فصل: فائدة لغوية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فائدة لغوية:

الشقاق في اللغة: له ثلاثة معان:
أحدها: العداوة مثل قوله تعالى: و{وياقوم لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شقاقى أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالح وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ} [هود: 89].
والثاني: الخلاف مثل قوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فابعثوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إصلاحا يُوَفِّقِ الله بَيْنَهُمَا إِنَّ الله كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء: 35].
والثالث: الضلالة مثل قوله: {لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِى الشيطان فِتْنَةً لِّلَّذِينَ في قُلُوبِهِم مَّرَضٌ والقاسية قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظالمين لَفِى شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [الحج: 53]. اهـ.

.تفسير الآية رقم (138):

قوله تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138)}.

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

وجعل الحرالي {صبغة الله} أي هيئة صبغ الملك الأعلى التي هي حلية المسلم وفطرته كما أن الصبغة حلية المصبوغ حالًا تقاضاها معنى الكلام، وعاب على النحاة كونهم لا يعرفون الحال إلا من الكلم المفردة ولا يكادون يتفهمون الأحوال من جملة الكلام، وقال: الصيغة تطوير معاجل بسرعة وحيه، وقال: فلما كان هذا التلقين تلقينًا وحيًا سريع التصيير من حال الضلال المبين الذي كانت فيه العرب في جاهليتها إلى حال الهدى المبين الذي كانت فيه الأنبياء في هدايتها من غير مدة جعله تعالى صبغة كما يصبغ الثوب في الوقت فيستحيل من لون إلى لون في مقابلة ما يصبغه أهل الكتاب بأتباعهم المتبعين لهم في أهوائهم في نحو الذي يسمونه الغِطاس {ومن أحسن من الله} أي الذي له الكمال كله {صبغة} لأنها صبغة قلب لا تزول لثباتها بما تولاها الحفيظ العليم، وتلك صبغة جسم لا تنفع، وفيه إفهام بما يختص به الذين آمنوا من انقلاب جوهرهم نورًا، كما قال عليه الصلاة والسلام: اللهم اجعلني نورًا! فكان ما انقلب إليه جوهر الأئمة انصبغت به قلوب الأمة {ونحن له} أي خاصة {عابدون} تكملة لرد الخطاب على خطاب عهد إسرائيل حيث قال: {ما تعبدون من بعدي} [البقرة: 133] إلا أن العبادة في عهد إسرائيل سابقة والإسلام حتم، والإسلام في هذا التلقين بدء لتقع العبادة شكرًا- يختص برحمته من يشاء، وجاء به بالوصف الثابت الدائم ففيه إشعار بأن أحدًا منهم لا يرتد عن دينه سخطة له بعد أن خالط الإيمان بشاشة قلبه، وهو حظ عام من العصمة الثابت خاصها للنبي صلى الله عليه وسلم في عليِّ أمره. انتهى.
سؤال: ما المراد بالصبغ؟
الجواب: اختلفوا في المراد بصبغة الله على أقوال. الأول: أنه دين الله وذكروا في أنه لم سمي دين الله بصبغة الله وجوهًا. أحدها: أن بعض النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية ويقولون: هو تطهير لهم. وإذا فعل الواحد بولده ذلك قال: الآن صار نصرانيًا. فقال الله تعالى: اطلبوا صبغة الله وهي الدين، والإسلام لا صبغتهم، والسبب في إطلاق لفظ الصبغة على الدين طريقة المشاكلة كما تقول لمن يغرس الأشجار وأنت تريد أن تأمره بالكرم: اغرس كما يغرس فلان تريد رجلًا مواظبًا على الكرم، ونظيره قوله تعالى: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءونَ الله يَسْتَهْزِئ بِهِمْ} [البقرة: 14، 15]، {يخادعون الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: 142]، {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ الله} [آل عمران: 54]، {وَجَزَاءُ سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا} [الشورى: 40]، {إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ} [هود: 38]. وثانيها: اليهود تصبغ أولادها يهودا والنصارى تصبغ أولادها نصارى بمعنى يلقونهم فيصبغونهم بذلك لما يشربون في قلوبهم، عن قتادة قال ابن الأنباري: يقال: فلان يصبغ فلانًا في الشيء، أي يدخله فيه ويلزمه إياه كما يجعل الصبغ لازمًا للثواب وأنشد ثعلب:
دع الشر وأنزل بالنجاة تحرزا ** إذا أنت لم يصبغك في الشر صابغ

