فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال أبو عمرو الجرمي: خرجت من البصرة فلم أسمع منذ فارقت الخندق إلى مكة أحدًا يقول: لأضربن أيهم قائم بالضم، وقال أبو جعفر: النحاس ما علمت أحدًا من النحويين إلا وقد خطأ سيبويه في هذه المسألة.
وقال الزجاج: ما تبين أن سيبويه غلط في كتابه إلا في موضعين هذا أحدهما فإنه يقول باعراب أي إذا أفردت عن الإضافة فكيف يبنيها إذا أضيفت.
وقد تكلف شيخنا علاء الدين أعلا الله تعالى مقامه في عليين للذب عن سيبويه في ذلك بما لا يفي بمؤنة نقله، وقد ذكرنا بعضًا منه في حواشينا على شرح القطر للمصنف. نعم يؤيد ما ذهب إليه سيبويه من المفعولية قراءة طلحة بن مصرف ومعاذ بن مسلم الهراء أستاذ الفراء وزائدة عن الأعمش {أَيُّهُم} بالنصب لكنها ترد ما نقل عنه من تحتم البناء إذا أضيفت وحذف صدر صلتها، وينبغي إذا كان واقفًا على هذه القراءة أن يقول بجواز الأمرين فيها حينئذ، وقال الخليل: مفعول {ننزعن} [مريم: 69] موصول محذوف وأي هنا استفهامية مبتدأ وأشد خبره والجملة محكية بقول وقع صلة للموصول المحذوف أي لننزعن الذين يقال فيهم: أيهم أشد، وتعقب بأنه لا معنى لجعل {النزع} لمن يسأل عنه بهذا الاستفهام، وأجيب بأن ذلك مجاز عن تقارب أحوالهم وتشابهها في العتو حتى يستحق أن يسأل عنها أو المراد الذين يجاب بهم عن هذا السؤال، وحاصله لننزعن الأشد عتيا وهو مع تكلفه فيه حذف الموصول مع بعض الصلة وهو تكلف على تكلف ومثله لا ينقاس، نعم مثله في الحذف على ماقيل قول الشاعر:
ولقد أبيت من الفتاة بمنزل ** فأبيت لا حرج ولا محروم

وذهب الكسائي والفراء إلى ما قاله الخليل إلا أنهما جعلا الجملة في حل نصب بننزعن، والمراد لننزعن من يقع في جواب هذا السؤال، والفعل معلق بالاستفهام، وساغ تعليقه عندهما لأن المعنى لننادين وهما يريان تعليق النداء وإن لم يكن من أفعال القلوب وإلى ذلك ذهب المهدوي، وقيل: لما كان النزع متضمنًا معنى الإفراز والتمييز وهو مما يلزمه العلم عومل معاملة العلم فساغ تعليقه ويونس لا يرى التعليق مختصًا بصنف من الأفعال بل سائر أصناف سواء في صحة التعليق عنده، وقيل: الجملة الاستفهامية استئنافية والفعل واقع على {كُلّ شِيعَةٍ} [مريم: 69] على زيادة من في الاثبات كما يراه الأخفش أو على معنى لننزعن بعض كل شيعة بجعل {مِنْ} مفعولًا لتأويلها باسم، ثم إذا كان الاستئناف بيانيًا واقعًا في جواب من المنزوعون؟ احتيج إلى التأويل كأن يقال: المراد الذين يقعون في جواب {أيهم أشد} [مريم: 69] أو نحو ذلك، وإذا كانت أي على تقدير الاستئناف ووقوع الفعل على ما ذكر موصولة لم يحتج إلى التأويل إلى أن في القول بالاستئناف عدولًا عن الظاهر من كون الكلام جملة واحدة إلى خلاف الظاهر من كونه جملتين.
