فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشنقيطي:

{وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66)}.
قال بعض أهل العلم: نزلت هذه الآية في أبي بن خلف، وجد عظامًا بالية ففتتها بيده وقالك زعم محمد أنا نبعث بعد الموت؟ قاله الكلبي، وذكره الواحدي والثعلبي. وقال المهدوي: نزلت في الوليد بن المغيرة، وأصحابه، وهو قول ابن عباس. وقيل: نزلت في العص بن وائل. وقيل: في أبي جهل، وعلى كل واحد من هذه الأقوال فقد أسند تعالى هذا القول لجنس الإنسان وهو صادر من بعض أفراد الجنس، لأن من أساليب العربية إسناد الفعل إلى المجموع، مع أن فاعله بعضهم لا جميعهم. ومن أظهر الأدلة القرآنية في ذلك قراءة حمزة والكسائي {فَإِن قَاتَلُوكُمْ فاقتلوهم} [البقرة: 191] من القتل في الفعلين، أي فإن قتلوا بعضكم فليقتلهم بعضكم الآخر كما تقدم مرارًا. ومن أظهر الشواهد العربية في ذلك قول الفرزدق:
فسيف بني عبس وقد ضربوا به ** نبا بيدي ورقاء عن راس خالد

فقد اسند الضرب إلى بني عبس، مع أنه صح بأن الضارب الذي بيده السيف هو ورقاء وهو ابن زهير بن جذيمة العبسي. وخالد هو ابن جعفر الكلابي. وقصة قتله لزهير المذكور مشهورة.
وقد بين تعالى في هذه الآية: أي هذا الإنسان الكفار يقول منكرًا البعث: أئذا مت لسوف أخرج حيًا، زعمًا منه أنه إذا مات لا يمكن أن يحيا بعد الموت. وقد رد الله عليه مقالته هذه بقوله: {أَوَلاَ يَذْكُرُ إلإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} يعني: أيقول الإنسان مقالته هذه في إنكار البعث، ولا يذكر أنا أوجدناه الإيجاد الأول ولم يك شيئًا، بل كان عدمًا فأوجدناه، وإيجادنا له المرة الأولى دليل قاطع على قدرتنا على إيجاده بالبعث مرة أخرى.
وهذا البرهان الذي أشار له هنا قدمنا الآيات الدالة عليه في سورة (البقرة والنحل) وغيرهما، كقوله تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِي العظام وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس: 78-79]، وقوله تعالى: {أَفَعَيِينَا بالخلق الأول بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} [ق: 15]، وقوله: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النشأة الأولى فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ} [الواقعة: 62]، وقوله: {وَهُوَ الذي يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27] الآية وقوله: {فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الذي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الإسراء: 51]، وقوله، {يا أيها الناس إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ البعث فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ} [الحج: 5] الآية. وقوله تعالى: {كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104] إلى غير ذلك من الآيات كما تقدم إيضاحه.
وفي الحديث الصحيح الذي يرويه صلى الله عليه وسلم عن ربه: «يقول الله تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له أن يكذبني، وآذاني ابن آدم ولم يكن له أن يؤذيني. أما تكذيبه أياي فقول لن يعيدني كما بدأني؛ وليس أول الخلق أهول علي من آخره. وأما أذاه إياي فقول إن لي ولدًا وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد».
فإن قيل: اين العامل في الظرف الذي هو {إذا} فالجواب: أنه منصوب بفعل مضمر دل عليه جزاء الشرط؛ وتقديره: أأخرج إذا ما مت أي حين يتمكّن في الموت والهلاك أخرج حيًا. يعني لا يمكن ذلك. فإن قيل: لم لا تقول بأنه منصوب ب {أخرج} المذكور في قوله: {لسوف أخرج حيًا} على العادة المعروفة، من أن العامل في {إذا} هو جزاؤها؟ فالجواب: أن لام الابتداء في قوله: {لسوف أخرج حيًا} مانعة من عمل ما بعدها فيما قبلها كما هو معلوم في علم العربية. فلا يجوز أن تقول: اليوم الزيْدٌ قائم؛ تعني لزيد قائم اليوم. وما زعمه بعضهم من أن حرف التنفيس الذي هو سوف مانع من عمل ما بعده فيما قبله أيضًا، حتى إنه على قراءة طلحة بن مصرف {أئَذا ما مت سأخرج حيًا} بدون اللام يمتنع نصب {إذا} ب {أخرج} المذكورة، فهو خلاف التحقيق.
والتحقيق أن حرف التنفيس لا يمنع من عمل ما بعده فيما قبله. ودليله وجوده في كلام العرب؛ كقول الشاعر:
فما رأته آمنا هان وجدها ** وقالت أبونا هكذا سوف يفعل

