فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{إِلاَّ سَلاَمًا} أي لكن يسمعون سلامًا فهو من الاستثناء المنقطع، يعني سلام بعضهم على بعض، وسلام الملك عليهم، قاله مقاتل وغيره. والسلام اسم جامع للخير؛ والمعنى أنهم لا يسمعون فيها إلا ما يحبون.
قوله تعالى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} أي لهم ما يشتهون من المطاعم والمشارب بكرة وعشيا؛ أي في قدر هذين الوقتين؛ إذ لا بكرة ثَمَّ ولا عشيًا؛ كقوله تعالى: {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ: 12] أي قدر شهر؛ قال معناه ابن عباس وابن جريج وغيرهما. وقيل: عرّفهم اعتدال أحوال أهل الجنة؛ وكان أهنأ النعمة عند العرب التمكين من المطعم والمشرب بكرة وعشيا. قال يحيى بن أبي كثير وقتادة: كانت العرب في زمانها من وجد غداء وعشاء معًا فذلك هو الناعم؛ فنزلت. وقيل: أي رزقهم فيها غير منقطع، كما قال: {لاَ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ} وهو كما تقول: أنا أصبح وأمسي في ذكرك. أي ذكري لك دائم. ويحتمل أن تكون البكرة قبل تشاغلهم بلذاتهم، والعشي بعد فراغهم من لذاتهم؛ لأنه يتخللها فترات انتقال من حال إلى حال. وهذا يرجع إلى القول الأوّل.
وروى الزبير بن بكار عن إسماعيل بن أبي أويس قال: قال مالك بن أنس: طعام المؤمنين في اليوم مرتان، وتلا قول الله عز وجل: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} ثم قال: وعوّض الله عز وجل المؤمنين في الصيام السحور بدلًا من الغداء ليقووا به على عبادة ربهم. وقيل: إنما ذكر ذلك لأن صفة الغداء وهيئته غير صفة العشاء وهيئته؛ وهذا لا يعرفه إلا الملوك. وكذلك يكون في الجنة رزق الغداء غير رزق العشاء تتلون عليهم النعم ليزدادوا تنعمًا وغبطة.
وخرج الترمذي الحكيم في (نوادر الأصول) من حديث أبان عن الحسن وأبي قِلابة قالا: «قال رجل: يا رسول الله هل في الجنة من ليل؟ قال: وما هيّجك على هذا قال: سمعت الله تعالى يذكر في الكتاب {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} فقلت: الليل بين البكرة والعشي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس هناك ليل إنما هو ضوء ونور يردُّ الغدوّ على الرواح والرواح على الغدوّ وتأتيهم طُرَف الهدايا من الله تعالى لمواقيت الصلاة التي كانوا يصلون فيها في الدنيا وتسلم عليهم الملائكة». وهذا في غاية البيان لمعنى الآية، وقد ذكرناه في كتاب (التذكرة).
وقال العلماء: ليس في الجنة ليل ولا نهار، وإنما هم في نور أبدًا؛ إنما يعرفون مقدار الليل من النهار بإرخاء الحجب، وإغلاق الأبواب، ويعرفون مقدارالنهار برفع الحجب وفتح الأبواب. ذكره أبو الفرج الجوزيّ والمهدويّ وغيرهما. اهـ.

.قال أبو حيان:

{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ}.
نزل {فخلف} في اليهود عن ابن عباس ومقاتل، وفيهم وفي النصارى عن السدي، وفي قوم من أمّة الرسول يأتون عند ذهاب صالحيها يتبارزون بالزنا ينزو في الأزقة بعضهم على بعض عن مجاهد وقتادة وعطاء ومحمد بن كعب القرظي.
وعن وهب: هم شرّابو القهوة، وتقدم الكلام على {خلف} في الأعراف، وإضاعة الصلاة تأخيرها عن وقتها قاله ابن مسعود والنخعي والقاسم بن مخيمرة ومجاهد وإبراهيم وعمر بن عبد العزيز. وقال القرظي واختاره الزجّاج: إضاعتها الإخلال بشروطها. وقيل: إقامتها في غير الجماعات. وقيل: عدم اعتقاد وجوبها. وقيل: تعطيل المساجد والاشتغال بالصنائع. والاسباب، و{الشهوات} عام في كل مشتهى يشغل عن الصلاة وذكر الله. وعن عليّ من بني الشديد وركب المنظور ولبس المشهور. وقرأ عبد الله والحسن وأبو رزين العقيلي والضحاك وابن مقسم {الصلوات} جمعًا. والغيّ عند العرب كل شر، والرشاد كل خير. قال الشاعر:
فمن يلق خيرًا يحمد الناس أمره ** ومن يغو لا يعدم على الغي لائمًا