ونقل بعضهم عن المبرد أن {أَيُّهُم} [مريم: 69] فاعل {شِيعَةٍ} [مريم: 69] لأن معناه يشيع، والتقدير لننزعن من كل فريق يشيع أيهم هو أشد، وأي على هذا على ما قال أبو البقاء. ونقل عن الرضي بمعنى الذي، وفي (البحر) قال المبرد: أيهم متعلق بشيعة فلذلك ارتفع، والمعنى من الذي تشايعوا أيهم أشد كأنهم يتبادرون إلى هذا. ويلزمه أن يقدر مفعولًا لننزعن محذوفًا، وقدر أيضًا في هذا المذهب من الذين تشايعوا أيهم أشد على معنى من الذين تعاونوا فنظروا أيهم أشد، قال النحاس: وهذا قول حسن انتهى، وهو خلاف ما نقل أولًا، ولعمري أن ما نسب إلى المبرد أولًا وأخيرًا أبرد من يخ، وقيل: إن الجملة استفهامية وقعت صفة لشيعة على معنى لننزعن من كل شيعة مقول فيهم أيهم أشد أي من كل شيعة متقاربي الأحوال، ومن مزيدة والنزع الرمي، وحكى أبو بكر بن شقير أن بعض الكوفيين يقول في أيهم معنى الشرط تقول: ضربت القوم أيهم غضب، والمعنى إن غضبوا أو لم يغضبوا قال أبو حيان: فعلى هذا يكون التقدير هنا إن اشتد عتوهم أو لم يشتد انتهى وهو كما ترى، والوجه الذي ينساق إليه الذهن ويساعده اللفظ والمعنى هو ما ذهب إليه سيبويه ومدار ما ذهب إليه في أي من الأعراب والبناء هو السماع في الحقيقة، وتعليلات النحويين على ما فيها إنما هي بعد الوقوع، وعدم سماع غيره لا يقدح في سماعه فتدبر.
{وَإِن مّنكُمْ} التفات إلى خطاب الإنسان سواء أريد منه العموم أو خصوص الكفرة لإظهار مزيد الاعتناء بمضمون الكلام. وقيل: هو خطاب للناس وابتداء كلام منه عز وجل بعدما أتم الغرض من الأول فلا التفات أصلًا. ولعله الأسبق إلى الذهن لكن قيل يؤيد الأول قراءة ابن عباس وعكرمة. وجماعة {وَإِنَّ مِنْهُمْ} أي وما منكم أحد {إِلاَّ وَارِدُهَا} أي داخلها كما ذهب إلى ذلك جمع كثير من سلف المفسرين وأهل السنة، وعلى ذلك قول تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء: 98]. وقوله تعالى في فرعون: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القيامة فَأَوْرَدَهُمُ النار وَبِئْسَ الورد المورود} [هود: 98].
واحتج ابن عباس بما ذكر على ابن الأزرق حين أنكر عليه تفسير الورود بالدخور وهو جحار على تقدير عموم الخطاب أيضًا فيدخلها المؤمن إلا أنها لا تضره على ما قيل، فقد أخرج أحمد، والحكيم الترمذي، وابن المنذر، والحاكم وصححه، وجماعة عن أبي سمية قال: اختلفنا في الورود فقال بعضنا: لا يدخلها مؤمن. وقال آخر: يدخلونها جميعًا ثم ينجى الله تعالى الذين اتقوا فلقيت جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه فذكرت له فقال: وأهوى بإصبعيه إلى أذنيه صمتا إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يبق بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمن بردًا وسلامًا كما كانت على إبراهيم عليه السلام حتى أن للنار ضجيجًا من بردهم ثم ينجى الله تعالى الذين اتقوا» وقد ذكر الإمام الرازي لهذا الدخول عدة فوائد في (تفسيره) فليراجع.
