليم} بما يضمرون فهو يسبب لكل قول وضمير منهم ما يرد ضرره عليه، فحظكم منهم مقصور على أذى في القول وسوء في وُدّ في الضمير، وحظهم منكم قهرهم وسبيهم والاستيلاء على ديارهم وأموالهم. اهـ.
سؤال: دين الإسلام وهو الحق واحد فما معنى المثل في قوله: {بمثل ما آمنتم به}؟
والجواب أن قوله: {فإن آمنوا} بكلمة الشك {حرف إن} دليل على أن الأمر مبني على الفرض، والتقدير أي فإن حصلوا دينًا آخر مثل دينكم ومساويًا له في الصحة والسداد {فقد اهتدوا} لكن لا دين صحيحًا سوى هذا لسلامته عن التناقض بخلاف غيره فلا اهتداء إلا بهذا، ونظيره قولك للرجل الذي تشير عليه هذا هو الرأي الصواب فإن كان عندك رأي أصوب منه فاعمل به وقد علمت أن لا أصوب من رأيك، ولكنك تريد تبكيت صاحبك وتوقيفه على أن ما رأيت لا رأي وراءه وقيل: الباء للاستعانة لا للإلصاق والتمثيل بين التصديقين أي فإن دخلوا في الإيمان بشهادة مثل شهادتكم. وقيل: المثل صلة ويؤيده قراءة ابن عباس وابن مسعود {فإن آمنوا بما آمنتم به} وقيل: معناه إنكم آمنتم بالفرقان من غير تصحيف وتحريف، فإن آمنوا هم بمثل ذلك في التوراة فقد اهتدوا لأنهم يتوسلون به إلى معرفة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. اهـ.