وقال الزجاج: هو على حذف مضاف أي جزاء غي كقوله: {يلق أثامًا} أي مجازة آثام. وقال ابن زيد: الغي الخسران والحصول في الورطات. وقال عبد الله بن عمرو وابن مسعود وكعب: غيّ واد في جهنم. وقال ابن زيد: ضلال. وقال الزمخشري: أو {غيًا} عن طريق الجنة. وحكى الكرماني: آبار في جهنم يسيل إليها الصديد والقيح. وقيل: هلاك. وقيل: شر.
وقرىء فيما حكى الأخفش {يلقون} بضم الياء وفتح اللام وشد القاف.
{إلا من تاب} استثناء ظاهره الاتصال.
وقال الزجاج: منقطع {وآمن} هذا يدل على أن تلك الإضاعة كفر، وقرأ الحسن {يدخلون} مبنيًا للفاعل، وكذا كل ما في القرآن من {يدخلون}.
وقرأ كذلك هنا الزهري وحميد وشيبة والأعمش وابن أبي ليلى وابن مناذر وابن سعدان.
وقرأ ابن غزوان عن طلحة: سيدخلون بسين الاستقبال مبنيًا للفاعل.
وقرأ الجمهور جنات نصبًا جمعًا بدلًا من {الجنة} {ولا يظلمون شيئًا} اعتراض أو حال.
وقرأ الحسن وأبو حيوة وعيسى بن عمر والأعمش وأحمد بن موسى عن أبي عمرو {جنات} رفعًا جمعًا أي تلك جنات وقال الزمخشري الرفع على الابتداء انتهى يعني والخبر {التي}.
وقرأ الحسن بن حي وعليّ بن صالح جنة عدن نصبًا مفردًا ورويت عن الأعمش وهي كذلك في مصحف عبد الله.
وقرأ اليماني والحسن وإسحاق الأزرق عن حمزة جنة رفعًا مفردًا و{عدن} إن كان علمًا شخصيًا كان التي نعتًا لما أضيف إلى {عدن} وإن كان المعنى إقامة كان {التي} بدلًا.
وقال الزمخشري: {عدن} معرفة علم لمعنى العدن وهو الإقامة، كما جعلوا فينة وسحر وأمس في من لم يصرفه أعلامًا لمعاني الفينة والسحر والأمس، فجرى العدن كذلك. أو هو علم الأرض الجنة لكونه مكان إقامة، ولولا ذلك لما ساغ الإبدال لأن النكرة لا تبدل من المعرفة إلاّ موصوفة، ولما ساغ وصفها بالتي. انتهى. وما ذكره متعقب. أما دعواه أن عدنًا علم لمعنى العدن فيحتاج إلى توقيف وسماع من العرب، وكذا دعوى العلمية الشخصية فيه. وأما قوله ولو لا ذلك إلى قوله موصوفة فليس مذهب البصريين لأن مذهبهم جواز إبدال النكرة من المعرفة وإن لم تكن موصوفة، وإنما ذلك شيء قاله البغداديون وهم محجوجون بالسماع علم ما بيناه في كتبنا في النحو، فملازمته فاسدة. وأما قوله: ولما ساغ وصفها بالتي فلا يتعين كون التي صفة، وقد ذكرنا أنه يجوز إعرابه بدلًا و{بالغيب} حال أي وعدها وهي غائبة عنهم أو وهم غائبون عنها لا يشاهدونها، ويحتمل أن تكون الباء للسبب أي بتصديق الغيب والإيمان به.
وقال أبو مسلم: المراد الذين يكونون عبادًا بالغيب أي الذين يعبدونه في السر، والظاهر أن {وعده} مصدر. فقيل: {مأتيًا} بمعنى آتيًا. وقيل: هو على موضوعه من أنه اسم المفعول. وقال الزمخشري: {مأتيًا} مفعول بمعنى فاعل، والوجه أن الوعد هو الجنة وهم يأتونها، أو هو من قولك أتى إليه إحسانًا أي كان وعده مفعولًا منجزًا، والقول الثاني وهو قوله: والوجه مأخوذ من قول ابن جريج قال: {وعده} هنا موعوده وهو الجنة، و{مأتيًا} يأتيه أولياؤه انتهى.
{إلا سلامًا} استثناء منقطع وهو قول الملائكة {سلام عليكم بما صبرتم} وقيل: يسلم الله عليهم عند دخولها.
ومعنى {بكرة وعشيًا} يأتيهم طعامهم مرتين في مقدار اليوم والليلة من الزمن.
وقال مجاهد: لا بكرة ولا عشي ولكن يؤتون به على ما كانوا يشتهون في الدنيا.
وقد ذكر نحوه قتادة أن تكون مخاطبة بما تعرف العرب في رفاهة العيش.
وقال الحسن: خوطبوا على ما كانت العرب تعلم من أفضل العيش، وذلك أن كثيرًا من العرب إنما كان يجد الطعام المرة في اليوم، وكان عيش أكثرهم من شجر البرية ومن الحيوان.
وقال الزمخشري: اللغو فضول الكلام وما لا طائل تحته، وفيه تنبيه ظاهر على وجوب تجنب اللغو واتقائه حيث نزه الله عنه الدار التي لا تكليف فيها.
وما أحسن قوله: {وإذا مرّوا باللغو مرّوا كرامًا} {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه} الآية أي أن كان تسليم بعضهم على بعض أو تسليم الملائكة عليهم {لغوًا} فلا يسمعون لغوًا إلاّ ذلك فهو من وادي قوله:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ** بهن فلول من قراع الكتائب