وأخرج عبد بن حميد، وابن الأنباري، والبيهقي عن الحسن الورود المرور عليها من عير دخول، وروى ذلك أيضًا عن قتادة وذلك بالمرور على الصراط الموضوع على متنها على ما رواه جماعة عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، ويمر المؤمن ولا يشعر بها بناء على ما أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد، والحكيم، وغيرهم عن خالد بن معدان قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة قالوا: ربنا ألم تعدنا أن نرد النار قال: بلى ولكنكم مررتم عليها وهي خامدة، ولا ينافي هذا ما أخرجه الترمذي والطبراني وغيرهما عن يعلى ابن أمية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تقول النار للمؤمن: يوم القيامة جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي» لجواز أن لا يكون متذكرًاهذا القول عند السؤال أو لم يكن سمعه لاشتغاله، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد أنه قال في الآية: ورود المسلمين المرور على الجسر بين ظهريها وورود المشركين أن لا يدخلوها، ولابد على هذا من ارتكاب عموم المجاز عند من لا يرى جواز استعمال اللفظ في معنيين، وعن مجاهد أن ورود المؤمن النار هو مس الحمى جسده في الدنيا لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: «الحمى من فيح جهنم» ولا يخى خفاء الاستدلال به على المطلوب.
واستدل بعضهم على ذلك بما أخرجه ابن جرير عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود رجلًا من أصحابه وعكا وأنه معه فقال عليه الصلاة والسلام: «إن الله تعالى يقول هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن لتكون حظه من النار في الآخرة» وفيه خفاء أيضًا والحق أنه لا دلالة فيه على عدم ورود المؤمن المحموم في الدنيا النار في الآخرة، وقصارى ما يدل عليه أنه يحفظ من ألم النار يوم القيامة، وأخرج عبد بن حميد عن عبيد بن عمير أن الورود الحضور والقرب كما في قوله تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ} [القصص: 23] واختار بعضهم أن المراد حضورهم جاثين حواليها، واستدل عليه بما ستعلمه إن شاء الله تعالى، ولا منافاة بين هذه الآية وقوله تعالى: {أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101] لأن المراد مبعدون عن عذابها، وقيل: المراد إبعادهم عنها بعد أن يكونوا قريبًا منها {كَانَ} أي ورودهم إياها {على رَبِّكَ حَتْمًا} أمرًا واجبًا كما روى عن ابن عباس، والمراد بمنزلة الواجب في تحتم الوقوع إذ لا يجب على الله تعالى شيء عند أهل السنة {مَّقْضِيًّا} قضى بوقوعه البتة.
وأخرج الخطيب عن عكرمة أن معنى كان حتمًا مقضيًا كان قسمًا واجبًا، وروى ذلك أيضًا عن ابن مسعود والحسن وقتادة، قيل: والمراد منه إنشاء القسم، وقيل: قد يقال: إن {على رَبِّكَ} المقصود منه اليمين كما تقول: لله تعالى على كذا إذ لا معنى له إلا تأكد اللزوم والقسم لا يذكر إلا لمثله، وعلى ورد في كلامهم كثيرًا للقسم كقوله:
على إذا ما جئت ليلى أزورها ** زيارة بيت الله رجلان حافيًا

فإن صيغة النذر قد يراد بها اليمين كما صرحوا به، ويجوز أن يكون المراد بهذه الجملة القسم كقولهم: عزمت عليك إلا فعلت كذا انتهى، ويعلم مما ذكر المراد من القسم فيما أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار إلا تحلة القسم». وقال أبو عبيدة، وابن عطية وتبعهما غير واحد: إن القسم في الخبر إشارة إلى القسم في المبتدأ أعني {وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا}، وصرح بعضهم أن الواو فيه للقسم، وتعقب ذلك أبو حيان بأنه لا يذهب نحوي إلى أن مثل هذه الواو واو قسم لأنه يلزم من ذلك حذف المجرور وإبقاء الجار وهو لا يجوز إلا أن وقع في شعر أو نادر كلام بشرط أن تقوم صفة المحذوف مقامه كما في قوله:
والله ما ليلى ينام صاحبه

وقال أيضًا: نص النحويون على أنه لا يستغنى عن القسم بالجواب لدلالة المعنى إلا إذا كان الجواب باللام أو بأن وأين ذلك في الآية، وجعل ابن هشام تحلة القسم كناية عن القلة وقد شاع في ذلك، ومنه قوله كعب:
تخذي على يسرات وهي لاحقة ** ذوابل مسهن الأرض تحليل

فإن المعنى مسهن الأرض قليل كما يحلف الإنسان على شيء ليفعلنه فيفعل منه اليسير ليتحلل به من قسمه ثم قال: إن فيما قاله جماعة من المفسرين من أن القسم على الأصل وهو إشارة إلى قوله تعالى: {وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا}.. إلخ. نظرًا لأن الجملة لا قسم فيها إلا إن عطفت على الجمل التي أجيب بها القسم من قوله تعالى: {فَوَرَبّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ} إلى رخرها وفيه بعد انتهى.