فقوله: (هكذا) منصوب بقوله: (يفعل) كما أوضحه ابو حيان في البحر. ولعيه فعلى قراءة طلحة بن مصرف فقوله: {إذا} منصوب بقوله: {أخرج} لعدم وجود اللام فيها وعدم منع حرف التنفيس من عمل ما بعده فيما قبله.
تنبيه:
فإن قلت: لام الإبتداء الداخلة على المضارع تعطي معنى الحال، فكيف جاكعت حرف التنفيس الدال على الاستقبال؟ فالجواب: أن اللام هنا جرِّدت من معنى الحال، وأخلصت لمعنى التوكيد فقط. ولذلك جامعت حرف الاستقبال كما بينه الزمخشري في الكشاف، وتعقبه أبو حيان في البحر المحيط بأن من علماء العربية من يمنع أن اللام المذكورة تعطي معنى الحال، وعلى قوله يسقط الإشكال من أصله. والعلم عند الله تعالى.
{فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68)}.
لما أقام الله جل وعلا البرهان على البعث بقوله: {أَوَلاَ يَذْكُرُ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} [مريم: 67] أسم جل وعلا بنفسه الكريمة، أنه يحشرهم أي الكافرين المنكرين للبعث وغيرهم من الناس، ويحشرهم معهم الشياطين الذين كانوا يضلونهم في الدنيا، وانه يحضرهم حول جهنم جثيًا. وهذان الأمران اللذان ذكرهما في هذه الآية الكريمة أشار إليهما في غير هذا الموضع. أما حشره لهم ولشياطينهم فقد أشار إليه في قوله: {احشروا الذين ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله فاهدوهم إلى صِرَاطِ الجحيم} [الصافات: 22-23] على أحد التفسيرات. وقوله: {حتى إِذَا جَاءَنَا قَالَ ياليت بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ المشرقين فَبِئْسَ القرين} [الزخرف: 38].
وأما إحضارهم حول جهنم جثيًا فقد أشار له في قوله: {وترى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تدعى إلى كِتَابِهَا اليوم تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: 28]، قوله في هذه الآية الكريمة {جِثيًا} كمع جاث. والجاثي اسم فاعل جثا يجثوا جثوًا. وحثى يجثي جثيًا: إذا جلس على ركبتيه أو قام على أطراف أصابعه. والعادة عند العرب: أنهم إذا كانوا في موقف ضَنكٍ وأمر شديد، جثواْ على ركّبِهم، ومنه قول بعضهم:
فمن للحماةِ ومن للكماةِ ** إذا ما الكماةُ جثواْ للرُّكَبْ

إذا قيل مات أبو مالكٍ ** فتى المكرمات قريع العربْ

وكون معنى قوله: {جِثيًا} في هذه الآية، وقوله: {وترى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} الآية- أنه جثيهم على ركبهم هو الظاهر، وهو قول الأكثر، وهو الإطلاق المشهور في اللغة؛ ومنه قول الكميت:
هم تركوا سراتهم جثيًا ** وهم دون السراة مقرنينا