وثالثها: سمي الدين صبغة لأن هيئته تظهر بالمشاهدة من أثر الطهارة والصلاة، قال الله تعالى: {سيماهم في وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ السجود} [الفتح: 29]. ورابعها: قال القاضي قوله: {صِبْغَةَ الله} متعلق بقوله: {قُولُواْ ءامَنَّا بالله} [البقرة: 136] إلى قوله: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون} [العنكبوت: 46] فوصف هذا الإيمان منهم بأنه صبغة الله تعالى ليبين أن المباينة بين هذا الدين الذي اختاره الله، وبين الدين الذي اختاره المبطل ظاهرة جلية، كما تظهر المباينة بين الألوان والأصباغ لذي الحس السليم. القول الثاني: أن صبغة الله فطرته وهو كقوله: {فِطْرَةَ الله التي فَطَرَ الناس عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله} [الروم: 30] ومعنى هذا الوجه أن الإنسان موسوم في تركيبه وبنيته بالعجز والفاقة، والآثار الشاهدة عليه بالحدوث والافتقار إلى الخالق فهذه الآثار كالصبغة له وكالسمة اللازمة. قال القاضي: من حمل قوله: {صِبْغَةَ الله} على الفطرة فهو مقارب في المعنى، لقول من يقول: هو دين الله لأن الفطرة التي أمروا بها هو الذي تقتضيه الأدلة من عقل وشرع، وهو الدين أيضًا، لكن الدين أظهر لأن المراد على ما بينا هو الذي وصفوا أنفسهم به في قوله: {قُولُواْ ءامَنَّا بالله} فكأنه تعالى قال في ذلك: إن دين الله الذي ألزمكم التمسك به فالنفع به سيظهر دينًا ودنيا كظهور حسن الصبغة، وإذا حمل الكلام على ما ذكرناه لم يكن لقول من يقول: إنما قال ذلك لعادة جارية لليهود والنصارى في صبغ يستعملونه في أولادهم معنى، لأن الكلام إذا استقام على أحسن الوجوه بدونه فلا فائدة فيه ولنذكر الآن بقية أقوال المفسرين:
القول الثالث: أن صبغة الله هي الختان، الذي هو تطهير، أي كما أن المخصوص الذي للنصارى تطهير لهم فكذلك الختان تطهير للمسلمين عن أبي العالية.
القول الرابع: إنه حجة الله، عن الأصم، وقيل: إنه سنة الله، عن أبي عبيدة، والقول الجيد هو الأول، والله أعلم. اهـ.

.قال القرطبي:

وقيل: إن الصّبغة الاغتسال لمن أراد الدخول في الإسلام، بدلًا من معمودية النصارى؛ ذكره الماوردي.
قلت: وعلى هذا التأويل يكون غسل الكافر واجبًا تعبُّدًا، وهي المسألة:
الثانية: لأن معنى {صبغةَ الله} غُسل الله؛ أي اغتسلوا عند إسلامكم الغسل الذي أوجبه الله عليكم. وبهذا المعنى جاءت السُّنة الثابتة في قيس بن عاصم وثُمَامة بن أثَال حين أسلما. اهـ.