أو {لا يسمعون فيها} إلاّ قولًا يسلمون فيه من العيب والنقيصة على الاستثناء المنقطع، أو لأن معنى السلام هو الدعاء بالسلامة، ودار السلام هي دار السلامة وأهلها عن الدعاء بالسلامة أغنياء.
فكان ظاهره من باب اللغو وفضول الحديث لولا ما فيه من فائدة الكلام.
وقال أيضًا: ولا يكون ثم ليل ولا نهار ولكن على التقدير.
ولأن المتنعم عند العرب من وجد غداءً وعشاءً.
وقيل: أراد دوام الرزق ودروره كما تقول: أنا عند فلان صباحًا ومساءً وبكرةً وعشيًا، ولا يقصد الوقتين المعلومين انتهى. اهـ.

.قال أبو السعود:

{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ}.
يقال: لعَقِب الخير خلفٌ بفتح اللام ولعقِب الشرِّ {خلْفٌ} بالسكون أي فعقَبهم وجاء بعدهم عَقِبُ سوءٍ {أَضَاعُواْ الصلاة} وقرئ {الصلواتِ} أي تركوها أو أخّروها عن وقتها {واتبعوا الشهوات} من شرب الخمر واستحلالِ نكاحِ الأختِ من الأب والانهماكِ في فنون المعاصي. وعن علي رضي الله عنه عندهم مِنْ بناء المشيَّد وركوبِ المنظور ولُبس المشهور {فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيًّا} أي شرًا فإن كلَّ شر عند العرب غيٌّ وكل خير رشادٌ كقوله:
فمن يلقَ خيرًا يحمَدِ الناسُ أمرَه ** ومن يغْوِ لا يعدَمْ على الغي لائما

