فصل: قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41)}.
التفسير:
إن الذين أثبتوا معبودًا سوى الله منهم من أثبت معبودًا حيًا عاقلًا كالنصارى، ومنهم من عبد معبودًا جمادًا كعبدة الأوثان، وكلا الفريقين ضال إلا أن الفريق الثاني أضل. وحين بين ضلال الفريق الأول شرع في بيان ضلال الفريق الثاني تدرجًا من الأسهل إلى الأصعب. وإنما بدأ بقصة إبراهيم عليه السلام لأنه كان أبا العرب وكانوا مقرين بعلوّ شأنه وكمال دينه فكأنه قال لهم: إن كنتم مقلدين فقلدوه في ترك عبدة الأوثان وعبادتها، وإن كنتم مستدلين فانظروا في الدلائل التي ذكرها على أبيه. والمراد بذكر الرسول إياه في الكتاب أن يتلو ذلك على الناس كقوله: {واتل عليهم نبأ إبراهيم} [الشعراء: 69] وإلا فهو سبحانه هو الذي يذكره في تنزيله. وقوله: {إذ قال} بدل من {إبراهيم} وما بينهما اعتراض، ولمكان هذا الاعتراض صار الوقف على {إبراهيم} مطلقًا. وجوز في الكشاف أن يتعلق {إذ} ب {كان} أو ب {صديقًا نبيًا} أي كان جامعًا لخصائص الصديقين والأنبياء حين خاطب أباه تلك المخاطبات.
والصديق من أبنية المبالغة فهي إما مبالغة صادق لأن ملاك أمر النبوة الصدق، وإما مبالغة مصدق وذلك لكثرة تصديقه الحق وهذا أيضًا بالحقيقة يعود إلى الأول، لأن مصدق الحق لا يعتبر تصديقه. إلا إذا كان صادقًا جدًا في أقواله مصدقًا لجميع من تقدم من الأنبياء والكتب، وكان نبيًا في نفسه رفيع القدر عند الله وعند الناس بحيث جعل واسطة بينه وبين عباده. وقيل: إن {كان} بمعنى (صار) والأصح أنه بمعنى الثبوت والاستمرار أي إنه لم يزل موصوفًا بالصدق والنبوة في الأوقات الممكن له ذلك فيها. والتاء في {يا أبت} عوض من ياء الإضافة وقد مر في أول سورة يوسف. أورد على أبيه الدلائل والنصائح وصدر كلًا منها بالنداء المتضمن للرفق واللين استمالة لقلب أبيه وامتثالًا لأمر ربه على ما رواه أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أوحى الله إلى إبراهيم إنك خليلي حسن خلقك ولو مع الكفار تدخل مداخل الأبرار فإن كلمتي سبقت لمن حسن خلقه أن أظله تحت عرشي وأسكنه حظيرة القدس وأدنيه من جواري» فقوله: {لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر} منسيّ المفعول لا منويه فإن الغرض نفي الفعلين على الإطلاق دون التقييد. و{ما} موصولة أو موصوفة أي الذي لا يسمع أو معبودًا لا يسمع و{شيئًا} مفعول به من قوله: «أغن عني وجهك» أي ادفعه. ويجوز أن يكون بمعنى المصدر أي شيئًا من الإغناء، وعلى هذا يجوز أن يقدر نحوه مع الفعلين السابقين أي لا يسمع شيئًا من السماع إلى آخره. وحاصل الدليل أن العبادة غاية الخضوع فلا يستحقها إلا أشرف الموجودات لا أخسها وهو الجماد غاية عذرهم عن تلك هي أنها تماثيل أشياء يتصوّر نفها أو ضرها كالكواكب وغيرها فيقال لهم: أليس الكواكب وسائر الممكنات تنتهي في الاحتياج إلى واجب الوجود؟ فإذا جعل شيء من هذه الأشياء معبودًا فقد شورك الممكن والواجب في نهاية التعظيم وهذا مما ينبو عنه الطبع السليم، ورفع الوسائط من البين أدخل في الإخلاص وأقرب إلى الخلاص. وقوله: {يا أبت أني قد جاءني} تنبيه ونصيحة وفيه أن هذا العلم تجدد له حصوله فيكون أقرب إلى التصديق. وفي قوله: {من العلم ما لم يأتك} فائدة هي أنه لم يسم أباه بالجهل المفرط ولا نفسه بالعلم الفائق ولكنه قال: إن معي طائفة من العلم ليست معك فلا تستنكف، وهب أنا في مفازة وعندي معرفة بالدلالة دونك {فاتبعني أهدك صراطًا سويًا} مستويًا مؤدّيًا إلى المقصود وهو صلاح المعاش والمعاد.