.قال ابن عادل:

قرأ الجمهور {صبغة} بالنصب.
وقال الطبري رحمه الله: من قرأ: {ملّةُ إبراهيم} بالرفع قرأ {صبغة} بالرفع وقد تقدم أنها قراءة ابن هرمز، وابن أبي عبلة.
فأما قراءة الجمهور ففيها أربعة أوجه:
أحدها: أن انتصابها انتصاب المصدر المؤكد، وهذا اختاره الزمخشري، وقال: هو الذي ذكره سيبويه، والقول ما قالت حَذَام انتهى قوله.
واختلف حينئذ عن ماذا انْتَصَبَ هذا المصدر؟
فقيل: عن قوله: {قولوا آمنا}.
وقيل عن قوله: {ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}.
وقيل عن قوله: {فَقَد اهْتَدُوا}.
الثاني: أن انتصابها على الإغراء أي: الزموا صبغة الله.
وقال أبو حيان وهذا ينافره آخر الآية، وهو قوله: {وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ} فإنه خبر والأمر ينافي الخبر إلا أن يقدر هنا قول، وهو تقدير لا حاجة إليه، ولا دليل من الكلام عليه.
الثالث: أنها بدل من {ملة} وهذا ضعفيف؛ إذ قد وقع الفصل بينهما يجمل كثيرة.
الرابع: انتصابها بإضمار فعل أي: اتبعوا صِبْغَةَ الله، ذكر ذلك أبو البقاء مع وجه الإغراء، وهو في الحقيقة ليس زائدًا فإنَّ الإغراء أيضًا هو نصب بإضمار فعل. اهـ.
قوله تعالى: {ومن أحسن من الله}.
{ومن أحسن من الله} أي الذي له الكمال كله {صبغة} لأنها صبغة قلب لا تزول لثباتها بما تولاها الحفيظ العليم، وتلك صبغة جسم لا تنفع، وفيه إفهام بما يختص به الذين آمنوا من انقلاب جوهرهم نورًا، كما قال عليه الصلاة والسلام: اللهم اجعلني نورًا! فكان ما انقلب إليه جوهر الأئمة انصبغت به قلوب الأمة. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال القشيري:

وللقلوب صبغة، وللأرواح صبغة، وللسرائر صبغة، وللظواهر صبغة، فصبغة الأشباح والظواهر بآثار التوفيق، وصبغة الأرواح والسرائر بأنوار التحقيق. اهـ.

.قال في البحر المديد:

وقال الورتجبي: صبغة الله: صفته الخاصة التي خلق آدم عليها، وأورثت ذلك في أرواح ذريته من الأنبياء والأولياء. ثم قال: وسقاها من شراب الزلفة، وألهمها خصائص علوم الربوبية، فاستنارت بنور المعرفة، وخاضت في بحر الربوبية، وخرجت منها تجليات أسرار الوحدانية، وتكوّنت بصبغ الصفات. اهـ.

.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{صِبْغَةَ اللّهِ} مصدر مؤكد منتصب من قوله: {آمنا بالله} كذا قاله سيبويه، فهو بمثابة فِعْلَه. كأنه قيل صبغنا الله صبغة. أي: صبغ قلوبنا بالهداية والبيان صبغة كاملة لا ترتفع بماء الشبه، ولا تغلب صبغةُ غيره عليه. والصبغة كالصبغ بالكسر فيهما لغة، ما يصبغ به وتلون به الثياب. ووصف الإيمان بذلك لكونهم تطهيرًا للمؤمنين من أوضار الكفر، وحلية تزيّنهم بآثاره الجميلة، ومتداخلًا في قلوبهم، كما أن شأن الصبغ بالنسبة إلى الثوب كذلك، ويقال: صبغ يده بالماء غمسها فيه، وأنشد ثعلب:
دَعِ الشَّرِّ وَأَنْزَلَ بِالنَّجَاةِ تَحَرُّزًا ** إِذَاْ أَنْتَ لَمْ يَصْبِغْكَ فِي الشَّرِّ صَاْبِغُ