وعن ابن عباس في قوله في هذه الآية الكريمة {جِثياَ} أن معناه جماعات. وعن مقاتل {جِثيًا}: أي جمعًا جمعًا، وهو على هذا القول جمع (جثوة) مثلثة الجيم، وهي الحجارة المجموعة والتراب المجموع. فأهل الخمر يحضرون حول جهنم على حدة، وأهل الزِّنى على حدة؛ وأهل السرقة على حدة..؛ وهكذا. ومن هذا المعنى قول طرفة بن العبد في معلقته:
ترى جثوتين من تراب عليهما ** صفائح صم من صفيح منضد

هكذا قال بعض أهل العلم: ولكنه يرد عليه أن فعلة كجثوة لم يعهد جمعها على فعول كجثى. وقرأ هذا الحرف حمزة والكسائى وحفص {جِثيًا} بكسر الجيم إتباعًا للكسرة بعده وقرأ الباقون {جثيا} بضم الجيم على الأصل.
{ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70)}.
قوله في هذه الآية الكريمة {لننزعن} أي لنستخرجن {من كلِّ شِيعةٍ} اي من كل أمة أهل دين واحد. وأصل الشيعة فعلة كفرقة، وهي الطّائفة التي شاعت غيرها أي تبعته في هدى أو ضلال؛ تقول العرب: شاعه شياعًا: إذا تبعه.
وقوله تعالى: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرحمن عِتِيًّا}.
أي لنستخرجن ولنميزن من كل طائفة من طوائف الغي والفساد أعصاهم فأعصاهم، وأعتاهم فأعتاهم، فيبدأ بتعذيبه وإدخاله النار على حسب مراتبهم في الكفر، والإضلال والضلال. وهذا هو الظاهر في معنى الآية الكريمة: أن الرؤساء القادة في الكفر يعذبون قبل غيرهم ويشدد عليهم العذاب لضلالهم وإضلالهم.
وقد جاءت آيات من كتاب الله تعالى تدل على هذا، كقوله تعالى: {الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ العذاب بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ} [النحل: 88]، وقوله تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ القيامة عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} [العنكبوت: 13]، وقوله: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل: 25] ولأجل هذا كان في أمم النار أولى وأخرى. فالأولى: التي يبدأ بعذابها وبدخولها النار. والأخرى التي تدخل بعدها على حسب تفاوتهم في أنواع الكفر والضلال، كما قال تعالى: {قَالَ ادخلوا في أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ مِّن الجن والإنس فِي النار كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حتى إِذَا اداركوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هؤلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النار قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ ولكن لاَّ تَعْلَمُونَ وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} [الأعراف: 38-39].
وقوله في هذه الآية الكريمة: {ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بالذين هُمْ أولى بِهَا صِلِيًّا} يعني: أنه جل وعلا أعلم بمن يستحق منهم أن يصلي النار، وهو من أولى بذلك. وقد بين الرؤساء والمرؤوسين كلهم ممن يستحق ذلك في قوله: {قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ} الآية والصلى مصدر النار كرضى يصلاها صليًا (بالضم والكسر) إذا قاسى ألمها، وباشر حرها.
واختلف العلماء في وجه رفع أي مع أنه منصول؛ لأنه مفعول {لننزعن} فذهب سيبويه ومن تبعه إلى أن لفظة أي موصوله، وأنه مبنية على الضم إذا كانت مضافة وصدر ضير محذوف كما هنا. وعقده ابن مالك في الخلاصة بقوله:
أي كما وأعربت ما لم تُضف ** وصدر وصلها ضمير انحذف

وبعضهم أعرب مطلقًا.. إلخ.
ويدل على صحة قول سيبويه رحمه الله قول غسان بن وعلة:
إذا ما لقِيت بني مالك ** فسلم على أيهم أفْضل

والرواية بضم {أيهم} وخالف الخليل ويونس وغيرهما سيبويه في أي المذكورة. فقال الخليل: إنها في الآية استفهامية محكية بقول مقدر والتقدير: ثم لننزعن من كل شيعة الذي يقال فيه أيهم اشد؛ وأنشد الخليل لهذا المعنى الذي ذهب إليه قول الشاعر:
ولقد أبيت من الفتاة بمنزل ** فأبيت لا حرج ولا محروم