استدل أرباب التعليم بالآية بأنه لابد من الاتباع. وأجيب بأنه لا يلزم من اتباع النبي اتباع غيره. والإنصاف أن هذه الطريق أسهل.
ثم أكد المعنى المذكور بنصيحة أخرى زاجرة عما هو عليه فقال: {يا أبت لا تعبد الشيطان} أي لا تطعه فإن عبادة الأصنام هي طاعة الشيطان. ثم أسقط حصة نفسه إذ لم يقل إن الشيطان عدوّ لبني آدم بل قدّم حق ربه فقال: {إن الشيطان كان للرحمن عصيًا} حين ترك أمره بالسجود عنادًا واستكبارًا لا نسيانًا وخطأ، نبهه بهذه النصيحة على وجود الرحمن ثم على وجود الشيطان، وأن الرحمن مصدر كل خير، والشيطان مظهر كل شر بدلالة الموضوع اللغوي، وهذا القدر كافٍ من التنبيه لمن تأمل وأنصف. ثم بين الباعث على هذه النصحية فقال: {يا أبت إني أخاف} وفيه مع التخويف من سواء العاقبة أنواع من الأدب إذ ذكر الخوف والمس ونكر العذاب. قال الفراء: معنى أخاف أعلم. والأكثرون على أنه محمول على ظاهره لأن إبراهيم عليه السلام لم يكن جازمًا بموت أبيه على الكفر وإلا لم يشتغل بنصحه. والخوف على الغير ظن وصول الضرر إلى ذلك الغير مع تألم قلبه من ذلك كما يقال: أنا خائف على ولدي. وذكروا في الولي وجوهًا منها: أنه إذا استوجب عذاب الله كان مع اشيطان في النار والمعية سبب الولاية أو مسببها غالبًا، وإطلاق أحدهما على الآخر مجاز. وليس هناك ولاية حقيقة لقوله: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ} [الزخرف: 67] {إني كفرت بما أشركتمون من قبل} [إبراهيم: 22] ومنها أن حمل العذاب على الخذلان ومنها أن الولي بمعنى التالي والتابع قال جار الله: جعل ولاية الشيطان ودخوله في جملة أتباعه وأوليائه أكبر من نفس العذاب، لأن ولاية الشيطان في مقابلة رضا الرحمن وقال عز من قائل: {ورضوان من الله أكبر} [التوبة: 72] وإذا كان رضوان الله أكبر من نعيم الجنة فولاية الشيطان أعظم من عذاب النار. ثم إن الشيخ قبل ملاطفات إبراهيم بالفظاظة والغلظة قائلًا {أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم} فقدم الخبر على المبتدأ إشعارًا بأنه عنده أعنى. وفي هذا الاستفهام ضرب من التعجب والإنكار لرغبته عن آلهته. وفي قوله: {يا إبراهيم} دون أن يقول: (يا بني) في مقابلة {يا أبت} تهاون به كيف لا وقد صرح بالإهانة قائلًا {لئن لم تنته لأرجمنك} باللسان أي لأشتمنك أو باليد أي لأقتلنك وأصله الرمي بالرجام. ثم هاهنا إضمار أي فاحذرني {واهجرني مليًا} أي زمانًا طويلًا من الملاوة، أو أراد مليًا بالذهاب والهجران. مطيقًا له قويًا عليه قبل أن أثخنك بالضرب.
فلما رأى إبراهيم إصرار أبيه على التمرد والجهالة {قال سلام عليك} يعني سلام توديع ومتاركة كقوله: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا} [الفرقان: 63] وفيه أن متاركة المنصوح إذا ظهر منه آثار اللجاج من سنن المرسلين، ويحتمل أن يكون قد دعا له بالسلامة استمالة له ورفقًا به بدليل قوله: {سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيًّا} بليغًا في البر والإلطاف وقد مر ي آخر (الأعراف).