وقال الراغب: الصبغة إشارة من الله عز وجل إلى ما أوجده في الناس من بداية العقول التي ميزنا بها من البهائم، ووشحنا بها لمعرفته ومعرفة حسن العدالة وطلب الحق، وهو المشار إليه بالفطرة في قوله: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30] الآية، والمعني بقوله عليه السلام: «كل مولود يولد على الفطرة» الخبر، وتسمية ذلك بالصبغة من حيث إن قوى الْإِنْسَاْن التي ركب عليها، إذا اعتبرت بذاته، تجري مجرى الصبغة التي هي زينة المصبوغ. ولما كانت اليهود والنصارى، إذا لقنوا أولادهم اليهودية والنصرانية، يقولون: قد صبغناه- بيّن تعالى أن الإيمان بمثل ما آمنتم به هو صبغة الله وفطرته التي ركزها في الخلق، ولا أحد أحسن صبغة منه.
ثم قال: وقول الحسن وقتادة ومجاهد: إن الصبغة هي الدين، وقول غيرهم: إنها الشريعة، وقول من قال: هو الختان- إشارة إلى مغزى واحد: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً} الاستفهام للإنكار والنفي. أي: لا صبغة أحسن من صبغته تعالى؛ لأنها صبغة قلب لا تزول؛ لثباتها بما تولاها الحفيظ العليم، فلا يرتد أحد عن دينه سخطة له بعد أن خالط الإيمان بشاشة قلبه. والجملة اعتراضية مقررة لما في: {صبغة الله} من معنى الابتهاج: {وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ} شكرًا لتلك النعمة ولسائر نعمه، فكيف تذهب عنا صبغته ونحن نوكدها بالعبادة، وهي تزيل رَيْن القلب فينطبع فيه صورة الهداية؟ وهو عطف على آمنا، داخل معه تحت الأمر. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ (138)}.
ما هي الصبغة؟ الصبغة هي إدخال لون على شيء بحيث يغيره بلون آخر.. تصبغ الشيء أحمر أو أزرق أو أي لون تختاره. والصبغ ينفذ في المصبوغ خاصة إذا كان المصبوغ له شعيرات مسام كالقطن أو الصوف.. ولذلك فإن الألياف الصناعية لا يمكن أن تصبغ لماذا؟ لأن شعرة القطن أو الصوف أشبه بالأنبوبة في تركيبها. وإذا جئنا بقنديل من الزيت ووضعنا فيه فتيلا من القطن بحيث يكون رأس الفتيل في الزيت ثم تشغله من أعلاه نجد أن الزيت يسري في الأنابيب ويشعل الفتيل.. فإذا جربنا هذا في الألياف الصناعية فلا يمكن أن يسري فيها الزيت وإنما النار تأكل الألياف لأنه ليس فيها أنابيب شعرية كالقطن والصوف.. ولذلك تجد الألياف الصناعية سهلة في الغسيل لأن العرق لا يدخل في مسامها بينما الملابس القطنية تحتاج لجهد كبير لأن مسامها مشبعة بالعرق والتراب.
إذن الصبغة لابد أن تتدخل مادتها من مسام القماش.. أما الطلاء فهو مختلف. إنه طبقة خارجية تستطيع أن تزيلها.. ولذلك فإن الذين يفتون في طلاء الأظافر بالنسبة للسيدات ويقولون إنه مثل الحناء نقول لهم لا.. الحناء صبغة تتخلل المادة الحية وتبقى حتى يذهب الجلد بها أي لا تستطيع أن تزيلها عندما تريد.. ولكن الطلاء يمكن أن تزيله في أي وقت ولو بعد إتمامه بلحظات.. إذن فطلاء الأظافر ليس صبغة.