وعن الضحاك جزاءَ غيَ كقوله تعالى: {يَلْقَ أَثَامًا} أو غيًا عن طريق الجنة، وقيل: (غَيٌّ وادٍ في جهنمَ تستعيذ منه أوديتُها) وقوله تعالى: {إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ صالحا} يدل على أن الآيةَ في حق الكفرة {فَأُوْلَئِكَ} إشارةٌ إلى الموصول باعتبار اتصافِه بما في حيز الصلة، وما فيه من معنى البُعد لما مرّ مرارًا، أي فأولئك المنعوتون بالتوبة والإيمانِ والعمل الصالح {يَدْخُلُونَ الجنة} بموجب الوعدِ المحتوم وقرئ يُدْخَلون على البناء للمفعول.
{وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئًا} أي لا يُنقَصون من جزاء أعمالِهم شيئًا، أو لا ينقصون شيئًا من النقص، وفيه تنبيه على أن كفرَهم السابقَ لا يضرهم ولا ينقُص أجورَهم.
{جنات عَدْنٍ} بدلٌ من الجنةَ بدلَ البعض لاشتمالها عليها وما بينهما اعتراضٌ أو نصبٌ على المدح، وقرئ بالرفع على أنه خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ أي هي أو تلك جنات إلخ. أو مبتدأ خبرُه التي وعد.. إلخ، وقرئ {جنة عدْنَ} نصبًا ورفعًا، و{عدْنُ} علمٌ لمعنى العَدْن وهو الإقامةُ كما أن فيْنةَ وسحرَ وأمسَ فيمن لم يصرِفها أعلامٌ لمعاني الفينةِ وهي الساعة التي أنت فيها والسحرِ والأمسِ فجرى لذلك مجرى العدْن، أو هو علمٌ لأرض الجنة خاصةً ولولا ذلك لما ساغ إبدالُ ما أضيف إليه من الجنة بلا وصفٍ عند غير البصريين ولا صفةٍ بقوله تعالى: {التى وَعَدَ الرحمن عِبَادَهُ} وجعلُه بدلًا منه خلافُ الظاهر فإن الموصولَ في حكم المشتقّ وقد نصّوا على أن البدَل بالمشتق ضعيفٌ، والتعرضُ لعنوان الرحمة للإيذان بأن وعدَها وإنجازَه لكمال سَعةِ رحمته والباء في قوله تعالى: {بالغيب} متعلقةٌ بمضمر هو حالٌ من المضمر العائدِ إلى الجنات أو من عباده، أي وعدها إياهم ملتبسةً أو ملتبسين بالغيب، أي غائبةً عنهم غيرَ حاضرة أو غائبين عنها لا يرَوْنها وإنما آمنوا بها بمجرد الإخبار، أو بمضمر هو سببُ الوعدِ أي وعدها إياهم بسبب إيمانِهم.
{إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ} أي موعدُه كائنًا ما كان فيدخل فيه الجناتُ الموعودةُ دخولًا أوليًا، ولما كانت هي مثابةً يُرجَع إليها قيل: {مَأْتِيًّا} أي يأتيه مَنْ وُعِد له لا محالة بغير خُلْف، وقيل: هو مفعولٌ بمعنى فاعل، وقيل: {مأتيًا} أي مفعولًا مُنجَزًا من أتى إليه إحسانًا أي فعَلَه.
{لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا} أي فضولَ كلامٍ لا طائلَ تحته وهو كنايةٌ عن عدم صدورِ اللغوِ من أهلها، وفيه تنبيه على أن اللغوَ مما ينبغي أن يُجتنَب عنه في هذه الدارِ ما أمكن {إِلاَّ سلاما} استثناءٌ منقطِعٌ أي لكن يسمعون تسليمَ الملائكة عليهم أو تسليمَ بعضهم على بعض، أو متصلٌ بطريق التعليقِ بالمُحال أي لا يسمعون لغوًا ما إلا سلامًا فحيث استحال كونُ السلامِ لغوًا استحال سماعُهم له بالكلية كما في قوله:
ولا عيبَ فيهم غيرَ أن سيوفَهم ** بهنّ فُلولٌ من قراع الكتائبِ