أي فأبيت بمنزلة الذي يقال له: لا هو حرج ولا محروم. وأما يونس فذهب إلى أنها استفهامية أيضًا؛ لكنه حكم بتعليق الفعل قبلها بالاستفهام لأن التعليق عنده لا يختص بأفعال القلوب، واحتج لسيبويه على الخليل ويونس ومن تبعهما ببيت غسان بن وعلة المذكور آنفًا، لأن الرواية فيه بضم {أيهم} مع أن حروف الجر، لا يضمر بينها وبين معمولها قول ولا تعلق على الأصوب، وإن خالف فيه بعضهم ببعض التاويلات. وبما ذكرنا تعلم أن ما ذكره بعضهم من أن جميع النحويين غلطوا سيبويه في قوله هذا في «أي» في هذه الآية الكريمة خلاف التحقيق. والعلم عند الله تعالى. وقرأه حمزة والكسائي وحفص {عتيًا} بكسر العين. و{صِليًا} بكسر الصاد للإتباع. وقرا الباقون بالضم فيهما على الأصل.
{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)}.
اختلف العلماء في المراد بورود النار في هذه الآية الكريمة على أقوال:
الأول: أن المراد بالورود الدُّخول، ولكن الله يصرفُ أذاها عن عباده المتقين عند ذلك الدخول.
الثاني: أن المراد بورود النار المذكور: الجواز على الصراط، لأنه جسر منصوب على متن جهنم.
الثالث: أن الورود المذكور هو الإشراف عليها والقرب منها.
الرابع: أن حظ المؤمنين من ذلك الورود هو حر الحمى في دار الدنيا. وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك: أن من أنواع البيان التي تضمنها الاستدلال على أحد المعاني الداخلة في معنى الآية بكونه هو الغالب في القرآن فغلبته فيه دليل استقرائي على عدم خروجه من معنى الآية. وقد قدمنا أمثلة لذلك. فإذا علمت ذلك- فاعلم أن ابن عباس رضي الله عنهما استدل على المارد بورود النار في الآية بمثل ذلك الدليل الذي ذكرنا أنه من أنواع البيان في هذا الكتاب المبارك.
وإيضاحه- أن ورود النار جاء في القرآن في آيات متعددة، والمراد في كلو احدة منها الدخول. فاستدل بذلك ابن عباس على أن (الورود في هذه الآية التي فيها النزع هو الدخول)، لدلالة الآيات الأخى على ذلك، كقوله تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القيامة فَأَوْرَدَهُمُ النار وَبِئْسَ الورد المورود} [هود: 98] قال: فهذا ورد دخول، وكقوله: {لَوْ كَانَ هؤلاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ} [الأنبياء: 99] فهو ورود دخول أيضًا، وكقوله: {وَنَسُوقُ المجرمين إلى جَهَنَّمَ وِرْدًا} [مريم: 86] وقوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء: 98] وبهذا استدل ابن عباس على نافع بن الأزرق في (أن الورود الدخول).
واحتج من قال بأن الورود: الإشراف والمقاربة بقوله تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ} [القصص: 23] الآية. قال: فهذا ورود مقاربة وإشراف عليه. وكذا قوله تعالى: {فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ} [يوسف: 19] الآية. ونظيره من كلام العرب قول زهير بن أبي سلمى في معلقته:
فما وردن الماء زرقًا جمامه ** وضهن عصي الحاضر المتخيم

قالوا: والعرب تقول: وردت القافلة البلد وإن لم تدخله، ولكن قربت منه. واحتج من قال بأن الورود في الآية التي نحن بصددها- ليس نفس الدخول بقوله تعالى: {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشتهت أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ} [الأنبياء: 101-102] قالوا: إبعادهم عنها المذكور في هذه الآية يدل على عدم دخولهم فيها؛ فالورود غير الدخول.