قوله سبحانه: فكأن الإيمان بالله وملة إبراهيم وما أنزل الله على رسله هي الصبغة الإلهية التي تتغلغل في الجسد البشري.. ولماذا كلمة صبغة؟ حتى نعرف أن الإيمان يتخلل جسدك كله.. إنه ليس صبغة من خارج جسمك ولكنها صبغة جعلها الله في خلايا القلب موجودة فيه ساعة الخلق.. ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه». أخرجه البخارى ومسلم وأبو داود والترمذى والطبرانى في الكبير والبيهقى في سننه.
فكأن الإيمان صبغة موجودة بالفطرة.. إنها صبغة الله.. فإن كان أبواه مسلمين ظل على الفطرة. وإن كان أبواه من اليهود أو النصارى يهودانه أو ينصرانه أي يأخذانه ويضعانه في ماء ويقولون صبغناه بماء المعمودية.. هذا هو معنى صبغة الله. ويريد الحق سبحانه أن يبين لنا ذلك بأن يجعل من آيات قدرته اختلاف ألواننا.. هذا الاختلاف في اللون من صبغة الله.. اختلاف ألوان البشر ليس طلاء وإنما في ذات التكوين.. فيكون هذا أبيض وهذا أسمر وهذا أصفر وهذا أحمر، هذه هي صبغة الله.. وما يفعلونه من تعميد للطفل لا يعطي صبغة. لأن الإيمان والدين لا يأتي من خارج الإنسان وإنما يأتي من داخله.. ولذلك فإن الإيمان يهز كل أعضاء الجسد البشري. واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)} سورة الزمر.
هذا هو التأثير الذي يضعه الله في القلوب.. أمر داخلي وليس خارجيا.. أما إيمان غير المسلمين فهو طلاء خارجي وليس صبغة لأنهم تركوا صبغة الله.. ونقول لهم: لا هذا الطلاء من عندكم أنتم، أما ديننا فهو صبغة الله.. وقوله تعالى: {ومن أحسن من الله صبغة}.. استفهام لا يمكن أن يكذبوه ولكن الجواب يأتي على وفق ما يريده السائل سبحانه من أنه لا يوجد من هو أحسن من الله صبغة. وقوله تعالى: {ونحن له عابدون} أي مطيعون لأوامره والعابد هو من يطيع أوامر الله ويجتنب ما نهى عنه.
والأوامر دائما تأتي بأمر فيه مشقة يطلب منك أن تفعله والنهي يأتي عن أمر محبب إلي نفسك هناك مشقة أن تتركه.. ذلك أن الإنسان يريد النفع العاجل، النفع السطحي، والله سبحانه وتعالى يوجهنا إلي النفع الحقيقي.. النفع العاجل يعطيك لذة عاجلة اما النفع الحقيقى يمنحك نعيما دائما في الآخرة وتمتعا بقدرات الله سبحانه وتعالى.. وأنت حين تسمع المؤذن ولا تقوم للصلاة لأنها ثقيلة على نفسك قد أعطيت نفسك لذة عاجلة كأن تشغل نفسك بالحديث مع شخص أو بلعب الطاولة أو بغير ذلك وتترك ذلك النفع الحقيقي الذي يقودك إلي الجنة.. ولذلك قال الله سبحانه: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ} من الآيتين45- 46 سورة البقرة.
إذن العبادة أمر ونهى.. أمر يشق على نفسك فتستثقله، ونهى عن شيء محبب إلي نفسك يعطيك لذة عاجلة ولذلك تريد أن تفعله.. إذن فقوله تعالى: {ونحن له عابدون}.. أي مطيعون لأوامره لأننا آمنا بالآمر إلها وربا يعبد.. فإذا آمنت حبب الله إليك فعل الأشياء التي كنت تستثقلها وسهل عليك الامتناع عن الأشياء التي تحبها لأنها تعطيك لذة عاجلة.. هذه هي صبغة الله التي تعطينا العبادة.. واقرأ قوله تبارك وتعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7)} سورة الحجرات.
وهكذا فإن الله سبحانه وتعالى بصبغة الإيمان يحبب إلينا الخير ويجعلنا نبغض الشر.. لا عن رياء ونفاق خارج النفس كالطلاء ولكن كالصبغة التي تتخلل الشيء وتصبح هي وهو شيئا واحدا لا يفترقان. اهـ.