احتج بالآية بعض من طعن في عصمة الأنبياء قال: إنه استغفر لأبيه الكافر وهو منهي عنه لقوله: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} [التوبة: 113] الآية. ولقوله في الممتحنة {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم} [الممتحنة: 4] إلى قوله: {إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك} [الممتحنة: 4] فلو لم يكن هذا معصية لم يمنع من التأسي به. والجواب لعل إبراهيم عليه السلام في شرعه لم يجد ما يدل على القطع بتعذيب الكافر أو لعل بهذا الفعل منه من باب ترك الأولى، أو لعل الاستغفار بمعنى الاستبطاء كقوله: {قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله} [الجاثية: 14] والمعنى سأسأل ربي أن يخزيك بكفرك ما دمت حيًا. والجواب في الحقيقة ما مر في آخر سورة التوبة في قوله عز من قائل: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه} [التوبة: 114] والمنع من التأسي لا يدل على المعصية، فلعل الاستغفار مع ذلك الشرط كان من خصائصه كما أن كثيرًا من الأمور كانت مباحة للرسول الله صلى الله عليه وسلم هي محرمة علينا. ثم صرح بما تضمنه السلام من التوديع والهجران فقال: {وأعتزلكم} أي أهاجر إلى الشام {و} أعتزل {ما تدعون} أي ما تعبدون {من دون الله} وقد يعبر بالدعاء عن العبادة لأنه منها ومن وسائطها، يدل على هذا التفسير قوله: {فلما أعتزلهم وما يعبدون} أما قوله: {وأدعو ربي} فيحتمل معنيين: العبادة والدعاء كما يجيء في سورة الشعراء. وفي قوله: {عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيًا} تعريض بشقاوتهم بدعاء آلهتهم وعبادتها مع التواضع وهضم النفس المستفاد من لفظ {عسى}.
قال العلماء: ما خسر على الله أحد فإن إبراهيم لما ترك أباه الكافر وقومه فرارًا بدينه عوّضه الله أولادًا مؤمنين أنبياء وذلك قوله: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب وكلًا جعلنا نبيًا ووهبنا لهم} شيئًا {من رحمتنا} عن الحسن: هي النبوة. وعن الكلبي: المال والولد. والأظهر أنها عامة في ذلك كل خير ديني ودنيوي ولسان الصدق والثناء الحسن، عبر باللسان عما يوجد به كما عبر باليد عما يطلق بها وهو العطية وقد مر تحقيق الإضافة في أول يونس في قوله: {قدم صدق} [يونس: 2] تبرأ إبراهيم من أبيه ابتغاء مرضاة الله فسماه الله أبا بالمؤمنين {ملة أبيكم إبراهيم} [الحج: 78]، وتل ولده للجبين ففداه الله بذبح عظيم، وأسلم نفسه لرب العالمين فجعل النار عليه بردًا وسلامًا، وأشفق على هذه الأمة فقال وابعث فيهم رسولًا، فأشركه الله في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس، ووفى في حق سارة كما قال تعالى: {وإبراهيم الذي وفى} [النجم: 37] فجعل موطىء قدمه مباركًا {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} [البقرة: 125] وعادى كل الخلق في الله حين قال: {فإنهم عدوّ لي إلا رب العالمين} [الشعراء: 77] فلا جرم اتخذه الله خليلًا. ثم قفى قصة إبراهيم بقصة موسى عليه السلام لأنه تلوه في الشرف. والمخلص بكسر اللام الذي أخلص العبادة عن الشرك والرياء وأخلص وجهه لله، وبالفتح الذي أخلصه الله و{كان رسولًا نبيًا} الرسول الذي معه كتاب من الأنبياء والنبي الذي ينبىء عن الله عز وجل وإن لم يكن معه كتاب، وكان المناسب ذكر الأعم قبل الأخص إلا أن رعاية الفاصلة اقتضت عكس ذلك كقوله في طه {برب هرون وموسى} [طه: 7] {الأيمن} من اليمين أي من ناحية اليمنى من موسى أو هو من اليمن صفة للطور أو للجانب {وقربناه} حال كونه {نجيًا} أي مناجيًا شبه تكليمه إياه من غير واسطة ملك بتقريب بعض الملوك واحدًا من ندمائه للمناجاة والمسارة. وعن أبي العالية أن التقريب حسي، قربه حتى سمع صريف القلم الذي كتبت به التوراة والأول أظهر، ومنه قولهم للعبادة (تقرب) وللملائكة (أنهم مقربون). {ووهبنا له من رحمتنا} أي من أجلها أي بعض رحمتنا فيكون {أخاه} بدلًا و{هرون} عطف بيان كقولك (رأيت رجلًا أخاك زيدًا). و{نبيًا} حال من هارون. قال ابن عباس: كان هارون أكبر من موسى فتنصرف الهبة إلى معاضدته وموازرته. وذلك بدعاء موسى في قوله: {واجعل لي وزيرًا من أهلي} [طه: 29] وخص إسماعيل بن إبراهيم بصدق الوعد وإن كان الأنبياء كلهم صادقين فيما بينهم وبين الله أو الناس، لأنه المشهور المتواصف من خصاله من ذلك: أنه وعد نفسه الصبر على الذبح فوفى به. وعن ابن عباس أنه وعد صاحبًا له أن ينتظره فانتظره سنة. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه واعد رجلًا ونسي ذلك الرجل فانتظره من الضحى إلى قريب من غروب الشمس. وسئل الشعبي عن الرجل يعد ميعاده إلى أي وقت ينتظره؟ فقال: إذا واعدته في وقت الصلاة فانتظره إلى وقت صلاة أخرى. وكان يبدأ بأهله في الأمر بالصلاح والعبادة ليجعلهم قدوة لغيرهم ولأن الابتداء بالإحسان الديني والدنيوي بمن هو أقرب أولى {قوا أنفسكم وأهليكم نارًا} [التحريم: 6] «ابدأ من تعول» ويحسن أن يقال: أهله أمته كلهم أقارب أو أباعد من حيث إنه يلزمه في جميعهم ما يلزم المرء في أهله خاصة من قضاء حقوق النصيحة والشفقة ورعاية مصالحهم الدينية والدنيوية. وعلى القولين يندرج في الصلاة الصلوات المفروضة والمندوبة كصلاة التهجد وغيرها، وأما الزكاة فالأقرب أنها الصدقة المفروضة. وعن ابن عباس أنها طاعة الله والإخلاص لأن فاعلها يزكو بها عند الله.