والخفاجي جوز الحالية والعطف، وقال: حديث البعد غير مسموع لعدم تخلل الفاصل وهو كما ترى، ولعل الأسلم من القيل والقال جعل ذلك مجازًا عن القلة وهو مجاز مشهور فيما ذكر، ولايعكر على هذا ما أخرجه أحمد، والبخاري في تاريخه، والطبراني، وغيرهم عن معاذ بن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من حرس من وراء المسلمين في سبيل الله تعالى متطوعًا لا يأخذه سلطان لم ير النار بعينه إلا تحلة القسم فإن الله تعالى يقول: {وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا}».
فإن التعليل صحيح مع إرادة القلة من ذلك أيضًا فكأنه قيل: لم ير النار إلا قليلًا لأن الله تعالى أخبر بورود كل أحد إياها ولابد من وقوع ما أخبر به ولولا ذلك لجاز أن لا يراها أصلًا.
{ثُمَّ نُنَجّى الذين اتقوا} بالإخراج منها على ما ذهب إليه الجمع الكثير {وَّنَذَرُ الظالمين فِيهَا جِثِيًّا} على ركبهم كما روى عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وابن زيد، وهذه الآية ظاهرة عندي في أن المراد بالورود الدخول وهو الأمر المشترك. وقال بعضهم: إنها دليل على أن المراد بالورود الجثو حواليها وذلك لأن ننجي.
{وَنُذُرِ} تفصيل للجنس فكأنه قيل ننجي هؤلاء ونترك هؤلاء على حالهم الذي احضروا فيه جاثين، ولابد على هذا من أن يكون التقدير في حواليها، وأنت تعلم أن الظاهر عدم التقدير والجثو لا يوجب ذلك، وخولف بين قوله تعالى: {اتقوا} وقوله سبحانه: {الظالمين} ليؤذن بترجيح جانب الرحمة وأن التوحيد هو المنجي والإشراك هو المردى فكأنه قيل: ثم ننجي من وجد منه تقوى ما وهو الاحتراز من الشرك ونهلك من اتصف بالظلم أي بالشرك وثبت عليه، وفي إيقاع {نَّذْرٍ} مقابلًا لننجي إشعار بتلك اللطيفة أيضًا، قال الراغب: يقال فلان يذر الشيء أي يقذفه لقلة اعتداده به.
ومن ذلك قيل لقطعة اللحم التي لا يعتد بها وذر، وجيء بثم للإيذان بالتفاوت بين فعل الخلق وهو ورودهم النار وفعل الحق سبحانه وهو النجاة والدمار زمانًا ورتبة قاله العلامة الطيبي طيب الله تعالى ثراه، والذي تقتضيه الآثار الواردة في عصاة المؤمنين أن يقال: إن التنجية المذكورة ليست دفعية بل تحصل أولًا فأولًا على حسب قوة التقوى وضعفها حتى يخرج من النار من في قلبه وزن ذرة من خير وذلك بعد العذاب حسب معصيته وما ظاهره من الأخبار كخبر جابر السابق إن المؤمن لا تضره النار مؤول بحمل المؤمن على المؤمن الكامل لكثرة الأخبار الدالة على أن بعض المؤمنين يعذبون.