أو على أن معناه الدعاءُ بالسلامة وهم أغنياءُ عنه فهو من باب اللغو ظاهرًا وإنما فائدتُه الإكرامُ وقوله تعالى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} واردٌ على عادة المتنعّمين في هذه الدار، وقيل: المرادُ دوامُ رزقِهم ودُرورُه وإلا فليس فيها بكرةٌ ولا عشيٌّ. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ}.
أي جاء بعدهم عقب سوء فإن المشهور في الخلف ساكن اللام ذلك والمشهور في مفتوح اللام ضده، وقال أبو حاتم: الخلف بالسكون الأولاد الجمع والواحد فيه سواء وبالفتح البدل ولدًا كان أو غيره، وقال النضر بن شميل: الخلف بالتحريك والإسكان القرن السوء أما الصالح فالتحريك لا غير، وقال ابن جرير: أكثر ما جاء في المدح بفتح اللام وفي الذم بتسكينها وقد يعكس، وعلى استعمال المفتوح في الذم جاء قول لبيد:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ** وبقيت في خلف كجلد الأجرب

{أضَاعُوا الصَّلاةَ} وقرأ عبد الله، والحسن، وأبو رزين العقيلي، والضحاك، وابن مقسم {الصلوات} بالجمع وهو ظاهر، ولعل الأفراد للاتفاق في النوع، وإضاعتها على ما روي عن ابن مسعود، والنخعي والقاسم بن مخيمرة، ومجاهد، وإبراهيم، وعمر بن عبد العزيز تأخيرها عن وقتها، وروى ذلك الإمامية عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه، واختار الزجاج أن إضاعتها الاختلال بشروطها من الوقت وغيره، وقيل: إقامتها في غير جماعة، وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي أن إضاعتها تركها، وقيل: عدم اعتقاد وجوبها، وعلى هذا الآية في الكفار وعلى ما قبله لا قطع، واستظهر أنها عليه في قوم مسلمين بناءً على أن الكفار غير مكلفين بالفروع إلا أن يقال: المراد أن من شأنهم ذلك فتدبر، وعلى ما قبلهما في قوم مسلمين قولًا واحدًا.
والمشهور عن ابن عباس ومقاتل أنها في اليهود، وعن السدي أنها فيهم وفي النصارى، واختير كونها في الكفرة مطلقًا لما سيأتي إن شاء الله تعالى قريبًا وعليه بني حسن موقع حكاية قول جبريل عليه السلام الآتي، وكونها في قوم مسلمين من هذه الأمة مروى عن مجاهد وقتادة وعطاء وغيرهم قالوا: إنهم يأتون عند ذهاب الصالحين يتبادرون بالزنا ينزو بعضهم على بعض في الأزقة كالأنعام لا يستحيون من الناس ولا يخافون من الله تعالى: {واتبعوا الشهوات} وانهمكوا في المعاصي المختلفة الأنواع، وفي (البحر) {الشهوات} عام في كل مشتهى يشغل عن الصلاة وعن ذكر الله تعالى، وعد بعضهم من ذلك نكاح الأخت من الأب وهو على القول بأن الآية فيما يعم اليهود لأن من مذهبهم فيما قيل ذلك وليس بحق.
والذي صح عنهم أنهم يجوزون نكاح بنت الأخ وبنت الأخت ونحوهما، وعن علي كرم الله تعالى وجهه من بني المشيد وركب المنظور ولبس المشهور {فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيًّا} أخرج ابن جرير والطبراني وغيرهما من حديث أبي أمامة مرفوعًا أنه نهر في أسفل جهنم يسيل فيه صديد أهل النار وفيه لو أن صخرة زنة عشر عشراوات قذف بها من شفير جهنم ما بلغت قعرها سبعين خريفًا ثم تنتهي إلى غي وأثام، ويعلم منه سر التعبير بسوف يلقون.