وأما إدريس فالأصح أنه اسم عجمي بدليل منع الصرف كما مر مرارًا في آدم ويعقوب وغيرهما. وقيل: (افعيل) من الدرس لكثرة دراسته كتاب الله، ولعل معناه بالأعجمية قريب من الدراسة فظنه القائل مشتقًا منها.
وفي رفعته أقوال منها: أن المكان العليّ شرف النبوة والزلفى عند الله، وقد أنزل عليه ثلاثون صحيفة، وهو أول من خط بالقلم ونظر في علم النجوم والحساب، وأول من خاط الثياب ولبسها وكانوا يلبسون الجلود، واسمه أخنوخ من أجداد نوح لأنه نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ، وأهل التنجيم بعضهم يسمونه هرمس ولهم نوادر في استخراج طوالع المواليد ينسبونه إليه. وقيل: إن الله تعالى رفعه إلى السماء وإلى الجنة وهو حي لم يمت. وقال آخرون: رفع إلى السماء وقبض روحه. عن ابن عباس أنه سأل كعبًا عن قوله: {ورفعناه مكانًا عليًا} قال: جاء خليل من الملائكة فسأله أن يكلم ملك الموت حتى يؤخر قبض روحه، فحمله ذلك الملك بين جناحيه فصعد به، فلما كان في السماء الرابعة إذ بملك الموت يقول: بعثت لأقبض روح إدريس في السماء الرابعة وأنا أقول: كيف ذلك وهو في الأرض؟ فالتفت إدريس فرأى ملك الموت فقبض روحه هناك. وعن ابن عباس أنه رفع إلى السماء السادسة. وعن الحسن: المراد أنه رفع إلى الجنة ولا شيء أعلى منها. {أولئك} المذكورون من لدن زكريا إلى إدريس هم {الذين أنعم الله عليهم من النبيين} {من} للبيان لأن جميع الأنبياء منعم عليهم {من ذرية آدم} هي للتبعيض وكذا في قوله: {وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل} والمراد بمن هو من ذرية آدم إدريس لقربه منه، وبذرية من حمل مع نوح إبراهيم عليه السلام لأنه من ولد سام بن نوح، وبذرية إبراهيم وإسماعيل، وبذرية إسرائيل موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى بن مريم لأن مريم من ذريته. {وممن هدينا} يحتمل العطف على من الأولى والثانية وفي هذا الترتيب تنبيه على أن هؤلاء الأنبياء اجتمع لهم مع كمال الأحساب شرف الأنساب، وأن جميع ذلك بواسطة هداية الله وبمزية اجتنائه واصطفائه. ثم إن جعلت {الذين} خبرًا {لأولئك} كان {إذا يتلى} كلامًا مستأنفًا، وإن جعلته صفة له كان خبرًا وقد عرفت في الوقوف سار الوجوه من قرأ {يتلى} بالتذكير لأن تأنيث الآيات غير حقيقي والفاصل حاصل. والبكي جمع باكٍ (فعول) كسجود في (ساجد) أبدلت الواو ياء وأدغمت وكسر ما قبلها للمناسبة. ومن زعم أنه مصدر فقدسها لأنها قرينة سجدًا. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتلوا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا» أراد بالآيات التي فيها ذكر العذاب وقال غيره: إطلاق الآيات والحديث المذكور يدل على العموم لأن كل آية إذا فكر فيها المفكر صح أن يسجد عندها ويبكي.