ومن ذلك ما أخرجه الترمذي عن جابر رضي الله تعالى عنه أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يعذب ناس من أهل التوحيد في النار حتى يكونوا حممًا ثم تدركهم الرحمة فيخرجون فيطرحون على أبواب الجنة فيرش عليهم أهل الجنة الماء فينبتون كما ينبت الغناء في حميل السيل» ومن هنا حظر بعض العلماء أن يقال في الدعاء: اللهم اغفر لجميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم جميع ذنوبهم أو اللهم لا تعذب أحدًا من أملا محمد صلى الله عليه وسلم هذا، وقال بعضهم: إن المراد من التنجية على تقدير أن الخطاب خاص بالكفرة أن يساق الذين اتقوا إلى الجنة بعد أن كانوا على شفير النا، ر وجيء بثم لبيان التفاوت بين ورود الكافرين النار وسوق المذكورين إلى الجنة وأن الأول للإهانة والآخر للكرامة، وأنت تعلم أن الذين يذبه بهم إلى الجنة من الذين اتقوا من غير دخول في النار أصلًا ليسوا إلا الخواص.
والمعتزلة خصوا الذين اتقوا بغير أصحاب الكبائر وأدخلوهم في الظالمين واستدلوا بالآية على خلودهم في النار وكانوا ظالمين.
وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه، وابن عباس، وابن مسعود، وأبي رضي الله تعالى عنهم، والجحدري، ومعاوية بن قرة، ويعقوب {ثُمَّ} بفتح الثاء أي هناك، وابن أبي ليلى {ثمه} بالفتح مع هاء السكت وهو ظرف متعلق بما بعده، وقرأ يحيى، والأعمش، والكسائي، وابن محصين، ويعقوب {ثُمَّ نُنَجّى} بتخفيف الجيم. وقرئ {ينجي} وينجي بالتشديد والتخفيف مع البناء للمفعول، وقرأت فرقة {نجى} بنون واحدة مضمومة وجيم مشددة، وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه {ننحى} بحاء مهملة، وهذه القراءة تؤيد بظاهرها تفسير الورود بالقرب والحضور. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا}.
أي: يقول بطريق الإنكار والاستبعاد: أأخرج بعد ما لبثت في القبر مدة.
{أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا}.
أي: قبل جعله ترابًا ونطفة. وكان عدمًا صرفًا لا وجود له في الأعيان. فلا تبعد إعادته.
قال أبو السعود: وفي الإظهار موضع الإضمار، زيادة التقرير بأن الإنسانية من دواعي التفكر فيما جرى عليه من شؤون التكوين المنخية بالقلع عن القول المذكور. وهو السرّ في إسناده إلى الجنس أو إلى الفرد بذلك العنوان. أي: ما أعجب الإنسان في إنكاره وعدم تذكره لما ذكر، وهو الذي أعطى العقل لينظر في العواقب، وأنعم عليه بخلق السموات والأرض وما بينهما، ليعرف المنعم فيشكره، ويعبده فيجازى على فعله.
{فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ} أي: لنحشرن المنكرين للبعث مع الشياطين الذين أغووهم وأضلهم عن الحق: {ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} جمع جاث. من جثا إذا قعد على ركبتيه. وذلك لهول المطلع. فلا يستطيعون قيامًا. كقوله تعالى: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} [الجاثية: 28].
{ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} أي: لنخرجن إلى النار، من كل فرقة، الذي هو أشد على الرحمن، الذي رحمه بإنزال الكتاب وإرسال الرسول وتعريف مضار الشهوات بالعقل والنقل {عِتيًّا} أي: جراءة بإيثار الشهوات على أمره وعدم مبالاته به.
{ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا} وهم المنتزعون. فإنهم أولى الشيع. إذ ضلوا، لأجل لذّات الدنيا وشهواتها. فصاروا أولى بالصليّ بها. فيخصّون بعذاب مضاعف.
{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} أي: ليس أحد منكم، من بَرّ وفاجر، إلا وهو يَرِدُها {كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} أي: حكمًا جزمًا مقطوعًا به.
{ثُمَّ} أي: بعد الورود والإحضار للتعريف: {نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} أي: لا يمكنهم التجاوز عنها.
قال الزمخشريّ: فيه دليل على أن المراد بالورود، الجثوّ حواليها. وأن المؤمنين يفارقون الكفرة إلى الجنة، بعد تجاثيهم. وتبقى الكفرة في مكانهم جاثين. اهـ.